موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

الطب ومن تطبب ولم يعلم منه طب وتقسيم الأمراض

السلام عليكم ورحمة الله
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمدا رسول الله وبعد.
المحاضرة من كتاب الطب النبوي لإبن القيم عليه من الله سحائب الرحمة نشرح فيها بعض ما جاء عنده، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
أقول بحول الله عز وجل:
جاء عند الإمام أبو داود في سننه باب فيمن تطبب بغير علم فأعنت (أي أضر المريض وأفسده)
وبإسناده إلى رسول الله قال: (أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن).
ويدخل في هؤلاء الأطباء الذين يجعلون المريض حقل تجارب الغير مُلمين بأعراض المرض الروحي من عين وحسد ومس فهؤلاء لا يصلحون أن يكونوا اطباء !!
قال العظيم آبادي في شرحه للحديث
فأعنت: أي أضر بالمريض وأفسده.
فهو ضامن: أي لمن طبه بالدية على عاقلته إن مات بسببه لهوره بالإقدام على ما يقتل بغير معرفة وأما من سبق له بذلك تجارب فهو حقيق بالصواب وإن أخطأ فعن بذل الجهد الصناعي أو قصور الصناعة وعند ذلك لا يكون ملوما.عون المعبود [ 12 - 215 ]
والمقصود بكلام الشارح بالمثال أن رجلا وصف دواءا لآخر فمات منه عليه يكون الواصف ضامن وعليه دية من قتل تؤدى لعصبة المقتول أما إن كان الواصف للدواء مجتهدا معروف بالطب وبزل جهده فمات أو قطع من المريض أو تلف منه عضو فعند ذلك لا يكون ملوما والله أعلم
عليه فكان لزاما على من يصف دواءا أن يكون عالما بأضراره قبل منافعه حتى لا يضر المريض ويفسده ويلزم من ذلك معرفة حال المريض والوقوف على ما يناسبه من أدوية تتوافق مع دائه ولا يكون ذلك إلا بالتشخيص السليم والوقوف على أسباب المرض وحال المريض والدواء وفعله في الجسد.
قال المصنف رحمه الله (ونحن نُتْبع ذلك بذكر فصول نافعة فى هَدْيه فى الطب الذى تطبَّب به، ووصفه لغيره، ونبيِّنُ ما فيه من الحِكمة التى تَعْجَزُ عقولُ أكثرِ الأطباء عن الوصول إليها، وأن نسبة طِبهم إليها كنِسبة طِب العجائز إلى طِبهم).
قلت: في هديه الذي تطبب به ووصفه إلى غيره فهو من لا ينطق عن الهوى وأن في تدليل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرشاده أمته إلى ما أرشدها إليه من طب أعجز عقول كثير من الأطباء وليس ماء زمزم وأفعاله في المرضى عنا ببعيد، ونضرب مثالا على فهم بعض الأطباء والمتفلسفة للنصوص الشرعية لكشف النقاب عن سقيم فهمهم ومريض قلوبهم.
قال الإمام البخاري في صحيحه (باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم)
وبإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء (.
فهذا من هديه صلى الله عليه وسلم فإذا سقط ذباب في شراب كان علينا غمسه فيه لأن رسول الله قال في جناح يوجد مرض وفي الآخر ما يضاد هذا المرض فهنا من دلائل النبوة ما يعجز حقا عقول الكفرة والملحدين لما حكموا عقولهم فلو تراجعنا إلى الوراء بالزمان عشرات السنوات وعرضنا هذا النص الشرعي على أمم من الأطباء والمتفلسفة والعقلانيين لقالوا بأن هذا ضرب من ضروب الجهل والله يعلم بأن هذا هو مصاص العلم

قال المصنف رحمه الله المرض نوعان: مرضُ القلوب، ومرضُ الأبدان. وهما مذكوران فى القرآن.
ومرض القلوب نوعان: مرض شُبهة وشك، ومرض شَهْوة وغَىٍّ، وكلاهما فى القرآن. قال تعالى فى مرض الشُّبهة: {فِى قُلُوبِهِم مََّّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً} البقرة
وقال تعالى: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً} المدثر.
وقال تعالى فى حَقِّ من دُعى إلى تحكيم القرآن والسُّـنَّة، فأبَى وأعرض: {وَإذَا دُعُواْ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ، بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}النور، فهذا مرض الشُّبهات والشكوك.
وأما مرض الشهوات، فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ، إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ}الأحزاب، فهذا مرض شَهْوة الزِّنَى.. والله أعلم. أهــ
خلاصة القول: قسم المصنف رحمه الله الأمراض إلى نوعين مرض قلب ومرض بدن ثم قال مرض القلوب نوعين كما تقدم.
ومرض الشبة والشك كأمراض النفاق والكبر وغير ذلك.
ومرض الشهوة كالزنا وحب المال وما شابه ذلك.
ويأتي قريبا إن شاء الله مرض الأبدان وهو النوع الثاني من أنواع الأمراض
والله اعلى وأعلم