عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 02 Nov 2017, 10:11 AM
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا
طالب علم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل : May 2008
 فترة الأقامة : 5841 يوم
 أخر زيارة : 24 Apr 2024 (02:36 PM)
 المشاركات : 3,116 [ + ]
 التقييم : 11
 معدل التقييم : طالب علم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ )130الأنعام تفسير تفسير المنار .



[ ص: 87 ] ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الْمَعْنَى الْعَامُّ لِمَادَّةِ الْوَلَاءِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ نَوْعٌ مِنَ الِاتِّصَالِ فِي الْحُصُولِ أَوِ الْعَمَلِ ، بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهَا مَا شَأْنُهُ أَنْ يَفْصِلَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ جُثَّةٍ أَوْ زَمَنٍ ، وَوَلِيَ الرَّجُلُ الْعَمَلَ أَوِ الْأَمْرَ قَامَ بِهِ بِنَفْسِهِ ، وَمِنْهُ وِلَايَةُ الْأَحْكَامِ " بِكَسْرِ الْوَاوِ " وَصَاحِبُهَا وَالٍ ، وَوَلَايَةُ الْقَرَابَةِ وَوَلَايَةُ النُّصْرَةِ " وَكِلَاهُمَا بِفَتْحِهَا " وَصَاحِبُهُمَا وَلِيٌّ . وَمِنْهُ الْمُوَالَاةُ فِي الْوُضُوءِ ، وَوَلَّى وَجْهَهُ الْكَعْبَةَ - تَوَجَّهَ إِلَيْهَا ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ( 2 : 144 ) وَوَلَّاهُ الشَّيْءَ أَوِ الْعَمَلَ أَوِ الْقَضَاءَ : جَعَلَهُ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِهِ بِنَفْسِهِ فَتَوَلَّاهُ ، وَتَوَلَّى زَيْدٌ عَمْرًا : نَصَرَهُ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْمُ ( لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) ( 60 : 13 ) - وَأَمَّا تَوْلِيَةُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فَهُوَ جَعْلُهُمْ أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ ، إِمَّا بِمُقْتَضَى أَمْرِهِ فِي شَرْعِهِ وَمُقْتَضَى سُنَنِهِ وَقَدَرِهِ مَعًا ، وَإِمَّا بِمُقْتَضَى الثَّانِي فَقَطْ فَالْأَوَّلُ وِلَايَةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ ، فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ فِي شَرْعِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ ضِدِّهِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ الصَّادِقِ وَأَثَرُهُ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ بِحَسَبِ تَقْدِيرِ اللَّهِ الَّذِي مَضَتْ بِهِ سُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ ، وَالثَّانِي وِلَايَةُ الْكُفَّارِ الْمُجْرِمِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، فَهُوَ أَثَرٌ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ تَقْدِيرِهِ وَسُنَنِهِ فِي نِظَامِ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَتَنَاصَرُونَ بِهِ فِي الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ وَالْمُنْكَرِ بَلْ نَهَاهُمْ عَنْهُ . وَقَدْ بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ هَذَا النِّظَامَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَدَرِ وَالتَّقْدِيرِ الشَّامِلِ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ مَا زَعَمَتِ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ كُلَّ مَا وَقَعَ فِي الْكَوْنِ خَلْقًا [ ص: 88 ] آنِفًا ، أَيْ مُبْتَدَأً مِنْهُ غَيْرَ جَارٍ عَلَى نِظَامٍ تَكُونُ فِيهِ الْمُسَبَّبَاتُ عَلَى قَدْرِ الْأَسْبَابِ . الْجَبْرُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْقَدَرِ أَيْضًا . فَتَوْلِيَةُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ لَيْسَ خَلْقًا مُبْتَدَأً مِنَ اللَّهِ وَلَا وَاقِعًا مِنَ النَّاسِ بِالْإِجْبَارِ وَالِاضْطِرَارِ . وَلَا بِالِاسْتِقْلَالِ الْمُنَافِي لِلْخُضُوعِ لِلسُّنَنِ وَالْأَقْدَارِ ، وَإِنَّمَا جَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْبَشَرِ بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ النَّفْسِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْهُمْ تَأْثِيرٌ فِي أَنْفُسِهِمْ يَصِيرُ بِالتَّكْرَارِ عَادَةً فَخُلُقًا وَمَلَكَةً ، وَأَنَّ الْأَفْرَادَ وَالْجَمَاعَاتِ يَمِيلُ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى مَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِ فِي ذَلِكَ ، وَيَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي التَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ فِيمَا يَشْتَرِكُونَ فِيهِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُمْ فِيهِ ، وَقَدْ جَهِلَ الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ النُّفَاةُ جَمِيعًا حَقِيقَةَ الْقَدَرِ ، وَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْمِلُ الْآيَاتِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَعَارِضَةٌ ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا اخْتِلَافَ وَلَا تَعَارُضَ فِيهَا .

فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ - أَيْ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا - مِنِ اسْتِمْتَاعِ أَوْلِيَاءِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّنَاسُبِ وَالْمُشَاكَلَةِ ، نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلنَّاسِ بَعْضًا بِسَبَبِ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَهُ بِاخْتِيَارِهِمْ مِنْ أَعْمَالِ الظُّلْمِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمْ ، أَيْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِسُنَّتِنَا وَقَدَرِنَا ، الَّذِي قَامَ بِهِ النِّظَامُ الْعَامُّ فِي خَلْقِنَا ، فَلَيْسَ خَلْقًا مُبْتَدَأً كَمَا تَزْعُمُ الْقَدَرِيَّةُ ، وَلَا أَفْعَالًا اضْطِرَارِيَّةً كَمَا تَزْعُمُ الْجَبْرِيَّةُ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَاتٌ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ .

رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ : إِنَّمَا يُوَلِّي اللَّهُ بَيْنَ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَالْمُؤْمِنُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَيْنَ كَانَ وَحَيْثُمَا كَانَ ، وَالْكَافِرُ وَلِيُّ الْكَافِرِ مِنْ أَيْنَ كَانَ وَحَيْثُمَا كَانَ ، لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي ، وَلَعَمْرِي لَوْ عَمِلْتَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَمْ تَعْرِفْ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ مَا ضَرَّكَ ذَلِكَ ، وَلَوْ عَمِلْتَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَتَوَلَّيْتَ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ مَا نَفَعَكَ ذَلِكَ شَيْئًا . انْتَهَى . يَعْنِي أَنَّ انْتِمَاءَ الْمَرْءِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَدُخُولَهُ فِي جَامِعَتِهِمْ وَنُصْرَتَهُ لَهُمْ لَا تَجْعَلُهُ مِنْهُمْ حَقِيقَةً ، إِلَّا إِذَا كَانَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ لِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ الْعَصَبِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَأَمَّا الْعَمَلُ بِهَدْيِ دِينِهِمْ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ بِدُونِ تَوَلِّيهِمْ إِذَا كَانَ عَدَمُ تَوَلِّيهِمْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهِمْ ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا عَرَفَهُمْ لَا يَسَعُهُ إِلَّا أَنْ يَتَوَلَّاهُمْ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الْجَامِعَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بِحَسَبِ قَدَرِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ قَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ( 8 : 72 ) الْآيَةَ . ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) ( 8 : 73 ) أَيْ إِنْ لَا تَفْعَلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَذَا التَّوَلِّيَ بِالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ بَيْنَكُمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَرَجَّحَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِوِلَايَةِ الْإِرْثِ . وَقَدْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَالْفَسَادُ الْكَبِيرُ بِتَرْكِ [ ص: 89 ] الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمْ وَتَخَاذُلِهِمْ وَتَوَلِّي بَعْضِهِمْ لِمَنْ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ وِلَايَتِهِمْ ، وَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . وَقَالَ تَعَالَى : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) ( 9 : 67 ) إِلَخْ . ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَرْبَعِ آيَاتٍ : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ( 9 : 71 ) فَالْآيَاتُ كُلُّهَا تَقْرِنُ الْوِلَايَةَ بَيْنَ كُلِّ فَرِيقٍ بِالْعَمَلِ الِاخْتِيَارِيِّ . وَقَدْ قُدِّمَ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ الْعَمَلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأُمُورِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، عَلَى الْعَمَلِ الشَّخْصِيِّ حَتَّى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَقَامِ التَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ .

وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ ، قَالَ : سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا ) مَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ فِيهِ ؟ قَالَ : سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ : إِذَا فَسَدَ النَّاسُ أُمِّرَّ عَلَيْهِمْ شِرَارُهُمْ . وَالْأَعْمَشُ تَابِعِيٌّ ، فَهُوَ إِنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِ قَتَادَةَ ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ الصَّالِحَةَ لَا تَقْبَلُ الْأُمَرَاءَ وَالْحُكَّامَ الْفَاسِدِينَ الظَّالِمِينَ ، بَلْ تُسْقِطُهُمْ إِذَا نَزَوْا عَلَى مَصَالِحِهَا وَتُوَلِّي الْخِيَارَ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ صَلَاحُهَا بِقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الَّذِي جَعَلَ أَمْرَ النَّاسِ شُورَى بَيْنَهُمْ ، فَأَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ زُعَمَاءِ الْأُمَّةِ هُمُ الَّذِينَ يُوَلُّونَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ ، وَيُرَاقِبُونَ سَيْرَهُ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، وَيَعْزِلُونَهُ إِذَا اقْتَضَتِ الْمُصْلَحَةُ ذَلِكَ . وَقَدِ اتَّبَعَ السُّيُوطِيُّ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ فِي ( الدُّرِّ الْمَنْثُورِ ) بِأَثَرٍ مِنَ الزَّبُورِ فِي انْتِقَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُنَافِقِ بِالْمُنَافِقِ ، ثُمَّ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ جَمِيعًا ، ثُمَّ قَالَ : وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي هَاشِمٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَمَا تَكُونُونَ كَذَلِكَ يُؤَمَّرُ عَلَيْكُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هَذَا مُنْقَطِعٌ وَيَحْيَى ضَعِيفٌ . ثُمَّ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ آثَارًا إِسْرَائِيلِيَّةً فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَوَّلُهَا قَوْلُ كَعْبِ الْأَحْبَارِ : إِنَّ لِكُلِّ زَمَانٍ مَلِكًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى نَحْوِ قُلُوبِ أَهْلِهِ ، فَإِذَا أَرَادَ صَلَاحَهُمْ بَعَثَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا مُصْلِحًا ، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَتَهُمْ بَعَثَ عَلَيْهِمْ مُتْرَفَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُلُوكَ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْأُمَمِ الْجَاهِلَةِ الضَّالَّةِ تَصَرُّفَ الرُّعَاةِ فِي الْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ ، فَالْمَلِكُ الْمُتْرَفُ - وَهُوَ الَّذِي أَكْبَرُ هَمِّهِ التَّمَتُّعُ بِاللَّذَّاتِ الْجَسَدِيَّةِ وَمَظَاهِرِ الْعَظْمَةِ وَالسُّلْطَانِ - يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ الْوُزَرَاءَ وَالْقُوَّادَ وَالْبِطَانَةَ وَالْحَاشِيَةَ مِنْ أَمْثَالِهِ الْمُتْرَفِينَ . فَيُقَلِّدُهُمْ جُمْهُورُ النَّاسِ فِي أَعْمَالِهِمُ [ ص: 90 ] السَّيِّئَةِ لِأَنَّ النَّاسَ كَمَا قِيلَ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْفَسَادُ أَغْلَبَ مِنَ الصَّلَاحِ ، وَالْفِسْقُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَسُنَنِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالنِّظَامِ أَعَمَّ مِنَ الِاتِّبَاعِ . وَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَمِ بِانْقِرَاضِ أَهْلِهَا ، أَوْ بِتَسَلُّطِ الْأُمَمِ الْقَوِيَّةِ عَلَيْهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) ( 17 : 16 ) وَكَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَأَثَرُ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مُفَسِّرٌ لِلْآيَةِ .

وَلَمَّا كَانَ الْمَلِكُ الْمُتْرَفُ يُفْسِدُ الْأُمَّةَ حَتَّى تَهْلَكَ ، كَانَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ يُصْلِحُ الْأُمَّةَ الْفَاسِدَةَ بِاتِّخَاذِ الْوُزَرَاءِ وَالْقُوَّادِ وَالْبِطَانَةِ وَالْحَاشِيَةِ لَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ مِيزَانَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، وَيَكُونُونَ قُدْوَةً لِلنَّاسِ فِي الْعِفَّةِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْقَصْدِ ، وَيَأْخُذُونَ عَلَى أَيْدِي أَهْلِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ فَيُقَلِّدُهُمُ الْأَكْثَرُونَ ، وَيَرْهَبُ جَانِبَهُمُ الْأَشْرَارُ وَالْمُفْسِدُونَ فَتَقْوَى دَوْلَتُهُمْ ، وَتَعْتَزُّ أُمَّتُهُمْ ، حَتَّى يُمَكِّنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلَهُمْ مِنَ الْوَارِثِينَ ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) ( 21 : 105 ) أَيِ الصَّالِحُونَ لِتَوَلِّيهَا وَالْقِيَامِ بِشُئُونِهَا ، وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُعَارِضُهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ صَلَاحِيَّةً ، فَالصَّلَاحُ كَالتَّقْوَى يُفَسَّرُ فِي كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِهِ .

وَأَمَّا الْأُمَمُ الْعَالِمَةُ بِسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ ذَاتُ الرَّأْيِ الَّذِي يُمَثِّلُهُ الزُّعَمَاءُ الَّذِينَ تَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ ، فَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُلُوكُ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِيهَا كَمَا يَشَاءُونَ كَمَا قُلْنَا آنِفًا ، بَلْ يَكُونُونَ فِيهَا تَحْتَ مُرَاقَبَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهَا . وَقَدْ وَضَعَ الْإِسْلَامُ هَذَا الْأَسَاسَ الْمَتِينَ لِلْإِصْلَاحِ بِجَعْلِهِ أَمْرَ الْأُمَّةِ شُورَى بَيْنَ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الْمَذْكُورِينَ ، وَأَمْرِهِ الرَّسُولَ نَفْسَهُ بِالْمُشَاوَرَةِ ، وَجَرَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بِرُجُوعِهِ عَنْ رَأْيِهِ إِلَى رَأْيِ الْأُمَّةِ ، وَجَعْلِهِ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ وَهِيَ الْإِمَامَةُ أَوِ الْخِلَافَةُ بِالِانْتِخَابِ ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ الْخَلِيفَةُ الْأَوَّلُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ خُطْبَةٍ خَطَبَ بِهَا النَّاسَ عَقِبَ مُبَايَعَتِهِ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ ، فَإِذَا اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي ، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي ، وَاشْتُهِرَ عَنِ الْخَلِيفَةِ الثَّانِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ فِيَّ عِوَجًا فَلْيُقَوِّمْهُ . إِلَخْ . وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيفَةِ الثَّالِثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ : أَمْرِي لِأَمْرِكُمْ تَبَعٌ ، وَبَعْدَ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ تَحَوَّلَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ خِلَافَةِ نُبُوَّةٍ إِلَى مُلْكٍ مِصْدَاقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " الْخِلَافَةُ بَعْدِي فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ . وَقَدْ دَعَّمَ بَنُو أُمَيَّةَ مُلْكَهُمْ بِالْعَصَبِيَّةِ [ ص: 91 ] فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ حِينَ ظَهَرَ فِيهِمُ الْفِسْقُ ، فَنَفَرَ مِنْهُمْ مُعْظَمُ الْأُمَّةِ لِغَلَبَةِ الصَّلَاحِ فِيهَا فَسَهُلَ انْتِزَاعُ الْمُلْكِ مِنْهُمْ بِسُرْعَةٍ . وَلَيْسَ التَّطْوِيلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَوْضِعِنَا هُنَا فَحَسْبُنَا إِيضَاحُ مَا وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنِ السَّلَفِ فِي الْآيَةِ وَالتَّذْكِيرُ بِأَنَّ الْأُمَمَ الْأُخْرَى قَدِ اسْتَفَادَتْ مِنْ هِدَايَةِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْأَمْرِ - الَّذِي تَرَكَ الْمُسْلِمُونَ هِدَايَةَ دِينِهِمْ فِيهِ - فَلَمْ يَعُدْ أَمْرُ صَلَاحِهَا وَفَسَادِهَا بِأَيْدِي مُلُوكِهَا وَرُؤَسَاءِ حُكُومَاتِهَا وَحْدَهُمْ ، بَلْ فِي أَيْدِي نُوَّابِهَا الَّذِينَ نَخْتَارُهُمْ لِمُرَاقَبَةِ الْحُكُومَةِ وَالسَّيْطَرَةِ عَلَيْهَا . عَلَى أَنَّ الْوُزَرَاءَ كَثِيرًا مَا يَغُشُّونَ جُمْهُورَ نُوَّابِ الْأُمَّةِ وَيَسْتَعِينُونَ بِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ .

وَلَيْسَ لَفْظُ الظَّالِمِينَ فِي الْآيَةِ خَاصًّا بِالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَتَعَاوُنِهِمْ مَعَ عُمَّالِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، بَلْ هُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ وَالظَّالِمِينَ لِلنَّاسِ مِنَ الْحُكَّامِ وَغَيْرِهِمْ ، كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ يَتَوَلَّى مَنْ يُشَاكِلُهُ فِي أَخْلَاقِهِ وَأَعْمَالِهِ ، وَيَتَنَاصَرُونَ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُمْ فِيهَا وَإِنْ وَافَقَهُمْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الرَّوَابِطِ وَالْجَوَامِعِ الْأُخْرَى حَتَّى رَابِطَةِ الدِّينِ وَالْجِنْسِ ، فَإِنَّ كُلَّ جَامِعَةٍ بَيْنَ النَّاسِ لَا يُؤَيِّدُهَا الْعَمَلُ تَضْعُفُ حَتَّى تَكُونَ صُورِيَّةً أَوْ لَفْظِيَّةً ; وَلِذَلِكَ نَرَى الطَّامِحِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَقْوِيَاءِ إِلَى السِّيَادَةِ عَلَى الْجُهَلَاءِ الضُّعَفَاءِ يَجِدُّونَ فِي السَّعْيِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى إِفْسَادِ تَرْبِيَتِهِمْ ، وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يُضْعِفُ كُلَّ الرَّوَابِطِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَرْبِطُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، أَوْ يَحُلُّهَا وَيَذْهَبُ بِهَا فَلَا يَكُونُ لِلْأَفْرَادِ مِنْهُمْ هَمٌّ إِلَّا فِي أَشْخَاصِهِمْ وَتَمْتِيعِهَا بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّوْنَ مَنْ يُوصِلُهُمْ إِلَيْهَا وَلَوْ بِمُسَاعَدَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِمْ إِذَا كَانَ يُفِيضُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ مَا يَنْتَزِعُهُ مِنْهَا بِمُؤَازَرَتِهِمْ ، وَلَوْ آزَرُوهَا عَلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ . فَالْمَدَارُ فِي الْوِلَايَةِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى الْمُشَاكَلَةِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْكَسْبُ وَالْعَمَلُ ، لَا الصُّورِيَّةِ أَوِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُقَرِّرِ الْكَسْبُ مَعْنَاهَا ; وَلِذَلِكَ قَالَ : ( بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) وَلَمْ يَقُلْ بِمَا كَانُوا يُلَقَّبُونَ . وَسَنَذْكُرُ عِنْدَ مُنَاسَبَةٍ أُخْرَى غَرَائِبَ مِنْ خِذْلَانِ الْأُمَمِ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ ، مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ ، وَسِرُّهُ وَأَغْرَبُهُ مُسَاعَدَةُ عَبِيدِ الشَّهَوَاتِ لِلْأَجَانِبِ عَلَى اسْتِعْبَادِ أُمَّتِهِمْ وَالسَّيْطَرَةِ عَلَى بِلَادِهَا لِيَنَالُوا فِي ظِلِّ سِيَادَتِهِمْ عَلَيْهَا مَا لَا يَطْمَعُونَ بِمِثْلِهِ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهَا وَاسْتِقْلَالِهَا ، ثُمَّ هُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْدِمُونَهَا بِذَلِكَ ; لِأَنَّ سُلْطَةَ الْأَجْنَبِيِّ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهَا بِزَعْمِهِمْ ، وَمُشَارَكَتُهُمْ إِيَّاهُ وَمُسَاعَدَتُهُمْ لَهُ تُخَفِّفُ عَنِ الْأُمَّةِ ثِقَلَ وَطْأَتِهِ ، وَتَحْفَظُ لَهَا بَعْضَ الْحُقُوقِ وَالْمَنَافِعِ ، وَتُمَهِّدُ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلَى التَّرَقِّي الَّذِي يُرْجَى أَنْ تَسِيرَ فِيهِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ . وَهَذِهِ الدَّعَاوَى مِنَ الْخِدَعِ الَّتِي تَعَلَّمُوهَا مِنْ سَاسَةِ الْأَجَانِبِ قَدْ يَخْدَعُونَ بِهَا أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، وَمِنْ أَكْبَرِ مَصَائِبِ أُمَّتِهِمْ بِهِمْ قَوْلُهُمْ عَنِ اعْتِقَادٍ أَوْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ - أَوْ لَا مَنْدُوحَةَ - مِنْ سَيْطَرَةِ الْأَجَانِبِ عَلَيْهَا ، وَانْخِدَاعُ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ بِهِمْ وَتَصْدِيقُهُمْ لِقَوْلِهِمْ إِنَّهُمْ يَخْدُمُونَ الْأُمَّةَ بِتَخْفِيفِ الضَّغْطِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَاهِلِهَا : وَكَيْفَ لَا يَنْخَدِعُ الْعَوَامُّ بِأَقْوَالِ أُمَرَائِهِمْ وَقُوَّادِهِمْ وَسَادَاتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ ، وَهُمْ [ ص: 92 ] جَاهِلُونَ بِسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ ، وَبِمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ ؟ فَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْعِبَرِ ، مَا يَكْفِي لِإِصْلَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي غَفْلَةٍ عَنِ الِاعْتِبَارِ ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ أُولُو الْأَبْصَارِ ، نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُكْثِرَ فِي أُمَّتِنَا مِنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا حَيَاةَ إِلَّا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَهِيَ هَالِكَةٌ لَا مَحَالَةَ ، وَهَذَا جَزَاءٌ مُطَّرِدٌ بِسُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا ، وَجَزَاءُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْهُ وَأَنْكَى ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
http://library.islamweb.net/newlibra...ayano=130#docu




 توقيع : طالب علم


رد مع اقتباس