عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 10 Dec 2011, 08:12 PM
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا
ابومسلم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل : Sep 2010
 فترة الأقامة : 4997 يوم
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : ابومسلم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
مصطلح التنوير: مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث



مصطلح التنوير

مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث


" نظرة تقويمية "

محاضرة أعدها وقدّمها
الدكتور عبد اللطيف الشيخ توفيق الشيرازي الصباغ

أستاذ الملل والنحل والمذاهب المعاصرة بقسم الدراسات الإسلامية

بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة

جدة في يوم الأربعاء 7 محرّم الحرام 1426هـ
16 شباط (فبراير) 2005






مصطلح التنوير: مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث
الحمدلله رب العالمين، (الحمدلله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)، الحمدلله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي أنزل الله إليه كتاباً ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وعلى آله الطيبن الطاهرين وأصحابه الغرّ الميامين أعلام التنوير الحقيقي في هذه الأمة وفي الإنسانية جمعاء، وبعد:
فإنّ مصطلح التنوير أو الاستنارة هو من الألفاظ والشعارات والمصطلحات الوافدة التي انتشرت في العالمين العربي والإسلامي في العصر الحديث، وهي جملة من المصطلحات المجملة المشكِلة الملتبسة التي ظاهرها ومبناها الخير والعلم والمعرفة، ولكنها تحمل في طياتها كثيراً من المفاهيم والأفكار المقبولة أو المرذولة والصحيحة أو الفاسدة؛ ولذلك اقتضت ضرورة البحث العلمي الموضوعي التوضيح والبيان والشرح والتفصيل حتى يزول اللبس وتتضح معالم الصورة وتنزاح الشبهة، فيحيا من حيّ عن بينة ويهلِك من هلك عن بيّنة، (وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) الأنعام /55

مفهوم التنوير عند الغربيين:
وبداية نقول إن هذا المصطلح (التنوير أوالاستنارة)، بالمعنى الفكري والفلسفي الشائع،هو ترجمة للمصطلح الغربي الذي يذكر عادة تحت عنوان: حركة الأنوار أو فلسفة الأنوار أو عصر الأنوار أو فكر الأنوار:
بالفرنسية“philosophie des lumieres” ، وبالإنكليزية ”Enlightenment“، وبالألمانية “Aufklarung” وقد ترجمت إلى العربية بحركة التنوير أو حركة الاستنارة.
وحتى نفهم هذا المصطلح بالعربية يستحسن أن نتعرف على مفهومه وأبعاده في اللغات الأوروبية وفي تطور الفكر الغربي عموماً، والواقع أن حركة التنوير تشير إلى تلك الحركة الفلسفية التي بدأت في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي، وجاءت بعد المذهب الإنساني وحركة النهضة الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وقد تميزت هذه الحركة بفكرة التقدم وعدم الثقة بالتقاليد، وبالتفاؤل والإيمان بالعقل، وبالدعوة إلى التفكير الذاتي المستقل، والحكم على أساس التجربة الشخصية (المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية بمصر) ويقابلها نزعة التعمية، وهي نزعة تتعارض مع نشر المعارف والأخذ بالمبادئ العقلية، وهو مصطلح قدحي ذمّي يعني النزعة الظلامية في مقابل التنوير أو حركة الأنوار (المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية بمصر).
وسنعرض فيما يلي شرحاً مكثفاً ومركزاً لفلسفة الأنوار في أوروبا نقتبسه من مرجع مهم من مراجع الفلسفة الغربية الحديثة، وهو معجم الفلسفات الكبرى Dictionnaire Des Grandes Philosophiesالذي أعد تحت إشراف الأستاذ (لوسيان جيرفانيونLucien Jerphagnon) ,1973 , ToulousePRIVAT. فقد جاء في هذا المعجم حول هذا المصطلح مايلي:
يشير هذا المصطلح إلى المذهب العقلاني في القرن الثامن عشر، والذي مهدت له بشكل واسع أعمال الفلاسفة السابقين من أمثال: سبينوزا، وريتشارد سيمون، وفونتنل، وبيير بايل وقبل كل ذلك نيوتن ولوك.
وليس من الممكن أن نحلل في صفحات قليلة، وبشكل متتابع،مذاهب الممثلين الرئيسيين لفلسفة الأنوار، أو أولئك الذين يمكن أن نلحقهم، رغم تنوعهم، بهذا التيار: في إنجلترا مثلاً: جون تولاند (1670- 1722)، دافيد هيوم (1711-1776)، وفي ألمانيا: كريستيان وولف (1679- 1754)، ليسينغ (1729- 1781)، وفي فرنسا: مونتسكيو (1689- 1755)، فولتير (1694- 1778)، ديدرو (1713- 1784)، دولامتري (1709- 1751)، دولباخ (1723- 1789)، وبصورة أقل يقيناً روسو والمركيز دوساد، هؤلاء هم الذين كانوا متأثرين بشكل واسع بهذه الفلسفة "فلسفة الأنوار" مع أنهم خالفوها في بعض النقاط الجوهرية.

ونريد هنا بالأحرى أن نحلل المقتضيات الأساسية لمفهوم فلسفة الأنوار:
إن فلسفة الأنوار هي فلسفة عقلانية متفائلة تريد الظهور علناً، وتريد إنارة كل العقول وتخليصها من النزعة الظلامية. وفي إطار هذا المقصد، مقصد التعميم الواسع ونشر الأنوار بشكل عام وفي جميع الأوساط، كتبت الموسوعة تحت إشراف "ديدرو"، تلك الموسوعة التي تشكل معجماً عاماً للعلوم والفنون والتقنيات (وقد صدرت بين عامي 1715 و 1772).
ولنلاحظ مع ذلك أن حركة البنّائين الأحرار (الماسونية) (التي قدم لها "أندرسون" مؤسساتها و قوانينها منذ عام (1723) كانت تنمو بشكل سريع جداً وتساند الأفكار الجديدة وقد أدانتها رسالة بابوية أطلقها "البابا كلمنت الثاني عشر" عام 1738) وهي تقدم خليطاً غريباً من فكر الأنوار ومن الروح العرفانية الإشراقية“ILLUMINISME”.

ويمكن أن نلخص معالم فلسفة الأنوار عند الأوروبيين بما يلي:

الهجوم على الدين وعلى السلطات القائمة وتسفيهها وذمها.
الإشادة بالعقل الطبيعي، وشعارهم في ذلك: "إن أنوار العقل الطبيعي وحدها هي القادرة على قيادة بني الإنسان إلى كمال العلم والحكمة". وهذا يلخص بألفاظ بسيطة جداً كل برنامج حركة التنوير الغربية.
يمكن أن نعتبر حركة التنوير حركة عقلانية ديكارتية معممة، أي تمديداً واسعاً يغطي جميع الميادين لعقلانية بقيت محدودة وخجولة عند "ديكارت" نفسه.
الدعوة إلى عقلانية تجريبية حسب النموذج النيوتوني.
حلول التحليل محل الاستنتاج العقلي النظري.
إعتبار النظم الفلسفية الميتافيزيقية التي كانت سائدة في القرن السابع عشر أبنية خيالية.
استبدال العقلانية التحليلية والنقدية ب"العقلانية الكبرى" التي كانت سائدة في القرن السابق.
الإنسان معتبر ببساطة آلة أكثر تعقيداً من الحيوان.
النظرة الحسية التجريبية الوضعية للأشياء تحل محل النظرة المتعالية التقديسية.
الصراع الأساسي الذي تلتزم به حركة التنوير هو الصراع بين العقل التجريبي الوضعي النقدي وبين مضمون الإيمان الديني الغيبي.
كانت حركة الإصلاح الديني قد طالبت بالعودة إلى مصادر الإيمان، أي إلى نصوص العهد القديم والعهد الجديد، لكن "سبينوزا" كان يطالب بأن يدرس النص الديني كأي نص عادي آخر، وكأي مجموعة من الوقائع بكل معطيات العقل النقدي ووسائله.
نزعة الشك في النص المقدس في ثبوته وفي مصداقيته لكونه مثقلاً بالشروح والزيادات والتحريفات.
الكتاب المقدس ليس سوى نسيج من الأساطير، والعقل المستنير يجب عليه أن يرفض هذه الخرافات التي هي من قبيل الطيرة،أو نزعة التطير.
إذا كان معظم أبطال حركة التنوير قد بقوا مؤمنين بإله شخصي، "كفولتير" مثلاً، وبقوا يقبلون ديناً طبيعياً، أي يرون في فرضية إله خالق مطلباً طبيعياً من مطالب العقل فإنهم كانوا يرفضون أي دين موحى به.

هكذا كانت فلسفة التنوير (الأنوار) تؤكد إذن قيمة العقل الطبيعي و الأنوار الطبيعية، ولكنها ترفض كل وحي، ترفض كل ما كان علم اللاهوت التقليدي ينسبه إلى العناية الإلهية واللطف الإلهي. فالعقل الطبيعي يكفي لإيصالنا إلى المعرفة. وبنفس الطريقة فإن هناك أخلاقاً طبيعية تكفي لضمان سعادتنا، بصرف النظر عن المحرمات التعسفية والتوجيهات المصطنعة، كما يدّعون.
((أشار اللورد "بروجهام" إلى الفيلسوف " فولتير" وصوّره وهو يؤدي واجباته الدينية على قمة جبل سنة 1775 تحت إشعاع الشمس المشرقة وهو يقول متوجهاً إلى الكائن الأعظم:
إني أؤمن بك، إني أؤمن بك... ثمّ فجأة ينتصب واقفاً ويضع قبعته على رأسه وينفض الغبار عن ركبتيه ويستعيد قسمات وجهه المغضن ثم يقول: هذا بالنسبة لك، أما بالنسبة للسيد الابن وللسيدة أمه، فالمسألة لها عندي شأن آخر)).

هذه الثقة بالطبيعة تميز بشكل واضح حركة التنوير، فهي تتضمن وتقتضي رفض عقيدة الخطيئة الأصلية، وبهذا وحول هذه النقطة بشكل جوهري كانت حركة الأنوار معادية للنصرانية.

لقد تبنت موقف المذهب الإنساني المعارض الذي كان معروفاً في القرن السادس عشر وعمقته. فالإنسان عندها سيد مصيره المطلق وليس تابعاً لرحمة تعسفية. والطبيعة الإنسانية بقواها الذاتية وحدها قادرة على تحقيق التقدم، وليست فاسدة في منبعها بسبب الخطيئة الأصلية. لقد أكدت هذه الحركة أن فلسفة معقولة وعاقلة ينبغي أن ترفض هذه الأسطورة المعيبة التي تقرر الخطيئة الموروثة والتي تجعل منها بشكل ما أمراًً عضوياً بيولوجياً.

وقد كان رفض الخطيئة الأصلية يعني أيضاً رد طغيان الحكام المستبدين، الذين كانوا يسوغون سلطتهم المطلقة بفساد رعاياهم فساداً أصلياً، وهم كلهم أبناء آدم، أما إعادة الثقة بالإنسان فإنها تعني المناداة بضرورة التسامح والمطالبة بحرية التفكير والتعبير. لقد كانت فلسفة متفائلة، بل إن كلمة التفاؤل قد وضعت من قبلها في القرن الثامن عشر، فقد كان هناك ثقة كبيرة في العقل الإنساني والعلم الإنساني والتحولات العلمية الكبيرة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية المتنامية لمواجهة حالات الخلل التي تحدث في الطبيعة وفي المجتمع،
فالتقدم العلمي والتقدم الاقتصادي المادي سيحل كل المشكلات وسيلبي كل الحاجات، وهكذا أعلن "كوندورسيه" سنة 1794:
((أن الإنسانية، وهي تزداد علماً ومعرفة كل يوم وبدون توقف، سوف ترى سلطتها على الطبيعة تزداد وتقوى كل يوم وكذلك الأمر بالنسبة لثرواتها وإمكانات سعادتها: فصلاحية الإنسان لبلوغ الكمال هي في الواقع بغير نهاية)).

وقد ورثت هذه الفلسفةَ بشكل مباشر ومثلتها في الأزمان اللاحقة كل من:
الفلسفة الوضعية والوضعيين على اختلافهم.
الاشتراكية والاشتراكيين على تنوعهم.
النزعة الإنسانية من كل شكل ولون.

واضح إذن أن الطابع المميز لحركة التنوير وفلسفتها في أوروبا هو طابع عقلاني طبيعي مادي إنساني تحليلي نقدي بعيد عن الدين إن لم يكن معادياً له، يؤمن بالتقدم الإنساني الواسع والمستمر على أساس التفاؤل والثقة بقدرة الإنسان الذاتية وإمكاناته الخاصّة، وأهليته الكاملة لبلوغ سعادته بنفسه، وجميع الحركات الفلسفية والأدبية الأوروبية التي مثّلت حركة التنوير وقادتها تتميّز بالتشكيك في القيم التقليدية والمعتقدات الدينية، وبالميل نحو الفردية المطلقة، وبإبراز فكرة التقدم البشري العام، وبالمناهج التجريبية الوضعية للعلوم، وبتحكيم العقل في كل شيء. (معجم مصطلحات الأدب، مجدي وهبه). هذا هو معنى التنوير ومبادئه في أوروبة، فلننظر إلى دلالة هذا المصطلح واستخداماته في الخطاب العربي الحديث.





رد مع اقتباس