عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Mar 2010, 05:07 AM   #83
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القــــــــرآن
{ )وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127)
التفسير:
{ 127 } لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه جعل هذا البيت مثابة للناس بيَّن الله تعالى كيف نشأ هذا البيت، فقال تعالى: { وإذ يرفع... }.
قوله تعالى: { وإذ يرفع }؛ { إذ } ظرف عاملها محذوف؛ والتقدير: واذكر إذ يرفع؛ و{ يرفع } فعل مضارع؛ والمضارع للحاضر، أو للمستقبل؛ ورفع البيت ماضٍ؛ لكنه يعبَّر بالمضارع عن الماضي على حكاية الحال كأن إبراهيم يرفع الآن، يعني: ذكِّرهم بهذه الحال التي كأنها الآن مشاهدة أمامهم.
قوله تعالى: { إبراهيم } فيها قراءتان؛ إحداهما: بكسر الهاء بعدها ياء؛ والثانية: بفتح الهاء بعدها ألف: { إبراهام
قوله تعالى: { القواعد } مفعول { يرفع }؛ جمع قاعدة؛ وقاعدة الشيء أساسه.
قوله تعالى: { من البيت } بيان للقواعد؛ وهي في محل نصب على الحال؛ والمراد بـ{ البيت } الكعبة، كما سبق.
قوله تعالى: { وإسماعيل } عطفاً على قوله تعالى: { إبراهيم }؛ فهو مشارك لأبيه في رفع القواعد؛ وأخّر ذكر إسماعيل؛ لأن الأصل: إبراهيم؛ وإسماعيل مُعِين؛ هذا الظاهر - والله أعلم - .
قوله تعالى: { ربنا تقبل منا }؛ «رب» منادى حذفت منه «يا» النداء؛ وأصله: يا ربنا؛ حذفت «يا» النداء للبداءة بالمدعو المنادى - وهو الله - ؛ وجملة: { ربنا تقبل منا } عاملها محذوف تقديره: «يقولان»؛ وجملة: «يقولان» في موضع نصب على الحال؛ ودعَوَا الله سبحانه وتعالى باسم «الرب» ؛ لأن إجابة الدعاء من شأن الربوبية؛ لأنها خلق وإيجاد.
قوله تعالى: { ربنا تقبل منا } يعني كل واحد يقول بلسانه: ربنا تقبل منا؛ هذا ظاهر اللفظ؛ و «القبول» أخذ الشيء، والرضا به؛ ومنه ما يذكره الفقهاء في قولهم: ينعقد البيع بالإيجاب، والقبول؛ فتقبُّلُ الله سبحانه وتعالى للعمل أن يتلقاه بالرضا، فيرضى عن فاعله؛ وإذا رضي الله تعالى عن فاعله فلا بد أن يثيبه الثواب الذي وعده إياه.
قوله تعالى: { إنك أنت السميع العليم }: هذه الجملة تعليل لطلب القبول؛ يعني: نسألك أن تقْبل لأنك أنت السميع العليم: تسمع أقوالنا، وتعلم أحوالنا؛ وهذه الجملة مؤكدة بمؤكدين؛ أحدهما: «إنّ» ؛ والثاني: { أنت }؛ ومن المعلوم أن ضمير الفصل يفيد التوكيد؛ وضمير الفصل لا محل له من الإعراب؛ و{ السميع } خبر «إن» ؛ وقوله تعالى: { العليم } أي ذو العلم.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: فضل عمارة الكعبة؛ لأن الله تعالى أمر نبيه أن يذكر هذه الحادثة؛ لقوله تعالى: { وإذ يرفع... } إلخ.
2 - ومنها: فضل إبراهيم، وإسماعيل، عليهما الصلاة والسلام، حيث قاما برفع هذه القواعد.
3 - ومنها: أن من إحكام البناء أن يؤسس على قواعد؛ لقوله تعالى: { وإذ يرفع إبراهيم القواعد }؛ وإذا بني على غير قاعدة فإنه ينهار.
4 - ومنها: جواز المعاونة في أفعال الخير.
5 - ومنها: أهمية القبول، وأن المدار في الحقيقة عليه؛ وليس على العمل؛ فكم من إنسان عمل أعمالاً كثيرة وليس له من عمله إلا التعب، فلم تنفعه؛ وكم من إنسان عمل أعمالاً قليلة قبلت فنفعه الله بها؛ ولهذا جاء في الحديث: «رب صائم حظه من صيامه الجوع، والظمأ؛ ورب قائم حظه من قيامه السهر»(18) .
6 - ومنها: إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما { السميع }، و{ العليم }؛ وكل اسم من أسماء الله يدل على صفة من صفاته؛ بل على صفتين أحياناً، أو أكثر - ما يلزم من إثبات الصفة التي يدل عليها الاسم - ؛ مثال ذلك: «الخالق» دل على صفة الخلق؛ وصفة الخلق تستلزم ثبوت صفة العلم، والقدرة؛ وقد يدل الاسم على الأثر إذا كان ذلك الاسم متعدياً؛ مثاله: { السميع } يدل على صفة السمع، ويدل على أن الله يسمع كل صوت يحدث.
7 - ومن فوائد الآية: إثبات السمع لله عزّ وجلّ؛ وينقسم السمع إلى قسمين: سمع بمعنى سماع الأصوات؛ وسمع بمعنى الإجابة؛ فمثال الأول قوله تبارك وتعالى: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى} [الزخرف: 80] ، وقوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1] ؛ ومثال الثاني قوله تعالى: {إن ربي لسميع الدعاء} [إبراهيم: 39] أي مستجيب الدعاء؛ وكذلك قول المصلي: «سمع الله لمن حمده» - يعني استجاب لمن حمده - ؛ والسمع الذي هو بمعنى سماع الأصوات من صفاته الذاتية؛ والسمع بمعنى الاستجابة من صفاته الفعلية؛ لأن الاستجابة تتعلق بمشيئته: إن شاء استجاب لمن حمده؛ وإن شاء لم يستجب؛ وأما سماع الأصوات فإنه ملازم لذاته - لم يزل، ولا يزال سميعاً - ؛ إذ إن خلاف السمع الصمم؛ والصمم نقص؛ والله سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص؛ وكلا المعنيين يناسب الدعاء: فهو سبحانه وتعالى يسمع صوت الداعي، ويستجيب دعاءه.
والسمع - أعني سماع الأصوات - تارة يفيد تهديداً؛ وتارة يفيد إقراراً، وإحاطة؛ وتارة يفيد تأييداً. يفيد تهديداً ، كما في قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا...} [آل عمران: 181] الآية، وقوله تعالى: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى} [الزخرف: 80] ويفيد إقراراً، وإحاطة ، كما في قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1] ؛ ويفيد تأييداً ، كما في قوله تعالى لموسى وهارون: {إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46] .
8 - ومن فوائد الآية: إثبات العلم لله - تبارك وتعالى - جملةً، وتفصيلاً؛ موجوداً، أو معدوماً؛ ممكناً، أو واجباً، أو مستحيلاً؛ مثال علمه بالجملة: قوله تعالى: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً} [الطلاق: 12] ، وقوله تعالى: {الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً} [طه: 98] ، ومثال علمه بالتفصيل: قوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام: 59] ؛ ومثال علمه بالموجود: ما أخبر الله به عن علمه بما كان، مثل قول الله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} [البقرة: 187] ؛ ومثال علمه بالمعدوم الذي قد وجِد: ما علمه الله من أحوال الماضين؛ ومثال علمه بالمعدوم الذي لم يوجد بعد: ما علمه الله عزّ وجلّ من أحوال القيامة، ومآل الخلق؛ ومثال علمه بالممكن: ما علمه الله عزّ وجلّ من الحوادث الواقعة من الإنسان؛ ومثال علمه بالواجب: ما علمه الله عزّ وجلّ من كمال صفاته؛ ومثال علمه بالمستحيل: قوله تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [المؤمنون: 91] ، وقوله تعالى: { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [الأنبياء: 22] .
واعلم أن من أنكر علم الله فهو كافر سواء أنكره فيما يتعلق بفعله، أو فيما يتعلق بخلقه؛ فلو قال: إن الله تعالى لا يعلم ما يفعله العبد فهو كافر، كما لو قال: إن الله لا يعلم ما يفعله بنفسه؛ ولهذا كفَّر أهل السنة والجماعة غلاة القدرية الذين قالوا: إن الله سبحانه وتعالى لا يعلم أفعال العباد؛ فالذي ينكر علم الله بأفعال العباد لا شك أنه كافر؛ لأن الله تعالى يقول: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}
[ق: 16] ، ويقول سبحانه وتعالى: {أم يحسبون أنا لا نعلم سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} [الزخرف: 80] ؛ فالذي يقول: إن الله لا يعلم أفعال العباد فإنه كافر بهذه الآيات؛ ولهذا قال الشافعي في القدرية: «ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خُصِموا؛ وإن أنكروه كفروا»؛ وإيمانك بهذا يوجب لك مراقبته، والخوف منه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه؛ لأنك متى علمت أنه عالم بك فإنك تخشاه؛ تستحيي منه عند المخالفة؛ وترغب فيما عنده عند الموافقة.
9 - ومن فوائد الآية: التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته المناسبة لما يدعو به؛ لقوله تعالى: { إنك أنت السميع العليم }.
10 - ومنها: أن الدعاء يكون باسم «الرب» ؛ لأن إجابة الدعاء من شأن الربوبية؛ لأنها خَلْق، وإيجاد.

القـــــرآن
{)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:128)
التفسير:
{ 128 } قوله تعالى: { ربنا واجعلنا مسلمين }: أتى بالواو عطفاً على قوله تعالى: { ربنا تقبل منا } يعني ربنا واجعلنا مع قبولك مسلمين لك؛ و{ اجعلنا } أي صيِّرنا.
قوله تعالى: { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } يعني واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك؛ فأتى بـ{ من } التي للتبعيض؛ والمراد بـ{ ذريتنا } من تفرعوا منهما؛ فذرية الإنسان من تفرعوا منه.
قوله تعالى: { أمة مسلمة لك } هذه الأمة هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يصدق على أحد أنه من ذرية إبراهيم، وإسماعيل إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن اليهود، والنصارى ليسوا من بني إسماعيل؛ بل من بني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
قوله تعالى: { وأرنا مناسكنا } أي بيِّنها لنا حتى نراها؛ و «المناسك» جمع منسك؛ وهو هنا مكان العبادة.
قوله تعالى: { وتب علينا } أي وفقنا للتوبة فنتوب؛ والتوبة من العبد: هي الرجوع من المعصية إلى الطاعة؛ ومن الله عزّ وجلّ: هي توفيق العبد للتوبة، ثم قبولها منه.
قوله تعالى: { إنك أنت التواب الرحيم }: هذا من باب التوسل بأسماء الله عزّ وجلّ المناسبة للمطلوب؛ و{ التواب } صيغة مبالغة لكثرة من يتوب الله عليهم، وكثرة توبته على العبد نفسه؛ و{ الرحيم } أي الموصوف بالرحمة التي يرحم بها من يشاء من عباده.

الفوائد:
1 - من فوائد الآية: شدة افتقار الإنسان إلى ربه، حيث كرر كلمة: { ربنا }؛ وأنه بحاجة إلى ربوبية الله الخاصة التي تقتضي عناية خاصة.
2 - ومنها: أن الإنسان مفتقر إلى تثبيت الله؛ وإلا هلك؛ لقوله تعالى: { واجعلنا مسلمين }؛ فإنهما مسلمان بلا شك: فهما نبيَّان؛ ولكن لا يدوم هذا الإسلام إلا بتوفيق الله؛ قال الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا * إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} [الإسراء: 74، 75] .
3 - ومنها: أهمية الإخلاص؛ لقوله تعالى: { مسلمين لك }: { لك } تدل على إخلاص الإسلام لله عزّ وجلّ، كما قال تعالى في آية أخرى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه} [البقرة: 112] .
4 - ومنها: أن الإسلام يشمل كل استسلام لله سبحانه وتعالى، ظاهراً وباطناً.
5 - ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يشمل ذريته في الدعاء؛ لأن الذرية الصالحة من آثار الإنسان الصالحة؛ لقوله تعالى: { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك }؛ وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم في آية أخرى: { واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام }؛ فالذرية صلاحها لها شأن كبير بالنسبة للإنسان.
6 - ومنها: أن الأصل في الإنسان الجهل؛ لقوله تعالى: { وأرنا مناسكنا } يعني: أعلمنا بها.
7 - ومنها: أن الأصل في العبادات أنها توقيفية - يعني: الإنسان لا يتعبد لله بشيء إلا بما شرع - ؛ لقوله تعالى: { وأرنا مناسكنا }.
8 - ومنها: تحريم التعبد لله بما لم يشرعه؛ لأنهما دعَوَا الله عزّ وجلّ أن يريهما مناسكهما؛ فلولا أن العبادة تتوقف على ذلك لتَعبدا بدون هذا السؤال.
9 - ومنها: افتقار كل إنسان إلى توبة الله؛ لقوله تعالى: { وتب علينا }؛ إذ لا يخلو الإنسان من تقصير.
10 - ومنها: إثبات { التواب }، و{ الرحيم } اسمين من أسماء الله سبحانه وتعالى، وما تضمناه من صفة.
11 - ومنها: مشروعية التوسل إلى الله عزّ وجلّ بأسمائه، وصفاته؛ لأن قوله تعالى: { إنك أنت التواب الرحيم } تعليل للطلب السابق؛ فهو وسيلة يتوصل بها الداعي إلى حصول مطلوبه.
12 - ومنها: أن التوسل بأسماء الله يكون باسم مطابق لما دعا به؛ لقوله تعالى: { وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم }، ولقوله تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }.
تــنــبــيــه:
إن قال قائل: كيف يستقيم أن يسأل إبراهيم، وإسماعيل ربهما أن يجعلهما مسلمين له مع أنهما كانا كذلك؟
فالجواب: أن المراد بذلك تثبيتهما على الإسلام؛ لأن الإنسان من حيث هو إنسان لا يأمن العاقبة؛ أو يقال: إن المراد تقوية إسلامهما بالإخلاص لله عزّ وجلّ، والانقياد لطاعته؛ أو يقال: إنهما قالا ذلك توطئة لما بعدها في قولهما: { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك }؛ والأول أقوى الاحتمالات.

القــــــــــرآن
{ )رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة:129)
التفسير:
{ 129 } قوله تعالى: { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك }، أي أرسل فيهم رسولاً مرسَلاً من عندك يقرأ عليهم آياتك، ويبينها لهم، كما قال الله - تبارك وتعالى - : {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] .
قوله تعالى: { ويعلمهم الكتاب } أي القرآن، وما فيه من أخبار صادقة نافعة، وأحكام عادلة؛ { والحكمة قيل: هي السنة؛ لقوله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} [النساء: 113] ؛ ويحتمل أن يكون المراد بها معرفة أسرار الشريعة المطهرة، وأنها شريعة كاملة صالحة لكل زمان، ومكان.
قوله تعالى: { ويزكيهم } أي ينمي أخلاقهم، ويطهرها من الرذائل.
قوله تعالى: { إنك أنت العزيز الحكيم }؛ { أنت }: ضمير فصل لا محل له من الإعراب؛ و{ العزيز} خبر { إن }؛ و{ الحكيم } خبر ثان؛ والكاف اسم { إن }؛ و{ العزيز } أي ذو العزة؛ و «العزة» بمعنى القهر، والغلبة؛ فهو سبحانه وتعالى ذو قوة، وذو غلبة: لا يغلبه شيء، ولا يعجزه شيء؛ و{ الحكيم } أي ذو الحُكم، والحكمة.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: ضرورة الناس إلى بعث الرسل؛ ولذلك دعــا إبراهيمُ وإسماعيلُ الله سبحانه وتعالى أن يبعث فيهم الرسول.
2 - ومنها: أن كون الرسول منهم أقرب إلى قبول دعوته؛ لقوله تعالى: { رسولاً منهم }؛ لأنهم يعرفونه، كما قال تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم: 53] ؛ فتأمل قوله تعالى: {ما ضل صاحبكم} [النجم: 53] ، حيث أضافه إليهم؛ يعني: صاحبكم - الذي تعرفونه، وتعرفون رجاحة عقله، وتعرفون أمانته - ما ضل، وما غوى.
3 - ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الله سبحانه وتعالى فيه من الخير أنه يتلو الآيات، ويعلم الكتاب، ويعلم الحكمة؛ لقوله تعالى: { يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة }.
4 - ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تتضمن ذكر آيات الله الكونية، والشرعية، وتتضمن تعليم الكتاب تلاوةً، ومعنًى، وتتضمن أيضاً الحكمة - وهي معرفة أسرار الشريعة، وتتضمن تزكية الخلق؛ لقوله تعالى: { يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم }.
5 - ومنها: أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يزكي الأخلاق، ويطهرها من كل رذيلة، كما قال صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(19) ؛ وهكذا كانت شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم: تنمية للأخلاق الفاضلة، وتطهيراً من كل رذيلة؛ فهو يأمر بالبر، ويأمر بالمعروف، ويأمر بالإحسان، ويأمر بالصلة، ويأمر بالصدق، ويأمر بكل خير؛ كل ما فيه خير للإنسان في دينه ودنياه فإن الإسلام يأمر به - وهذه تزكية - ؛ وينهى عن ضد ذلك؛ ينهى عن الإثم، والقطيعة، والعدوان، والعقوق، والكذب، والغش، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق - وهذه أيضاً تزكية - .
وحال الناس قبل الإسلام بالنسبة للعبادة لا تَسأل! شرك، وكفر؛ وبالنسبة للأحوال الاجتماعية لا تَسأل أيضاً عن حالهم! القوي يأكل الضعيف؛ والغني يأكل الفقير؛ ويأكلون الربا أضعافاً مضاعفة؛ يُغيِر بعضهم على بعض؛ يتعايرون بالأنساب؛ يدعون بدعوى الجاهلية... إلخ.
جاء الإسلام، وهدم كل هذا؛ ومن تدبر التاريخ قبل بعثه صلى الله عليه وسلم وبعده، علم الفرق العظيم بين حال الناس قبل البعثة، وحالهم بعدها؛ وظهر له معنى قوله تعالى: { ويزكيهم }.
6 - ومنها: أن هذه الشريعة كاملة؛ لتضمن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المعاني الجليلة مما يدل على كمال شريعته.
7 - ومنها: إثبات العزة، والحكمة لله؛ لقوله تعالى: { إنك أنت العزيز الحكيم }.
8 - ومنها: إثبات هذين الاسمين لله: { العزيز }، و{ الحكيم }.
9 - ومنها: مناسبة العزة، والحكمة لبعث الرسول؛ وهي ظاهرة جداً؛ لأن ما يجيء به الرسول كله حكمة، وفيه العزة: قال الله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 80] ؛ للمؤمنين عرباً كانوا، أو عجماً؛ من كان مؤمناً بالله عزّ وجلّ قائماً بأمر الله فإن له العزة؛ ومن لم يكن كذلك فاته من العزة بقدر ما أخل به من الإيمان، والعمل الصالح؛ ولهذا يجب أن تكون رابطة الإيمان أقوى الروابط بين المؤمنين؛ لأنه لا يمكن أن تكون هناك عزة واجتماع على الخير برابطة أقوى من هذه الرابطة.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس