عرض مشاركة واحدة
قديم 27 Jan 2010, 02:50 PM   #2
أبو سفيان
Banned


الصورة الرمزية أبو سفيان
أبو سفيان غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2349
 تاريخ التسجيل :  Jan 2008
 أخر زيارة : 24 Jan 2012 (09:58 PM)
 المشاركات : 5,855 [ + ]
 التقييم :  14
لوني المفضل : Cadetblue


فلو كان لا يُخشى الشرك على هذه الأمة لكان هذا القول لا معنى له !
وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول قولا لا معنى له ، أو يتكلّم بكلام غير مفهوم .

فمن هو الأحقّ بهذا القول : (أي قول هذا ؟ أنسمع قولكم ، ونترك قول خير البشر) ؟؟
فهذه أقوال خير البشر صلى الله عليه وسلم الكثيرة الْمُْثْبِتة أنه خاف على أمته الشرك ، وما تمسّكوا به ليس لهم فيه دليل .

والخوف من الشرك مما يقول به الصحابة الكرام رضي الله عنهم .

فقد تأول ابن عباس على ذلك قوله تعالى : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون ) قال : إن أحدهم يُشْرِك حتى يُشْرِك بِكَلْبِه : لولا الكَلب لَسُرِقْنا الليلة ! قال تعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) .

وخَطَب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال : يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل . فقام إليه عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا : والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عُمر ، مأذون لنا أو غير مأذون ! قال : بل أخرج مما قلت ، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء الله أن يقول : وكيف نتقيه ، وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال : قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نُشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لِمَا لا نَعْلم . رواه الإمام أحمد .

وهذا كالإجماع بين الصحابة رضي الله عنهم .
قال التابعي شقيق بن عبد الله البلخي : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يَرون شيئا من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة .

قال ابن مسعود رضي الله عنه : مَن تَرك الصلاة فلا دِين له .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : لا إيمان لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له .
وقال أيوب السختياني : تركُ الصلاةِ كُـفْـرٌ لا يُخْتَلَف فيه .

وجاء مثل هذا عن الصحابة رضي الله عنهم في تارك الفرائض ، كالزكاة والحج .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما تارك الزكاة عندي بمسلم . رواه ابن أبي شيبة .
قال ابن رجب : ويُحتملُ أنَّه كان يَراه كافراً بذلك ، خارجاً من الإسلام . اهـ .
وقال عمر رضي الله عنه : من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا.
قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح إلى عمر رضي الله عنه .

وروى سَعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال : قال عمر بن الخطاب : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جَدةٌ فلم يَحُجّ ، فيضربوا عليهم الجِزْية ، ما هم بمسلمين . ما هم بمسلمين .
قال ابن رجب : والظَّاهرُ أنّه كان يعتقد كُـفْـرَهم ، ولهذا أراد أنْ يَضْرِبَ عليهمُ الجزيةَ يقول : لم يدخُلوا في الإسلامِ بعدُ ، فهم مُستمرُّون على كتابِيّتِهم . اهـ .

وكذلك اعتقاد الصحابة رضي الله عنهم في السِّحْر والسَّحَرَة أنهم كُفّار .
فقد روى الإمام مالك في الموطأ عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها ، وقد كانت دَبَّرَتها ، فأمَرَت بها فَقُتِلَت .

وروى ابن أبي شيبة من طريق نافع عن ابن عمر أن جارية لحفصة سحرتها ، ووجَدُوا سِحْرها واعترفتْ به ، فأمر عبد الرحمن بن زيد فَقتلها ، فبلغ ذلك عثمان فأنكره واشتدّ عليه ، فأتاه ابن عمر فأخبره أنها سحرتها واعترفت به ، ووجدوا سِحْرها ، فكأن عثمان إنما أنكر ذلك لأنها قُتِلَتْ بِغَير إذنه .
وفي رواية عبد الرزاق فأنكر ذلك عليها عثمان ، فقال ابن عمر : ما تُنْكِر على أم المؤمنين من امرأة سَحَرت واعترفتْ ؟ فَسَكَت عثمان .

وكَتَب عمر رضي الله عنه إلى الآفاق : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة .
قال بَجَالة : فقتلنا ثلاث سواحر . رواه أبو يعلى وعبد الرزاق وابن أبي شيبة ، وأصله في صحيح البخاري .

ومذهب الإمام مالك رحمه الله أن تعلّم السحر وتعليمه كُـفْـر .
ففي " مختصر خليل " ( فقه مالكي ) : باب الرِّدَّة . قال : الرِّدَّة كُفْر المسلم بصريح ، أو لفظ يقتضيه ، أو فعل يتضمنه كإلْقَاء مصحف بِقَذَر ، وشَدّ زنار ، وسِحْر ، وقول بِقِدم العالم أو بقائه ، أو شك في ذلك ، أو بتناسخ الأرواح ، أو في كل جنس نذير ، أو ادّعى شِرْكا مع نبوته عليه الصلاة والسلام ، أو بمحاربة نبي .
قال الخرشي في شرح مختصر خليل :
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُـفْـرٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ ، قَالَهُ مَالِك .
ثم قال :
وَإِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَجَاهَرًا بِهِ فَيُقْتَلُ إلاَّ أَنْ يَتُوبَ ، وَمَالُهُ فَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ بِلا اسْتِتَابَةٍ . اهـ .
وقال الخرشي أيضا : وَتَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ كُفْرٌ إنْ قَصَدَ اسْتِهْزَاءً ، وَإِلاَّ فَلا .
وقال أيضا : وَكَذَلِكَ مَنْ جَوَّزَ الْقَوْلَ بِمُحَارَبَةِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ ؛ لأَنَّ مُحَارَبَتَهُمْ مُحَارَبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَمَنْ حَارَبَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ .

وماذا عسى هؤلاء أن يقولوا في حدّ الرِّدّة الذي أجمعت عليه الأمة ؟

فالمرتد مُسلم خرج من دائرة الإسلام إلى الكفر . كما سيأتي تعريفه في كُتُب المالكية .

وإذا كانت الرِّدَّة وَقَعَت في القرون الفاضلة ، فكيف لا يُخاف الكفر والشرك على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟!

ووقوع الرِّدّة في هذه الأمة أمرٌ لا يُنكر ، فقد ارتد من ارتد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنهم من مات على الكُفر ، كـ عبيد الله بن جحش ، حيث ارتَدّ في الحبشة ، ومات على غير ملّة الإسلام .
ومنهم من ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام كـ طليحة بن خويلد ، وكان طليحة ارتد وادعى النبوة وقَتَل ، ثم أسلم وحَسُن إسلامه ، وكذلك عبد الله بن أبي سرح رضي الله عنه .

وإذا لم يُخش الشرك والكفر على الأمة لِمَ عَقَد الأئمة فُصُولاً وكُتُبا وأبْوابًا في كُتُبهم عن الرِّدَّة وأحكامها ؟
وهل الرِّدَّة إلاَّ في حق مُسلم خَلَع رِبْقَة الإسلام مِن رَقَبَته ؟!

وأشهر صُور الرَّدّة ما كان بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما عُرِف بـ " حروب الرِّدَّة " .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لَمَّا تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّتِ العَرَب . رواه النسائي .

وفي الصحيحين من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال : لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ : يَا أَبَا بَكْرٍ ! كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاّ بِحَقِّهِ ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا .
قَالَ عُمَرُ : فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ .

وحُمل على الرّدّة قوله عليه الصلاة والسلام : " يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ : أَصْحَابِي ، فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ "
ويُبيِّن هَذا مَا أعْقَب بِه البُخاري رِوَايته لِهذا الْحَدِيث بِقوله : قال محمد بن يوسف الفربري : ذُكِر عن أبي عبد الله عن قَبيصة قال : هُم الْمُرْتَدُّون الذين ارْتَدّوا على عهد أبي بكر ، فَقَاتَلَهم أبو بَكر رضي الله عنه .

ولَمَّا بلغ ابن عباس رضي الله عنهما أن عَلِيًّا رضي الله عنه حَرّق المرتدين أو الزنادقة قال : لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن بَدَّل دِينه فاقْتُلُوه . رواه الشافعي .
وفي رواية للبخاري : أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّقَ قَوْمًا فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ، وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ .

ولَمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم أَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً قَالَ : انْزِلْ ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ، ثُمَّ تَهَوَّدَ . قَالَ : اجْلِسْ ، قَالَ : لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - ثَلاثَ مَرَّاتٍ - فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ . رواه البخاري ومسلم .

وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ : باب القضاء فيمن ارْتَـدّ عن الإسلام .

ثم قال الإمام مالك رحمه الله : وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - : " مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ " أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ ، مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ ، فَإِنَّ أُولَئِكَ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُسْتَتَابُوا ؛ لأَنَّهُ لا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ الإِسْلامَ ، فَلا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلاءِ ، وَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ قَوْلُهُمْ ، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ ، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إِلَى الإِسْلامِ وَيُسْتَتَابُوا ، فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا ، وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ فِيمَا نُرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ خَرَجَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ ، وَلا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ ، وَلا مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلاَّ الإِسْلامَ ؛ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ ، فَذَلِكَ الَّذِي عُنِيَ بِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ .

وفي " الْمُدَوّنة " : سُئل الإمام مالك : إذَا ارْتَدَّ وَقَدْ حَجَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الإِسْلامِ ، أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْحَجُّ ؟ قَالَ : لا ، حَتَّى يَحُجَّ حَجَّةً مُسْتَأْنَفَة .
وهذا يُؤكِّد أنه يَرى أن ردّته وكُفره بعد إسلامه قد أحبطت ما عمله من أعمال قبل ذلك .

وقال الإمام عبد الرزاق الصنعاني ( المتوفَّي سنة 211 هـ ) : باب المرتدين
ثم روى عن معمر عن عمرو عن الحسن قال : إذا ارتد المرتد عن الإسلام ، فقد انقطع ما بينه وبين امرأته ، فقال الثوري : والرجل والمرأة سواء .
وروى عبد الرزاق عن الثوري قال : إذا ارْتَدَّتِ المرأة ولها زوج ولم يَدخل بها ، فلا صداق لها ، وقد انقطع ما بينهما ...

وبوّب عبد الرزاق (باب كُفْر المرأة بعد إسلامها)

وقال البخاري ( توفِّي سنة 256 هـ ) : كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
ثم عقد أول باب في هذا الكتاب ، وهو :
باب إثم مَن أشْرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )
، ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) .

وعقد بابا في " قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ ، وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ " .
وبوّب أيضا " بَاب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ ، وَقَالَ : إِنَّهُمْ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " .

قال الإمام البخاري :
وقال جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في الْمُرْتَدِّين : اسْتَتِبْهم وكَفِّلهم ، فتابوا وكَفلهم عشائرهم .

بل جرى الخلاف في قبول توبة الْمُرْتَدّ ، فَمِن الصحابة من كان لا يَرى قبول توبة مَن ارتدّ .

قال الإمام الطحاوي ( متوفّى سنة هـ 321 هـ) : وقد رُوي في استتابة المرتد وفي تركها اختلاف عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم روى بإسناده إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : أخذ بالكوفة رجال يُفْشُون حديث مسيلمة الكذاب ، فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان ، فكتب عثمان أن أعرض عليهم دين الحق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فمن قبلها وتَبَرّأ من مسيلمة فلا تَقتله ، ومَن لَزِم دِين مُسيلِمة فاقتله ، فقبلها رجال منهم فَتُرِكُوا ، ولَزِم دين مسيلمة رجال فَقُتِلُوا .

وروى الإمام مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن أبيه أنه قال : قَدِم على عمر بن الخطاب رَجلٌ مِن قِبَل أبي موسى الأشعري ، فسأله عن الناس فأخبره ، ثم قال له عمر : هل كان فيكم مِن مَغْرَبة خَبَر ؟ فقال : نعم ، رجل كَـفَـر بعد إسلامه . قال : فما فعلتم به ؟ قال : قَرَّبْنَاه فَضَرَبْنا عُنُقه ، فقال عمر : أفلا حبستموه ثلاثا ، وأطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه لعله يتوب ويُراجع أمْر الله ، ثم قال عمر : اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرضَ إذ بَلغني .

ورواه الطحاوي من طريق يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن جده قال : لَمَّا افتتح سعد وأبو موسى تستر أرسل أبو موسى رسولاً إلى عمر - فَذَكَر حديثا طويلا - قال : ثم أقبل عمر على الرسول فقال : هل كانت عندكم مَغْرَبة خَبَر ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين أخذنا رجلا من العرب كفر بعد إسلامه ، فقال عمر : فما صنعتم به ؟ قال : قدمناه فضربنا عنقه ! فقال عمر : أفلا أدخلتموه بيتا ثم طَيّنْتُم عليه ، ثم رميتم إليه برغيف ثلاثة أيام لعله أن يتوب ، أو يراجع أمر الله ؟ اللهم إني لم آمر ولم أشهد ولم أرْضَ إذ بلغني .
ثم قال الإمام الطحاوي : فهذا سعد وأبو موسى رضي الله عنهما لم يستتيباه ، وأحب عُمر أن يُستتاب ، فقد يحتمل أن يكون ذلك لأنه كان يرجو له التوبة ، ولم يوجب عليهم بِقَتْلِهم شيئا ؛ لأنهم فعلوا ما لهم أن يَروه فيفعلوه ، وإن خالف رأي إمامهم .

قال ابن عبد البر المالكي ( ت 463 هـ ) : وروى داود بن أبي هند عن الشعبي عن أنس بن مالك أن نَفَرًا من بكر بن وائل ارتدوا عن الإسلام يوم تستر ، فلحقوا بالمشركين ، فلما فُتحت قُتلوا في القتال ، قال : فأتيت عُمر بِفَتْحها ، فقال : ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ فعرضت عن حديثه لأشغله عن ذِكرهم ! فقال : لا ، ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ فقلت : قُتِلوا . قال : لأن أكون كنت أخذتهم سِلما أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء . قلت : وهل كان سبيلهم إلا القتل ؟ ارتدوا عن الإسلام ولَحِقُوا بالمشركين . قال : كنت أعرض عليهم أن يَدخلوا في الباب الذي خَرجوا منه ، فإن قبلوا قَبِلْت منهم وإلاَّ استودعتهم السجن .
قال أبو عمر ابن عبد البر : يعني : استودعتهم السجن حتى يتوبوا ، فإن لم يتوبوا قُتِلُوا . هذا لا يجوز غيره ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن بَدَّل دِينه فاضْرِبُوا عُنقه .
ثم قال : ولا أعلم بين الصحابة خِلافا في استتابة المرتد ، فكأنهم فَهِمُوا مِن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن بَدّل دِينه فاقتلوه " أي : بعد أن يُسْتَتَاب . والله أعلم .
إلاَّ حديث معاذ مع أبي موسى ، فإن ظاهره القتل دون استتابة ، وقد قيل : إن ذلك المرتد قد كان اسْتُتِيب . اهـ .

وروى الإمام الدارمي والطحاوي من طريق ابن معيز السعدي قال : خرجتُ أطْلب فَرَسًا لي بالسَّحَر فَمَرَرْتُ على مَسجد من مساجد بني حنيفة ، فسمعتهم يشهدون أن مسيلمة رسول الله ! قال : فَرَجَعْتُ إلى عبد الله بن مسعود ، فذكرتُ له أمرهم ، فبعث الشُّرَط فأخذوهم ، فَجِئ بهم إليه ، فتابوا ورجعوا عما قالوا ، وقالوا : لا نعود ، فَخَلّى سَبيلهم ، وقَدّم رجلا منهم يقال له عبد الله بن النواحة فضرب عنقه ، فقال الناس : أخذت قوما في أمر واحد فَخَلَّيْتَ سبيل بعضهم وقَتَلْت بعضهم ؟ فقال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء ابن النواحة ورجل معه يقال له : حجر بن وثال وافدين من عند مسيلمة ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهدان أني رسول الله ؟ فقالا : أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله ؟ فقال لهما : آمنت بالله وبرسوله ، لو كنت قاتلا وافدا لقتلتكما ، فلذلك قَتَلْتُ هذا .
قال الطحاوي : فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قد قَتل ابن النواحة ولم يَقْبل توبته إذْ عَلِم أن هكذا خُلُقَه يُظْهِر التوبة إذا ظُفِر به ، ثم يعود إلى ما كان عليه إذا خُلِّي .

وفي رواية الدارمي : وَأَمَرَ بِمَسْجِدِهِمْ فَهُدِمَ.

ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو داود مُختصَرا .

قال الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي ( ت 463 هـ ) في استتابة المرتدين : قال بعضهم يُستتاب مرة واحدة في وقت واحد ساعة واحدة ، فإن تاب وانصرف إلى الإسلام وإلاَّ قُتِل .
وقال آخرون : يُستتاب شهرا .
وقال آخرون : يُستتاب ثلاثة أيام ، على ما رُوي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود - رحمه الله عليهم .
ولم يَستتب ابن مسعود ابن النواحة وَحْده ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه من عند مسيلمة : " لولا أنك رسول لقتلتك " ، فقال له ابن مسعود : إذ أظهرت الرِّدة أنت اليوم لست برسول ، فقتله ، واستتاب غيره . اهـ .

وروى عبد الرزاق والطحاوي من طريق أبي الطفيل أن قَوما ارْتَدّوا وكانوا نصارى ، فبعث إليهم علي بن أبي طالب معقلَ بن قيس التيمي ، فقال لهم : إذا حَكَكْتُ رَأسي فاقتلوا الْمُقَاتِلة واسْبُوا الذرية ، فأتى على طائفة منهم فقال : ما أنتم ؟ فقالوا : كُـنّا قَومًا نصارى فَخُيّرنا بين الإسلام وبين ديننا ، فاخترنا الإسلام ، ثم رأينا أن لا دِين أفضل مِن دِيننا الذي كنا عليه ! فنحن نصارى ، فَحَكّ رأسه ، فَقُتِلَتْ الْمُقَاتِلَة وسُبِيَت الذّرية .

وروى عبد الرواق من طريق أبي عمرو الشيباني قال : أُتِيَ عليّ بشيخ كان نصرانيا فأسلم ، ثم ارتد عن الإسلام ، فقال له علي : لعلك إنما ارتددت لان تُصيب ميراثا ، ثم تَرجع إلى الإسلام ؟ قال : لا ، قال : فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها ، فأردت أن تَزوجها ثم تعود إلى الإسلام ؟ قال : لا ، قال : فارجع إلى الإسلام ! قال : لا ، أما حتى ألقى المسيح ، فلا ، فأمَرَ به ، فَضُرِبَتْ عُنُقه .

وبهذا يتبيّن أن الصحابة رضي الله عنهم لم يتورّعوا عن تكفير من كَفَر بالله ، إذ لو تورّعوا عن ذلك لَمَا حاربوا أهل الرِّدّة ، ولَمَا حَكموا عليم بالرِّدَّة أصلا .
ولو تورّعوا عن تكفير من كفر بالله لَمَا قَتَلوا السحرة .
ولو تورّعوا عن تكفير من كفر بالله لَمَا حكموا على أحد بالرَّدَّة ثم قَتَلوه بعد رِدّته ، كما صحّت بذلك الأخبار مما تقدّم بعضها .
ولا يُقال إن الصحابة رضي الله عنهم يَحْكُمُون على سبيل العموم ؛ لأن ما وقع لأشخاص مُعيّنين لا يُمكن أن يكون على سبيل العموم ، بل هو في حق أشخاص مُعينين حَكم الصحابة رضي الله عنهم بِكُفرهم ثم أقاموا عليهم حدّ الرَّدَة .

فهل (الصحابة استنكفوا وثقل عليهم أن يُرمى مؤمن مسلم من أهل القبلة بالشرك) ؟
الجواب : ما تقدّم من النصوص الصحيحة الصريحة في تكفير تارك الصلاة ، وهو كالإجماع بين الصحابة ، وتكفير تارك الزكاة ، وتارك الحج إذا كان مُستطيعا .
وقِتال الْمُرتدِّين ، وما سُمِّيت به تلك الحروب ، فإنها مشهورة بِحروب الرِّدَّة .
فكيف قاتلهم الصحابة رضي الله عنهم إذا كانوا لم يحكموا بِكُفْرِهم ؟!
وكيف سَمّوهم ( مُرْتدِّين ) واستباحوا دمائهم وأموالهم ؟!

وهذه عقيدة السلف الصالح من لدن الصحابة إلى زمان الأئمة الأربعة ، إلى الأزمنة المتأخِّرة .
فقد روى عبد الرزاق أن محمد بن أبي بكر كتب إلى عليّ يسأله عن مسلمين تزندقا ، فكتب إليه : إن تابا ، وإلاَّ فاضرب أعناقهما.
وروى عبد الرزاق أيضا أن عروة كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل أسلم ثم ارتد ، فكتب إليه عمر : أن سَلْه عن شرائع الإسلام ، فإن كان قد عَرفها فاعْرِض عليه الإسلام ، فإن أبى فاضْرِب عُنقه ، وإن كان لم يعرفها فغلّظ الجزية ، ودَعْه .

قال سفيان بن عيينة : المرجئة سمَّـوا ترك الفرائض ذنباً بمنـزلة ركوب المحارم وليس سواء ؛ لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كُـفْـر .
قال ابن رجب رحمه الله : وقد استدل الإمام أحمد وغيره على كُـفْر تارك الصلاة بِكُفْر إبليس بترك السجود لآدم ، وترك السجود لله أعظم . اهـ .
فمن ترك الصلاة فبِه شَبَهٌ من إبليس لأنه ترك السجود لله والخضوع له والانقياد لأمره .

وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد بن حنبل عن من ترك الصلاة متعمداً ، فقال : لا يكفر أحدٌ بَذَنبٍ إلاَّ تارك الصلاة عمداً ، فإن تَرَكَ صلاةً إلى أن يدخل وقت صلاةٍ أخرى يُستتاب ثلاثا .

وقال أبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي : يُستتاب إذا تركها متعمداً حتى يذهب وقتها ، فإن تاب وإلا قُتل ، وبه قال أبو خيثمة .

وقال وكيع بن الجراح عن أبيه في الرجل يحضره وقت صلاة فيُقال له : صَلِّ ، فلا يُصلى . قال : يؤمر بالصلاة ويُستتاب ثلاث صلوات ، فإن صلى وإلا قُتل .
وقال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول : قد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتُها كافِـر .

ورأي الإمام مالك بن أنس رحمه الله أن القَدَرِيّة يُقتَلون بعد أن يُستتابوا .

فقد روى الإمام مَالِك في الموطأ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَقَالَ : مَا رَأْيُكَ فِي هَؤُلاءِ الْقَدَرِيَّةِ ؟ فَقُلْتُ : رَأْيِي أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلاّ عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ ! فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : وَذَلِكَ رَأْيِي . قَالَ مَالِك : وَذَلِكَ رَأْيِي .

وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يرى أنهم أشركوا بِما ذهبوا إليه من مُعتقد فاسد في القَدَر .

قال أبو الوليد الباجي في المنتقى : وَقَدْ رَوَى أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ : خَطَبَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ أَفَأُزَوِّجُهُ ؟ فَقَالَ : لا . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ)
وأبو الوليد الباجي مالكي المذهب ، وهو شارح موطأ الإمام مالك في شرحه المشهور بـ " الْمُنْتَقَى " ، وتُوفِّي سنة 474 هـ .

فهل تورّع أيضا الأئمة عن رَمْـي مسلم بالشرك أو بالكُفْـر إذا كان واقعا فيه مُتّصِفًا به ؟

قال الإمام ابن العربي القاضي المالكي ( متوفّى سنة 543 هـ) :
وكُلّ مَن اتَّهَم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الْحُكْم فهو كَـافِـر .
وقال رحمه الله : فَكُلُّ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَنْزِلُ الْغَيْثُ غَدًا فَهُوَ كَافِــر .
وقال : وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي الرَّحِمِ فَهُوَ كَافِــر .
وقال : مَنْ ادَّعَى عِلْمَ الْكَسْبِ فِي مُسْتَقْبَلِ الْعُمْرِ فَهُوَ كَافِــر.
وقال : فَكُلُّ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ اللَّهِ فَهُوَ كَافِــر .
وقال : فَإِذَا أَنْكَرَ أَحَدٌ الرُّسُلَ ، أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ عَنْهُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ ، وَالأَوَامِرِ وَالنَّدْبِ ، فَهُوَ كَافِــر .
وقال : فَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ كَافِــر .
وقال : إنَّ أَهْلَ الإِفْكِ رَمَوْا عَائِشَةَ الْمُطَهَّرَةَ بِالْفَاحِشَةِ ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ ، فَكُلُّ مَنْ سَبَّهَا بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ فَهُوَ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ ، وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ فَهُوَ كَافِرٌ . فَهَذَا طَرِيقُ قَوْلِ مَالِكٍ . اهـ .

وتَبِعه الإمام القرطبي المالكي ( متوفّى سنة 671 هـ ) فإنه قال في تفسيره :
من قال إنه يَنْزِل الغيث غَدا وجَزَم فهو كَافِــر .
وكذلك من قال إنه يعلم ما في الرحم فهو كَافِــر.

وزاد القرطبي :
ومن أنكر أن يكون أبو بكر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كَافِــر ؛ لأنه رَدّ نصّ القرآن .
وقال : فمن قال إن هناك طريقا آخر يُعرف بها أمْره ونهيه غير الرسل بحيث يُستغنى عن الرُّسُل فهو كَافِــر ، يُقْتَل ولا يُستتاب ، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب !
وقال : ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافا أن الكفر ها هنا قولهم : " مطرنا بنوء كذا وكذا " وأن نظيره فَعَل النجم كذا ، َوأن كل من نَسب إليه فِعلا فهو كَافِــر .

فهل كان الإمام مالك رحمه الله وأتباعه على مذهبه لا يتورّعون عن رمي أحد من أهل القبلة بالشِّرْك إذا كان مُستحقًا للوصف به ؟
وهل كانوا يتسرّعون في أحكامهم على الناس بأن ذلك الفعل أو القول شِـرك ؟!

وذلك ما يُرمَى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ويُتَّهَم به !

وأنت ترى سبيل أهل السنة ، خاصة علماء المالكية ..

رابعا :
ما ذكروه عن جابر رضي الله عنه من أنه سُئل (أترمي أحداً من أهل القبلة بالشرك ؟
قال : معاذ الله أيكون ذلك ؟
أترميه بالكفر ؟
قال : لا يكون ذلك أبداً)
واستدلالهم به متضمّن لِجهالات !

أولها : أنهم عزو الحديث إلى مجمع الزوائد ، وهو ليس كِتاب رواية بِقَدْر ما هو كتاب تخريج .

ثانيها : أنهم لبّسوا على الناس بذلك ، وذلك أن الهيثمي أورد الحديث تحت عنوان :
باب لا يَكْفُر أحد مِن أهل القبلة بِذَنْب .

ولم يَفْهَم منه أحد مِن علماء الأمة أنه لا يُمكن أن يقع أحد في الشرك ولا في الكُفر .

ثالثها : نَصُّه عند الهيثمي – الذي أحالوا عليه – كما يلي : وعن أبي سفيان قال : سألت جابرا وهو مجاور بمكة وهو نازل في بني فهر ، فسأله رجل : هل كنتم تدعون أحدا من أهل القبلة مشركا ؟ قال : معاذ الله ، ففزع لذلك . قال : هل كنتم تدعون أحدا منهم كافرا ؟ قال : لا . قال الهيثمي : رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح . اهـ .

رابعها : أخذ ما يوافق أهواءهم وترك ما دلّ على خلافه ، وهذه عادة أهل الأهواء في الاستدلال .
فقد روى من الإمام اللالكائي طريق سليمان اليشكري قال : قلت لجابر بن عبد الله : أكنتم تَعُدّون الذَّنب شِرْكا ؟ قال : لا ، إلاَّ عبادة الأوثان ؟
وروى أبو يعلى من طريق أبي سفيان عن جابر رفعه قال : كان يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . فقلنا : يا رسول الله ، تخاف علينا وقد آمنا بما جئت به ؟ فقال : إن القلوب بين - وأشار الأعمش بإصبعين - .

فهذا صريح في أن المقصود أنه لا يُرمَى مسلم بِشِرْك أو كُـفْـر لأجل الوقوع في الذنب .

خامسها : أن ما جاء في قول جابر رضي الله عنه مُطابق لاعتقاد أهل السنة في أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بِذنب ، أي : في ارتكابها ، وليس في استحلالها ، فإن الإجماع مُنعقد على كُفر من استحل ما حرمّ الله .
ولذلك رواه الإمام اللالكائي في اعتقاد أهل السنة من أكثر من طريق .

وهذا هو اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب واعتقاد علماء المملكة أيضا .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى أهل القصيم ما نصّه : ولا أشهد لأحَدٍ من المسلمين بِجَنّة ولا نار إلاَّ مَن شَهِد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء ، ولا أُكَفِّر أحَدًا من المسلمين بِذَنْب ، ولا أُخْرِجُه مِن دائرة الإسلام . اهـ .
وهذا ما نصّ عليه الإمام الطحاوي في عقيدته التي تُدرّس في أكثر جامعات المملكة ، إذ يقول الإمام الطحاوي الحنفيّ ( المتوفّى 321 هـ) : ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بِذَنْب ما لَم يَسْتَحِلّه ... ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يَعفو عنهم ، ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ، ونخاف عليهم ولا نُقَنّطهم . اهـ .

سادسها : أنه لا يُعرف عن الصحابة رضي الله عنهم التورّع في تكفير من كَفَر بالله ، بل جاءت عنهم النصوص الصحيحة والكثيرة في تكفير من كَفَر بالله ، وكم كان عمر رضي الله عنه يقول : دعني أضرب عُنقه ! في غير حادثة ، وقد تقدّمت أفعال الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب .

فهذه النصوص والنقول عن أئمة الإسلام ، وأكثر ما نقلت عن أئمة المالكية رحمهم الله ؛ لأن السؤال ورد من المغرب ، والمذهب الفقهي السائد في المغرب هو مذهب الإمام مالك رحمه الله .

وكم هم الذين يتمذهبون بمذهب إمام في الفقه ، يُخالفونه في العقائد وأصول الدّين !

وإني على يقين أنه لو خرج فيهم الإمام مالك أو من سار بِسَيْرِه كابن عبد البر أو ابن العربي أو القرطبي أو غيرهم من أئمة المالكية ، لَرَمَوْهم بـ " الوهابية " !

فمن هو الأولى بالوصف بِقِلّة العِلْم والعقل ؟!
أليسوا هم الذين قالوا : (ولكن من تحدث فالوهابية لا تعقل ما يقولون ولا يزنوا حديثهم وكلماتهم قبل القائها علينا لتصدمنا)

فهل الذين تمسّكوا بما كان عليه الأئمة من زمن الصحابة فمن بعدهم إلى زمن الأئمة الأربعة إلى الأزمنة المتأخِّرة هم الذين لا يعقلون ؟ وهم الذين لا يَزِنُون حديثهم وكلماتهم ؟!

سبحان الله ! ما أشبه الليلة بالبارحة !
أمَا رُمِي خير البشر صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن ومجنون ؟
وصدق ورقة بن نوفل حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ . رواه البخاري ومسلم .

أمَا إنه ما مِن دعوة إلى نبذ الشرك وترك ما كان عليه الآباء من باطل ؛ إلا قُوبِلت بالعداوة والبغضاء !
وكذلك كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، فإنه لم يدعُ إلى نفسه ، ولا إلى مذهب جديد ، ولا إلى دعوة يُخالف بها ما كان عليه أهل العلم ، إنما دعا إلى نبذ الشرك والخرافة ، وترك ما يُعبَد من دون الله .
ثم إن الشيخ رحمه الله لم ينتسب إلى غير السنة ، وإنما نَسَبه أعداؤه !
وأهل السنة لا يرضون بِنِسبَة إلى غير السُّنَّـة .. بينما أصحاب الدعوات والأحزاب ينتسبون إلى دعواتهم وأحزابهم !

خِتاما :
سبقت الإجابة عن سؤال بخصوص دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وهل كان خارجيا ؟
وذلك هنا :
http://www.al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=639

وعن سؤال آخر :
ما رأيكم بمن يقول : الأمة ليس فيها مشركين ، وأن جميع من فيها يدخلون الجنة ؟ وأن كل من أسلم يدخل الجنة ؟
http://www.almeshkat.com/index.php?pg=qa&ref=1006

وهنا .. تتمة الجواب
http://www.almeshkat.com/index.php?pg=qa&ref=1007



والله تعالى أعلم .


http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/index.htm



 

رد مع اقتباس