عرض مشاركة واحدة
قديم 10 Dec 2011, 08:23 PM   #5
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مصطلح التنوير: مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث



رابعاً: التنوير الإسلامي التجديدي المحافظ:

وهو اتجاه إسلامي تنويري تجديدي بأكثر معاني التنوير الإسلامي حيْطة وحذراً خشية الانزلاق إلى نزعة تحريفية أو تطويعية تحت اسم التطور أو التحديث. والحقيقة هي أنّ هذا الاتجاه يمثل اتجاه التجديد بمعناه المأثور في الحديث النبوي الشريف [ إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ] رواه أبو داوود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الطبراني والحاكم والبيهقي، وهو حديث صحيح.

وهنا يتطابق معنى التنوير ومعنى التجديد، ويتحدد التنوير الصحيح المقبول بتجديد الدين وإحيائه، أو بتعبير مجمل آخر: بإعادة الدين إلى ما كان عليه في عهد النبوة وفي عهد السلف الأول، لكن لهذا المعنى المجمل تفصيلاً يتضمن المحافظة على نصوص الدين الأصيلة من الضياع ومن الاختلاط بغيرها، وهذا يعني إيجاد طريقة علمية واضحة لتوثيق وتصحيح النصوص الأصلية للكتاب والسنة باعتبارها قوام الدين ومرجعيته الأساسية، ويتضمن أيضاً نقل المعاني الصحيحة للنصوص، وإحياء الفهم السليم لها كما بينها الرسول صلى الله عليه وسلم وكما فهمها الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، كما يتضمن العمل بمقتضى الكتاب والسنة وتطبيقهما في واقع حياة الفرد والجماعة، وهذا لا يعني استبعاد الاجتهاد من مفهوم التجديد، بل إنه لا يمكن ربط الحياة ومتغيراتها بالدين إلا بالاجتهاد الذي يقوم به العقل المسلم اليقظ في ظل أصول الدين ونصوصه الأصلية وفهم السلف الصالح، لكنّ الذي ينبغي أن يوضّح هنا أن التجديد لا يعني الابتداع في الدين.


ويمكن إجمال عناصر هذا التنوير التجديدي المحافظ على النحو التالي:

1. السعي لإحياء الدين وبعثه وإعادته إلى ما كان عليه في عهد السلف الأول.
2. حفظ النصوص الأصلية صحيحة نقية حسب الضوابط والمعايير السليمة.
3. سلوك المناهج السليمة لفهم نصوص الدين وتلقي معانيها عن الأجيال والقرون الخيّرة.
4. جعل أحكام الدين نافذة مهيمنة على أوجه الحياة المختلفة والمسارعة لرأب الصدع في العمل بها وإعادة ما ينقض من عراها.
5. وضع الحلول الإسلامية لكل طارئ واستنباط الأحكام لكل حادث، وتوسيع دائرة أحكام الدين لتشمل ما كان نافعاً متفقاً مع نصوص الدين ومقاصده وكلياته.
6. تمييز ما هو من الدين حقيقة وما يلتبس به، وتنقية الدين من الانحرافات والبدع سواء كانت ناتجة من عوامل داخلية في المجتمع الإسلامي أو بتأثيرات خارجية.

وقد جمعت الموسوعة الميسّرة هذه العناصر الستة في التعريف الجامع التالي للتجديد في الاصطلاح الإسلامي:
التجديد: "هو إحياء وبعث معالم الدين العلمية بحفظ النصوص الصحيحة نقية وتمييز ما هو من الدين مما هو ملتبس به وتنقيته من الانحرافات والبدع النظرية والسلوكية، وبعث مناهج النظر والاستدلال لفهم النصوص على ما كان عليه السلف الصالح، وبعث معالمه العملية بالسعي لتقريب واقع المجتمع المسلم في كل عصر إلى المجتمع النموذج الأول من خلال وضع الحلول الإسلامية لكل طارئ، وجعل أحكام الدين نافذة مهيمنة على أوجه الحياة، ووضع ضوابط لاقتباس النافع الصالح من كل حضارة على ما أبانته نصوص الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح"*[1]
ويمثل هذا الاتجاه في العصر الحديث رواد المدرسة الإصلاحية السلفية منذ دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ) وحتى عصرنا الحالي.

ويمثل هذا الاتجاه من العلماء والمفكرين والدعاة بعد الشيخ ابن عبد الوهاب، الإمام الشوكاني (1250هـ)، والأمير صديق حسن خان، والشيخ شهاب الدين الألوسي (1270هـ)، والشيخ محمد جمال الدين القاسمي (1332هـ)، والشيخ محمد رشيد رضا(1354هـ)، والسيد محب الدين الخطيب (1389هـ)، والدكتور مصطفى حلمي، والدكتور محمد رشاد سالم، والدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد صالح بن العثيمين وغيرهم في شتى أقطار العالم الإسلامي سواء كانوا شخصيات علمية أو مؤسسات تعليمية ودعوية أو جماعات تربوية وخيرية.

ولسائل أن يسأل عن الفروق الدقيقة بين هذا الاتجاه التنويري التجديدي المحافظ والاتجاه السابق وهو التيار التنويري التجديدي التحديثي، ولا شك أن هناك بين الاتجاهين نقاط اشتراك جوهرية وبنيوية ولذلك جعلناهما ضمن صنف واحد هو التنوير الإسلامي التجديدي الأصيل.

ويبدو لنا أن نقاط الاختلاف يمكن رؤيتها فيما يلي:

1. الاتجاه التجديدي المحافظ اتجاه إحيائي أكثر منه تحديثياً.
2. التركيز على قضية الابتداع عند الاتجاه المحافظ والتشديد في محاربته وتوسيع مفهوم البدعة أكثر مما نجده عند الاتجاه الآخر.
3. توسيع مجال عمل العقل في الاتجاه التحديثي أكثر مما نجده في الاتجاه المحافظ.
4. إعتبار المصالح والمقاصد في الاتجاه التجديدي التحديثي أكثر مما نجده في الاتجاه المحافظ،الأمر الذي جعل الاتجاه التحديثي يبدو أكثر تلاؤماً مع مقتضيات التغير الاجتماعي والتطور العمراني.
5. إنفتاح الاتجاه التجديدي التحديثي على تجارب الشعوب والمجتمعات الأخرى والتفاعل معها أكثر مما يلاحظ في الاتجاه التجديدي المحافظ خشية الانحراف والتقليد والتبديل.

ولقد جعلنا هذا الاتجاه أحد اتجاهي التنوير الإسلامي التجديدي باعتبار المعنى اللغوي لمصطلح التنوير والمعنى الاصطلاحي الإسلامي لمصطلح التجديد، ولايجوز أن نعبأ هنا بما يمكن أن يُبهت به هذا الاتجاه من أنه اتجاه ظلامي أو تيار رجعي تجهيلي، فمثل هذه الأوصاف لا تجد لها سوقاً رائجة إلا عند أصحاب الاتجاه التنويري التغريبي العلماني أو التحريفي، وهذا لا يجوز أن يدخل في حساب الباحث الناقد البصير.




وبعد،

فإذا كان التنوير في حقيقته دعوة عقلانية، فإن التنوير الإسلامي هو تنوير ديني عقلي معاً، أما التنوير التغريبي فهو تنوير عقلاني معاد للدين أو تنوير لاديني، أو تنوير عقلاني مرجعيته الأولى والأساسية إن لم تكن الوحيدة هي العقل، " فلا سلطان على العقل فيه إلا لسلطان العقل " كما يؤكدون.
أما التنوير الإسلامي فهو تنوير عقلي يعمل في إطار الدين ويهتدي بنوره، ذلك أنّ العقل هو بمثابة العين الباصرة والوحي بمثابة النور أو الضوء، ولا يستطيع أحد أن ينتفع بعينه إذا عاش في ظلمة، كما لايستطيع أن ينتفع بالنور إذا لم تكن له عين باصرة،ولذلك فإنّ عين العقل لا تبصر إلا في ضوء الوحي ونوره، وهذا هو التنوير الحق الذي يعني استخدام العقل في ظل نور الوحي(النص الديني) وهدايته، وهذا هو الخط الثابت للتنوير الإسلامي عبر العصور، إنه الاستنارة بالوحي ليستطيع العقل أن يقوم بمهمته ووظيفته من الإدراك والفهم والتمييز والاستنباط والاكتشاف: فالذين يغمضون عيونهم في النور ثم يحاولون الإبصار لا يبصرون:

[ ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ] الأعراف "179 "



والذين يفتحون عيونهم في الظلمات ليبصروا، لا يبصرون:
[ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب* أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ] النور "39-40"
[يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ] التحريم "8"
والحمد لله الذي لا نور إلا نوره ولا هدي إلا هديه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين





 

رد مع اقتباس