عرض مشاركة واحدة
قديم 26 May 2008, 04:00 PM   #4
يحي غوردو
نسأل الله أن يهديه ويفقه فى الدين


الصورة الرمزية يحي غوردو
يحي غوردو غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2749
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 06 Jul 2008 (02:25 AM)
 المشاركات : 55 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


- الجـــــن:

ذكرت كلمة "الجن" في القرآن الكريم تسع عشرة مرة ، اقترنت في أحد عشر مرة منها بكلمة "الإنس"، مما يدعونا للتساؤل عن سبب هذا الاقتران ومغزاه؟
جواب ذلك، على ما يبدو، أن لكل شيء ما يقابله ويذكر به، فهو بالنسبة إليه شفع، كالذكر والأنثى، والسماء والأرض، والليل والنهار، والإنس والجن الخ. روى الطبري عن مجاهد قال في قوله تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين (الذاريات/49)، قال: الكفر/الإيمان، الشقاء/السعادة، الهدى/الضلالة، الليل/النهار، السماء/الأرض، ثم زاد الجن/الإنس، فالارتباط بينهما وثيق متين، بحيث لا يكون الواحد منهما دون الآخر: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي (الذاريات / 56).


جنن ( 20)، في اللغة، من جن الشيء يجنه جنا: ستره. وكل شيء ستر عنك فقد جُن عنك. أجنه: ستره. جِن عين: أي ما جُن عن العين فلم تره، ستر عنها. والجن لغة ضد الإنس، يقال: آنستُ الشيء إذا أبصرته، قال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى  إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (طه/9-10). قال الـجوهري: الـجِنُّ خلاف الإِنسِ، والواحد جِنِّـيٌّ، سمّيت بذلك لأَنها تـخفـى ولا تُرَى.
هكذا أبت العرب، فـي لغتها، إلا أن تطلق كلمة "جنّ" على كل ما اجتنّ. فالكائنات الحية التي لا نراها تدخل تحت المعنى العربي لكلمة الجن، والقرآن الكريم جاء بلسان عربي مبين، قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَـاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّـكُمْ تَعْـقِلُونَ  وَإِنَّهُ و فِي* أُمِّ الْكِتَـابِ لَدَيْـنَا لَعَـلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف/3-4*) والعربية تقول لنا: ما سمى الله الـجن إلا لأنهم اجتنوا فلـم يُرَوْا، وما سمى بنـي آدم الإنس إلا لأنهم ظهروا فلـم يجتنُّوا. فما ظهر فهو إنس ويمكننا أن نطلق عليه كلمة: كائن macroscopique، وما اجتنّ فلـم يُرَ فهو جنّ: كائن ""microscopique.

والجن(21) ولد الجان، قال ابن سيده: الجن نوع من العالم سموا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار ولأنهم استجنوا من الناس فلا يرون، والجمع جنان، وهم الجنة. وفي التنزيل: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (الصافات/158). وكان أَهلُ الـجاهِلـيَّة يسمّون الـملائكة، جِنَّاً لاسْتِتارِهم عن العيون، قال الأعشى:
وسخر من جن الملائكة سبعة  قياما لديه يعملون بلا أجر

كلمة "جن" إذن، تشتمل على كل ما اجتن عن الأبصار، وعموم اللفظ يدل على أن: الجن = كل ما اجتن عن الأبصار (ومنهم الملائكة). أما خصوصه (اللفظ) فيشير إلى أن: الجن = كائنات حية، أصلها من النار، عاقلة، فاعلة بالإرادة، مأمورة ومنهية، تأكل مما نأكل وتشرب مما نشرب، ويحصل لأجسامها بذلك نمو وبقاء على حسب المأكول، تؤثر فينا ونؤثر فيها دون أن نراها، فهي إذن كائنات حية لها كل خصائص الكائنات الحية: تأكل وتشرب وتنمو وتتزاوج وتتوالد وتموت...

قال كثير من المعتزلة: إنهم أجسام رقيقة بسيطة لذلك لا نراهم. وقال القاضي عبد الجبار الهمداني:« أجسامهم رقيقة ولضعف أبصارنا لا نراهم لا لعلة أخرى ولو قوى الله أبصارنا أو كثف أجسامهم لرأيناهم»، والذي يدل على رقة أجسامهم قوله تعالى  إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم (الأعراف/27).
قال القاضي عبد الجبار بعدما قدم حديث: "الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"، هذا لايصح إلا أن تكون أجسامهم رقيقة، وفي هذا دليل على ما ذكرناه من صغر أجسامهم ورقتها، والله أعلم.

يدل كل ما تقدم على أن هذه الكائنات غير مرئية لنا بسبب مجهرية (microscopique) أجسامها مع ضعف أبصارنا كبشر، لكن هذا لا يمنع من جواز رؤيتها إذا قوى الله تعالى شعاع بصرنا أو استعملنا جهازا متطورا كالميكروسكوب، وقد رآها الأنبياء دون غيرهم من البشر لما أعطاهم الله من قوة البصر ومن معجزات خاصة بهم... كما يمكن أن تراها بعض الحيوانات كالكلاب والحمير والديكة، جاء في الصحيحين: «... إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانا.»، وفي هذا دعوة/تحد لعلماء الحيوان للبحث عن مكونات عيون هذه الحيوانات لمعرفة أسرارها وخباياها، إذ نعلم، مثلا، انطلاقا مما تتيحه المعطيات البيولوجية الراهنة، أن تركيب عيون النحل، مثلا (خاصة لدى الذكور التي تتميز عيونها بالضخامة)، تختلف عن تركيب أعيننا، وتتيح إمكانية رؤيتها لما هو فوق بنفسجي Ultra violet، وهو ما يعجز الإنسان العادي عن رؤيته طبعا، حتى في ظل التقدم الذي حصله علم الفيزياء وبالذات البصريات: فهل تكون دراسة عيون هذه الحيوانات فاتحة الاكتشاف؟


--------------------------------------------------------------
- (1) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(128) (الأنعام)
(2) يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ(130) (الأنعام)
(3) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ(38) (الأعراف)
(4) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ(179) (الأعراف)
(5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا(6) (الجن)
(6) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(17) (النمل)
(7) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ(25) (فصلت)
(8) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الْأَسْفَلِينَ(29) (فصلت)
(9) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ(18) (الأحقاف)
(10) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي(56) (الذاريات)
(11) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ(33) (الرحمان)
(12) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا(50) (الكهف)
(13) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ(39) (النمل)
(14) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ(12) (سبأ)
(15) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ(14) (سبأ)
(16) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ(41) (سبأ)
(17) وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ(29) (الأحقاف)
(18) قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا(1) (الجن)
(19) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ(100) (الأنعام)

20 - ابن منظور، لسان العرب المحيط، المجلد الأول، ص.515.
- ابن منظور، لسان العرب المحيط، المجلد الأول، ص.515.