عرض مشاركة واحدة
قديم 10 Dec 2011, 08:14 PM   #2
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مصطلح التنوير: مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث



معنى التنوير في اللغة العربية وفي التراث الإسلامي:

معنى التنوير في اللغة العربية: لا بد لنا قبل تحديد معنى التنوير كمصطلح ثقافي أو فلسفي في اللغة العربية الحديثة، أن نتعرف أولاً على معنى التنوير في اللغة وفي التراث الإسلامي.
التنوير في اللغة العربية مصدر الفعل المضعف (نوّر)، والفعل نوّر معناه أضاء، يقال نوّر الله قلبه: يعني هداه إلى الحق والخير، ونوّر الصبح أسفر، والتنوير هو وقت إسفار الصبح يقال: صلى الفجر في التنوير أي صلى الفجر في وقت الإسفار. واستنار بمعنى أضاء، ويقال: استنار الشعب، أي صار واعياً مثقفاً (المعجم الوسيط).

النّور في القرآن الكريم: يقول العلاّمة الراغب الأصفهاني في كتابه "مفردات ألفاظ القرآن ": [النّور: الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار، وذلك ضربان: دنيويّ وأخرويّ.
فالدنيويّ ضربان: ضرب معقول بعين البصيرة، وهو ماانتشر من الأمور الإلهية: كنور العقل و نور القرآن، ومحسوسٌ بعين البصر وهو ماانتشر من الأجسام النيّرة كالقمرين والنجوم والنيّرات.
فمن النور الإلهي قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نورُ وكتاب مبين) وقوله تعالى: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها) وقوله تعالى: (ما كنت تدري مالكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا) وقوله تعالى: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) وقوله تعالى: (نورُ على نور يهدي الله لنوره من يشاء).
ومن المحسوس الذي بعين البصر قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورا)، وتخصيص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث إن الضوء أخص من النور، قال تعالى: (وقمراً منيرا) أي ذا نورٍ. وممّا هو عامُّ فيهما قوله تعالى: (وجعل الظلمات والنّور) وقوله تعالى: (ويجعل لكم نوراً تمشون به) وقوله تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربها).
ومن النور الأخروي قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم) وقوله تعالى: (والذين آمنوا معه نروهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون: ربّنا أتمم لنا نورنا) وقوله تعالى: (انظرونا نقتبس من نوركم) وقوله تعالى: (فالتمسوا نورا).
ويُقال: أنار الله كذا ونوّره. وسمّى الله تعالى نفسه نورا من حيث إنّه هو المنوّر سبحانه، قال تعالى: (الله نور السموات والأرض)، وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله ]. انتهى كلام الراغب في مفرداته.

معنى التنوير عند الصوفية: وتطلق عبارة فلسفة النور على فلسفة الإشراق عند السهروردي مثلاً، ومؤمن منور القلب: إذا دخل النور في قلبه انشرح وانفسح، وقد جاء في الحديث:
"من أحب أن ينظر إلى عبد نور الله قلبه فلينظر إلى حارثة" قيل وما علامة ذلك يا رسول الله: فقال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله".
وسميت الصوفية بالنورية أخذاً من هذا الحديث، كما أن الصوفية يطلقون كلمة النور على الحق سبحانه وتعالى، ويسمونه أيضاً نور الأنوار، والنور المحيط والنور القيوم، والنور المقدس، والنور الأعظم الأعلى، ونور النهار، (د.عبدالمنعم الحفني: معجم مصطلحات الصوفية).
وفي معجم" ألفاظ الصوفية" للدكتور حسن الشرقاوي أن النور يقصد به اليقين بالحق، والهدى، واطمئنان القلب به، ويذكر النور بضده دائماً، وهي الظلمات التي يراد بها الشكوك والشبهات. كما يراد بالنور المعارف والحقائق التي تجلب اليقين في العقائد، كما يقصد بالنور الكتاب السماوي كما في قوله تعالى: [ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً ] النساء " 174 ".
ويمكن أن يحمل معنى النور على النبي الذي يجيء بما ينير السبيل.

وعند الإمام الغزالي: النور هو العلم اللدني أو الوهبي أو العلم الإلهامي وهو نور يقذفه الله في قلب المؤمن.
ولاننسى في هذا الإطار العنوان الموحي لكتاب الصوفيّ الشهير إبن عطاء الله الاسكندري، وهو "التنوير في إسقاط التدبير".
معنى التنوير في الثقافة العربية الحديثة: يقترب معنى التنوير في الاستخدام الثقافي العربي الحديث من معنى الوعي بالحاجة إلى التقدم وإلى الإصلاح والتجديد واليقظة والنهضة. والاستنارة تفيد معنى الفهم والثقافة والاطلاع والاقتناع بضرورة التغيير والتقدم، ويقابلها التزمت والجمود والتمسك بالعادات والتقاليد القديمة بدون تمييز، والانغلاق على النفس ورفض الحوار والتفاعل مع الآخرين.

لكن للتنوير معنى اصطلاحياً فلسفياً خاصاً، فهو الاستخدام العام لعقل الإنسان في جميع القضايا، وتبني شعار "لا سلطان على العقل إلا للعقل"، وهو شجاعة استخدام العقل ولو كان ذلك ضد الدين وضد النص، والدعوة إلى تجاوز العقائد الغيبية، والإيمان بقدرة الإنسان الذاتية على الفهم والتحليل والتشريع، والدعوة إلى الدولة العلمانية، وتجاوز النص الديني أو إهماله أو تفسيره تفسيرات بعيدة عن سياقه وعن قواعد التفسير الموضوعية، وهو الدعوة إلى المنهج التجريبي الحسي المادي واعتباره المنهج الوحيد الجدير بالثقة والاتباع.

والواقع أن هذا المصطلح قد اكتنفه في العصر الحديث كثير من الغموض والتعمية وكثير من الخلط والتلبيس حتى أصبح من الكلمات الفضفاضة التي تحشى بمعاني مختلفة، أو بتعبيرنا الأصولي أصبح من الألفاظ المجملة والمشتركة، وسواء أكان ذلك بقصد أم بدون قصد.

وقد أصبحت كلمة التنوير أو الاستنارة مؤخراً كلمة محورية في الخطاب السياسي والفلسفي العربي، لكن تعريفات التنوير والاستنارة في الأدبيات العربية تعريفات عامة مثل:
حق الاجتهاد والاختلاف، وشجاعة استخدام العقل، ولا سلطان على العقل إلا لسلطان العقل، والاستخدام العام لعقل الإنسان في جميع القضايا.

ولذلك وجدنا كلمة التنوير تختلط أحياناً بكلمات الوعي والنهضة واليقظة والإصلاح والتجديد والتقدم والترقي والتمدن وغيرها من الكلمات والمصطلحات المقاربة، فكان لزاماً علينا أن نحدد المعنى الحقيقي لهذا المصطلح وأن نميزه عن غيره ونحدد اتجاهاته وألوانه وأطيافه، حتى لا تختلط الأمور ولا تلتبس المفاهيم، وحتى يكون الحكم مؤسساً على تصور سليم ومعرفة بينة.

يطلق مصطلح التنوير في الخطاب العربي الحديث بشكل عام على حركة التوعية والتثقيف والتحديث والتجديد التي حدثت في العالم الإسلامي منذ قرنين من الزمان واتسمت بتأثرها بالطريقة الغربية وبإعجابها بالغرب وعلومه وتقدمه الفكري والعلمي وبتيار النهضة والإحياء الذي عرف فيه في القرون الأخيرة، بل إن هناك من يقول بأن تيار التنوير في العالم العربي الحديث بدأ مع الحملة الفرنسية البونابارتية على مصر 1798م، وما أحدثته هذه الحملة من صدمة ثقافية وحضارية ووعي فكري وثقافي، وقد وجدنا من ينظر إلى هذه الحملة اليوم نظرة إيجابية استحسانية، ويطالب بإعادة تقويم هذه الحملة وإعادة تحليل أهميتها وآثارها والحكم عليها من وجهة النظر التنويرية التقدمية التاريخية!!.

ولكن لنا أن نتساءل: هل فهم رجال الإصلاح والتجديد المسلمون التنوير كما فهمه رواد حركة التنوير في أوروبا؟ وهل اقتفوا أثرهم حذو النعل بالنعل والقُذّة بالقُذة؟ أم أنهم فهموه بمعنى الإصلاح والتجديد والتحديث من الداخل وفي إطار منظومة العقائد والقيم الإسلامية الأساسية مع اختلاف في الدرجة والمقدار؟ وهل يجوز أن نضع جميع دعاة الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي الحديث في سلة واحدة وأن نضمهم في حُزمة واحدة؟ وهل هناك تنوير واحد أم "تنويرات" أي أنواع متعددة من التنوير قد تختلف قطبياً وجذرياً، وقد تتنوع في المسارات والطرائق؟ هل يمكن الحديث عن تنوير إسلامي وتنوير علماني وضعي؟

لقد ذكر أحد الباحثين في التنوير الحديث أن التنوير الغربي هو تنوير علماني يستبدل العقل بالدين ويقيم قطيعة مع التراث، وأن التنوير الإسلامي هو تنوير إلهي لأن الله والقرآن والرسول أنوار تصنع للمسلم تنويراً إسلامياً متميزاً يرسم معالمه أعلام التجديد الإسلامي المعاصر: ولنلاحظ هنا التقارب بين مصطلحي التنوير والتجديد.
وقد ميّز كاتب آخر "محمد جلال كشك "بين رجال التنوير الحقيقيين وبين التنويريين المضللين الذين تدق لهم الطبول هنا وهناك (جهالات عصر التنوير: قراءة في فكر قاسم أمين وعلي عبد الرازق) ص 3-10.
وقد كتب الدكتور"محمد عمارة" كتاباً كاملاً عن "الإسلام بين التنوير والتزوير" دار الشروق، القاهرة 2002م، كما أصدر كتيباً حول فكر التنوير بين العلمانيين والإسلاميين في سلسلة (نحو عقلية إسلامية واعية) رقم "17" دار الصحوة للنشر 1995. وكأن التنوير عنده يعني تكوين عقلية إسلامية واعية تكون أساس نهضة إسلامية شاملة، وشتان بين هذا المفهوم للتنوير وبين مفهوم رواد التنوير الغربي العلماني، كما يتجلى ذلك في سلسلة من الرسائل القيمة عنوانها (في التنوير الإسلامي) تمييزاً له عن التنوير العلماني!
والذي يلفت النظر أن هذا الاتجاه يذكر نماذج من رجال التنوير الحقيقيين من أمثال "الشيخ محمد الخضر حسين"، و "الشيخ عبدالحميد بن باديس" وكثير من رجال الإصلاح والتجديد الذين ظهروا في العالم الإسلامي في القرنين الأخيرين، لذلك فإننا نلاحظ أنّ هذا الاتجاه لا يفرق كثيراً بين رجال التنوير ورجال النهضة والإصلاح والتجديد.
(أنظر كتاب "ابن باديس، فارس الإصلاح والتنوير" لمؤلفه الدكتور محمد بهيّ الدين سالم، دار الشروق 1420 هـ).

بل إنّ كثيراً من الأسماء والرموز التي ينتحلها دعاة التنوير الغربي العلماني ويحاولون تصويرها على أنها من رواد حركة التنوير بمفهومهم العلماني الغربي للتنوير، هي عند التحقيق والبحث الرصين، بعيدة كل البعد عن مفهوم التنوير الغربي ومفرداته وأهدافه، وهذا ما يشير إلى أنّ التنويريين الغربيين الجدد يقومون بعملية خلط وتدليس وتلبيس أقلُّ ما توصف به هو أنها عملية غير دقيقة وغير أمينة وغير منهجية.
فهل نترك مصطلح التنوير لأولئك المفكرين والدعاة المتغربين المتنكرين لعقيدة الإسلام وقيمه المقتفين أثر حركة التنوير الغربية وخصائصها، ونحتفظ بمصطلح التجديد والإصلاح لمفكري الإسلام في العالم الإسلامي الحديث على اختلاف طرائق تفكيرهم وعملهم ماداموا لم يتنكروا للمرجعية الإسلامية في أصولها ومقاصدها الأساسية؟

الموضوع لم يحسم بعد، ونحن لا نرى بأساً في استخدام مصطلح التنوير بمعناه العام المجمل المشترك مع تحديد المراد منه وتقييده بالأوصاف التي تبين نوعه وتحدده.
فلقد كثرت دعاوى التنوير في العالم الإسلامي الحديث وأصبح لها منابر ودعاة كثيرون رغم اختلاف البواعث والخطط والأهداف، وقد سلكت هذه الدعاوى، منذ قرنين من الزمان، أي منذ بداية النهضة الإسلامية الحديثة، عدة مسالك، وكان لها عدة اتجاهات.



 

رد مع اقتباس