عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 05:03 AM   #50
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


إلا به لم تكن قدرة إلا به بطريق الأولى . وهذا باب واسع . والمقصود هنا أن الناس متنازعون في جنس " الحركة العامة " التي تتناول ما يقوم بذات الموصوف من الأمور الاختيارية كالغضب والرضا والفرح وكالدنو والقرب والاستواء والنزول بل والأفعال المتعدية كالخلق والإحسان وغير ذلك على ثلاثة أقوال :
أحدها قول من ينفي ذلك مطلقا وبكل معنى فلا يجوز أن يقوم بالرب شيء من الأمور الاختيارية . فلا يرضى على أحد بعد أن لم يكن راضيا عنه ولا يغضب عليه بعد أن لم يكن غضبان ولا يفرح بالتوبة بعد التوبة ; ولا يتكلم بمشيئته وقدرته إذا قيل إن ذلك قائم بذاته . وهذا القول أول من عرف به هم " الجهمية والمعتزلة " وانتقل عنهم إلى الكلابية والأشعرية والسالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة : كأبي الحسن التميمي وابنه أبي الفضل وابن ابنه رزق الله ; والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني وأبي الفرج بن الجوزي ; وغير هؤلاء من أصحاب أحمد - وإن كان الواحد من هؤلاء قد يتناقض كلامه - وكأبي المعالي الجويني وأمثاله من أصحاب الشافعي وكأبي الوليد الباجي وطائفة من أصحاب مالك وكأبي الحسن الكرخي وطائفة من أصحاب أبي حنيفة .
والقول الثاني : إثبات ذلك وهو قول الهشامية والكرامية وغيرهم من طوائف أهل الكلام الذين صرحوا بلفظ الحركة . وأما الذين أثبتوها بالمعنى العام حتى يدخل في ذلك قيام الأمور والأفعال الاختيارية بذاته ; فهذا قول طوائف غير هؤلاء : كأبي الحسين البصري وهو اختيار أبي عبد الله بن الخطيب الرازي وغيره من النظار وذكر طائفة : أن هذا القول لازم لجميع الطوائف . وذكر عثمان بن سعيد الدارمي إثبات لفظ الحركة في كتاب نقضه على بشر المريسي ونصره على أنه قول أهل السنة والحديث وذكره حرب بن إسماعيل الكرماني : لما ذكر مذهب أهل السنة والأثر عن أهل السنة والحديث قاطبة وذكر ممن لقي منهم على ذلك : أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ; وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور . وهو قول أبي عبد الله بن حامد وغيره . وكثير من أهل الحديث والسنة يقول : المعنى صحيح لكن لا يطلق هذا اللفظ لعدم مجيء الأثر به كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وغيره في كلامهم على حديث النزول . والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث : هو الإقرار بما ورد به الكتاب والسنة من أنه يأتي وينزل وغير ذلك من الأفعال اللازمة . قال " أبو عمرو الطلمنكي " : أجمعوا - يعني أهل السنة والجماعة - على أن الله يأتي يوم القيامة والملائكة صفا صفا لحساب الأمم وعرضها كما يشاء وكيف يشاء قال تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر } وقال تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } . قال : وأجمعوا على أن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا على ما أتت به الآثار كيف شاء لا يحدون في ذلك شيئا ثم روى بإسناده عن محمد بن وضاح قال : وسألت يحيى بن معين عن النزول فقال نعم . أقر به ولا أحد فيه حدا .
والقول الثالث الإمساك عن النفي والإثبات وهو اختيار كثير من أهل الحديث والفقهاء والصوفية - كابن بطة وغيره . وهؤلاء فيهم من يعرض بقلبه عن تقدير أحد الأمرين ومنهم من يميل بقلبه إلى أحدهما ولكن لا يتكلم لا بنفي ولا بإثبات . والذي يجب القطع به أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه . فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء فهو مخطئ قطعا كمن قال إنه ينزل فيتحرك وينتقل كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار كقول من يقول : إنه يخلو منه العرش ; فيكون نزوله تفريغا لمكان وشغلا لآخر ; فهذا باطل يجب تنزيه الرب عنه كما تقدم . وهذا هو الذي تقوم على نفيه وتنزيه الرب عنه الأدلة الشرعية والعقلية ; فإن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه الأعلى وقال : { سبح اسم ربك الأعلى } . فإن كان لفظ العلو لا يقتضي علو ذاته فوق العرش ; لم يلزم أن يكون على العرش . وحينئذ فلفظ النزول ونحوه يتأول قطعا إذ ليس هناك شيء يتصور منه النزول . وإن كان لفظ العلو يقتضي علو ذاته فوق العرش فهو سبحانه الأعلى من كل شيء كما أنه أكبر من كل شيء . فلو صار تحت شيء من العالم لكان بعض مخلوقاته أعلى منه ولم يكن هو الأعلى وهذا خلاف ما وصف به نفسه . وأيضا فقد أخبر : أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش فإن لم يكن استواؤه على العرش يتضمن أنه فوق العرش ; لم يكن الاستواء معلوما وجاز حينئذ ألا يكون فوق العرش شيء ; فيلزم تأويل النزول وغيره . وإن كان يتضمن أنه فوق العرش فيلزم استواؤه على العرش وقد أخبر أنه استوى عليه لما خلق السموات والأرض في ستة أيام وأخبر بذلك عند إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بألوف من السنين ودل كلامه على أنه عند نزول القرآن مستو على عرشه فإنه قال : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير } . وفي حديث الأوعال الذي رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وغيرهما لما مرت سحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : السحاب قالوا : السحاب قال : والمزن : قالوا : والمزن وذكر السموات وعددها وكم بين كل سماءين ثم قال : والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه } . وكذلك في حديث جبير بن مطعم الذي رواه أبو داود وغيره عن جبير بن مطعم قال : { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال وهلكت الأنعام ; فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال : ويحك أتدري ما الله ؟ إن الله على عرشه وعرشه على سمواته مثل القبة وأشار بيده } . وهذا إخبار عن أنه سبحانه فوق العرش في تلك الحال كما دل عليه القرآن كما أخبر أنه استوى على العرش وأنه معنا أينما كنا . وكونه معنا أمر خاص ; فكذلك كونه مستويا على العرش . وكذلك سائر النصوص تبين وصفه بالعلو على عرشه في هذا الزمان ; فعلم أن الرب سبحانه لم يزل عاليا على عرشه . فلو كان في نصف الزمان أو كله تحت العرش أو تحت بعض المخلوقات ; لكان هذا مناقضا لذلك . وأيضا فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ; وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء } وهذا نص في أن الله ليس فوقه شيء وكونه الظاهر صفة لازمة له مثل كونه الأول والآخر وكذلك الباطن فلا يزال ظاهرا ليس فوقه شيء ولا يزال باطنا ليس دونه شيء . وأيضا فحديث أبي ذر وأبي هريرة وقتادة المذكور في تفسير هذه " الأسماء الأربعة " الذي فيه ذكر الإدلاء قد ذكرناه في " مسألة الإحاطة " وهو مما يبين أن الله لا يزال عاليا على المخلوقات مع ظهوره وبطونه وفي حال نزوله إلى السماء الدنيا . وأيضا فقد قال تعالى : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } فمن هذه عظمته يمتنع أن يحصره شيء من مخلوقاته . وعن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية أحاديث صحيحة اتفق أهل العلم بالحديث على صحتها وتلقيها .



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس