عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 09 Aug 2017, 06:34 PM
طالب علم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث جزاه الله خيرا
طالب علم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل : May 2008
 فترة الأقامة : 5787 يوم
 أخر زيارة : 09 Sep 2023 (01:17 PM)
 المشاركات : 3,093 [ + ]
 التقييم : 11
 معدل التقييم : طالب علم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
فصل في ذم الموسوسين .



فصل في ذم الموسوسين
ثم إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان ، حتى اتصفوا بوسوسته ، وقبلوا قوله ، وأطاعوه ، ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصحابته ، حق أن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أو صلى كصلاته ، فوضوءه باطل ، وصلاته غير صحيحة . ويرى أنه إذا فعل مثل فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام في مواكلة الصبيان، وأكل طعام عامة المسلمين ، أنه قد صار نجسا ، يجب عليه تسبيع يده وفمه ، كما لو ولغ فيهما كلب أو بال عليهما هر .
ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلى ما يشبه الجنون، ويقارب مذهب السوفسطائية الذين ينكرون حقائق الموجودات، والأمور المحسوسات ، وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات ، وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلا يشاهده ببصره ويكبر، ويقرأ بلسانه ، بحيث تسمعه أذناه ، ويعلمه بقلبه ، بل يعلمه غيره منه ويتيقنه ، ثم يشك : هل فعل ذلك أم لا ؟ وكذلك يشككه الشيطان في نيته وقصده التي يعلمها من نفسه يقينا ، بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله . ومع هذا يقبل قول إبليس في أنه مانوى الصلاة ، ولا أرادها ، مكابرة منه لعيانه ، وجحدا ليقين نفسه ، حتى تراه متلددا متحيرا : كأنه يعالج شيئا يجتذبه ، أو يجد شيئا في باطنه يستخرجه . كل ذلك مبالغة في طاعة إبليس، وقبول وسوسته ، ومن انتهت طاعته لإبليس إلى هذا الحد فقد بلغ النهاية في طاعته .
ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده، تارة بالغوص في الماء البارد ، وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك ، وربما فتح عينيه في الماء البارد ، وغسل داخلهما حتى يضر ببصره، وربما أفضى إلى كشف عورته للناس ، وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزىء به من يراه .
قلت : ذكر أبو الفرج ابن الجوزي عن أبي الوفاء ابن عقيل : أن رجلا قال له : أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشك : هل صح [لي] الغسل أم لا ، فما ترى في ذلك ؟ فقال له الشيخ : اذهب ، فقد سقطت عنك الصلاة . قال : وكيف ؟ قال : لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثلاثة : المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ ، والصبي حتى يبلغ " ومن ينغمس في الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا ، فهو مجنون .
قال : وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة، وربما فاته الوقت ويشغله بوسوسته في النية حق تفوته التكبيرة الأولى، وربما فوت عليه ركعة أوأكثر، ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذا ، ثم يكذب .
قلت : وحكى لي من أثق به عن موسوس عظيم رأيته أنا يكرر عقد النية مرارا عديدة فيشق على المأمومين مشقة كبيرة ، فعرض له أن حلف بالطلاق أنه لا يزيد على تلك المرة ، فلم يدعه إبليس حتى زاد ، ففرق بينه وبين امرأته ، فأصابه لذلك غم شديد ، وأقاما متفرقين دهرا طويلا ، حتى تزوجت ، تلك المرأة برجل آخر، وجاءه منها ولد ، ثم إنه حنث في يمين حلفها ففرقا بينهما وردت إلى الأول بعد أن كاد يتلف لمفارقتها .
وبلغني عن آخر أنه كان شديد التنطع في التلفظ بالنية والتقعر في ذلك ، فاشتد به التنطع والتقعر يوما إلى أن قال : أصلي، أصلي ، مرارا ، صلاة كذا وكذا . وأراد أن يقول : أداء ، فأعجم. الدال ، وقال : أذاء لله . فقطع الصلاة رجل إلى جانبه ، يقال : ولرسوله وملائكته وجماعه المصلين .
قال : ومنهم من يتوسوس في إخراج الحرف حتى يكرره مرارا .
قال : فرأيت منهم من يقول : الله أكككبر . قال : وقال لي إنسان منهم : قد عجزت عن قول :. السلام عليكم. فقلت له : قل مثل ما قد قلت الآن ، وقد استرحت .
وقد بلغ الشيطان منهم أن عذبهم في الدنيا قبل الآخرة ، وأخرجهم عن اتباع الرسول ، وأدخلهم في جملة أهل التنطع والغلو ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله وفعله ، وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم ، وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته ، ويوقن أنه عدو له لا يدعوه إلى خير " إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" وليترك التعرج على كل ما خالف طريقة رسول الله عليه الصلاة والسلام كائنا ما كان ، فإنه لا يشك أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان على الصراط المستقيم ، ومن شك في هذا فليس بمسلم . ومن علمه فإلى أين العدول عن سنته ؟ وأي شيء يبتغي العبد غير طريفته ؟ ويقول لنفسه : ألست تعلمين أن طريقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هي الصراط المستقيم ؟ فإذا قالت له : بلى ، قال لها : فهل كان يفعل هذا ؟ فستقول : لا ، فقل لها : فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار ؟ وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان ؟ فإن اتبعت سبيله كنت قرينه، وستقولين : " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " . ولينظر أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فليقتد بهم، وليختر طريقهم فقد روينا عن بعضهم أنه قال : " لقد تقدمني قوم لو لم يجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته " .
قلت : هو إبراهيم النخعي .
وقال زين العابدين يوما لابنه :. يا بني ، اتخذ لي ثوبا ألبسه عند قضاء الحاجة ، فإني رأيت الذباب يسقط على الشيء ثم يقع على الثوب، ثم انتبه فقال : ما كان للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه إلا ثوب واحد ، فتركه. .
وكان عمر رضي الله تعالى عنه يهم بالأمر ويعزم عليه، فإذا قيل له : لم يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى، حتى أنه قال :. لقد هممت أن أنهي عن لبس هذه الثياب ، فإنه قد بلغني أنها تصبغ ببول العجائز. فقال له أبي : ما لك أن تنهي ، فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد لبسها ولبست في زمانه ، ولو علم الله أن لبسها حرام لبينه لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم . فقال عمر: صدقت. .
ثم ليعلم أن الصحابة ما كان فيهم موسوس، ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله عن رسوله وصحابته ، وهم خير الخلق وأفضلهم ، ولو أدرك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الموسوسين لمقتهم ، ولو أدركهم عمر رضي الله تعالى عنه لضربهم وأدبهم ، ولو أدركهم الصحابة لبدعوهم ، وها أنا أذكر ما جاء في خلاف مذهبهم على ما يسره الله تعالى مفصلا .
http://roqia.khayma.com/book/weswas.htm#_Toc528080428




 توقيع : طالب علم


رد مع اقتباس