عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 04:57 AM   #27
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وقوله:( فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُم( (1)................................................
(1) الآية الثالثة: قوله: ]فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُم[ [الزخرف: 55].
* ]آسفونا[، يعني: أغضبونا وأسخطونا.
* ]فلما[: هنا شرطية، فعل الشرط فيها: ]آسفونا[، وجوابه: ]انتقمنا منهم[.
ففيها رد على من فسروا السخط والغضب بالانتقام، لأن أهل التعطيل من الأشعرية وغيرهم يقولون: إن المراد بالسخط والغضب الانتقام، أو إرادة الانتقام، ولا يفسرون السخط والغضب بصفة من صفات الله يتصف بها هو نفسه، فيقولون: غضبه، أي انتقامه، أو بالإرادة لأنهم يقرون بها، ولا يفسرونه بأنه صفة ثابتة لله على وجه الحقيقة تليق به.
ونحن نقول لهم: بل السخط والغضب غير الانتقام، والانتقام نتيجة الغضب والسخط، كما نقول: إن الثواب نتيجة الرضى، فالله سبحانه وتعالى يسخط على هؤلاء القوم ويغضب عليهم ثم ينتقم منهم.
وإذا قالوا: إن العقل يمنع ثبوت السخط والغضب لله عز وجل.
فإننا نجيبهم بما سبق في صفة الرضى، لأن الباب واحد.
ونقول: بل العقل يدل على السخط والغضب، فإن الانتقام من المجرمين وتعذيب الكافرين دليل على السخط والغضب، وليس دليلاً على الرضى، ولا على انتفاء الغضب والسخط.
ونقول: هذه الآية: ] فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُم[ [الزخرف: 55]: ترد عليكم، لأنه جعل الانتقام غير الغضب، لأن الشرط غير المشروط.
مسألة:
بقي أن يقال: ] فَلَمَّا آسَفُونَا[: نحن نعرف أن الأسف هو الحزن والندم على شيء مضى على النادم لا يستطيع رفعه، فهل يوصف الله بالحزن والندم؟
الجواب: لا، ونجيب عن الآية بأن الأسف في اللغة له معنيان:
المعنى الأول: الأسف بمعنى الحزن، مثل قول الله تعالى عن يعقوب: ) يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْن[ [يوسف: 84].
الثاني: الأسف بمعنى الغضب، فيقال: أسف عليه يأسف، بمعنى: غضب عليه.
والمعنى الأول: ممتنع بالنسبة لله عز وجل. والثاني: مثبت لله، لأن الله تعالى وصف به نفسه، فقال: ]فلما آسفونا انتقمنا منهم[.
وفي الآية من صفات الله: الغضب، والانتقام.
ومن الناحية المسلكية: التحذير مما يغضب الله تعالى.
وقوله: ] كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ[(1)....................................
(1) (1) الآية الرابعة: قوله: ]وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ[ [التوبة: 46].
* يعني بذلك المنافقين الذين لم يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات، لأن الله تعالى كره انبعاثهم، لأن عملهم غير خالص له، والله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، ولأنهم إذا خرجوا، كانوا كما قال الله تعالى: ]لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة[ [التوبة: 47]، وإذا كانوا غير مخلصين، وكانوا مفسدين، فإن الله سبحانه وتعالى يكره الفساد ويكره الشرك: فـ] كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ[، يعني: جعل هممهم فاترة عن الخروج للجهاد.
]وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ[ [التوبة: 46]: قيل: يحتمل أن الله قال ذلك كوناً. ويحتمل أن بعضهم يقول لبعض: اقعد مع القاعدين، ففلان لمع يخرج، وفلان لم يخرج، ممن عذرهم الله عز وجل، كالمريض والأعمى والأعرج، ويقولون: إذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذرنا إليه واستغفر لنا وكفانا.
ويمكن أن جمع بين القولين، لأنه إذا قيل لهم ذلك، وقعدوا، فهم ما قعدوا إلا يقول الله عز وجل.
وفي الآية هنا إثبات أن الله عز وجل يكره، وهذا أيضاً ثابت في الكتاب والسنة:
- قال الله تعالى: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.....[ إلى قوله: ]كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً[ [الإسراء: 23-38].
- وكما في هذه الآية التي ذكها المؤلف: ]وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ [ [التوبة: 46].
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كره لكم قيل وقال"[98].
فالكراهة ثابتة بالكتاب والسنة، أن الله تعالى يكره.
وكراهة الله سبحانه وتعالى للشيء تكون للعمل، كما في قوله: ] وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ[ [التوبة: 46]، وكما في قوله: ]كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً[ [الإسراء: 38].
وتكون أيضاً للعامل، كما جاء في الحديث: "إن الله تعالى إذا أبغض عبداً، نادى جبريل، إني أبغض فلاناً، فأبغضه"[99]
وقوله: ] كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ[(1)............................
(1) الآية الخامسة: قوله: ]كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ[ [الصف: 3].
* ]كبر[، بمعنى: عظم.
* ]مقتاً[: تمييز محول عن الفاعل، والمقت أشد البغض، وفاعل ]كبر[ بعد أن حول الفاعل إلى تمييز: (أن) وما دخلت عليه في قوله: ]أن تقولوا ما لا تفعلون[.
وهذه الآية تعليل للآية التي قبلها وبيان لعاقبتها: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ[ [الصف: 2-3]، فإن هذا من أكبر الأمور أن يقول الإنسان ما لا يفعل.
ووجه ذلك أن يقال: إذا كنت تقول الشيء ولا تفعله، فأنت بين أمرين: إما كاذب فيما تقول، ولكن تخوف الناس، فتقول لهم الشيء وليس بحقيقة. وإما أنك مستكبر عما تقول، تأمر الناس به ولا تفعله، وتنهى الناس عنه وتفعله.
وفي الآية من الصفات: المقت، وأنه يتفاوت.
ومن الناحية المسلكية: التحذير من أن يقول الإنسان مالا يفعل.
آيات صفة المجيء والإتيان

ذكر المؤلف رحمه الله تعالى لإثبات صفة المجيء والإتيان آيات أربع.
قوله: ] هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْر[ (1).
(1) الآية الأول: قوله: ]هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْر[ [البقرة: 210].
* قوله: ]هل ينظرون[: ]هل[: استفهام بمعنى النفي، يعني : ما ينظرون، وكلما وجدت (إلا) بعد الاستفهام، فالاستفهام يكون للنفي. هذه قاعدة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "هل أنت إلا إصبع دميت"[100]، أي: ما أنت.
* ومعنى: ]ينظرون[ هنا: ينتظرون لأنها لم تتعد بـ(إلى)، فلو تعدت بـ(إلى) لكان معناها النظر بالعين غالباً، أما إذا تعدت بنفسها، فهي بمعنى: ينتظرون. أي: ما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وذلك يوم القيامة.
* ]يأتيهم الله في ظلل[: و]في[: هنا بمعنى (مع)، فهي للمصاحبة، وليس للظرفية قطعاً، لأنها لو كانت للظرفية، لكانت الظلل محيطة بالله، ومعلوم أن الله تعالى واسع عليم، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.
* فـ]في ظلل[، أي: مع الظل، فإن الله عند نزوله جل وعلا للفصل بين عباده ]تشقق السماء بالغمام[: غمام أبيض، ظلل عظيمة، لمجيء الله تبارك وتعالى.
* وقوله: ]في ظلل من الغمام[ الغمام، قال العلماء: إنه السحاب الأبيض، كما قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل: ]وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَام[ [البقرة: 57]، والسحاب الأبيض يبقي الجو مستنيراً، بخلاف الأسود والأحمر، فإنه تحصل به الظلمة، وهو أجمل منظراً.
* وقوله: ]والملائكة[: الملائكة بالرفع معطوف على لفظ الجلالة الله، يعني: أو تأتيهم الملائكة، وسبق بيان اشتقاق هذه الكلمة، ومن هم الملائكة.
والملائكة تأتي يوم القيامة، لأنها تنزل في الأرض، ينزل أهل السماء الدنيا، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة وهكذا... إلى السابعة؟ يحيطون بالناس.
وهذا تحذير من هذا اليوم الذي يأتي على هذا الوجه، فهو مشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة، يحذر الله به هؤلاء المكذبين.
وقوله)هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك(1)............................
(1) الآية الثانية: قوله: ]هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك[ [الأنعام: 158].
* نقول في ]هل ينظرون[ ما قلناه في الآية السابقة، أي: ما ينتظر هؤلاء إلا واحدة من هذه الأحوال:
أولاً: ]إلا أن تأتيهم الملائكة[، أي: لقبض أرواحهم، قال الله تعالى: ]وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ[ [الأنفال: 50].
ثانيا : ( أو يأتي ربك ) يوم القيامة للقضاء بينهم .
ثالثا: ]أو يأتي ربك[: وهذه طلوع الشمس من مغربها، فسرها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم[101].
وإنما ذكر الله هذه الأحوال الثلاث: لأن الملائكة إذا نزلت لقبض أرواحهم، لا تقبل منهم التوبة، لقوله تعالى: ]وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [ (النساء: 18).
وكذلك أيضاً إذا طلعت الشمس من مغربها، فإن التوبة لا تقبل، وحينئذ لا يستطيعون خلاصاً مما هم عليه.
وذكر الحالة الثالثة بين الحالين، لأن وقت الجزاء وثمرة العمل، فلا يستطيعون التخلص في تلك الحال مما عملوه.
والغرض من هذه الآيات والتي قبلها تحذير هؤلاء المكذبين من أن يفوتهم الأوان ثم لا يستطيعون الخلاص من أعمالهم.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس