عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 03:00 AM   #29
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


العبادة الواحدة. وهو من باب عزيز شريف لا يدخل منه إلاّ صادق حاذق الطلب متضلع من العلم عالي الهمة بحيث تدخل في عبادة يظفر فيها بعبادات شتي وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
فصل:
وأما اللفظات: فحفظها بأن لا يخرج لفظه ضائعة بأن لا يتكلم إلاّ فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح أو فائدة أم لا؟ فان لم يكن فيها ربح أمسك عنها وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوته بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه وإذا أردت أن تستدل





ص -187- على ما في القلب فاستدل عليه بحركة اللسان فإنه يطلعك على ما في القلب شاء مصاحبه أم أبى.
قال: يحيى بن معاذ"القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها". فانظر الرجل حين يتكلم فرن لسانه يغترف لك به مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه أي كما تطعم بلسانك فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدر بلسانك.
وفي حديث أنس المرفوع"لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال:"الفم والفرج". قال: الترمذي حديث حسن صحيح. وقد سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال:"ألا أخبركم بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه ثم قال: كف عليك هذا فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوهم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"قال: الترمذي حديث حسن صحيح.
ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه حتى يري الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بال يزال بالكلمة الواحدة بين المشرق والمغرب وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم





ص -188- ولسانه يفري في أعراضه الأحياء والأموات ولا يبالى ما يقول.
وإذا أردت أن تعرف ذلك فأنظر إلى ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم"قال رجل والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي إني لا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك"فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله.
وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك ثم قال أبو هريرة:"تكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته".
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوي بها في نار جهنم". وعند مسلم"أن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المغرب والمشرق".
وعند الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بلال بن الحارث المزني"إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه". فكان علقمة يقول":كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث"؟
وفي جامع الترمذي أيضا من حديث أنس قال:"توفى رجل من الصحابة فقال رجل: أبشر بالجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريك؟ فلعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بمالا ينقصه"قال: حديث حسن.



ص -189- وفي لفظ"أن غلاما ما استشهد يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت هنيئا لك يا بني الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك؟ لعله كان يتكلم فيما لا الايعنيه ويمنع مالا يضره".
في الصحيحين من حديث أبى هريرة يرفعه"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
وفي لفظ لمسلم"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت".
وذكر الترمذي بإسناد صحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من حسن إسلام المرأ تركه ما لا يعنيه".
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال:"قل آمنت بالله ثم استقم"قال: قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال:"هذا"والحديث صحيح.
وعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل كلام ابن آدم عليه لا له إلاّ أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر لله عز وجل"قال: الترمذي حديث حسن. وفي حديث آخر"إذا أصبح العبد فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول: اتق الله فإنما نحن بك فإذا استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".
وقد كان بعض السلف يحاسب أحدهم نفسه في قوله: يوم حار ويوم بارد ولقد روى بعض الأكابر من أهل العلم في النوم بعد موته فسئل عن حاله فقال: أنا موقوف على كلمة قلتها قلت ما أحوج الناس إلى غيث فقيل لي: وما يدريك؟





ص -190- أنا أعلم بمصلحة عبادي. وقال بعض الصحابة لخادمه يوما: هات لي السفرة نعبث بها ثم قال: استغفر الله ما أتكلم بكلمة إلاّ وأنا أخطمها وأزمها إلاّ هذه الكلمة خرجت مني بغير خطام ولا زمام أو كما قال: والأيسر حركات الجوارح حركة اللسان وهي أضرها على العبد.

واختلف السلف والخلف هل يكتب جميع ما يلفظ به أو الخير والشر فقط؟ على قولين أظهرهما الأول.
وقال بعض السلف: كل كلام بن آدم عليه لا له إلاّ ما كان من ذكر الله وما والاه وكان الصديق رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول:"هذا أوردني الموارد"والكلام أسيرك فإذا خرج من فيك صرت أسيره. والله عند لسان كل قائل {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
وفي اللسان آفتان عظيمتان إن خلص العبد من احدهما لم يخلص من الأخرى. آفة الكلام وآفة السكوت وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص لله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه. والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين وأهل الوسط وهم أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل واطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة فلا ترى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة فضلا أن تضره في آخرته وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله عز وجل وما اتصل به.



ص -191- فصل:
وأما الخطوات: فحفظها بأن لا ينقل قدمه إلاّ فيما يرجوا ثوابه عند الله تعالى فإن لم يكن في خطاه مزيد ثواب فالقعود عنها خير له ويمكنه أن يستخرج من كل مباح يخطو إليه قربة يتقرب بها وينويها لله فتقع خطاه قربة.
ولما كانت العثرة عثرتين: عثرة الرجل وعثرة اللسان جاءت إحداهما قرينة الأخرى في قوله تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} فوصفهم بالاستقامة في لفظاتهم وخطواتهم كما جمع بين اللحظات والخطوات في قوله تعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.
فصل:
وهذا كله ذكرناه مقدمة بين يدي تحريم الفواحش ووجوب حفظ الفرج وقد قال: صلى الله عليه وسلم"أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج".
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم"لا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة". وهذا الحديث في اقتران الزنا بالكفر وقتل النفس نظير الآية التي في الفرقان ونظير حديث ابن مسعود.
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكثر وقوعا ثم بالذي يليه فالزنا أكثر وقوعا النفس وقتل النفس أكثر وقوعا من الردة نعوذ بالله منها وأيضا فإنه انتقال من الأكبر إلى ما هو أكبر منه مفسدة ومفسدة الزنى مناقضة لصلاح العالم فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها ونكست رؤوسهم بين الناس





ص -192- وإن حملت من الزنى فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنى والقتل وإن حملته الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبيا ليس منهم فورثهم وليس منهم ورآهم وخلا بهم وانتسب إليهم وليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها وأما زنا الرجل فإنه يوجد اختلاط الأنساب أيضا وإفساد المرأة المصونة وتعريضها للتلف والفساد ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين وإن عمرت القبور في البرزخ والنار في الآخرة فكم في الزنى من استحلال لحرمات وفوات حقوق ووقوع مظالم!.
ومن خاصيته: أنه يوجب الفقر ويقصر العمر ويكسو صاحبه سواد الوجه وثوب المقت بين الناس.
ومن خاصيته أيضا: أنه يشتت القلب ويمرضه إن لم يمته ويجلب الهم والحزن والخوف ويباعد صاحبه من الملك ويقربه من الشيطان فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته ولهذا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها ولو بلغ العبد أن امرأته أو حرمته قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت.
وقال سعد بن عبادة رضي الله عنه:"لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"متفق عليه.
وفي الصحيحين أيضا عنه صلى الله عليه وسلم"إن الله يغار وإن المؤمن يغار غيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه".
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم"لا أحد أغير من الله من





ص -193- أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك أثني على نفسه".
وفي الصحيحين في خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف أنه قال:"يا أمة محمد والله إنه لا أحد أغير من الله أن يزنى عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ثم رفع يديه فقال: اللهم هل بلغت؟".
وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سر بديع لمن تأمله وظهور الزنى من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة كما في الصحيحين عن أنس بن مالك أنه قال:"لأحدثكم حديثا لا يحدثكموه أحد بعدي سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنى ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد".



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس