عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 02:45 AM   #18
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها حتى لاتصل إلى القلب وإن وصلت إليه وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئا فإذا استوليتم على هذه الثغور فامنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتبارا بل اجعلوا نظره تفرجا واستحسانا وتلهيا فإن استرق نظرة عبرة فأفسدوها عليه بنظرة الغفلة والاستحسان والشهوة فإنه أقرب إليه وأعلق بنفسه وأخف عليه ودونكم ثغر العين فإن منه تنالون بغيتكم فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر فإني أبذر به في القلب بذر الشهوة ثم أسقيه بماء الأمنية ثم لا أزال أعده وأمنية حتى أقوي عزيمته وأقوده بزمام الشهوة إلى الانخلاع من العصمة فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم وهونوا عليه أمره وقولوا له: مقدار نظرة تدعوك إلى تسبيح الخالق والتأمل لبديع صنيعه وحسن هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك





ص -115- العينين سدى وما خلق الله هذه الصورة ليحجبها عن النظر وإن ظفرتم به قليل العلم فاسد العقل فقولوا له: هذه "الصورة" مظهر من مظاهر الحق ومجلى من مجاليه فادعوه إلى القول بالاتحاد فإن لم يقبل فالقول بالحلول العام أو الخاص ولا تقنعوا منه بدون ذلك فإنه يصير به من إخوان النصارى فمروه حينئذ بالعفة والصيانة والعبادة والزهد في الدنيا واصطادوا عليه "وبه" الجهال فهذا من أكبر خلفائي وأكبر جندي بل أنا من جنده وأعوانه.
فصل:
ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر فاجتهدوا أن لا تدخلوا منه إلا الباطل فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستحسنه تخيروا له أعذاب الألفاظ وأسحرها للألباب وامزجوه بما تهوى النفس مزجا وألقوا الكلمة فإن رأيتم منه إصغاء إليها فزجوه بأخوانها وكلما صادفتم منه استحسان شيء فالهجوا له بذكره وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شىء من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو كلام النصحاء فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكير فيه والعظة به و إما بإدخال ضده عليه وإما بتهويل ذلك وتعظيمه وأن هذا أمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها إليه وهو حمل يثقل عليها لا تستقل به ونحو ذلك وإما بإرخاصه على النفوس وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أغلى عند الناس وأعز عليهم وأغرب عندهم وزبونه القائلون له أكثر وأما الحق فهو مهجور وقائله به معرض نفسه للعدواة والربح بين الناس أولى بالإيثار ونحو ذلك فتدخلون الباطل عليه في كل قالب يقبله ويخف عليه وتخرجون له الحق في كل قالب يكرهه ويثقل عليه.



ص -116- وإذا شئت أن تعرف ذلك فانظر إلى إخوانهم من شياطين الإنس كيف يخرجون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب كثرة الفضول وتتبع عثرات الناس والتعرض من البلاء لما لا يطيق وإلقاء الفتن بين الناس ونحو ذلك ويخرجون أتباع السنة ووصف الرب تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في قالب التجسيم والتشبيه والتكييف ويسمون علو الله على خلقه واستواءه على عرشه ومباينته لمخلوقاته تحيزا ويسمون نزوله إلى سماء الدنيا وقوله: "من يسألني فأعطيه" تحركا وانتقالا ويسمون ما وصف به نفسه من اليد والوجه أعضاء وجوارح ويسمون ما يقوم به من أفعاله حوادث وما يقوم من صفاته أعراضا ثم يتوصلون إلى نفي ما وصف به نفسه بنفي هذه الأمور ويوهمون الأغمار وضعفاء البصائر أن إثبات الصفات التي نطق بها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تستلزم هذه الأمور ويخرجون هذا التعطيل في قالب التنزيه والتعظيم وأكثر الناس ضعفاء العقول يقبلون الشيء بلفظ ويردونه بعينه بلفظ آخر قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} فسماه زخرفا وهو باطل لأن صاحبه يزخرفه ويزينه ما استطاع ويلقيه إلى سمع المغرور فيغتر به.
والمقصود: أن الشيطان قد لزم ثغر الأذن أن يدخل فيها ما يضر العبد ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعه وإن دخل بغير اختياره أفسد عليه.
فصل:
ثم يقول: قوموا على ثغر اللسان فإنه الثغر الأعظم وهو قبالة الملك فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه وامنعوه أن يجري عليه شيء مما





ص -117- ينفعه من ذكر الله تعالى واستغفاره وتلاوة كتابه ونصيحة عباده والتكلم بالعلم النافع ويكون لكم في هذا الثغر أمران عظيمان لا تبالون بأيهما ظفرتم:
أحدهما: التكلم بالباطل فإنما المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم.
الثاني: السكوت عن الحق فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس كما أن الأول أخ ناطق وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم أما سمعتم قول الناصح: "المتكلم بالباطل شيطان ناطق والساكت عن الحق شيطان أخرس" فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن الباطل وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق وخوفوه من التكلم بالحق.بكل طريق.
واعلموا يا بني أن ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم وأكبَّهم منه على مناخرهم في النار فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر؟
وأوصيكم بوصية فاحفظوها: لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة ويكون الآخر على لسان السامع فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها ويطلب من أخيه إعادتها وكونوا أعوانا على الإنس بكل طريق وادخلوا عليهم من كل باب واقعدوا لهم كل مرصد أما سمعتم قسمي الذي أقسمت به لربهم حيث قلت: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} أو ما تروني قد قعدت لابن آدم بطرقه كلها فلا يفوتني من طريق إلا قعدت له من طريق غيره حتى أصبت منه حاجتي أو بعضها و قد حذرهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: "إن الشيطان قد قعد لابن آدم بطرقه كلها وقعد له بطريق الإسلام فقال: له أتسلم وتذر





ص -118- دينك ودين آبائك؟ فخالفه وأسلم فقعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ فخالفه وهاجر فقعد له بطريق الجهاد فقال: أتجاهد فتقتل فيقسم المال وتنكح الزوجة فخالفه وجاهد" فكهذا فاقعدوا لهم بكل طرق الخير فإذا أراد أحدهم أن يتصدق فاقعدوا له على طريق الصدقة وقولوا له في نفسه أتخرج المال وتبقى مثل هذا السائل وتصير بمنزلته أنت سواء؟ أو ما سمعتم ما ألقيت على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه فقال: هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم واقعدوا له بطريق الحج فقولوا: طريقه مخوفة مشقة يتعرض سالكها لتلف النفس والمال وهكذا فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير منها وذكر صعوبتها وآفاتها ثم اقعدوا لهم على طريق المعاصي فحسنوها في عين بني آدم وزينوها في قلوبهم واجعلوا أكثر أعوانكم على ذلك النساء فمن أبوابهن فادخلوا عليهم فنعم العون هن لكم.
ثم الزموا ثغر اليدين والرجلين فامنعوها أن تبطش بما يضركم و تمشى فيه واعلموا أن أكثر أعوانكم على لزوم هذه الثغور مصالحة النفس الأمارة فأعينوها واستعينوا بها وأمدوها واستمدوا منها وكونوا معها على حرب النفس المطمئنة فاجتهدوا في كسرها وإبطال قواها ولا سبيل إلى ذلك إلا بقطع موادها عنها فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس الأمارة وانطاعت لكم أعوانها فاستنزلوا القلب من حصنه واعزلوه عن مملكته وولوا مكانه النفس فإنها لا تأمر إلا بما تهوونه وتحبونه ولا تحيئكم بما تكرهونه البتة مع أنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها بل إذا أشرتم عليها بشيء بادرت إلى فعله فإن أحسستم من القلب منازعة إلى مملكته وأردتم الأمن من ذلك فاعقدوا بينه وبين النفس عقد النكاح فزينوها وجملوها وأروها إياه في أحسن صورة عروس توجد وقولوا له: ذق ة طعم هذا الوصال والتمتع بهذه





ص -119- العروس كما ذقت طعم الحرب وباشرت مرارة الطعن والضرب ثم وازن بين لذة هذه المسالمة ومرارة تلك المحاربة فدع الحرب تضع أوزارها فليست بيوم وتنقضي وإنما هو حرب متصل بالموت وقواك تضعف عن حرب دائم.
واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما:
أحدهما: جند الغفلة فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله تعالى والدار الآخرة بكل طريق فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك فإن القلب إذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه ومن إغوائه.
الثاني: جند الشهوات فزينوها في قلوبهم وحسنوها في أعينهم وصُولوا عليهم بهذين العسكرين فليس لكم من بني آدم أبلغ منهما واستعينوا على الغفلة بالشهوات وعلى الشهوات بالغفلة واقرنوا بين الغافلين ثم استعينوا بهما على الذاكر ولا يغلب واحد خمسة فإن مع الغافلين شيطانين صاروا أربعة وشيطان الذاكر معهم وإذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضركم من ذكر الله أو مذاكرة أمر ونهيه ودينه ولم تقدورا على تفريقهم فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الإنس البطالين فقربوهم منهم وشوشوا عليهم بهم.
وبالجملة فأعدوا للأمور أقرانها وأدخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته فساعدوه عليها وكونوا أعوانا له على تحصيلها وإذا كان الله قد أمرهم أن يصبروا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا أنتم وصابروا ورابطوا عليهم بالثغور وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة والغضب فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.
واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور فخذوا عليه طريق الشهوة ودعوا طريق الغضب ومنهم من يكون سلطان الغضب عليه أغلب فلا تخلوا طريق الشهوة عليه ولا تعطلوا ثغرها





ص -120- فإن من لم يملك نفسه عند الغضب فإنه بالحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة فزوجوا بين غضبة وشهوته وامزجوا أحدهما بالآخر وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب وإلى الغضب من طريق الشهوة.
واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين وإنما أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب فبه قطعت أرحامهم وسفكت دماؤهم وبه قتل أحد بني آدم أخاه.
واعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم والشهوة نار تثور من قلبه وإنما تطفأ النار بالماء والصلاة والذكر والتكبير فإياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصلاة فإن ذلك يطفئ عنهم نار الغضب والشهوة وقد أمرهم نبيهم بذلك وقال: "إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بذلك فليتوضأ" وقال لهم: "إنما تطفأ النار بالماء" وقد أوصاهم الله أن يستعينوا عليكم بالصبر والصلاة فحولوا بينهم وبين ذلك وأنسوهم إياه واستعينوا عليهم بالشهوة والغضب وأبلغ أسلحتكم فيهم وأنكاها الغفلة واتباع الهوى وأعظم أسلحتهم فيكم وأمنع حصونهم ذكر الله ومخالفة الهوى فإذا رأيتم الرجل مخالفا لهواه فاهربوا من ظلمه ولا تدنوا منه.
والمقصود أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداه ويعينهم بها على نفسه فيقاتلونه بسلاحه ويكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل قال:

ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس