موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح (https://www.1enc.net/vb/index.php)
-   دراسات وبحوث وتحليل المنتدى ـ الإدارة العلمية والبحوث Studies and Research and Analysis Forum (https://www.1enc.net/vb/forumdisplay.php?f=101)
-   -   آكام المرجان في أحكام الجان 12 (https://www.1enc.net/vb/showthread.php?t=40854)

أبو خالد 04 Mar 2018 03:15 PM

آكام المرجان في أحكام الجان 12
 

الْبَاب الرَّابِع وَالسِّتُّونَ فى إِخْبَار الْجِنّ بنزول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيمة أم معبد حِين الْهِجْرَة

قَالَ ابْن إِسْحَاق حدثت عَن أَسمَاء بنت أَبى بكر أَنَّهَا قَالَت لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر أَتَانَا نفر من قُرَيْش فيهم أَبُو جهل فوقفوا على بَاب أَبى بكر فَخرجت إِلَيْهِم فَقَالُوا أَيْن أَبوك يَا بنت أَبى بكر قلت لَا أدرى وَالله أَيْن أَبى قَالَت فَرفع أَبُو جهل يَده وَكَانَ فَاحِشا خبيثا فلطم خدى لطمة طرح مِنْهَا قرطى قَالَت ثمَّ انصرفوا فَمَكثْنَا ثَلَاث لَيَال لَا ندرى أَيْن وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أقبل رجل من الْجِنّ من أَسْفَل مَكَّة يتَغَنَّى بِأَبْيَات من شعر غناء الْعَرَب وَإِن النَّاس ليتبعونه يسمعُونَ صَوته وَمَا يرونه حَتَّى خرج من أَسْفَل مَكَّة وَهُوَ يَقُول . جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حلا خَيْمَتي أم معبد
هما نزلا بِالْبرِّ ثمَّ ترحلا ... فأفلح من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد
لِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ ... ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد ...
قَالَت أَسمَاء فَلَمَّا سمعنَا قَوْله علمنَا حَيْثُ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن وَجهه إِلَى الْمَدِينَة لم يزدْ ابْن هِشَام فِي رِوَايَته عَن ابْن اسحاق على هَذَا وروى ابْن قُتَيْبَة الْقِصَّة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة يقصر شرح ألفاظها وفيهَا زِيَادَة مِنْهَا قَوْله ... فيال قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجارى وسؤدد
سلوا اختكم عَن شَاتِهَا وإناثها ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد
دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... عَلَيْهِ صَرِيحًا صرة الشَّاة مُزْبِد
فغادرها رهنا لَدَيْهَا لحالب ... يُرَدِّدهَا فِي مصدر ثمَّ مورد ...
ويروى أَن حسان بن ثَابت لما بلغه شعر الجني وَمَا هتف بِهِ بِمَكَّة قَالَ يجِيبه ... لقد خَابَ قوم غَابَ عَنْهُم نَبِيّهم ... وَقدس من يسرى إِلَيْهِم ويغتدى
ترحل عَن قوم فضلت عُقُولهمْ ... وَحل على قوم بِنور مُجَدد
هدَاهُم بِهِ بعد الضَّلَالَة رَبهم ... وأرشدهم من يتبع الْحق يرشد
وَهل يَسْتَوِي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد بِهِ كل مهتدي
لقد نزلت مِنْهُ على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عَلَيْهِم بِأَسْعَد
نَبِي يرى مَالا يرى النَّاس حوله ... وَيَتْلُو كتاب الله فِي كل مَسْجِد
وَإِن قَالَ فِي يَوْم مقَالَة غَائِب ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْم أَو فِي ضحى الْغَد
لِيهن أَبَا بكر سَعَادَة جده ... بِصُحْبَتِهِ من يسْعد الله يسْعد ...
وَزَاد يُونُس فِي رِوَايَته أَن قُريْشًا لما سَمِعت الْهَاتِف من الْجِنّ أرْسلُوا إِلَى أم معبد وَهِي بخيمتها فَقَالُوا هَل مر بك مُحَمَّد الَّذِي من حليته كَذَا فَقَالَت لَا أَدْرِي مَا تَقولُونَ وَإِنَّمَا صادفني حالب الشَّاة الْحَائِل وَكَانُوا أَرْبَعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر ومولاه عَامر بن فهَيْرَة وَعبد الله بن أريقط اللَّيْثِيّ دليلهم وَلم يكن إِذْ ذَاك مُسلما وَلَا صَحَّ أَنه أسلم بعد ذَلِك وَأم معبد اسْمهَا عَاتِكَة بنت خَالِد الاشعري وَوهم ابْن هِشَام فَقَالَ أم معبد بنت كَعْب امْرَأَة من بني كَعْب وَزوجهَا ابو معبد لَا يعرف اسْمه توفّي فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال إِن لَهُ رِوَايَة وَكَانَ منزل أم معبد بِقديد
وَذكر ابْن قُتَيْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأم معبد وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ فطلبوا لَبَنًا أَو لَحْمًا يشترونه فَلم يَجدوا عِنْدهَا شَيْئا فَنظر إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم فَسَأَلَهَا هَل بهَا من لبن فَقَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك فَقَالَ أَتَأْذَنِينَ لي أَن أَحْلَبَهَا فَقَالَت بِأبي أَنْت وَأمي إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها فَدَعَا بِالشَّاة فاعتقلها وَمسح ضرْعهَا فتفاجت وَدرت واجترت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ فِيهِ حَتَّى ملأَهُ لَبَنًا وَسَقَى الْقَوْم حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم ثمَّ حلب فِيهِ مرّة أُخْرَى فَشَرِبُوا نهلا بعد نهل ثمَّ غَادَرَهُ وَالشَّاة عِنْدهَا وذهبوا وَجَاء أَو معبد وَكَانَ غَائِبا فَلَمَّا رأى اللَّبن قَالَ مَا هَذَا يَا أم معبد أَنِّي لَك هَذَا وَالشَّاة عَازِب حِيَال وَلَا حَلُوب بِالْبَيْتِ فَقَالَت لَا وَالله إِلَّا أَنه مر بِنَا رجل مبارك فَقَالَ صَفيه يَا أم معبد فوصفته بِمَا ذكره القتيبي وَورد فِي حَدِيث آخر أَن آل أم معبد كَانُوا يؤرخون بذلك الْيَوْم ويسمونه يَوْم الرجل الْمُبَارك يَقُولُونَ فعلنَا كَيْت وَكَيْت قبل أَن يأتينا الرجل الْمُبَارك أَو بعد مَا جَاءَنَا الرجل الْمُبَارك ثمَّ أَن أم معبد أَتَت الْمَدِينَة بعد ذَلِك بِمَا شَاءَ الله وَمَعَهَا ابْن لَهَا صَغِير قد بلغ السَّعْي فَمر فِي الْمَدِينَة على مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يكلم النَّاس على الْمِنْبَر فَانْطَلق إِلَى أمه يشْتَد وَقَالَ يَا أُمَّاهُ إِنِّي رَأَيْت الْيَوْم الرجل الْمُبَارك فَقَالَت لَهُ وَيحك يَا بني هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى هِشَام بن حُبَيْش الكعبي قَالَ أَنا رَأَيْت تِلْكَ الشَّاة يَعْنِي الَّتِي حلبها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهَا لتأدم أم معبد وَجَمِيع صرمها أَي أهل ذَلِك المَاء وَالله أعلم

الْبَاب الْخَامِس وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بِإِسْلَام السعدين

قَالَ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنِي أبي عَن هِشَام بن مُحَمَّد أَنبأَنَا عبد الْمجِيد بن أبي عِيسَى بن مُحَمَّد بن أبي عِيسَى بن جُبَير عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت قُرَيْش صائحا يَصِيح على أبي قبيس ... فَإِن يسلم السعدان يصبح مُحَمَّد ... بِمَكَّة لَا يخْشَى خلاف مُخَالف ...
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وأشراف قُرَيْش من السُّعُود سعد بن بكر وَسعد ابْن زيد مَنَاة وَسعد بن قضاعة فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة سمعُوا صَوته على أبي قبيص ... أيا سعد سعد الْأَوْس كن انت ناصرا ... وَيَا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا دَعَا دَاعِي الْهدى وتمنيا ... على الله فِي الفردوس ذَات رفائف ...
قَالَ فَقَالُوا هَذَا سعد بن عبَادَة وَسعد بن معَاذ وَذكره أَبُو عمر ابْن عبد الْبر وَقَالَ أَبُو بكر حَدثنَا الْعَبَّاس بن هِشَام حَدثنِي هِشَام بن مُحَمَّد ابْن عبد الْمجِيد بن أبي عِيسَى قَالَ سمع بِالْمَدِينَةِ فِي بعض اللَّيْل هَاتِف يَقُول ... خير كهلين فِي بني الْخَزْرَج الغر ... يَسِيرُوا سعد بن عبَادَة
المحيبان إِذْ دَعَا أَحْمد الْخَيْر ... فنالتهما هُنَاكَ السَّعَادَة
ثمَّ عاشا مهذبين جَمِيعًا ... ثمَّ لقاهما المليك شَهَادَة ...

الْبَاب السَّادِس وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بِقصَّة بدر

ذكر قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل أَن قُريْشًا حِين تَوَجَّهت إِلَى بدر مر هَاتِف من الْجِنّ على مَكَّة فِي الْيَوْم الَّذِي أوقع بِهِ الْمُسلمُونَ وَهُوَ ينشد بأبعد صَوت وَلَا يرى شخصه ... أزار الحنيفيون بَدْرًا وقيعة ... سينقض مِنْهَا ركن كسْرَى وقيصرا
أبادت رجَالًا من لؤَي وأبرزت ... حرائر يضربن الترائب حسرا
فيا وَيْح من أَمْسَى عَدو مُحَمَّد ... لقد حاد عَن قصد الْهدى وتحيرا ...
فَقَالَ قَائِلهمْ من الحنيفيون فَقَالُوا هُوَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه يَزْعمُونَ أَنهم على دين إِبْرَاهِيم الحنيف ثمَّ لم يَلْبَثُوا أَن جَاءَهُم الْخَبَر الْيَقِين وَالله أعلم


الْبَاب السَّابِع وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بِقَتْلِهِم سعد بن عبَادَة

ذكر ابْن عبد الْبر وَغَيره أَن سعد بن عبَادَة كَانَ تخلف عَن بيعَة أبي بكر وَخرج عَن الْمَدِينَة وَلم ينْصَرف إِلَيْهَا إِلَى ان مَاتَ بحوران من أَرض الشَّام لِسنتَيْنِ وَنصف مصتا من خلَافَة عمر وَذَلِكَ سنة خمس عشرَة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَقيل بل مَاتَ سعد بن عبَادَة فِي خلَافَة أبي بكر وَقيل سنة إِحْدَى عشرَة وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه وجد مَيتا فِي مغتسله وَقد أَخْضَر جسده وَلم يشعروا بِمَوْتِهِ حَتَّى سمعُوا قَائِلا يَقُول وَلَا يرَوْنَ أحدا ... قد قتلنَا سيد الْخَزْرَج ... سعد بن عبَادَة
ورميناه بسهمين ... فَلم نخط فُؤَاده ...

وَيُقَال إِن الْجِنّ قتلته وروى ابْن جريج عَن عَطاء أَنه قَالَ سَمِعت أَن الْجِنّ قَالَت فِي سعد بن عبَادَة فَذكر الْبَيْتَيْنِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ يَزْعمُونَ أَن عَلْقَمَة بن صَفْوَان وَحرب بن أُميَّة من قَتْلَى الْجِنّ قَالُوا وَقَالَت الْجِنّ ... وقبر حَرْب بمَكَان قفر ... وَلَيْسَ قرب قبر حَرْب قبر ...
قَالُوا وَمن الدَّلِيل على أَن هَذَا من شعر الْجِنّ أَن أحدا لَا يقدر أَن ينشده ثَلَاث مَرَّات مُتَّصِلَة من غير تتعتع وَيقدر على تكْرَار اشق بَيت من أَبْيَات غير الْجِنّ عشر مَرَّات من غير تتعتع وَالله أعلم


الْبَاب الثَّامِن وَالسِّتُّونَ فِي جَوَاز سُؤال الْجِنّ عَن الْأَحْوَال الْمَاضِيَة دون الْأُمُور الْمُسْتَقْبلَة

قَالَ ابو بكر الْقرشِي حَدثنَا عبد الله بن بدر حَدثنَا يحيى بن يمَان عَن سُفْيَان عَن عمر بن مُحَمَّد عَن سَالم بن عبيد الله قَالَ أَبْطَأَ خبر عمر على أبي مُوسَى فَأتى امْرَأَة فِي بَطنهَا شَيْطَان فجَاء فَسَأَلَهَا عَنهُ فَقَالَت حَتَّى يجِئ إِلَى شيطاني فجَاء فَسَأَلته عَنهُ قَالَ تركته مؤتزرا بكساء يهنأ إبل الصَّدَقَة وَذَاكَ لَا يرَاهُ شَيْطَان إِلَّا خر لمنخره الْملك بَين يَدَيْهِ وروح الْقُدس ينْطق بِلِسَانِهِ وَقَالَ عبد الله بن احْمَد بن حَنْبَل فِي فَضَائِل الصَّحَابَة حَدثنَا دَاوُد ابْن رشيد حَدثنَا الْوَلِيد يَعْنِي ابْن مُسلم عَن عمر بن مُحَمَّد حَدثنَا سَالم ابْن عبد الله قَالَ راث على أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ خبر عمر وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة وَكَانَ بهَا امْرَأَة فِي جنبها شَيْطَان يتَكَلَّم فَأرْسل اليها رَسُولا فَقَالَ لَهَا مري صَاحبك فليذهب فليخبرني عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَت هُوَ بِالْيمن يُوشك أَن يَأْتِي فَمَكَثُوا غير طَوِيل قَالُوا اذْهَبْ فَأخْبرنَا عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُ قد راث علينا فَقَالَ إِن ذَلِك الرجل مَا نستطيع أَن ندنو مِنْهُ بَين عَيْنَيْهِ روح الْقُدس وَمَا خلق الله شَيْطَانا يسمع صَوته إِلَّا خر لوجهه وَفِي خبر آخر أَن عمر أرسل جَيْشًا فَقدم شخص إِلَى الْمَدِينَة فَأخْبر أَنهم انتصروا على عدوهم وشاع الْخَبَر فَسَأَلَ عمر عَن ذَلِك فَذكر لَهُ فَقَالَ هَذَا ابو الْهَيْثَم يُرِيد الْمُسلمين من الْجِنّ وَسَيَأْتِي يُرِيد الْإِنْس فجَاء بعد ذَلِك بعدة أَيَّام


فصل

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية أما سُؤال الْجِنّ وسؤال من يسألهم فَهَذَا إِن كَانَ على وَجه التَّصْدِيق لَهُم فِي كل مَا يخبرون بِهِ والتعظيم للسؤال فَهُوَ حرَام كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن مُعَاوِيَة بن الحكم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ إِن قوما منا يأْتونَ الْكُهَّان قَالَ فَلَا تأتوهم وَفِي صَحِيح مُسلم عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انه قَالَ من أَتَى عرافا فَسَأَلَهُ عَن شَيْء لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأما إِن كَانَ يسْأَل الْمَسْئُول ليمتحن حَاله ويختبر بَاطِن أمره وَعِنْده مَا يُمَيّز بِهِ صدقه من كذبه فَهَذَا جَائِز كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ ابْن صياد فَقَالَ مَا يَأْتِيك قَالَ يأتيني صَادِق وكاذب قَالَ مَا ترى قَالَ ارى عرشا على المَاء قَالَ فَإِنِّي قد خبأت لَك خبيئا قَالَ هُوَ الدخ قَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك فَإِنَّمَا أَنْت من إخْوَان الْكُهَّان وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ يسمع مَا يَقُولُونَ ويخبرون بِهِ عَن الْجِنّ كَمَا يسمع الْمُسلمُونَ مَا يَقُوله الْكفَّار والفجار ليعرفوا مَا عِنْدهم فَكَمَا يسمع خبر الْفَاسِق ويتبين ويتثبت فَلَا يجْزم بصدقه وَلَا بكذبه إِلَّا بِبَيِّنَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن اهل الْكتاب كَانُوا يقرءُون التَّوْرَاة ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حَدثكُمْ أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم فإمَّا أَن يحدثوكم بِحَق فتكذبوه وَإِمَّا أَن يحدثوكم بباطل فتصدقوه وَقُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ فقد جَازَ للْمُسلمين سَماع مَا يَقُولُونَهُ وَإِن لم يصدقوه وَلم يكذبوه ثمَّ سَاق حَدِيث يُرِيد الْجِنّ الَّذِي قدمْنَاهُ وَحَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْمُتَقَدّم
رَأْي الْمُؤلف وتعليقه
قلت لَا شكّ أَن الله تَعَالَى أقدر الْجِنّ على قطع الْمسَافَة الطَّوِيلَة فِي الزَّمن الْقصير بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك} فَإِذا سَأَلَ سَائل عَن حَادِثَة وَقعت أَو شخص فِي بلد بعيد فَمن الْجَائِز أَن يكون الجني عِنْده علم من تِلْكَ الْحَادِثَة وَحَال ذَلِك الشَّخْص فيخبر وَمن الْجَائِز أَن لَا يكون عِنْده علم فَيذْهب ويكشف ثمَّ يعود فيخبر وَمَعَهُ هَذَا فَهُوَ خبر وَاحِد لَا يُفِيد غير الظَّن وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم غير الِاسْتِئْنَاس وَسَيَأْتِي فِي الْأَبْوَاب الْآتِيَة أَنْوَاع مِمَّا أخبروا بِهِ عقيب وُقُوعه ثمَّ تبين بعد ذَلِك وُقُوعه بِإِخْبَار الْإِنْس وَأما سُؤَالهمْ عَمَّا لم يَقع وتصديقهم فِيهِ بِنَاء على أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب فَكفر وَعَلِيهِ يحمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تأتوهم وَقَوله من أَتَى عرافا الحَدِيث وَالله أعلم


الْبَاب التَّاسِع وَالسِّتُّونَ فِي شَهَادَة الْجِنّ للمؤذنين يَوْم الْقِيَامَة

فِي صَحِيح البُخَارِيّ والموطأ وَغَيرهمَا من حَدِيث ابْن أبي صعصعة أَن أَبَا سعيد قَالَ لَهُ أَرَاك تحب الْغنم والبادية فَإِذا كنت فِي باديتك أَو غنمك فَأَذنت بِالصَّلَاةِ فارفع صَوْتك بالنداء فَإِنَّهُ لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَبُو سعيد سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم


الْبَاب الموفي سبعين فِي نعي الْجِنّ عبد الله بن جدعَان وَفِيه قصَّة إِصَابَته الْكَنْز

قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد حَدثنِي أبي حَدثنَا هِشَام بن مُحَمَّد قَالَ أَخْبرنِي مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وائلة قَالَ أَخْبرنِي شيخ من أهل مَكَّة عَن الْأَعْشَى بن إلْيَاس بن زُرَارَة التَّمِيمِي حَلِيف بني عبد الدَّار قَالَ خرجت مَعَ نفر من قُرَيْش نُرِيد الشَّام فنزلنا بواد يُقَال لَهُ وَادي عَوْف فعرسنا بِهِ فَاسْتَيْقَظت فِي بعض اللَّيْل فَإِذا أَنا بقائل يَقُول ... أَلا هلك النساك غيث بني فهر ... وَذُو الباع وَالْمجد التليد وَذُو الْفَخر ...
فَقلت فِي نَفسِي وَالله لأجيبنه فَقلت ... أَلا أَيهَا الناعي أَخا الْجُود وَالْفَخْر ... من الْمَرْء تنعاه لنا من بني فهر ...
فَقَالَ ... نعيت ابْن جدعَان بن عَمْرو أَخا الندى ... وَذَا الْحسب القدموس والمنصب الْقَهْر ...
فَقلت ... لعمري لقد نوهت بالسيد الَّذِي ... لَهُ الْفضل مَعْرُوفا على ولد النَّضر ...
فَقَالَ ... مَرَرْت بنسوان يخمشن أوجبهَا ... صياحا عَلَيْهِ بَين زَمْزَم وَالْحجر ...
فَقلت ... مَتى إِن عهدي فِيهِ مُنْذُ عرُوبَة ... وَتِسْعَة أَيَّام لغرة ذَا الشَّهْر ...
فَقَالَ ... ثوى مُنْذُ أَيَّام ثَلَاث أَيَّام كوامل ... مَعَ اللَّيْل أَو فِي اللَّيْل أَو وضح الْفجْر ...
فَاسْتَيْقَظت الرّفْقَة فَقَالُوا من تخاطب فَقلت هَذَا هَاتِف ينعى ابْن جدعَان فَقَالُوا وَالله لَو بَقِي اُحْدُ بشرف أَو عز أَو كَثْرَة مَال لبقي عبد الله بن جدعَان فَقَالَ ذَلِك الْهَاتِف ... أرى الْأَيَّام لَا تبقى عَزِيزًا ... لعزته وَلَا تبقي ذليلا ...
فَقلت ... وَلَا تبقى من الثقلَيْن شغرا ... وَلَا تبقي الحزون وَلَا السهولا ...
قَالَ فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فرجعنا إِلَى مَكَّة فوجدناه قد مَاتَ كَمَا قَالَ
قلت عبد الله بن جدعَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم يكنى أَبَا زُهَيْر هُوَ ابْن عَم عَائِشَة الصديقة كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره صعلوكا وَكَانَ مَعَ ذَلِك شريرا لَا يزَال يجني الْجِنَايَات فيعقل عَنهُ أَبوهُ وَقَومه حَتَّى أبغضته عشيرته ونفاه أَبوهُ وَحلف أَن لَا يؤويه أبدا لما أثقله من الْغرم وَحمله من الدِّيات فَخرج فِي شعاب مَكَّة حائرا يتَمَنَّى نزُول الْمَوْت بِهِ فَدخل فِي شقّ جبل يَرْجُو أَن يكون فِيهِ مَا يقْتله ليستريح فَإِذا ثعبان عَظِيم لَهُ عينان تقدان كالسراجين فَحمل عَلَيْهِ الثعبان فأفرج لَهُ فانساب عَنهُ مستديرا بدارة عِنْدهَا بَيت فخطا خطْوَة أُخْرَى فَصَعدَ بِهِ الثعبان وَأَقْبل اليه كالسهم فأفرج لَهُ فانساب فَوَقع فِي نَفسه أَنه مَصْنُوع فأمسكه فَإِذا هُوَ مَصْنُوع من ذهب وَعَيناهُ ياقوتتان فَكَسرهُ وَأخذ عَيْنَيْهِ وَدخل الْبَيْت فَإِذا جثث طوال على سرر لم ير مثلهم طولا وعظما وَعند رؤوسهم لوح من فضَّة فِيهِ تاريخهم فَإِذا هم رجال من مُلُوك جرهم وَآخرهمْ موتا الْحَارِث بن مضاض صَاحب الْقرْيَة الطَّوِيلَة وَإِذا عَلَيْهِم ثِيَاب لَا يمس مِنْهَا شَيْء إِلَى أنتثر كالهباء من طول الزَّمن قَالَ ابْن هِشَام كَانَ اللَّوْح من رُخَام وَكَانَ فِيهِ أَبُو نفيلة بن عبد المدان ابْن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود نَبِي الله عِشْت خَمْسمِائَة عَام وَقطعت غور الأَرْض بَاطِنهَا وظاهرها فِي طلب الثروة وَالْمجد وَالْملك فَلم يكن ذَلِك ينجيني من الْمَوْت وَتَحْته مَكْتُوب ... قد قطعت الْبِلَاد فِي طلب الثروة ... وَالْمجد قالص الأثواب
وسريت الْبِلَاد قفرا لقفر ... بقناتي وقوتي واكتسابي
فَأصَاب الردى سَواد فُؤَادِي ... بسهام من المنايا صعاب
فانقضت شرتي واقصر جهلي ... واستراحت عواذلي من عتابي
وَدفعت السفاه بالحلم لما ... نزل الشيب فِي مَحل الشَّبَاب
صَاح هَل رَأَيْت أَو سَمِعت براع ... رد فِي الضَّرع مَا قرى فِي الحلاب ...
وَإِذا فِي وسط الْبَيْت كوم عَظِيم من الْيَاقُوت واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة والزبرجد فَأخذ مِنْهُ مَا أَخذ ثمَّ علم على الشق بعلامة وأغلق بَابه بِالْحِجَارَةِ وَأرْسل إِلَى أَبِيه بِالْمَالِ الَّذِي خرج بِهِ يسترضيه ويستعطفه وَوصل عشيرته كلهم وسادهم وَجعل ينْفق من ذَلِك الْكَنْز وَيطْعم النَّاس وَيفْعل الْمَعْرُوف فَلَمَّا كبر وهرم أَرَادَ بَنو تَمِيم أَن يمنعوه من تبذير مَاله ولاموه فِي الْعَطاء فَكَانَ يَدْعُو الرجل فَإِذا دنا مِنْهُ لطمه لطمة خَفِيفَة ثمَّ يَقُول قُم فَأَنْشد لطمتك واطلب دِيَتهَا فَإِذا فعل أَعطَتْهُ بَنو تَمِيم من مَال ابْن جدعَان حَتَّى يرضى وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي غَرِيب الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كنت أستظل بِظِل جَفْنَة عبد الله بن جدعَان صَكَّة عمى يَعْنِي بالهاجرة قَالَ ابْن قُتَيْبَة كَانَت جفنته يَأْكُل مِنْهَا الرَّاكِب على الْبَعِير وَسقط فِيهَا صبي فغرق أَي مَاتَ وَكَانَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت قبل أَن يمدحه اتى بني الديَّان من بني الْحَارِث بن كَعْب فراى طَعَام بني عبد المدان مِنْهُم لباب الْبر والشهد وَالسمن وَكَانَ ابْن جدعَان يطعم التَّمْر والسويق ويسقي اللَّبن فَقَالَ أُميَّة ... وَلَقَد رَأَيْت الفاعلين وفعلهم ... فَرَأَيْت أكْرمهم بني الديَّان
الْبر يلبك بالشهاد طعامهم ... لَا مَا تعللنا بَنو جدعَان ...
فَبلغ شعره عبد الله بن جدعَان فَأرْسل ألفي بعير إِلَى الشَّام تحمل إِلَيْهِ الْبر والشهد وَالسمن وَجعل مناديا يُنَادي على الْكَعْبَة إِلَّا هلموا إِلَى جَفْنَة عبد الله ابْن جدعَان فَقَالَ أُميَّة عِنْد ذَلِك ... لَهُ دَاع بِمَكَّة مشمعل ... وَآخر فَوق كعبتها يُنَادي
إِلَى ردح من الشيزا عَلَيْهَا ... لباب الْبر يلبك بالشهاد ...
وَفِي صَحِيح مُسلم أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ابْن جدعَان كَانَ يطعم الطَّعَام ويقري الضَّيْف فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يقل يَوْمًا رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين وروى ابْن اسحاق ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن جدعَان حلفا مَا أحب أَن لي بِهِ حمر النعم وَلَو دعيت إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت المُرَاد بِهِ حلف الفضول وَكَانَ فِي ذِي الْقعدَة قيل المبعث بِعشْرين سنة وَالله أعلم


الكتاب: آكام المرجان في أحكام الجان
المؤلف: محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقيّ الحنفي، أبو عبد الله، بدر الدين ابن تقي الدين (المتوفى: 769هـ)
المحقق: إبراهيم محمد الجمل
الناشر: مكتبة القرآن - مصر - القاهرة

نور الشمس 05 Mar 2018 06:21 PM

رد: آكام المرجان في أحكام الجان 12
 
جزاك الله خير ..

سلطانه 05 Mar 2018 11:07 PM

رد: آكام المرجان في أحكام الجان 12
 
جزاك الله خير.
وجعله في ميزان حسناتك.

أبو خالد 19 Mar 2018 08:51 AM

رد: آكام المرجان في أحكام الجان 12
 
جزاكم الله خير
شاكر مروركم


الساعة الآن 10:12 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي