عرض مشاركة واحدة
قديم 23 Mar 2010, 11:33 AM   #8
((( الباحث )))
باحث فضي


الصورة الرمزية ((( الباحث )))
((( الباحث ))) غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8198
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 03 Jan 2012 (07:37 PM)
 المشاركات : 173 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وعن ارتفاع أسعار بعض المواد المستخدمة في الشعوذة يقول أحد العطارين:« جلب بعض المواد من مواطنها الأصلية ( الصحاري الليبية، بلاد الهند) تتطلب أموالا كبيرة، لكننا أحيانا نتجرع طعم الخسارة من أجل تلبية طلب الزبائن والحفاظ على العلاقة بهن، بحيث يصل أحيانا ثمن مخ الضبع مثلا إلى 1000 درهم للغرام الواحد والقنفذ المحنط وطير الليل (الخفاش) إلى 500 درهم، إلا أن الحاجة الملحة إليها تدفع النساء إلى تدبر المال اللازم من أجل اقتناء هذه المواد الضرورية في ممارساتهن…»، ويضيف عطار آخر « تشهد بعض المواد إقبالا كبيرا من طرف النساء بشكل خاص، بالرغم من الارتفاع الكبير في أسعارها، لأن ضرورتها الأساسية من أجل ممارسة مجموعة من الطقوس السحرية لا يترك أمام المرأة أي مجال للتردد…» مما يدل على أن ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في ممارسة طقوس الشعوذة ووصفاتها، لا يشكل عائقا في وجه المرأة اللاجئة إلى هذا الميدان، فهي تبحث بشكل مستمر عن موارد مالية لتحقيق أغراضها وأهدافها، ولو كان ذلك على حساب أسرتها خاصة ربة البيت التي تضطر إلى اقتطاع جزء من مصاريف البيت لتلبية حاجيات الشعوذة وطلباتها من مواد ووصفات غريبة التي تتطلب مقادير مالية كبيرة، حتى تتمكن المرأة من إعادة الاستقرار إلى حياتها وحماية حياتها الزوجية من شبح امرأة أخرى أو لفت انتباه حبيب لا يهتم لأمرها، ولأن الشعوذة وموادها وطقوسها الغريبة في نظر المرأة هي الباب الوحيد المفتوح في وجهها لتخطي مجموعة من المشاكل الاجتماعية والعاطفية والنفسية، خاصة وأن هذه المواد المستخدمة في الشعوذة هي أيضا بمثابة المنقذ الذي سيفتح آفاقا جديدة أمام هذه المرأة المنجرفة وراء الوهم وبائعي الهواء، لذلك فأي امرأة مغربية سواء كانت متزوجة أو عازبة تضطرها إلى ولوج دور الشعوذة ودكاكين العطارين لشراء بعض المواد بناء على طلب“الشواف“ أو “الفقيه“ أو “الكهان“ حسب المصلحات المتداولة لدى الأغلبية، وهي مواد يبيعها العطارون بأثمان باهظة مستغلين حاجة النساء إليها لممارسة مجموعة من الطقوس المتعلقة بالشعوذة، وخاصة المواد المستخدمة في الطقوس السحرية التي تهدف إلى الانتقام وتطويع الزوج، وخطف رجل من زوجته، وعلاج بعض الأمراض النفسية والعضوية وفك السحر، أما باقي الطقوس الأخرى مثل: طرد العكس والنحس والتبعة لا تكلف موادها في بعض الأحيان سوى 100 درهم أو أقل، لذلك تقبل النساء على هذه المواد بشكل كبير من أجل طرد سوء الحظ والنحس من حياتهن…

وتتناسل دور الشعوذة بشكل غريب مستفيدة من الخدمات الكبيرة التي تقدمها مختلف وسائل الإعلام الورقية (الجرائد اليومية والمجلات النسائية…) والرقمية (المواقع والمنتديات الالكترونية الخاصة بالأبراج…)، وبالرغم من أن الإعلام يعتبر سلطة مهمة في المغرب إلا أنه لا يقوم بالدور الذي يجب أن يلعبه والقائم على التنوير والتوعية والتثقيف والتأهيل وتقديم صورة نموذجية للمرأة المغربية بدل الصورة النمطية التي تقدمها أغلبية برامج التلفزيون المغربي بقناتيه الأولى والثانية حاصرة المرأة في صورة ربة البيت والمهتمة بديكورات المنزل وفنون الطبخ وصيحات الموضة التقليدية والعصرية ومستحضرات التجميل، لذلك فهو لا يقدم سوى البرامج والمسلسلات والأفلام المغربية التي تكرس دونية المرأة من خلال تصوير مشاهد البؤس والضعف والاستسلام التي ترافق المرأة طيلة حياتها في حين لا يقدم أي برامج خاصة بتوعية المرأة وتحسيسها بحقوقها وقضاياها ومختلف المشاكل التي تتخبط فيها ومدى حاجة المرأة إلى مثل هذه البرامج الإعلامية التي تحقق الوعي للمرأة المغربية.
في ظل هذا الفراغ الذي يخلفه الإعلام المغربي تجد المرأة نفسها مدمنة على مشاهدة المسلسلات الغربية (المكسيكية والتركية) لأنها تعبر عن حياة أكثر حرية وتفتحا من حياة المجتمعات العربية والمغربية التي تحصر المرأة داخل جسدها وفضائها الضيق، لذلك فغياب الجرأة الكافية لدى المرأة للتمرد وتقليد حياة الغرب في: (اللباس والعمل والسلوكات الاجتماعية) والرغبة في تخطي عتبة الضعف والانغلاق والاستسلام يدفعها إلى الانجراف وراء الشعوذة ودروبها المتشعبة من أجل الحصول على حلول سريعة وسهلة وتحقيق الحب والطمأنينة والأمان، مستفيدة من الخدمات والإعلانات التي تعرضها الجرائد الوطنية وبعض القنوات الفضائية، الأمر الذي يسهل وسيلة التواصل بين المشعوذين وزبنائهم، وفي هذا الإطار تشير السيدة فريدة الحمية (موظفة): « أصبحت الإعلانات الخاصة بالمشعوذين وأرقام هواتفهم النقالة والثابتة، مادة أساسية في بعض الجرائد الوطنية واليومية بشكل خاص، وكأنه لم يعد يكفينا انتشار دور الشعوذة في مختلف الأحياء الشعبية والمناطق القروية، لنجد أسماء بعض المشعوذين والمنجمين والعطارين الذين أصبحت لهم بطائق خاصة منشورة على هوامش الجرائد، من أجل تسهيل عملية التواصل مع زبنائهم، الظاهرة نفسها نجدها متفشية في مختلف وسائل الإعلام السمعية والبصرية…»، وفي الموضوع نفسه تشير هدى (25 سنة): «أحيانا تساعد أرقام الهواتف الموجودة في جريدتي المفضلة (…) وخاصة المتعلقة بالأبراج، لأني مهتمة بمعرفة حظي ومستقبلي من خلال الاتصال بأحد الأرقام المنشورة هناك، ورغم أن سعر المكالمة يكلفني الكثير إلا أني أفضله على الذهاب إلى الشوافة وإثارة فضائح أنا في غنى عنها…»، وتضيف منار(طبيبة أطفال/ 37 سنة): « بناءا على إعلان وجدته في جريدة (أ.م) قصدت أحد الشيوخ من أجل مساعدتي على الإنجاب، خاصة أنه مر على زواجي 10 سنوات ولم أجرب بعد إحساس الأمومة، ولأن الشيخ كان مختصا في العلاج بالأعشاب ويمتلك دواء مختلف أنواع العقم، لجأت إليه وكلي آمل في أن يتحقق حلمي، طلب مني أن أجلب له ظفر نملة ولحية ديك وقماشا ناصع البياض، قرأ عليهما بعض التعاويذ والكلمات الغير المفهومة، وصرفني، بعد أن قدم لي وعودا بالإنجاب خلال شهور، ولكن مرت شهور وعامين منذ ذلك الوقت ولم يتحقق أي شيء…!!!! ».
وهنا نجد بأن بعض الجرائد تساهم بشكل كبير في تفشي ظاهرة الشعوذة لأنها تقوم بالدعاية لها، مستفيدة من ثمن الإعلانات الذي تخصصه لها دور الشعوذة، ومن ارتفاع عدد مبيعات الجرائد التي يقبل عليها المهتمون بالأبراج والتنجيم والشعوذة، فهي تساهم بشكل مباشر في تشجيع المرأة على ممارسة السحر والشعوذة، وإضافة إلى المنابر الإعلامية السابقة الذكر التي تخصص هوامش للإعلان عن عناوين وأرقام هواتف بعض المشعوذين، نجد معلومات مفسري الأحلام والمنجمين والتي تعرض على شاشة التلفزيون من أجل تحقيق التواصل بينهم وبين الزبناء عبر الايميلات ورسائل الهواتف النقالة، كما جاء في حديث السيدة سعيدة ( موظفة / 40 سنة) التي أشارت إلى أن المشكلة غالبا ما تكون مرضا مستعصي العلاج أو تأخرا في الزواج أو العقم أو الرغبة في معرفة المستقبل أو الانتقام من شخص ما، وهي المشاكل الأكثر شيوعا في المجتمع المغربي وكل الوطن العربي، في حين أشارت الأستاذة عيادة الفيلالي إلى أن هناك بعض القنوات مثل: « الحقيقة، كنوز، شهرزاد، التي تقدم برامج خاصة بالشعوذة وإخراج الجن من جسد الإنسان ومفسري الأحلام والأدوية المستخرجة من الأعشاب والتي تعرض بشكل يومي على شاشة التلفزيون مرفقة بتكلفتها المادية وأرقام الهواتف للحصول عليها، وهذه القنوات تشد انتباه الكثير من المشاهدين بشكل خاص من النساء (ربات البيوت) المتعطشات إلى الحلول السريعة»، هذه القنوات الفضائية التي تعمل بشكل يومي على طمس الوعي والحقيقة لدى المشاهد المغربي خاصة وأن الإيمان القوي بما تقدمه هذه البرامج من وصفات وخدمات جليلة حسب تعبير البعض، تدفع الكثيرين إلى الاتصال من أجل الحصول على هذه المواد التي تكلف أحيانا مبالغ باهظة بسبب ارتفاع تكلفة نقلها من المشرق إلى المغرب، لأن هذه القنوات الفضائية ذات أصل مشرقي، وكثيرا ما تنتج عدة أضرار نفسية وعاهات جسدية عند تعاطي هذه المواد أو تطبيق هذه الوصفات التي نادرا ما تخضع للمراقبة الطبية، ورغم ذلك تعرف تسهيلات جمركية بسبب تشجيع الحكومة لهذه المواد التي يعج بها المجتمع المغربي إذ نجد هذه الوصفات والممارسات في مختلف الأسواق الأسبوعية ومحطات الحافلات وفي الشوارع أيضا، ولأن هذه الوصفة أو تلك سبق وأعلن عنها في شاشة التلفاز لذلك فهي مضمونة وذات فوائد كثيرة.
وهنا تتساءل السيدة صفاء (ربة بيت/ 37 سنة) عن:« فعالية وصفات الأعشاب المعروضة على شاشة التلفاز والتي لا توجد عند أي عَشَابْ( عطار) أو صيدلية، فقناة الحقيقة هي الوحيدة التي تحتكر حق ترويج هذه الأدوية والوصفات الطبية المستخرجة من الأعشاب، ورغم ثمن هذه الأدوية الباهظ فقد سعيت للحصول عليها من أجل علاج حماتي العجوز التي لم نجد لها أي علاج، فتساءلت مع نفسي لما لا نجرب هذه الأدوية التي يصفها الدكتور الهاشمي ، هذا الأخير الذي اكتسى صدى كبيرا لدى المغاربة، خاصة عند زيارته للمغرب، فالوفود الكثيرة التي تقف على بابه تنتظر لأيام طويلة من أجل اقتناص لحظات للقائه، بسبب ذلك لم أتمكن من الجلوس في حضرته ولا مرة واحدة، لذلك حاولت الاتصال به عبر الإيميل أو الهاتف وفشلت أيضا، وفي خضم بحثي عن وسيلة للتواصل معه سمعت ببعض الحوادث التي تناولها الإعلام المغربي بخصوص وصفات الدكتور السابق الذكر، والتي نتجت عنها حالات تسمم وعاهات مستديمة لدى بعض زبنائه، مما جعلني أتردد كثيرا في خوض غمار هذه التجربة»، والجدير بالذكر أن هذه القنوات تعمل على زرع الشك والأفكار والوساس في نفس المرأة بشكل خاص لأنها بعد ساعات طويلة من الجلوس أمام هذه البرامج، يتشكل لديها الإيمان القوي بفعالية الشعوذة وقدرتها الخارقة على علاج مختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والجسدية الصعبة والمستعصية التي تواجه بعض النساء والرجال على السواء، مما يجعل المرأة تبرر معاناتها ومشاكلها بمبررات وأسباب لا تمت إلى العقل بأي صلة والأخطر من ذلك أن هذه القنوات تتيح للمشاهد فرصة تعلم طرق وأدوات وأساليب السحر والاتصال بالشيطان بطرق سهلة وبسيطة مما يؤثر بشكل قوي على المشاهدين من الأطفال بشكل خاص نظرا لحبهم الدائم لتقليد هذه الصور والمشاهد والنتيجة لا يختلف عليها اثنان كارثية بدون شك.
وتساهم بعض الظروف المادية والاجتماعية في الإدمان على هذه القنوات كثرة الأمراض النفسية والعضوية وغياب موارد مالية لتغطية مصاريف العلاج ومواجهة مصاعب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، يدفع النساء والرجال على السواء إلى التوهان بين دهاليز الشعوذة وممارسة طقوس ووصفات غريبة ومدمرة في نفس الوقت، لذلك فهذا النوع من القنوات الفضائية يشكل خطرا كبيرا على نسبة مهمة من المشاهدين كما جاء على لسان محمد الغرايبي ( معلم/ 50 سنة)، لذلك أشرت منذ البداية إلى كون الإعلام عامل مشجع لممارسة الشعوذة بمختلف أنواعها، والدليل على ذلك السيدة هند (ربة بيت/ 35 سنة) والتي كانت امرأة مؤمنة وملتزمة تعرف حدود الله ولا تؤمن بهؤلاء السحرة كما جاء في تصريحها : « تعرضت ليلة زفافي إلى إهانة بشعة من طرف زوجي بدون أي ذنب يذكر، وكأنه ينتقم من كل بنات حواء، تحملت هذا الوضع لمدة سنة كاملة، وفي يوم اصطحبتني صديقة لي إلى إحدى المشعوذات التي سبق وسمعت حوارا معها في إذاعة طنجة، خاصة وأن هذه الصديقة أخبرتني بقدرة هذه ” الشوافة” وخبرتها في حل المشاكل المستعصية، فقصدت السيدة السابقة الذكر بعد أن أخذت موعدا معها عبر الهاتف ولأنها ذكرت لي بعض المعلومات عن حياتي الماضية والحالية، وثقت بكلامها وتركتها تسترسل في الحديث لتخبرني أن أم زوجي هي سبب معاناتي لأنها سحرت لي لتوقع بيني وبين زوجي، وأنه علي منحتها مقدار 2500 درهم لتخبرني عن مكان هذا السحر الذي يوجد أسفل فراش النوم، ولأن أغلبية مشاكلي كانت أثناء الجماع وفي غرفة النوم بالتحديد فقد منحتها المقدار المالي المطلوب وقصدت المكان الذي وصفته الشوافة وفعلا وجدت لفافة صغيرة تحتوي على بعض التعاويذ والكلمات الغير المفهومة، ورغم أني أحرقت الورقة، كما طلبت مع بعض المواد إلا أن حياتي عادت كما كانت ولم يتغير أي شيء، وما زلت لحد الساعة، أتنقل بين هذا ” الفقيه” أو تلك ” الشوافة” إلا وقصدت المكان، لكن بدون جدوى فالاهانات تتضاعف بسبب خروجي الدائم بحثا عن الحل المناسب لمأساتي…» وتضيف هند ساخرة « وْكَانْ الخُوخْ كَيْدَاوِي وكان دَاوَا غِيرْ رَاسُو…».



 

رد مع اقتباس