عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 02:52 AM   #23
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


إحداها: أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها, والقيام بحقوقها, بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية.
الثانية: أن تقاوم الصغائر, ولا ترتقى إلى تكفير شيء من الكبائر.
الثالثة: أن تقوى على تكفير الصغائر, وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر. فتأمل هذا, فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألاّ أنبئكم بأكبر





ص -148- الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وشهادة الزور".
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم:"اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الإشراك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلاّ بالحق, وأكل مال اليتيم, وأكل الربا, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم"أنه سئل أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قيل: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قيل: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك"فأنزل الله تعالى تصديقها {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} الآية.
واختلف الناس في الكبائر, هل لها عدد يحصرها؟ على قولين:
ثم الذين قالوا بحصرها اختلفوا في عددها, فقال عبد الله بن مسعود: هي أربعة, وقال عبد الله بن عمر هي سبعة, وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص هي تسعة, وقال غيره هي إحدى عشرة. وقال آخر: هي سبعون.
وقال أبو طالب المكي: جمعتها من أقوال الصحابة فوجدتها أربعة في القلب, وهي: الشرك بالله, والإصرار على المعصية, والقنوط من رحمة الله, والأمن من مكر الله. وأربعة في اللسان: شهادة الزور, وقذف المحصنات, واليمين الغموس, والسحر. وثلاثة في البطن: شرب الخمر, وأكل مال اليتيم, وأكل الربا. واثنتان في الفرج: وهما الزنى, واللواط. واثنان في اليدين, وهما: القتل, والسرقة. وواحدة في الرجلين, وهي الفرار من الزحف. وواحدة تتعلق بجميع الجسد, وهو عقوق الوالدين.



ص -149- والذين لم يحصروها بعدد, منهم من قال: كلما نهى الله عنه في القرآن فهو كبيرة, وما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صغيرة.
وقالت طائفة: ما اقترن بالنهي عنه وعيد من لعن أو غضب أو عقوبة فهو كبيرة, ومالم يقرن به شيء من ذلك فهو صغيرة.
وقيل: كلما رتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة فهو كبيرة, وما لم يرتب عليه لا هذا ولا هذا فهو صغيرة.
وقيل: كلما اتفقت الشرائع على تحريمه فهو من الكبائر, وما كان تحريمه في شريعة دون شريعة فهو صغيرة.
وقيل: كلما لعن الله أو رسوله فاعله فهو كبيرة, وقيل: كلما ذكر من أول سورة النساء إلى قوله {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}.
والذين لم يقسموها إلى كبائر وصغائر قالوا: الذنوب كلها- بالنسبة إلى الجراءة على الله سبحانه معصيته ومخالفة أمره – كبائر, فالنظر إلى من عصى أمره. وانتهك محارمه يوجب أن تكون الذنوب كلها كبائر, وهي مستوية في هذه المفسدة, قالوا: ويوضح هذا أن الله سبحانه لا تضره الذنوب ولا يتأثر بها, فلا يكون بعضها بالنسبة إليه أكبر من بعض, فلم يبق إلاّ مجرد معصيته ومخالفته, ولا فرق في ذلك بين ذنب وذنب.
قالوا: ويدل عليه أن مفسدة الذنب إنما هي تابعة للجراءة والتوثب على حق الرب تبارك وتعالى, ولهذا لو شرب رجل خمرا أو وطئ فرجا حراما, وهو لا يعتقد تحريمه, لكان قد جمع بين الجهل وبين مفسدة ارتكاب الحرام, ولو فعل ذلك من يعتقد تحريمه لكان آتيا بأحد المفسدتين, وهو الذي يستحق العقوبة دون الأول: فدل على أن مفسدة الذنب تابعة للجراءة والتوثب.



ص -150- قالوا: ويدل على هذا أن المعصية تتضمن الاستهانة بأمر المطاع ونهيه وإنتهاك حرمته, وهذا لا فرق فيه بين ذنب وذنب.
قالوا: فلا ينظر العبد إلى كبر الذنب وصغره في نفسه, ولكن ينظر إلى قدر من عصاه, وعظمته, وانتهاك حرمته بالمعصية, وهذا لا يقترن فيه الحال بين معصية ومعصية, فإن ملكا مطاعا عظيما لو أمر أحد مملوكيه أن يذهب في مهم له إلى بلد بعيد, وأمر آخر أن يذهب في شغل له إلى جانب الدار, فعصياه وخالفا أمره, لكانا في مقته والسقوط من عينه سواء.
قالوا: ولهذا كانت معصية من ترك الحج من مكة وترك الجمعة وهو جار المسجد أقبح عند الله من معصية من تركه من المكان البعيد, والواجب على هذا أكثر من الواجب على هذا, ولو كان مع رجل مائتا درهم ومنع زكاتها ومع آخر مائتا ألف ألف فمنع زكاتها لا يستويا في منع ما وجب على كل واحد منهما, ولايبعد استواؤهما في العقوبة, إذا كان كلا منهما مصرا على منع زكاة ماله, قليلا كان المال أو كثيرا.
فصل:
وكشف الغطاء عن هذه المسألة أن يقال:
إن الله عز وجل أرسل رسله, وأنزل كتبه, وخلق السموات والأرض ليعرف ويعبد ويوحد ويكون الدين كله لله, والطاعة كلها له, والدعوة له كما قال: تعالي {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} وقال تعالى: الله {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} وقال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ





ص -151- وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر: أن يعرف بأسمائه وصفاته, ويعبد وحده لا يشرك به, وأن يقوم الناس بالقسط, وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض, كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل ومن أعظم القسط التوحيد, بل هو رأس العدل وقوامه. وأن الشرك لظلم عظيم, والتوحيد أعدل العدل, فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر, وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له, وما كان أشد موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات.
فتأمل هذا الأصل حق التأمل واعتبر به تفاصيله تعرف به حكمة أحكم الحاكمين, وأعلم العالمين, فيما فرضه على عباده, وحرمه عليهم, وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي.
فلما كان الشرك بالله منافيا بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق, وحرم الله الجنة على كل مشرك, وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد وأن يتخذوهم عبيدا لهم, لما تركوا القيام بعبوديته, وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملا, أو يقبل فيه شفاعة, أو يستجيب له في الآخرة دعوة, أو يقبل فيها عثرة, فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله, حيث جعل له من خلقه ندا, وذلك غاية الجهل به, كما أنه غاية الظلم منه, وإن كان المشرك لم يظلم ربه, وإنما ظلم نفسه.



ص -152- فصل:
ووقعت مسألة, وهي: أن المشرك إنما قصده تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى أو أنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلاّ بالوسائط والشفعاء, كحال الملوك, فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية, وإنما قصد تعظيمه, وقال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدخلني عليه, فهو المقصود, وهذه وسائل وشفعاء, فلم كان هذا القدر موجبا لسخطه وغضبه تبارك وتعالى, ومخلدا في النار, وموجبا لسفك دماء أصحابه, واستباحة حريمهم وأموالهم؟.
وترتب على هذا سؤال آخر, وهو: أنه هل يجوز أن يشرع الله سبحانه لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط, فيكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع, أم ذلك قبيح في الفطر والعقول يمتنع أن تأتي به شريعة؟ بل جاءت الشرائع بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح؟ وما السبب في كونه لا يغفره من دون سائر الذنوب؟ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
فتأمل هذا السؤال, واجمع قلبك جوابه ولا تستهونه, فإن به يحصل الفرق بين المشركين والموحدين, والعالمين بالله والجاهلين به, وأهل الجنة وأهل النار.
فتقول وبالله التوفيق والتأييد, ومنه نسأل المعونة والتسديد, فإنه من يهده الله فلا مضلل له, ومن يضلل فلا هادي له, ولا مانع لما أعطى, ولا معطى لما منع.
الشرك شركان: شرك بتعلق بذات المعبود, وأسمائه, وصفاته, وأفعاله, وشرك في عبادته ومعاملته, وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته, ولا في صفاته, ولا في أفعاله.



ص -153- والشرك الأول نوعان: أحدهما شرك التعطيل, وهو أقبح أنواع الشرك, كشرك فرعون إذ قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقال تعالى: مخبراً عنه أنه قال: لهامان {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} والشرك والتعطيل متلازمان, فكل معطل مشرك, لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل, بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته, ولكن عطل حق التوحيد, وأصل الشرك وقاعدته التي ترجع إليها: هو التعطيل, وهو ثلاثة أقسام: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه, وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله, وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد, ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثم خالق ومخلوق, ولا هاهنا شيئان, بل الحق المنزه وهو عين الخلق المشبه, ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته, وأنه لم يكن معدوما أصلا, بل لم يزل ولا يزال, والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضيت إيجادها, ليسمونها العقول والنفوس, ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة, فلم يثبتوا اسما ولا صفة, بل جعلوا المخلوق أكمل منه, إذا كمال الذات بأسمائها وصفاتها.
فصل:
النوع الثاني شرك من جعل مع الله إلها آخر ولم يعطل أسماءه وربوبيته وصفاته كشرك النصارى الذي جعلوه ثلاثة, فجعلوا المسيح إلها, وأمه إلها.
ومن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلي النور, وحوادث الشر إلى الظلمة.



ص -154- ومن هذا شرك القدرية القائلين بان الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه, وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته, ولهذا كانوا من أشباه المجوس.
ومن هذا شرك الذي حاج إبراهيم في ربه {إِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} فهذا جعل نفسه ندا لله, يحيي ويميت بزعمه, كما يحيي الله ويميت, فالزمه إبراهيم عليه السلام أن طرد قولك أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها, وليس هذا انتقالا كما زعم بعض أهل الجدل, بل إلزاما على طرد الدليل إن كان حقا.
ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات, ويجعلها أربابا مدبرة لأمر هذا العالم كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.
ومن هذا شرك عباد الشمس وعباد النار وغيرهم.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس