عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 23 Sep 2014, 05:27 PM
بالقرآن نرتقي
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
بالقرآن نرتقي غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 8317
 تاريخ التسجيل : Jan 2010
 فترة الأقامة : 5218 يوم
 أخر زيارة : 08 Dec 2023 (11:50 PM)
 المشاركات : 3,065 [ + ]
 التقييم : 18
 معدل التقييم : بالقرآن نرتقي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
أحــكام مجاوزة الميـقات



أحــكام مجاوزة الميـقات




الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
موضوع المواقيت له أهمية هذا الوقت لكثرة وقوع الخطأ فيه، وشدة الحاجة إليه، خصوصا مع تيسر وسائل النقل وسرعتها فتجد من يتجاوز الميقات ليعود إليه، أو يتجاوزه ليقصد ميقاتا آخر، أو يتجاوزه لعمل يقصد بعده النسك، أو لأجل عدم حمله التصريح، وقد بينت ذلك في هذا البحث المتواضع قدر الاستطاعة، والله الموفق.
خطة البحث:



تتكون خطة البحث من تمهيد وفصلين:



الفصل الأول: مجاوزة الميقات لمن عزم على أداء النسك، وفيه ثلاثة مباحث:



المبحث الأول: المجاوزة قاصداً لميقات آخر.



المبحث الثاني: الإحرام بعد تجاوز الميقات.



المبحث الثالث: تجاوز الميقات بغير إحرام بنية العود إليه.



المبحث الرابع: تجاوز الميقات لعدم حمل التصريح أو لعدم وجود ملابس الإحرام.



المبحث الخامس: من جاوز الميقات ناسيا أو جاهلا.



المبحث السادس: ميقات منهم دون المواقيت



المبحث السابع: ميقات أهل مكة.



الفصل الثاني: مجاوزة الميقات لغير مريد النسك.



المبحث الأول: المجاوزة لمن يريد دخول مكة.



المبحث الثاني: من جاوز الميقات لعمل أو حاجة هل يلزمه الإحرام؟

تمهيد وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف الميقات لغة:
قال ابن فارس: الواو والقاف والتاء: أصل يدل على حد شيء وكنهه في زمان وغيره، منه الوقت: الزمان المعلوم، والموقوت: الشيء المحدود. والميقات: المصير للوقت، وقت له كذا ووقته، أي حدده. قال الله عز وجل: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [1] ، [النساء: 103].
وقال الجوهري: الميقات: الوقتُ المضروب للفعل، والموضعُ. يقال: هذا ميقات أهل الشام، للموضع الذي يحرمون منه[2].
واستعير للمكان، ومنه: مواقيت الحج لمواضع الإحرام[3].
تعريف الميقات اصطلاحاً:
مواضع و أزمنة معينة لعبادة مخصوصة[4].
المبحث الثاني: مشروعية الإحرام من الميقات:
أجمع العلماء على عدم جواز تجاوز الميقات لمريد النسك إلا بإحرام، وممن نقل الإجماع النووي[5] والرملي [6] وغيرهم.
وذلك لأمره عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. وقال ابن عمر: وأُخبرت أنه قال: (ويهل أهل اليمن من يلملم) [7].
وفي رواية: (فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ..) [8].
وفي رواية: (وقَّت لأهل ..)[9].
فتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو عن فائدة، ولا فائدة في هذه المواقيت سوى المنع من تأخير الإحرام بعد ما انتهى إليها[10].
وأعيان هذه المواقيت لا يشترط، بل الواجب عينها أو حذوها بالاتفاق كما حكاه ابن جماعة([11]).
وقد ثبت بالنص أربعة مواقيت ونقل ابن عبدالبر[12] وابن قدامة[13] الإجماع عليها، وهي: ذو الحليفة[14]، والجحفة[15]، وقرن المنازل[16]، ويلملم[17]
واختلفوا في ذات عرق[18] هل ثبت بالنص أو باجتهاد عمر رضي الله عنه، مع إجماعهم على جواز الإحرام منه كما نقله ابن عبدالبر[19] والنووي[20].
[1] معجم مقاييس اللغة (6/ 131).



[2] الصحاح (1/269).



[3] أنيس الفقهاء (ص 16).



[4] دقائق أولي النهى في شرح المنتهى (1/524)



[5] المجموع (7/206).



[6] نهاية المحتاج (3/261).



[7] أخرجه مسلم (2/ 840).



[8] أخرجه البخاري (2/ 133) وقد بوب عليه: (باب فرض مواقيت الحج والعمرة).



[9] أخرجه البخاري (2/134)، ومسلم (2/838).



[10] المبسوط (4/166).



[11] هداية السالك (2/580)، وينظر: مواهب الجليل (3/419)، المجموع (7/98)، المغني (5/63).



[12] التمهيد (15/140).



[13] المغني (5/56).
[14] ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وهي أبعد المواقيت عن مكة، بينها وبين مكة تسع مراحل أو عشر. ينظر: معجم البلدان (2/ 295)، إحكام الأحكام لابن دقيق (ص596).



[15] الجُحفَة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة، من مكة على أربع مراحل، وكان اسمها مهْيعة، وإنما سميت الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام، وهي الآن خراب. ينظر: معجم البلدان (2/ 111)، إحكام الأحكام لابن دقيق (ص597).



[16] قرْن المنازل: قال النووي: بفتح القاف وإسكان الراء بلا خلاف بين أهل الحديث واللغة والتواريخ وغيرهم، وهو جبل بينه وبين مكة مرحلتان ويقال له قرن المبارك، وأما قول الجوهري إنه بفتح الراء وأن أويسا القرني منسوب إليه فغلط باتفاق العلماء، فقد اتفقوا على أنه غلط فيه في شيئين، فتح رائه ونسبة أويس إليه، وإنما هو منسوب رضي الله عنه إلى قرَن، قبيلة من مراد بلا خلاف بين أهل المعرفة. المجموع (7/ 195)، وينظر: معجم البلدان (4/332).



[17] يلمْلم: وقيل: أَلَمْلَمُ: والروايتان جيدتان صحيحتان مستعملتان، وحكي صرفه وترك صرفه: جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة، وقد أكثر من ذكره شعراء الحجاز وتهامة. ينظر: معجم البلدان (1/ 246)، المجموع (7/ 195).



[18] ذات عرق: مهلّ أهل العراق، وهو الحدّ بين نجد وتهامة، وقيل: عرق جبل بطريق مكة، وسميت ذات عِرْق نسبة إليه، وتقع في الشمال الشرقي من مكة على ثلاث مراحله يطؤها درب المنقَّى المعروف بدرب زبيدة. ينظر: معجم البلدان (4/ 107)، معالم مكة التأريخية والأثرية (ص 183).



[19] التمهيد (15/143)، وينظر: المغني (5/57).



[20] شرح النووي على مسلم (8/82،86).




وقد نظم بعضهم المواقيت الخمسة في بيتين فقال:
عرق العراق يلملم اليمـني وبذي الحليـفة يحرم المدني
للشام جحفة إن مررت بها ولأهل نجد قـرن فاستبن[21]
المبحث الثالث: حكم الإحرام قبل الميقات:
نقل ابن المنذر والنووي الإجماع على انعقاد الإحرام لو دخل فيه قبل الميقات، وذكر ابن قدامة والحطاب أنه ينعقد بغير خلاف[22] ، وقد رد ابن حجر حكاية الإجماع وقال: (فيه نظر، فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز)[23].
قال النووي متعقباً قول داود: (وهذا الذي قاله مردود عليه بإجماع من قبله)[24].
وقد ثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم الإحرام قبل الميقات[25].
وبعد اتفاق العلماء على انعقاد الإحرام قبل الميقات اختلفوا في حكمه على قولين:
القول الأول:
أن الإحرام قبل الميقات هو الأفضل، وهو مذهب الحنفية[26] وقول عند الشافعية[27]، وبعضهم قيده بأمنه على نفسه من الوقوع في محظورات الإحرام.
القول الثاني:
أن الإحرام قبل الميقات مكروه، والأفضل أن يحرم من الميقات، وهو المشهور عند المالكية[28] والشافعية [29]والحنابلة[30].
الفصل الأول: مجاوزة الميقات لمن عزم على أداء النسك:
المبحث الأول: المجاوزة قاصداً لميقات آخر:
ذهب الأئمة الأربعة في المشهور من مذاهبهم إلى أن الأفضل لمن مر بميقات أن يحرم منه ولو كان سيمر بعده بميقاته[31]، ونقل ابن تيمية الاتفاق على استحباب ذلك[32]، واختلفوا في حكم تجاوزه إلى ميقات آخر على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن من مر بميقات وجب عليه أن يحرم منه ولو كان سيمر بميقاته.
وهو المشهور من مذهب الشافعية[33]والحنابلة[34]، وبه قال إسحاق[35]وابن حزم[36]والشنقيطي[37].
ومن أدلتهم في المنع:
الدليل الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: (.. فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة)[38]، وفي رواية: (ولكل آتٍ أتى عليهن)[39].
فقوله عليه الصلاة والسلام: (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، عام يدخل تحته من ميقاته بين يدي هذه المواقيت التي مر بها، ومن ليس ميقاته بين يديها[40].
ويمكن أن يناقش:
بأن الحديث يفيد جواز الإحرام لمن مر على غير ميقاته لا الوجوب، فليس فيه المنع من المجاوزة إلى ميقات آخر.
ويجاب عليه:
بأن من سلك طريقاً فيها ميقات فهو ميقاته[41]، فالمراد بأهل المدينة مثلاً من سلك طريق سفرهم ومر على ميقاتهم[42]كما هو ظاهر الحديث، وأهله يجب عليهم عدم تجاوزه فكذلك غيرهم.
الدليل الثاني:
أن هذه المواقيت حدود النسك، فليس لأحد أن يتعدى حدود الله[43].
ويمكن أن يناقش:
بأنه لم يتجاوز جميع حدود النسك، وإنما تجاوز أحدها ليحرم من الآخر.
ويجاب عليه:
بأنها حدود في حق المار بها، فإذا مر بأحدها فهو حد له فليس له تجاوزه.
الدليل الثالث:
أن هذه المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم، فكل من مر بجانب من جوانبه لزمه تعظيم حرمته وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض[44].
القول الثــــاني:
منع تجاوز الميقات لمن مر به إلا لمن قصد إلى ميقاته فجائز، كالشامي أو المصري يمر بذي الحليفة فلا بأس أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة.
وهو مذهب المالكية[45]، وبه قال أبو ثور[46]، والأوزاعي[47]، وابن المنذر[48]، وابن تيمية فيما نُقل عنه[49].
ومن أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق وفيه: (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ...).
فالحديث عام في أن لأهل الشام الجحفة، سواء كان يمر بميقات آخر أو لا[50]، ولأنه يجاوز إلى ميقاته فلم يكن مخالفاً في مجاوزته ميقات غيره.
ويجاب عليه:
بأن هذا العموم عارضه عموم آخر، وهو قوله: (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، فقوله: (هن لهن)، مفسر لقوله مثلاً: (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة)، وأن المراد بالمدينة ساكنوها ومن سلك طريقهم ومر بميقاتهم [51].
الدليل الثاني:
أنه يمر بميقاتين يجب عليه الإحرام من أحدهما، وذو الحليفة فرع والجحفة أصل، فله أن يؤخر الإحرام من الفرع إلى الأصل[52].
ويمكن أن يناقش:
بأن ذا الحليفة فرع باعتبار أنه على غير طريقه، فإذا مر به فهو أصل في حقه وأخذ حكم أهل المدينة حين مر بهم.
القول الثالث:
جواز تجاوز الميقات إلى ميقات آخر، ولو لم يكن الآخر ميقاتاً له، وهو مذهب الحنفية[53]، ورجحه الشيخ عبد الرحمن السعدي[54].
ومن أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
ما روى أبو جعفر الباقر رحمه الله: (من أحب أن يستمتع بثيابه إلى الجحفة فليفعل)[55].
فرخص لأهل المدينة في ترك ميقاتهم وأن يحرموا من الجحفة؛ لأنها وقت من المواقيت.
ويمكن أن يناقش:
بأنه مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف إذا لم يكن له شواهد تعضده.
الدليل الثاني:
حديث عبد الله بن أبي قتادة رضي الله عنهما أن أباه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية (فأحرم أصحابه ولم يحرم)[56]، وكذلك أصحابه لم يحرموا إلا بعد أن توجهوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
فدل على أنه أحرم من ميقات بعد ذي الحليفة.
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول:
إما أنه لم يجاوز الميقات وإما أنه لم يقصد العمرة فلذلك لم يحرم[57]، ولم يأت في الخبر أنه أحرم فدل على أن خروجه لمقصد آخر.
الوجه الثاني:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وجَّهه على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما[58].
الدليل الثالث:
أن الميقات الذي صار إليه صار ميقاتاً له بوصوله إليه[59].
ويمكن أن يناقش:
بأن الميقات الأول الذي مر به قد صار ميقاتاً له بمروره عليه فهو أولى بالإحرام منه فلم تجز مجاوزته.
الدليل الرابع:
أن ابن عمر رضي الله عنهما أهلَّ من الفُرع[60].
والفرُع بعد ذي الحليفة فدل على أنه تجاوز الميقات وأحرم في طريقه للجحفة.
ونوقش:
بأنه محمول على أنه مر بميقاته لا يريد إحراما ثم بدا له فأحرم من مكانه، أو جاء إلى الفرع من مكة ثم بدا له فأهل منه[61].
الدليل الخامس:
أن عائشة رضي الله عنها (اعتمرت في سنة مرتين، مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة)[62].
ونوقش:
بأنها خرجت للإحرام من الجحفة من مكة وليس من المدينة، كما ذكر الإمام أحمد[63]، ويدل عليه: ما روى ابن أبي شيبة[64] أنها تكون بمكة، فإذا أرادت أن تعتمر خرجت إلى الجحفة فأحرمت منها.
الدليل السادس:
أن ترتيب هذه المواقيت وضع لأجل السهولة والتيسر على كل أحد إذا أراد الإحرام، وباب الرخص والتسهيلات يكون العبد مخيراً يختار ما هو أسهل عليه[65].
الدليل السابع:
أنه حين تجاوز لم ينوِ الدخول في النسك، وإنما نوى الذهاب إلى الميقات الآخر، وأما مجرد نية الحج أو العمرة فهذه غير معتبرة، لأنه منذ أن خرج من بيته وهو ينوي الحج أو العمرة، ولم يكن بذلك محرماً[66].
ويمكن أن يناقش:
بأن نية الحج من غير نية الدخول في النسك غير معتبرة قبل الميقات، أما إذا مر بالميقات فهي معتبرة، ويدل عليه: (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة)، والحديث عام في كل مريد للنسك من غير تفريق بين من يقصد ميقاتاً له ومن لا يقصد.
المبحث الثاني: الإحرام بعد تجاوز الميقات:
من جاوز الميقات من دون إحرام وهو مريد للنسك وجب عليه الرجوع والإحرام منه في المشهور من المذاهب الأربعة.
لكنه لو أحرم بعد الميقات ثم رجع إلى الميقات محرماً فهل يسقط عنه الدم أم لا؟ فيه خلاف على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن الدم لا يسقط عنه، وهو المشهور من مذهب المالكية[67]، والحنابلة[68]، ووجه عند الشافعية[69]، وبه قال عبد الله بن المبارك[70]، وزفر بن الهذيل من الحنفية[71].
واستدلوا بأدلة منها:
الدليل الأول:
قول ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم، فإن خشي إن رجع إلى الوقت فإنه يحرم ويهريق لذلك دماً)[72].
وقوله رضي الله عنهما: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)[73].
وقد ترك الإحرام من الميقات وهو نسك فلزمه الدم، وهو قول صحابي ولا مخالف له.
ويمكن أن يناقش الأثر الأول:
بأنه ذكر من أحرم ولم يرجع، فأما من رجع فقد تدارك ما فاته من النقص.
أما الأثر الثاني فلا يسلم أنه ترك نسكاً، بل رجع وجبر ما أخل به فلم يكن تاركاً له.
الدليل الثاني:
أنه تجاوز الميقات الواجب وهتكه وأحرم بعده فلزمه الدم، ولا يزول هذا برجوعه ولا بتلبيته[74].
ونوقش:
بأن ما تركه من الإحرام من الميقات يحتاج إلى تدارك، ومن رجع إلى الميقات فقد تدارك ما فاته[75].
ويجاب عنه:
بأن المواقيت وضعت لإنشاء الإحرام منها، فإذا أنشأ الإحرام بعدها ترك مقصود الميقات فلم ينفعه رجوعه بعد إحرامه.
الدليل الثالث:
القياس على من عاد بعد الطواف، فإنه لو عاد بعد أن طاف وجب الدم بالاتفاق[76].
ونوقش:
بأن إلزامه بالدم بعد أن طاف لأنه عاد بعد فوات الوقت، فلم يسقط عنه الدم كمن عاد إلى عرفة بعد طلوع الفجر من يوم النحر، وهو إذا عاد قبل الطواف، فقد عاد قبل فوات الوقت، فلذلك سقط عنه الدم كمن عاد إلى عرفة قبل طلوع الفجر.
الدليل الرابع:
دم مجاوزة الميقات كدم الطيب واللباس، ودم الطيب لا يسقط لغسله، ودم اللباس لا يسقط لخلعه، فكذلك دم الميقات لا يسقط بعوده[77].
ونوقش:
بأن الترفه باللباس موجود وإن خلعه، والاستمتاع بالطيب حاصل وإن غسله، والعود إلى الميقات زيادة مشقة لا ترفه، فلذلك يسقط عنه الدم[78].
القول الثاني:
إن رجع إلى الميقات ملبياً قبل أن يبتدأ بالطواف سقط الدم، وإن رجع ولم يلب لم يسقط. وهو مذهب الحنفية[79].
ودليلهم على هذا القول:
الدليل الأول:
أن المتروك هو التلبية في الوقت، لأنه لو لبى في الوقت لم يكن في إحرامه نقص، فإذا فعل المتروك فقد جبر النقص[80].
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول:
أنه لو جاوز الميقات وهو محرم ولم يلب فيه لم يكن عليه شيء، لأنه قد حصل محرماً فيه، فكذلك لو عاد محرماً[81].
الوجه الثاني:
تلبيته في الوقت لا تجدد له إحراماً، فلا يرتفع بها النقص الداخل بترك التلبية في ابتداء الإحرام[82].
وأجيب عليه:
بأنه لا يتجدد بها إحرام، إلا أنه يرتفع به النقص، كما لو طاف بغير وضوء ثم أعاده لم يتجدد له طواف بالإعادة، وإنما جبر به النقص[83].
ويمكن أن يناقش:
بالفارق بين الوضوء والإحرام، فالوضوء شرط لا تنعقد بدونه الصلاة، فلا يعتبر فعله جبراً للنقص بل استئناف، أما الإحرام فواجب وينعقد بعد الميقات فلم يمكن جبر نقصه ويلزمه الدم للإساءة.
الدليل الثاني:
قال الكاساني: روينا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال للذي أحرم بعد الميقات: (ارجع إلى الميقات فلب، وإلا فلا حج لك)[84].
فأوجب التلبية من الميقات فلزم اعتبارها.
ويناقش:
بأن الأثر لا يعرف له إسناد، فلا يثبت عن ابن عباس، ويخالف ما ثبت من قوله: (إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم، فإن خشي إن رجع إلى الوقت فإنه يحرم ويهريق لذلك دماً)[85]، فلم يشترط فيه التلبية.
القول الثالث:
إن عاد قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم وإلا فلا يسقط الدم وعليه الإثم.
وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة[86]، وهو المذهب عند الشافعية[87]، ورواية عن أحمد[88].
ومن أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
أن حق الميقات في مجاوزته إياه محرما، لا في إنشاء الإحرام منه، بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله وجاوز الميقات لا شيء عليه[89].
ونوقش من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
أن الإحرام قبل الميقات دلت الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم على جوازه كما تقدم، بخلاف الإحرام بعده فلم يرد عنهم جوازه.
الوجه الثاني:
هناك فارق بين الإحرام قبل الميقات وبعده، فالذي قبله أتى أمراً جائزاً باتفاق، أما من أحرم بعده فقد وقع في محظور وترك الواجب بالاتفاق ثم رجع يحاول جبر ما نقص، فلا يصح قياس من ترك نسكاً وبين من فعل فعلاً جائزاً أو مكروهاً.
الوجه الثالث:
دم مجاوزة الميقات إنما وجب لأجل الترفه بترك الإحرام من الميقات، وأنه أحَل بقطع مسافة كان يلزمه قطعها بالإحرام، بخلاف من أحرم قبل الميقات فإنه زاد مسافة على نفسه[90].
وأجيب عن الوجه الثالث:
بأنه إذا أحرم دون الميقات ثم عاد إليه محرما، لم يكن بترك الإحرام مترفها، بل زاد نفسه مشقة، وصار كمن أحرم من دويرة أهله، فوجب أن لا يلزمه الدم، لعدم موجبه، ولأن من يجاوز الميقات، ثم عاد إليه محلا فأحرم منه مبتدئا، لم يلزمه عليه الدم وفاقا، فلأن لا يلزم الدم من عاد إليه محرماً من باب أولى[91].
الدليل الثاني:
أنه استدرك الفائت قبل تقرر الجناية بالشروع في أفعال الحج فيسقط الدم لذلك[92].
ويمكن أن يناقش:
أن الجناية تقررت بإحرامه دون الميقات، فلزمه الدم كما لو شرع في فعل من أفعال النسك.
الدليل الثالث:
أن الدم يتعلق بمجاوزة الميقات كما يتعلق بالدفع قبل غروب الشمس من عرفات، وثبت أنه لو عاد إلى عرفة ليلاً سقط عنه الدم، فكذلك يجب إذا عاد إلى الميقات محرماً أن يسقط عنه الدم.
ويمكن أن يناقش:
أنه برجوعه إلى عرفة أدرك الواجب في وقته، بخلاف من أحرم دون الميقات فإنه فعل الواجب في غير مكانه.
ويجاب عنه:
بأنه فعل الواجب في غير مكانه لكنه رجع إلى مكانه وهو الميقات فجدد الإحرام منه.
[21] الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 150).



[22] الإشراف لابن المنذر (3/178)، المغني (5/65)، مواهب الجليل (3/402)، وينظر: هداية السالك لابن جماعة (2/584).



[23] فتح الباري (3/383).



[24] المجموع (7/200).



[25] ينظر: الآثار المسندة عن الصحابة في المناسك (1/146).



[26] ينظر: المبسوط (4/166)، الاختيار لتعليل المختار (1/183).



[27] ينظر: روضة الطالبين (3/42)، تحفة المحتاج (4/49).



[28] مواهب الجليل (3/402)، التاج والإكليل (4/24).



[29] ينظر: المجموع (7/201)، أسنى المطالب (1/461).



[30] ينظر: الإقناع (1/348)، المبدع (3/106).



[31] ينظر: بدائع الصنائع (2/164)، حاشية ابن عابدين (3/550)، مواهب الجليل (3/423)، التمهيد (15/148)، فتح الباري لابن حجر (3/452)، شرح العمدة لابن تيمية (ص271).



ونقل ابن عابدين عن ابن أمير حاج أن تأخير الإحرام إلى ميقاته أفضل، لما فيه من الأمن من الوقوع في المحظورات. حاشية ابن عابدين (3/550).



[32] مجموع فتاوى ابن تيمية (26/100).



[33] ينظر: المجموع (7/198)، هداية السالك (2/580،581).



[34] ينظر: شرح العمدة لابن تيمية (ص271)، وانتصر له ورجحه، وينظر: الإنصاف (8/108).



[35] المغني (5/64).



[36] المحلى (5/54).



[37] أضواء البيان (4/491).



[38] أخرجه البخاري (2/ 134)، ومسلم (2/ 838).



[39] أخرجه البخاري (2/ 135)، ومسلم (2/839).



[40] إحكام الأحكام لابن دقيق (ص598).



[41] المغني (5/64).



[42] مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 350).



[43] شرح العمدة (ص272).



[44] ينظر: شرح العمدة (ص272)، سبل السلام (1/ 612).



[45] ينظر: التمهيد (15/148)، مواهب الجليل (3/424،423).



[46] ينظر: الإشراف لابن المنذر (3/179).



[47] ينظر: التمهيد (15/147).



[48] الإشراف لابن المنذر (3/179).



[49] ينظر: اختيارات ابن تيمية الفقهية (4/355)، (مجموعة رسائل دكتوراه)، وقد نَقل قوله عن اختيارات البعلي (ص174)، والإنصاف (3/383)، والغريب أنه لم يعز له ما في شرح العمدة (ص 272،271)، من اختياره منع تجاوز الميقات مطلقاً، وشرح العمدة وإن كان ألفه في أول عمره إلا أنه كان ينبغي ذكر اختياره، خصوصاً أنه من مقوله والقول الآخر مما نقل عنه.



[50] ينظر: إحكام الأحكام لابن دقيق (ص598)، فتح الباري (3/452).



[51] ينظر: فتح الباري (3/452).



[52] ينظر: الشرح الممتع (7/48).



[53] ينظر: المبسوط (4/173)، بدائع الصنائع (2/164)، حاشية ابن عابدين (3/551،550).



[54] الأجوبة السعدية عن المسائل الكويتية، نقلا من كتاب: الجامع لأحكام الحج للهرفي (ص469).



[55] أخرجه محمد بن الحسن الشيباني بسنده في روايته لموطأ الإمام مالك، التعليق الممجد على موطأ محمد (2/ 237).



[56] أخرجه البخاري (3/ 11)، ومسلم (2/853).



[57] فتح الباري (4/29)، وينظر: عمدة القاري (10/ 167).



[58] التمهيد (21/ 152)، قال أبو بكر الأثرم: كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم ولا يدرون ما وجهه، قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه. فتح الباري (4/29)، وينظر: عمدة القاري (10/ 167).



[59] بدائع الصنائع (2/164).



[60] أخرجه مالك في الموطأ (930)، بسند صحيح. ينظر: الآثار المسندة عن الصحابة في المناسك (1/153).



والفُرع: بالضم، ثم السكون. وقيل: بضمتين: قرية من نواحي الربذة، عن يسار السّقيا، بينها وبين المدينة ثمانية برد، على طريق مكة. وقيل أربع ليال، غناء كبيرة، بينها وبين المريسيع ساعة من نهار، وهى كالكورة بها عدة قرى ومنابر ومساجد للنبى عليه السلام. مراصد الاطلاع على أسماء الامكنة والبقاع (3/ 1028).



[61] وعلى هذا حمله الإمام مالك والشافعي. ينظر: الأم (8/161)، الاستذكار (4/42)، مواهب الجليل (3/402).



[62] أخرجه الشافعي في الأم، قال: أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن عائشة (2/ 147)، وسنده صحيح.



[63] مسائل ابنه عبدالله (ص241)، وينظر: النوازل في الحج للشلعان (ص149).



[64] المصنف (4/224)، ينظر: الآثار المسندة عن الصحابة في المناسك (1/153).



[65] ينظر: الأجوبة السعدية عن المسائل الكويتية، نقلا من كتاب: الجامع لأحكام الحج للهرفي (ص469).



[66] شرح المناسك من الروض المربع للعلوان (ص24).



[67] ينظر: مواهب الجليل (3/433)، القوانين الفقهية (ص241).



[68] ينظر: المغني (5/69)، مطالب أولي النهى (2/300).



[69] ينظر: فتح العزيز (7/91)، مغني المحتاج (2/ 228).



[70] ينظر: الإشراف لابن المنذر (3/180)، المغني (5/69).



[71] ينظر: المبسوط (4/170)، شرح مختصر الطحاوي (2/514).



[72] أخرجه إسحاق في المسند. ينظر: نصب الراية (3/87)، الآثار المسندة عن الصحابة في المناسك (1/156)، وقال فيه: إسناده لا بأس به.



[73] أخرجه مالك في الموطأ (1257)، وسنده صحيح، ينظر: الآثار المسندة عن الصحابة في المناسك (2/183).



[74] ينظر: المغني (5/69).



[75] ينظر: النوازل في الحج للشلعان (ص154).



[76] ينظر: الحاوي (4/74)، العناية (3/110).



[77] ينظر: الحاوي (4/73)، النوازل في الحج للشلعان (ص156).



[78] ينظر: الحاوي (4/74)



[79] ينظر: الاختيار (1/184)، العناية (3/110).



[80] ينظر: بدائع الصنائع (2/165)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/514).



[81] شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/514).



[82] شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/514).



[83] ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/515).



[84] بدائع الصنائع (2/165).



[85] تقدم تخريجه.



[86] ينظر: بدائع الصنائع (2/165)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/516)، العناية (3/110).



[87] ينظر: المجموع (7/207)، هداية السالك (2/593).



[88] ينظر: الإنصاف (8/125).



[89] ينظر: بدائع الصنائع (2/ 165).



[90] ينظر: الحاوي (4/ 73).



[91] ينظر: الحاوي (4/ 73).



[92] ينظر: الاختيار (1/183).




 توقيع : بالقرآن نرتقي





بالقرآن نرتقي

رد مع اقتباس