عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 06 Aug 2006, 03:50 PM
ابن الورد
الحسني
ابن الورد متصل الآن
Saudi Arabia    
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 1
 تاريخ التسجيل : Feb 2005
 فترة الأقامة : 7032 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (07:47 PM)
 الإقامة : بلاد الحرمين الشريفين
 المشاركات : 17,448 [ + ]
 التقييم : 24
 معدل التقييم : ابن الورد تم تعطيل التقييم
بيانات اضافيه [ + ]
سحر النبي محمد حقيقة أم وهم ؟ الجزء الرابع



[COLOR="Yellow"]فلا عجب أن يكون هذا الحديث مثار اهتمام لدى العقل الحديث، وخصوصًا بعد التقائه بعقول الآخرين، وتعرفه على أفكارهم.
ومن هنا تكلم فيه العلامة رشــيد رضا، لا كلام النافي له أو المكذب، بل كلام من يصدق به ويؤوله أحسن تأويل، يقنع أهل العقل والنظر ولا يرده أهل النقل والأثر.
وإليك ما ذكره في نهاية تفسير سورة الفلق، من قصار السور تحت عنوان: علاوة لتفسير السورة في حديث سحر منافق من أشرار اليهود للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد أن ذكر رواية الشيخين للحديث من طريق عائشة -رضي الله عنها- وهي التي أوردناها من قبل أشار إلى الرواية الأخرى، حيث قال: وفي رواية الشيخين: كان -صلى الله عليه وسلم- سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن بنحوه، وفيه: سحره رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقًا (بنو زريق بطن من الخزرج فهو على هذه الرواية يهودي بالحلف لا بالنسب).، وعن زيد بن أرقم سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيامًا فأتاه جبريل، فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك عقد لك عقدًا في بئر كذا وكذا فأرسل -صلى الله عليه وسلم- فاستخرجها فحلها فقام كأنما أنشط من عقال فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط. رواه النسائي. والأيام جمع قلة، ولكن بالغ بعض الرواة في غير الصحيحين فجعلوها أشهرًا.

قال السيد رشيد: فهذا الحديث صريح في أن المراد من السحر فيه خاص بمسألة مباشرة النساء، ولكن فهم أكثر العلماء أنه -صلى الله عليه وسلم- سحر سحرًا أثر في عقله، كما أثر في جسده. فأنكره بعضهم، وبالغوا في إنكاره، وعدوه مطعنًا في النبوة، ومنافيًا للعصمة؛ لقول عائشة: حتى إنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء، ولم يكن فعله. فعظمت هذه الرواية على علماء المعقول، وعدوها مخالفة للقطعي في النقل، وهو ما حكاه اللّه تعالى عن المشركين من طعـنهم فيه كعادة أمثـالهم في رسلهم بقولهم: (إن تتبعون إلا رجلاً مسحورًا) وتفنيده تعالى لهم بقوله: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فـضـلوا فلا يستطيعون سبيلاً) (الفرقان: 8،9).

ومخالفة للقطعي في العقل من عصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- من كل ما ينافي النبوة والثقة بها؛ إذ يدخـل في ذلك التخييل ما هو من التـشريع، ومخالفة لعلم النفـس الذي يعلم منه أن الأنفـس السافلة الخبـيثة لا تؤثر في الأنفـس العالية الطاهرة، فأنـكر صـحة الروايـة بعض العلماء، وأقدم من عرفنا ذلك عنهم من المفـسرين الفقـهاء: أبو بكر الجصـاص في كتابه" أحكام القرآن " وآخرهم: شيخنا الأستاذ الإمام في تفسير" جزء عم "
وقد أطال شيخنا في هذا وبالغ فيه. وبنى إنكاره له على القاعدة المتفق عليها عند علماء العقائد وأصول الفقه في معارضة الظني للقطعي، إذ الحديث آحاد، وهو يفيد الظن، فيرد بالقطعي عقلاً ونقلاً، وهو ما ذكرناه آنفًا، وقد اتفقوا على أن أحاديث الآحاد لا يحتج بها في أصول العقائد. وقال: إن كونه يفيد الظن خاص بمن صح عنده، وإن له أن يتأوله أو يفوض الأمر فيه، على قاعدتهم الأخرى في النصوص المعارضة للعقل. ولعمري إن ما نعرفه عن شيخنا محمد عبده -قدس اللّه روحه- من إجلاله وإكباره لشأن محمد رسول اللّه وخاتم النبيين في نفسه الزكية، وروحه القدسية، وعلو مداركه العقلية، مما لم نعرف مثله عن أحد من العلماء العقليين كفلاسفة المسلمين ومتكلميهم، ولا من العلماء الروحيين كالصوفية، ولا من علماء النقل كجامعي الروايات الكثيرة في معجزاته -صلى الله عليه وسلم- وحسبك منها تلك الآثارة البليغة في رسـالة التوحـيد، بل كان يقـول: إن روحه -صلى الله عليه وسلم- كانت منطـوية على جملة هـداية الدين ومدارك التشريع التي فصلت في كـتاب اللّه تعالى وسنته تفصيلاً تامًا.

وأجاب عن الرواية المحدثون المصححـون لها علمًا والمقلدون لهم بأن غاية ما تدل عليه: أن ذلك السحر إنما أثر في بدنه دون روحه وعقله، فكان تأثيره من الأعراض الجسدية، كالأمراض التي لم يعصم الأنبياء عليهم السلام منها.
وقد محصت هذه المسألة مرارًا آخرها في الرد على مجلة الأزهر" نور الإسلام " في زعمها المفترى أنني كذّبتُ حديث البخاري في سحر النبي -صلى الله عليه وسلم-فبينت: أن الحديث الصحيح في المسألة عن عائشة -رضي الله عنها- توهم عبارة بعض رواياته ما هو أعم من المعنى الخاص الذي أرادته منه، وهو مباشرة الزوجية بينه -صلى الله عليه وسلم- وبينها، فقولها: كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لم يفعله كناية عن هذا الشيء الخاص، لا عام في كل شيء، فلا يدخل فيه شيء من أمور التشريع، ولا غير غشيان الزوجية من الأمور العقلية، أو الأمراض البدنية، فضلاً عما كان يريده الذين يرمون الأنبياء بسحر الجنون؛ لأن أمورهم فوق المعقول عند أولئك الكافرين، فالمسألة محصورة فيما يسمونه حتى الآن " الربط " أو " العقد " أي عقد الرجل المانع من مباشرة زوجته فقط.

وبينت أيضًا: أن الرواية في أصح أسانيدها عند الشيخين عن هشام عن أبيه عن عائشة فيها علة من علل الحديث الخفية التي يشترط في صحة الحديث السلامة منها، وهي أن بعض منكري الحديث أعلوه بهشام هذا، وألف بعضهـم كتابًا خاصًا فيه، محتجًا بقول بعض علماء الجرح والتعديل: إنه كان في العراق يرسل عن أبيه عروة بن الزبير ما سمعه من غيره، وعروة هو راوية عائشة الثقة، وهي خالته. وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، يعني هشامًا، وقد نقم منه حديثه لأهل العراق، وقال ابن القطان: تغير قبل موته. ولا شك أن تعديل الجماعة له ومنهم الشيخان خـاص بمـا رواه قبل تغيره، فهـذا عـذر من طعن في روايته لهـذا الحديث الذي أنكـروا متنه بمـا علمت، والأمــر فيه أهــون ممـا قالوا (راجع تفصيل المسألة في: كتاب المنار والأزهر ص 95 -105). فالتحقيق أنه خاص بمسألة الزوجية، كما جاء التصريح به في الرواية الثانية كما تقدم، ولا يعتد بغير هذا.

أما ما رواه البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس في مرضه -صلى الله عليه وسلم- وأنه كان شديدًا، وأنه كان سحرًا في بئر تحت صخرة في كربة (الكرب: أصول السعف التي تقطع معها، وواحدتها: كربة. المصباح المنير).، وأنهم أخرجوها فأحرقوها فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأنزلت عليه هاتان السورتان يعني المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة.اهـ ملخصًا، فهذا حديث باطل مخالف لحديث الصحيحين في المسألة، ولروايات نزول السورتين بمكة، وهو من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والكلبي هذا متهم بالكذب، وطريقه أوهي الطـرق عن ابن عبـاس، واسمه محمد بن السائب.

وأما ما رواه أبو نعيم في الدلائل عن أنس قال: صنعت اليهود للنبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا فأصابه من ذلك وجع شديد، فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه ألم به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوذه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحًا، فهو من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، وهما ضعيفان. وليس في متنه ذكر السحر ولا أن المعوذتين نزلتا في ذلك الوقت، ولا في أي شيء من روايات الصحيحين. فالاستدلال به على أنهما مدنيتان ضعيف، فالحق أنهما مكيتان كما تقدم. ا هـ.
هذا هو كلام العلامة السيد رشيد -رحمه اللّه- تعالى في الحديث وتأويله، وهو كلام عالم فقيه جارٍ على نهج المحدثين الأصلاء، في الجرح والتعديل، والشرح والتعليل، وهو كلام إمام مصلح، حريص على البناء لا الهدم، وعلى التجـديد لا التبديد، يعرف قدر السلف، ولا ينكر حق الخلف. يخـالف شيـخه، ولكنه يدافـع عنه ويؤكد مقدار حبه وتوقيـره لرسـول اللّه -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو العدل والإنصــاف. فرضي اللّه عن الشيخ رشـيد وجـزاه عن الإسلام وأمته خيرًا وأثـابه على كل ما اجتـهد فيـه، أخطأ أو أصاب: أجرًا أو أجرين. آمين.

والله أعلم
[/SIZE][/SIZE][/COLOR][/COLOR][/COLOR]






آخر تعديل ابن الورد يوم 03 Sep 2006 في 03:22 AM.
رد مع اقتباس