موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح (https://www.1enc.net/vb/index.php)
-   دراسات وبحوث وتحليل المنتدى ـ الإدارة العلمية والبحوث Studies and Research and Analysis Forum (https://www.1enc.net/vb/forumdisplay.php?f=101)
-   -   آكام المرجان في أحكام الجان 2 (https://www.1enc.net/vb/showthread.php?t=40751)

أبو خالد 21 Feb 2018 11:35 AM

آكام المرجان في أحكام الجان 2
 
الْبَاب الثَّانِي فِي ابْتِدَاء خلق الْجِنّ

قَالَ ابو حُذَيْفَة اسحاق بن بشر الْقرشِي فِي الْمُبْتَدَأ حَدثنَا عُثْمَان حَدثنَا الْأَعْمَش عَن بكير بن الْأَخْنَس عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط الْقرشِي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ خلق الله تَعَالَى بني الجان قبل آدم بألفي سنة أهـ أخبرنَا جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ وَكَانَ الْجِنّ سكان الأَرْض وَالْمَلَائِكَة سكان السَّمَاء وهم عمارها لكل سَمَاء مَلَائِكَة وَلكُل اهل سَمَاء صَلَاة وتسبيح وَدُعَاء فَكل سَمَاء فَوق سمائهم أَشد عبَادَة وَأكْثر دُعَاء وَصَلَاة وتسبيحا من الَّذين تَحْتهم فَكَانَت الْمَلَائِكَة عمار السَّمَاء وَالْجِنّ عمار الأَرْض أهـ
وَقَالَ بَعضهم عمروا الارض الفي سنة وَقَالَ بَعضهم اربعين سنة وَقَالَ اسحاق قَالَ ابو روق عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ خلق الله سوميا ابو الْجِنّ وَهُوَ الَّذِي خلق من مارج من نَار قَالَ تبَارك وَتَعَالَى تمن قَالَ أَتَمَنَّى أَن نرى وَلَا نرى وَأَن نغيب فِي الثرى وَأَن يصير كهلنا شَابًّا فَأعْطِي ذَلِك فهم يرَوْنَ وَلَا يرَوْنَ وَإِذا مَاتُوا غَيَّبُوا فِي الثرى وَلَا يَمُوت كهلهم حَتَّى يعود شَابًّا يَعْنِي مثل الصَّبِي يرد الى أرذل الْعُمر قَالَ وَخلق الله تَعَالَى آدم فَقيل لَهُ تمن قَالَ فتمنى الْجَبَل فَأعْطِي الْجَبَل وَقَالَ إِسْحَاق حَدثنِي جُوَيْبِر وَعُثْمَان بإسنادهما أَن الله تَعَالَى خلق الْجِنّ وَأمرهمْ بعمارة الارض فَكَانُوا يعْبدُونَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ حَتَّى طَال بهم الأمد فعصوا الله عز وَجل وسفكوا الدِّمَاء وَكَانَ فيهم ملك يُقَال لَهُ يُوسُف فَقَتَلُوهُ فَأرْسل الله تَعَالَى عَلَيْهِم
جندا من الْمَلَائِكَة كَانُوا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا كَانَ يُقَال لذَلِك الْجند الْجِنّ فيهم إِبْلِيس وَهُوَ على أَرْبَعَة آلَاف فهبطوا فأفنوا بني الجان من الأَرْض وأجلوهم عَنْهَا وألحقوهم بجزائر الْبَحْر وَسكن إِبْلِيس والجند الَّذين كَانُوا مَعَه الأَرْض فهان عَلَيْهِم الْعَمَل وأحبوا الْمكْث فِيهَا
حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحاق عَن حبيب بن أبي ثَابت أَو غَيره أَن إِبْلِيس وَجُنُوده أَقَامُوا فِي الأَرْض قبل خلق آدم أَرْبَعِينَ سنة حَدثنَا إِدْرِيس الأودي عَن مُجَاهِد قَالَ إِبْلِيس كَانَ على سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا وسلطان الأَرْض وَكَانَ مَكْتُوبًا فِي الرفيع عِنْد الله تَعَالَى أَنه قد سبق فِي علمه أَنه سَيجْعَلُ خَليفَة فِي الأَرْض فَوجدَ ذَلِك إِبْلِيس فقرأه وَأبْصر دون الْمَلَائِكَة فَلَمَّا ذكر الله عز وَجل للْمَلَائكَة أَمر آدم عَلَيْهِ السَّلَام اخبر إِبْلِيس الْمَلَائِكَة أَن هَذَا الْخَلِيفَة الَّذِي يكون تسْجد لَهُ الْمَلَائِكَة وَأسر ابليس فِي نَفسه أَنه لن يسْجد لَهُ أبدا وَأخْبر الْمَلَائِكَة أَن الله تَعَالَى يخلف خَليفَة يسفك دِمَاء وَأَنه سيأمر الْمَلَائِكَة فيسجدون لذَلِك الْخَلِيفَة قَالَ فَلَمَّا قَالَ الله عز وَجل {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} حفظوا مَا كَانَ قَالَ لَهُم ابليس قبل ذَلِك فَقَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} الْآيَة وَأَخْبرنِي مقَاتل وجويبر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما أَرَادَ الله عز وَجل أَن يخلق آدم قَالَ للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} وَذَلِكَ أَنهم أَحبُّوا الْمكْث فِي الأَرْض واستخفوا لِلْعِبَادَةِ فِيهَا قَالَ ابْن عَبَّاس لم يعلمُوا الْغَيْب لكِنهمْ اعتبروا أَعمال ولد آدم بأعمال الْجِنّ فَقَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} اه
كَمَا أفسدت الْجِنّ ويسفك الدِّمَاء كَمَا سفكت الْجِنّ وَذَلِكَ إِنَّهُم قتلوا نَبيا لَهُم يُقَال لَهُ يُوسُف وَأخْبرنَا جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الله تَعَالَى بعث اليهم رَسُولا فَأَمرهمْ بِطَاعَتِهِ وَأَن لَا يشركوا بِهِ شَيْئا وَأَن لَا يقتل بَعضهم بَعْضًا فَلَمَّا تركُوا طَاعَة الله تَعَالَى وَقتلُوا
قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا} الْآيَة فَرد عَلَيْهِم قَوْلهم وَأخْبرهمْ أَنهم لم يبلغُوا عنصر علم الله تَعَالَى فِي آدم عَلَيْهِ السَّلَام فخافت الْمَلَائِكَة أَن يَكُونُوا قد عصوا الله تَعَالَى فِيمَا ردوا عَلَيْهِ فلاذوا بالعرش يطوفون بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ من ذَلِك وَبقول الله عز وَجل {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} وَاعْلَم أَن آدم هُوَ خَليفَة الأَرْض وَولده عمارها وسكانها وَأَنْتُم عمار السَّمَاء وَأخْبرنَا ابْن جريج قَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فتكلموا يَعْنِي بِمَا هُوَ كَائِن من خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ الله تَعَالَى لَهُم {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} {وَأعلم مَا تبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون} فَأَما الَّذين كتموا فَلَمَّا قَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فَرَجَعُوا بِمَا قد سَمِعت ليخلق الله تَعَالَى رَبنَا مَا شَاءَ فوَاللَّه لَا يخلق رَبنَا خلقا إِلَّا كُنَّا أكْرم عَلَيْهِ وَأعلم مِنْهُ فَلَمَّا أسجدهم لآدَم قَالُوا هُوَ أكْرم على الله تَعَالَى منا غير أَنا أعلم مِنْهُ فَلَمَّا أنبأهم بِأَسْمَائِهِمْ علمُوا أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام أعلم مِنْهُم
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي ربيع الْأَبْرَار أَبُو هُرَيْرَة يرفعهُ إِن الله تَعَالَى خلق الْخلق أَرْبَعَة أَصْنَاف الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وَالْجِنّ وَالْإِنْس ثمَّ جعل هَؤُلَاءِ عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الْمَلَائِكَة وجزء وَاحِد الشَّيَاطِين وَالْإِنْس وَالْجِنّ ثمَّ جعل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الشَّيَاطِين وَوَاحِد الْجِنّ وَالْإِنْس ثمَّ جعل الْجِنّ وَالْإِنْس عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الْجِنّ وَوَاحِد مِنْهُم الْإِنْس قلت فعلى هَذَا يكون نِسْبَة الْإِنْس من الْخلق كنسبة الْوَاحِد من الْألف وَنسبَة الْجِنّ من الْخلق كنسبة التِّسْعَة من الْألف وَنسبَة الشَّيَاطِين من الْخلق كنسبة التسعين من الْألف وَنسبَة الْمَلَائِكَة من الْخلق كنسبة التسْعمائَة من الْألف وَالله اعْلَم


الْبَاب الثَّالِث فِي أَن أصل الْجِنّ النَّار كَمَا أَن أصل الْإِنْس الطين

قَالَ الله تَعَالَى {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم} وَقَالَ تَعَالَى {وَخلق الجان من مارج من نَار} وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْلِيس {خلقتني من نَار وخلقته من طين}
وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار الدَّلِيل على هَذ السّمع دون الْعقل وَذَلِكَ لِأَن الْجَوَاهِر كلهَا قد دلّ الدَّلِيل على أَنَّهَا متماثلة لِأَن كل وَاحِد مِنْهَا يسد مسد الآخر وَيقوم مقَامه فِي الصّفة الَّتِي تخصه إِذا كَانَ على مثل صفته وَهَذَا هُوَ حد المثلين وَإِنَّمَا تخْتَلف صفاتهما وهيئتهما لأغراض تخص بَعْضهَا دون بعض وَإِذا صَحَّ هَذَا فَالله قَادر على أَن يفعل مَا شَاءَ من التَّأْلِيف وَيُوجد من الألوان وَسَائِر الْأَعْرَاض ويركب مَا شَاءَ من ذَلِك تركيبا يحْتَمل الْأَعْرَاض المحتاجة إِلَى تركيب مَخْصُوص كالحياة الَّتِي يحْتَاج فِي وجودهَا إِلَى تركيب مَخْصُوص وَالْعلم إِلَى بنية الْقلب وَكَذَلِكَ الْإِرَادَة وَمَا جرى هَذَا المجرى وَإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا دلّ على أَن لَا طَرِيق لنا إِلَى أَن نعلم ان الله عز وَجل خلق اصل الْجِنّ من قبيل جَوْهَر مَخْصُوص دون قبيل آخر من جِهَة الْعقل وَلَا نعلم ذَلِك أَيْضا باضطرار لِأَن ذَلِك لَو علم باضطرار لم يَقع اخْتِلَاف فِي اثباتهم لِأَن الْعلم بِمَا خلقُوا مِنْهُ فرع على الْعلم بِأَنَّهُم مخلوقون وَلَا يجوز أَن يعلم الْفَرْع باضطرار وَيعلم الأَصْل باكتساب لِأَن مَا يعلم باكتساب يجوز أَن يجهل وَمَا يعلم باضطرار لَا يجوز أَن يجهل مَعَ كَمَال الْعقل وَبطلَان هَذَا يدل على أَنه
لَا يجوز أَن يعلم أصل الْجِنّ مَا هُوَ باضطرار للِاخْتِلَاف فِي إثباتهم فقد بَان أَن ذَلِك لَا يعلم باضطرار كَمَا لَا يعلم باكتساب من جِهَة الْعقل فان قيل كَيفَ تَجْعَلُونَ فِي قَول إِبْلِيس {خلقتني من نَار} دلَالَة مَعَ أَنه يجوز أَن يكذب فِي ذَلِك أَو يَظُنّهُ وَلَا يكون لَهُ بِهِ علم قيل لَهُ مَوضِع الدّلَالَة من ذَلِك قَول الله تَعَالَى ولولم يكن الْأَمر على مَا قَالَ لما ترك الله تَكْذِيبه لِأَن ترك تَكْذِيب الْكَاذِب مِمَّن لَا يجوز عَلَيْهِ الْخَوْف وَالْجهل قَبِيح اهـ
قَالَ وَبِهَذَا بِعَيْنِه احْتج شُيُوخنَا على الْمخبر بالاستطاعة بقول الْجِنّ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام {أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين} فَزعم أَن قوى على الْإِتْيَان بِعَرْشِهَا قبل أَن يفعل الْإِتْيَان فَلم يَجْعَل قَول الجنى دَلِيلا على ذَلِك وَإِنَّمَا جعلُوا سكُوت سُلَيْمَان على تَكْذِيبه وَالْإِنْكَار عَلَيْهِ حجَّة لِأَنَّهُ لَو لم يكن قَادِرًا على الْإِتْيَان بِهِ لم يدع الْإِنْكَار عَلَيْهِ وَإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا بَطل الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور بِأَن صِحَة مَا تقدم ذكره على أَنا لَا نعلم خلافًا بَين الْمُسلمين فِي ذَلِك وَلَا يشك أَن هَذَا كَانَ من دين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قيل فِي النَّار من اليبس مَا لَا يَصح وجود الْحَيَاة فِيهَا والحياة فِي وجودهَا تحْتَاج إِلَى رُطُوبَة كَمَا تحْتَاج إِلَى بنية مَخْصُوصَة وَإِلَى الرّوح الَّتِي هِيَ النَّفس المتردد عِنْد شيخكم أبي هَاشم إِن كَانَ شيخكم أَبُو عَليّ يجوز وجود الْحَيَاة مَعَ عدم النَّفس وَيَقُول إِن أهل النَّار لَا يتنفسون وَإِذا صَحَّ هَذَا فالرطوبة لَا بُد مِنْهَا فِي وجود الْحَيَاة وَكَذَلِكَ البنية فَكيف يَصح لكم مَا قُلْتُمْ فَهَلا لديكم هَذَا على أَن الله تَعَالَى أَرَادَ بقوله {خلقناه من قبل من نَار السمُوم} غير مَا ذهبتم اليه وَإِن الْآيَة لَيست على ظَاهرهَا
قيل لَهُ إِن الامر وَإِن كَانَ على مَا ذكرت فَإِن الله تَعَالَى قَادر على أَن يفعل رُطُوبَة فِي تِلْكَ النَّار بِمِقْدَار مَا يَصح وجود الْحَيَاة فِيهَا لِأَن مجاورة المَاء وَالنَّار لَا تستحيل يدلك على هَذَا المَاء المسخن فَإِنَّهُ إِنَّمَا يسخن من أَجزَاء من النَّار تتخلل فِي خلل المَاء فَلهَذَا مَتى قَامَ فِي الْهَوَاء رقت أَجزَاء النَّار وَفَارَقت المَاء وَعَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْبُرُودَة أَلا ترى أَن البخار الَّذِي يرْتَفع مِنْهُ صعد إِنَّمَا يكون ذَلِك لارْتِفَاع أَجزَاء النَّار لِأَن أجزاءها خَفِيفَة والخفيف هُوَ مَا فِيهِ اعْتِمَاد صعدا وَالْمَاء ثقيل لِأَن فِيهِ اعْتِمَادًا سفلا فالبخار وَإِن كَانَ فِيهِ أَجزَاء من الرُّطُوبَة فَإِن أَكثر مَا فِيهِ أَجزَاء النَّار فلغلبتها عل الاجزاء الرّطبَة ترْتَفع مَعهَا وَتصير حكم الاجزاء المائية فِي لطافتها حَتَّى ترفعها أَجزَاء النَّار كالقطن وَمَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا ترفعه النَّار بصعودها فَدلَّ على صِحَة مَا ذَهَبْنَا اليه من مجاورة المَاء وَالنَّار على هَذَا السَّبِيل الَّذِي بَيناهُ وَإِذا صحت هَذِه الْجُمْلَة لم يمْتَنع إِحْدَاث الله تَعَالَى أَجزَاء من الرُّطُوبَة فِي خلل النَّار حَتَّى يَصح وجود الْحَيَاة وَلَيْسَ فِي البنية وَلَا فِي الرّوح لَهُم تعلق لِأَن النَّار تحْتَمل البنية وَكَذَلِكَ تحْتَمل مجاورتها الرّيح وَالروح هُوَ الْهَوَاء للنار قَالَ فَإِن قيل إِذا لم يجوزوا لُغَة اسْتثِْنَاء الشَّيْء من غير جنسه أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول عِنْدِي عشرَة دَرَاهِم إِلَّا ثوبا وَمَا شاكله فَكيف يجوز اسْتثِْنَاء إِبْلِيس من جملَة الْمَلَائِكَة إِذا لم يكن من جنسهم وَمن أصلهم مَعَ أَن الله تَعَالَى خاطبنا بلغَة الْعَرَب فَهَلا دلكم هَذَا على أَنه من جنس الْمَلَائِكَة وَأَن اصل الْجِنّ لَيْسَ هُوَ النَّار
قُلْنَا انما جَازَ ذَلِك لما جمعهم وإياه الحكم الْمَقْصُود وَهُوَ الْأَمر بِالسُّجُود وَإِذا كَانَ هَذَا سائغا فِي اللُّغَة وَكَانَ مَشْهُورا عِنْد أَهلهَا سقط السُّؤَال وَصَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْل
وَقَالَ ابو الْوَفَاء بن عقيل فِي الْفُنُون سَأَلَ سَائل عَن الْجِنّ فَقَالَ الله تَعَالَى اخبر عَنْهُم أَنهم من نَار بقوله تَعَالَى {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم} وَأخْبر أَن الشهب تَضُرهُمْ وتحرقهم فَكيف تحرق النَّار النَّار فَقَالَ الْجَواب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
اعْلَم أَن الله تَعَالَى أضَاف الشَّيَاطِين وَالْجِنّ إِلَى النَّار حسب مَا أضَاف الْإِنْسَان إِلَى التُّرَاب والطين والفخار وَالْمرَاد بِهِ فِي حق الانسان أَن أَصله الطين وَلَيْسَ الْآدَمِيّ طينا حَقِيقَة لكنه كَانَ طينا كَذَلِك الجان كَانَ نَارا فِي الأَصْل وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض لي الشَّيْطَان فِي صَلَاتي فخنقته فَوجدت برد رِيقه على يَدي وَلَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لقتلته أهـ
وَمن يكون نَارا محرقة كَيفَ يكون رِيقه بَارِدًا وَلَا لَهُ ريق رَأْسا لَكِن كَانَ يَقُول لَهُ لِسَان وذؤابة من نَار محرقة فَعلم صِحَة مَا قُلْنَا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شبههم بالنبط وَلَوْلَا أَنهم على أشكال لَيست نَارا لما ذكر الصُّور وَترك الالتهاب والشرر انْتهى
قلت هَكَذَا لَفظه وَلَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لقتلته وَهَذَا اللَّفْظ غير مَعْرُوف بل الْمَعْرُوف فِي الصَّحِيح وَالسّنَن لَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لأصبح موثقًا حَتَّى ترَاهُ النَّاس وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَقَد هَمَمْت أَن أوثقه إِلَى سَارِيَة حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ وَمِمَّا يدل على أَن الْجِنّ لَيْسُوا باقين على عنصرهم الناري قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عَدو الله تَعَالَى إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي أهـ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي عفريتا من الْجِنّ يطلبني بشعلة من نَار كلما الْتفت رَأَيْته أهـ
وَبَيَان الدّلَالَة مِنْهُ أَنهم لَو كَانُوا باقين على عنصرهم الناري وَأَنَّهُمْ نَار محرقة لما احتاجوا إِلَى أَن يَأْتِي الشَّيْطَان أَو العفريت مِنْهُم بشعلة من نَار ولكانت يَد الشَّيَاطِين أَو العفريت أَو شَيْء من أَعْضَائِهِ إِذا مس ابْن آدم احرقه كَمَا يحرق الْآدَمِيّ النَّار الْحَقِيقِيَّة بِمُجَرَّد الْمس فَدلَّ على أَن تِلْكَ النَّار انغمرت فِي سَائِر العناصر حَتَّى صَار الْبرد رُبمَا كَانَ هُوَ الْغَالِب فِي بعض الأحيان إِمَّا للأعضاء نَفسهَا أَو لما تحلل من الْبدن كاللعاب كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى برد لِسَانه على يَدي وَفِي رِوَايَة حَتَّى برد لعابه وَلَا شكّ أَن الله تَعَالَى جعل الأقوات منمية للأجسام وَيكون النمو استأصل عَن الْغذَاء على حَسبه فِي الْحَرَارَة والبرودة على اخْتِلَافهمَا فِي الرُّطُوبَة واليبوسة وَلَا شكّ أَنهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ مِمَّا نَأْكُل مِنْهُ وَنَشْرَب وَيحصل لأجسامهم بذلك نمو وَبَقَاء على حسب الْمَأْكُول فِي مأكولهم الْحَار والبارد الرطبان واليابسان فَهَذَا مَعَ التوالد قد نقلهم عَن العنصر الناري وَصَارَ فيهم الطبائع الْأَرْبَع
قَالَ القَاضِي أَبُو بكر ولسنا ننكر مَعَ ذَلِك يَعْنِي أَن الأَصْل الَّذِي خلقه مِنْهُ النَّار أَن يكثفهم الله تَعَالَى ويغلظ أجسامهم ويخلق لَهُم أعراضا تزيد على مَا فِي النَّار فَيخْرجُونَ عَن كَونهم نَارا ويخلق لَهُم صورا وأشكالا مُخْتَلفَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب


الكتاب: آكام المرجان في أحكام الجان
المؤلف: محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقيّ الحنفي، أبو عبد الله، بدر الدين ابن تقي الدين (المتوفى: 769هـ)
المحقق: إبراهيم محمد الجمل
الناشر: مكتبة القرآن - مصر - القاهرة

سلطانه 22 Feb 2018 09:17 AM

رد: آكام المرجان في أحكام الجان 2
 
جزاكك الله خير .

نور الشمس 25 Feb 2018 12:13 AM

رد: آكام المرجان في أحكام الجان 2
 
جزاك الله خير ..

أبو خالد 25 Feb 2018 08:59 AM

رد: آكام المرجان في أحكام الجان 2
 
جزاكم الله خير شاكر مروركم

الدر المنثور 08 Jul 2018 10:08 PM

رد: آكام المرجان في أحكام الجان 2
 
بارك الله فيك


الساعة الآن 08:59 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي