عرض مشاركة واحدة
قديم 13 Nov 2009, 06:09 PM   #19
أيمن كمال
باحث ماسي


الصورة الرمزية أيمن كمال
أيمن كمال غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 3382
 تاريخ التسجيل :  Sep 2008
 أخر زيارة : 17 Oct 2013 (07:47 PM)
 المشاركات : 704 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الجن خلقوا من نار، وهذه النصوص هي المعتمدة لأن "الدليل على أن أصل الجن النار: السمع دون النقل" قال سبحانه وتعالى: ﴿وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ*﴾ سورة الرحمان، الآية 15.، قال ابن عباس رضي الله عنهما ("من مارج من نار") "من لهب النار"وعنه أيضاً من خالص النار"، ويذهب سيد قطب إلى أن المراد بالمارج "المشتعل المتحرك كألسنة النار مع الرياح"، ويقول سبحانه وتعالى كذلك على لسان إبليس ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ *﴾ سورة الأعراف، الآية:12.، لكن قد يقال كيف يعتبر قول إبليس حجة ودليلاً مع كذبه وكفره وعصيانه؟ وأرى أن الدليل ليس في قوى إبليس ذاته ولكن في إقرار الله له، والله عز وجل لا يقر أحداً على باطل.

ويقول سبحانه وتعالى كذلك: ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ *﴾ سورة الحجر، الآية:27.، قال فخر الدين الرازي: {معنى السموم في اللغة: الريح الحارة تكون بالنهار وقد تكون بالليل وعلى هذا فالريح الحارة فيها نار ولها لفح وأوار، سميت سموماً لأنها بلطفها تدخل في مسام البدن وهي الخروق الخفية التي تكون في جلد الإنسان يبرز منها عرقه وبخار باطنه}.

إضافة إلى هذه الآيات القرآنية جاءت السنة النبوية كذلك مشيرة إلى الأصل الذي خلق منه الجن، ﴿عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم﴾ صحيح مسلم بشرح النووي.

هذه النصوص تغنينا عن الخوض والبحث في الأصل الذي خلق منه الجن(*) بطرح احتمالات وافتراضات تمزق فكر الإنسان -لأن هذه المسألة من القضايا التوقيفية التي لا مجال للاجتهاد فيها.

فالنصوص السابقة تثبت أنه خلق من نار، وهنا قد يثار سؤال عويص: هل بقي الجن على ناريته التي خلق منها أم تحول عنها؟ الحقيقة أن الجن ليس ناراً وإنما أضاف الله سبحانه الجن إلى النار كما أضاف الإنسان إلى التراب والطين، فالإنسان أصله من طين وهو ليس طين صرف، وإنما هو كائن حي به روح وله عقل وفيه عروق وأعصاب ولحم وعظم ...، كذلك الجن أصله نار لكن تحول عن أصله، يدلنا على ذلك الأحاديث التالية:

*﴿عن يحيى بن سعيد أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، فقال جبريل: قل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات الاتي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر ومن شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار وطوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان﴾الموطأ / الإمام مالك ص:825.، فلو كان الجن باقين على عنصرهم الناري وأنهم نار حقيقية محرقة لما احتاج هذا العفريت أن يأتي بشعلة من النار كما جاء في الحديث.

*﴿عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً وبسط يده كأنه يتناول شيئاً فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله من قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة﴾ صحيح مسلم بشرح النووي.، فهذا الحديث يثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الشيطان احتاج إلى النار ليجعلها في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذاته ليست ناراً.

*﴿عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال: يا فلان هذه زوجتي فلانة فقال: يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك، فقال رسول الله: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم﴾ صحيح مسلم بشرح النووي.، قال القاضي(1) وغيره: قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن مجاري دمه وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق دمه وقيل يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب.، فلو بقيت الجن والشياطين على ناريتهم لأحرقت الإنسان إذا مسته أو اقتربت منه كما تحرق النار الحقيقية الإنسان بمجرد لمسها، بل أكثر من ذلك لو بقي الجن على ناريتهم لما استطاعوا العيش في البحار كما يعيشون في البر، فهناك نوع من الجن يسمى الجن الغواص له ممالك في البحار، وإبليس يضع عرشه على الماء للحديث الشريف: ﴿عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إبليس يضع عرشه على الماء ...﴾ صحيح مسلم.، {قال القاضي أبو بكر الباقلاني ولسنا ننكر مع ذلك - يعني أن الأصل الذي خلقوا منه النار- أن يكثفهم الله تعالى ويغلظ أجسامهم ويخلق لهم أعراضاً تزيد على ما في النار فيخرجون

-----------------

(1) القاضي عياض (476هـ - 544هـ = 1038م - 1149م) هو عياض بن موسى بن عمرو اليحصبي السبتي أبو الفضل: عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم ولي قضاء سبتة ومولده فيها ثم قضاء غرناطة وتوفي بمراكش مسموماً قيل سمه يهودي من تصانيفه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى".

عن كونهم ناراً ويخلق صوراً وأشكالاً مختلفةً} أحكام الجان/ الشبلي ص:29.



ذكر ابتداء خلقهم

خلق الله عز وجل الجن قبل أن يخلق الإنس بمدة لا يعلم زمنها إلا الله عز وجل حيث يقول جل شأنه: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ *﴾ سورة الحجر، الآيتان:27-26.، وهذه القبلية معناها الفترة الزمنية التي عمر وسكن فيها الجن الكوكب الأرض قبل الإنسان، وقال سبحانه وتعالى كذلك: ﴿وَمَا خَلَقْتُ وَالْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *﴾ سورة الذاريات، الآية:56.، يقول الألوسي عن هذه الآية الكريمة {ولعل تقديم الجن في الذكر لتقدم خلقهم على خلق الإنس في الوجود} روح المعاني/ م:9 ج:27 ص:20. وقد ورد عن بعض الصحابة تحديد هذه المدة منهم عبد الله بن عمر حيث يقول: {كان الجن قبل آدم بألف عام فسفكوا الدماء فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور}. قصص الأنبياء/ ابن كثير ص:13، 1992م.

وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ ج قَالُوآ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الْدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *﴾ سورة البقرة، الآية:30.، هذه الآية الكريمة كذلك قد فهم منها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن الجن هم الذين كانوا قبل الإنسان وأنهم أفسدوا وسفكوا الدماء واتفق مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المدة التي عمر فيها الجن الأرض قبل خلق الإنس {يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "قال الله تعالى": ﴿إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجن فأفسدوا في الأرض، فبعث الله عليهم جنوداً من الملائكة فضربوهم حتى ألقوهم بجزائر البحور، فلما قال الله: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ كما فعل أولئك الجان} المستدرك على الصحيحين في الحديث/ الحاكم النيسابوري ج:2 ص:461 كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".، ولا شك أن هذه القبلية تدعو الجن إلى الفخر على الإنسان لأنه أول من عمر وسكن الأرض



 
 توقيع : أيمن كمال

كل خير فى اتباع السلف وكل شر فى ابتداع ما خلف


رد مع اقتباس