موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح - الشيطان ذلك ............... المعلق المعلق ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا سمي إبليس بالشيطان؟
الشيطان من مادة "شطن" وقيل من مادة شوط وليس بقوي0
ومفتاح فهم استعمال هذه المادة هو في فقه اللغة:
الشطن وهو الحبل الثاني للدلو وللفرس المربوط بحبلين000وكل واحد منها شطن للآخر0
والشطون من الآبار: هي التي تكون بعيدة القعر، متسعة من الأعلى، وضيقة من الأسفل،
والدلو ينـزع بحبلين من جانبيها، فإذا نزع الدلو بحبل واحد انجر على طي البئر فتخرق0
والْمُشاطن: الذي ينزع الدلو بحبلين لئلا يضرب طي البئر فيتخرق0
وفرس مربوط بشطنين: مربوط بحبلين واحد من كل جانب ؛ لتثبيته في مكانه0
وتصنع الأشطان من حبال قوية، شديدة الفتل، لأنها تكون طويلة، والدلال كبيرة وثقيلة0
وقيل للبئر بعيد القعر في عوج: بئر شطون لأن دلوه لا ينـزع إلا بشطنين0
وسمي كل حبل قوي الفتل طويل: شطن ؛ على التوسع0
ولما دل الشطن على بعد قعر البئر، ومن استعماله لإبعاد الدلو عن طي البئر وحوافه؛
قالوا: هوىً شطون0 ونوىُ شطون0 أي بعيد، وشطن عنه: بعد 0
وسمي كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب : شيطان؛

الشيطان جاءت تسمية من البعد والإبعاد0
عمل الشيطان هو إبعاد بني آدم عن الله عز وجل0
وعن الاعتماد على الله عز وجل0
فمن يبعده الشيطان عن الله لن يجد له بعد الله ما يعتمد عليه،
فيبقى معلقًا لا يعتمد على شيء 00
فإن نجح ذلك الشقي في ذلك، فقد حقق هدفه واتصف بلقب الشيطان0
ولما كان هذا العمل يقوم به الإنس والجن 000
فكل من يبعد الناس عن الله ودينه وشرعه فهو شيطان0
وكل من يبعد الناس عن الله هو مبعد بنفسه عن الله قبل فعله بغيره0
إلا أن تسميته بالشيطان جاءت من فعله بغيره، وليس من فعله بنفسه، وإن كان الارتباط بينهما شديد0
فالله عز وجل حذرنا في آيات كثيرة من الشيطان بسبب قيامه بإبعاد الناس عن الله0
أنظر إلى قوله تعالى: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) طه0
هذا القول من الله تعالى لآدم كان بعد طرد إبليس من الجنة0
وقبل أن يغوي آدم ويخرجه من الجنة،
والقرآن يراعي سبب التسمية،
لذلك لم يسمه بإبليس لأن موقف المتحير الذي وقف إبليس قد انتهى،
ولم يسمه بالشيطان لأنه لم يكن منه إغواء لآدم بعد، وإخراجه من الجنة،
فجاءت الإشارة إليه بـ "هذا" وهو اسم إشارة يدل على الذات دون الصفات0
وبعد غوايته لآدم، وجعله يعصي الله، ويخرجه عن الجنة، سماه الله تعالى بالشيطان0
قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) الأعراف0
فسماه تعالى بالشيطان مرتين، شيطان في وسوسته، وشيطان في عداوته، ونجاح غوايته،
وأصبح اسم الشيطان علم يدل عليه،
واسمه باق له ما بقي عمله في إبعاد الناس عن الله ورحمته،
وعمله باق ما بقيت الحياة الدنيا قائمة لم تنته بعد0
فهل يستمر هذا الاسم للشيطان في الآخرة؟
وهل تبقى صفته فيه يوم القيامة؟
صفة الشيطان تنتهي بنهاية الدنيا، ولا عمل لهم في الآخرة بإغواء الناس،
فالآخرة دار حساب، وليست دار عمل0
ولم يسم الشيطان باسمه في الآخرة إلا في آية واحدة، لما قضي الأمر، متبرئًا من إجباره لهم على الكفر والشرك0
قال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم،
والمراد بقوله تعالى: "وقال الشيطان" أي قال الذي أغواهم وأبعدهم عن الله ورحمته، فهذا عمل سابق له، وليس من عمله يومئذ، وما كان منه في مخاطبة أهل النار في الآية ما يدل على ذلك0

الشيطان طرد من الجنة وأبعد عنها بلا عودة،
وهو مبعد عن رحمة الله،
فهو مُبعَد مُبعِد،
فكان معلَّقًا ومعلِّقًا،
لا يجد بعد الله من ولي يلجأ إليه ويعتمد عليه0
وفي تعلق الجن في السماء وحصر أنفسهم في مواضع منها
قال تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) الملك0
والسابح في الماء ومحصور فيه كالمعلق في الهواء،
فسمى الله تعالى من يغوص من الجن في الماء إلى أعماق البحار بالشياطين؛
قال تعالى: (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) الأنبياء0
ولما كان البنَّاء معلقًا ومنحصرًا في المكان الذي يقف عليه،
كانحصار الفرس المربوط بشطنين في مربطه؛
فسمى الله تعالى الجن الذين يعملون في البناء بالشياطين؛
قال تعالى: (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) ص0
ولما كان طلع الشجر يكون معلق بشجره، متدلي منه، ومحصورًا في موضعه،
جاء تشبيه ثمر الزقوم برؤوس الشياطين؛
وقال تعالى: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات0
وسمى تعالى رؤوس الكفر من أهل الكتاب الذين يصدون أتباعهم عن الإسلام بالشياطين؛
قال تعالى: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ (14) البقرة0
هذا هو الحال الذي عليه الشيطان، وكان سببًا في تسميته،
ومطلوب منها أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم0 ليحمينا الله عز وجل من أفعاله000 لا أن نلعنه، لأنه هو ملعون؛ أي مطرود من رحمة الله منذ اليوم الذي عصى الله فيه، ولم ينفذ أمره بالسجود لآدم، فتوعده الله بالنار000 وجعلها مصيره في الآخرة0