عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 03:26 AM   #36
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فأي نعيم أطيب من شرح الصدر؟ وأي عذاب أضيق من ضيق الصدر؟ وقال تعالي: {أَلا إن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ



ص -235- الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشا وأنعمهم بالا وأشرحهم صدرا وأسرهم قلبا وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة.
قال النبي صلي الله عليه وسلم:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا: وما رياض الجنة؟ وقال: حلق الذكر". ومن هذا قوله صلي الله عليه وسلم"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". ومن هذا قوله -وقد سألوه عن وصاله في الصوم- وقال: إني لست كهيئتكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني"فأخبر صلي الله عليه وسلم إن ما يحصل له من الغذاء عند ربه يقوم مقام الطعام والشراب الحسي وإن ما يحصل له من ذلك أمر مختصا به لا يشركه فيه غيره فإذا أمسك عن الطعام والشراب فله عوض عنه يقوم مقامه وينوب منابه ويغنى عنه كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور يستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي

إذا اشتكت من كلال السير أوعدها روح اللقاء فتحي عند ميعادى

وكل ما كان وجود الشيء أنفع للعبد وهو إليه أحوج كان تألمه بفقده أشد وكل ما كان عدمه أنفع كان تألمه بوجوده أشد ولا شيء علي الإطلاق أنفع للعبد من إقباله علي الله واشتغاله بذكره وتنعمه بحبه وإيثاره لمرضاته بل لا حياة له ولا نعيم ولا سرور ولا بهجة إلاّ بذلك فعدمه آلم شيء له وأشد عذابا عليه وإنما تغيب الروح عن شهود هذا الألم والعذاب لاشتغالها بغيره واستغراقها في ذلك الغير فتغيب به عن شهود ما هي فيه من ألم الفوات بفراق أحب شيء



ص -236- إليها وأنفعه لها وهذا بمنزلة السكران المستغرق في سكره الذي احترقت داره وأمواله وأهله وأولاده وهو لاستغراقه في السكر لا يشعر بألم ذلك الفوات وحسرته حتى إذا صح وكشف عنه غطاء السكر وانتبه من رقدة الخمر فهو أعلم بحاله حينئذ وهكذا الحال سواء عند كشف الغطاء ومعاينة طلائع الآخرة والإشراف علي مفارقة الدنيا والانتقال منها إلى الله بل الألم والحسرة والعذاب هناك أشد بأضعاف أضعاف ذلك فإن المصاب في الدنيا يرجو جبر مصيبته في الدنيا بالعوض ويعلم أنه قد أصيب بشيء زائل لا بقاء له فكيف بمن مصيبته بما لا عوض عنه ولا بدل منه ولا نسبة بينه وبين الدنيا جميعا؟ فلو قضي الله سبحانه"عليه"بالموت من هذه الحسرة والألم لكان العبد جديرا به وان الموت ليعود أكبر أمنيته وأكبر حسراته هذا لو كان الألم علي مجرد الفوات كيف وهناك عن العذاب علي الروح والبدن أمور أخرى وجودية مالا يقدره قدره؟ فتبارك من حمل هذا الخلق الضعيف هذين الألمين العظيمين اللذين لا تحملهما الجبال الرواسي.
فأعرض علي نفسك"الآن"أعظم محبوب لك في الدنيا بحيث لا تطيب لك الحياة إلاّ معه فأصبحت وقد أخذ منك وحيل بينك وبينه أحوج ما كنت إليه كيف يكون حالك؟ هذا ومنه كل عوض فكيف بمن لا عوض عنه كما قيل:

من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الله إن ضيعته عوض

وفي أثر إلهي"ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب ابن آدم أطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء".
فصل:
ولما كانت المحبة جنسا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالي ما يختص به ويليق به من أنواعها وما لا تصلح



ص -237- إلاّ له وحده مثل العبادة والإنابة ونحوهما فإن العبادة لا تصلح إلاّ له وحده وكذا الإنابة وقد ذكر المحبة باسمها المطلق كقوله تعالي {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقوله تعالي {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} وأعظم أنواع المحبة المذمومة: المحبة مع الله التي سوى فيها المحب بين محبة الله ومحبته للند الذي اتخذه من دون الله.
وأعظم أنواعها المحمودة محبة الله وحده وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها التي لا ينجو أحد من العذاب إلاّ بها والمحبة المذمومة الشركية هي أصل الشقاوة ورأسها التي لا يبقي في العذاب إلاّ أهلها فأهل المحبة الذين أحبوا الله وعبدوه وحده لا شريك له لا يدخلون النار من دخلها منهم بذنوبه فإنه لا يبقى فيها منهم أحد.
ومدار القرآن علي الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهى عن المحبة الأخرى ولوازمها وضرب الأمثال والمقاييس للنوعين وذكر قصص النوعين وتفصيل أعمال النوعين وأوليائهم ومعبود كل منهما واخباره عن فعله ولنوعين وعن حال النوعين في الدور الثلاثة: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار والقرآن باقي شأن النوعين.
وأصل دعوة جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم: إنما هو عبادة الله وحده لا شريك له المتضمنة لكمال حبه وكمال الخضوع والذل له والإجلال والتعظيم ولوازم ذلك من الطاعة والتقوى.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:"والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".



ص -238- وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"يا رسول الله والله لانت أحب إلى من كل شيء إلاّ من نفسي فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال: والذي بعثك بالحق لأنت أحب إلى من نفسي فقال: الآن يا عمر"فإذا كان هذا شأن محبة عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم ووجوب تقديمها علي محبة النفس ووالده وولده الكراهة أجمعين فما الظن بمحبة مرسله سبحانه وتعالي ووجوب تقديمها علي محبة ما سواه؟
ومحبة الرب تعالي تختص عن محبة غيره في قدرها وصفتها وإفراده سبحانه بها فإن الواجب له من ذلك كله إن يكون إلى العبد أحب إليه من ولده ووالده بل من سمعه وبصره ونفسه التي بين جنبيه فيكون إلهه الحق ومعبوده أحب إليه من ذلك كله والشيء قد يحب من وجه دون وجه وقد يحب بغيره وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلاّ الله وحده ولا تصلح الألوهية إلاّ له {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} والتأله: هو المحبة والطاعة والخضوع.
فصل:
وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فأصلها المحبة فهي علتها الفاعلية والغائبة وذلك لأن الحركات ثلاثة أنواع: حركة اختيارية إرادية وحركة طبيعية وحركة قسرية.
فالحركة الطبيعية أصلها السكون وإنما يتحرك الجسم إذا خرج عن مستقره ومركزه الطبيعي فهو يتحرك للعود إليه وخروجه عن مركزه ومستقرة وإنما يتحرك بتحرك القاسر المحرك له فله حركة قسرية تتحرك بتحريك محركه وقاسره وحركة طبيعية بذاتها تطلب بها العود إلى مركزه وكلا حركتيه تابعة



ص -239- للقاسر المحرك فهو أصل الحركتين.
والحركة الاختيارية الإرادية هي أصل الحركتين الأخريين وهي تابعة للإرادة والمحبة.
والدليل علي انحصار فصارت الحركات الثلاث: تابعة للمحبة والإرادة يشير علي انحصار الحركات في هذه الثلاث إن المتحرك إن كان له شعور الجزري فهي الإرادية وان لم يكن له شعور بها فإما أن يكون على وفق طبيعته الأولى فالأولى هي الطبيعية والثانية هي القسرية إذا فهمت هذا فما في السموات والأرض وما بينهما من حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والمطر والنبات وحركات الأجنة في بطون أمهاتها فإنما هي بواسطة الملائكة المدبرات أمرا والمقسمات أمرا كما دل علي نصوص القرآن والسنة في غير موضع والإيمان بذلك من تمام الإيمان بالملائكة: فإن الله وكل بالرحم ملائكة وبالقطر ملائكة وبالنبات ملائكة وبالرياح ملائكة وبالأفلاك والشمس والقمر والنجوم ووكل بكل عبد أربعة من الملائكة كاتبين علي يمينه وعلي شماله وحافظين من بين يديه ومن خلفه ووكل ملائكة بقبض روحه وتجهيزها إلى مستقرها من الجنة والنار وملائكة بمسألته وامتحانه في قبره وعذابه هناك أو نعيمه وملائكة تسوقه إلى المحشر إذا قام من قبره وملائكة بتعذيبه في النار أو نعيمه في الجنة ووكل بالجبال ملائكة وبالسحاب ملائكة تسوقه إلى حيث أمرت به وملائكة بالقطر تنزله بأمر الله بقدر معلوم كما شاء الله ووكل ملائكة بغرس الجنة وعمل آلاتها وفرشها وثيابها والقيام عليها وملائكة بالنار كذلك فأعظم جند الله الملائكة ولفظ"الملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر فليس لهم من الأمر شيء بل الأمر كله لله وهم يدبرون الأمر ويقسمونه بإذن الله وأمره قال تعالي: إخبارا عنهم {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} وقال



ص -240- تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلا مِنْ بَعْدِ إن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وأقسم سبحانه بطوائف من الملائكة المنفذين لأمره في الخليقة كما قال تعالي: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} وقال {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً} وقال تعالي: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} وقد ذكرنا معني ذلك وسر الأقسام في كتاب"التبيان في أقسام القرآن".
وإذا عرف ذلك فجميع تلك المحبات والحركات والإرادات والأفعال هي عباداتهم لرب الأرض والسموات وجميع الحركات الطبيعية والقسرية تابعة لها: فلولا الحب ما دارت الأفلاك ولا تحركت الكواكب النيرات ولا هبت الرياح المسخرات ولا مرت السحاب الحاملات ولا تحركت الأجنة في بطون الأمهات ولا انصدع عن الحب أنواع النبات ولا اضطربت أمواج البحار الزاجرات ولا تحركت المدبرات والمقسمات ولا سبحت بحمد فاطرها الأراضون والسموات وما فيها من أنواع المخلوقات فسبحان من {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}.
فصل:
فإذا عرف ذلك فكل حي له إرادة ومحبة وعمل بحسنه وكل متحرك فأصل حركته المحبة والإرادة ولا صلاح للموجودات إلاّ بان تكون حركاتها ومحبتها لفاطرها وباريها وحده كما لا وجود لها إلاّ بإبداعه وحده.



ص -241- ولهذا قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} ولم يقل سبحانه: لما وجدتا ولكانتا معدومتين ولا قال: لعدمتا إذ هو سبحانه قادر علي إن يبقيهما علي وجه الفساد لكن لا يمكن إن تكون علي وجه الصلاح والاستقامة إلاّ بان يكون الله وحده وهو معبود لهما ومعبود ما حوتاه وسكن فيهما فلو كان للعالم إلهان لفسد نظامه غاية الفساد فإن كل إله يطلب مغالبة الآخر والعلو عليه وتفرده دونه بالإلهية إذ الشرك نقص في كمال الإلهية والإله لا يرضى لنفسه إن يكون إلها ناقصا فإن قهر أحدهما الآخر كان هو الإله وحده والمقهور ليس بإله وان لم يقهر أحدهما الآخر لزم عجز كل منهما ونقصه ولم يكن تام الإلهية فيجب إن يكون فوقهما إله قاهر لهما حاكم عليهما وإلا ذهب كل منهما بما خلق وطلب كل منهما العلو علي الآخر وفي ذلك فساد أمر السموات والأرض ومن فيهما كما هو المعهود من فساد البلد إذا كان فيها ملكان متكافئان وفسد الزوجة إذا كان لها بعلان (والشول إذا كان فيه فحلان).
وأصل فساد العالم إنما هو من فساد اختلاف الملوك والخلفاء ولهذا لم يطمع أعداء الإسلام فيهم في زمن من الأزمنة إلاّ في زمن تعدد الملوك من المسلمين واختلافهم وانفراد كل واحد منهم ببلاد وطلب بعضهم العلو علي بعض فصلاح السموات والأرض واستقامتهما وانتظام أمر المخلوقات علي أتم نظام ومن أظهر الأدلة علي أنه لا إله إلاّ الله



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس