عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Jun 2013, 05:18 PM   #2
نور الشمس
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **


الصورة الرمزية نور الشمس
نور الشمس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 13417
 تاريخ التسجيل :  Dec 2012
 أخر زيارة : 21 Aug 2023 (03:12 PM)
 المشاركات : 11,240 [ + ]
 التقييم :  35
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Olivedrab
رد: قصة سليمان بن داود عليهما السلام




وقد روى أبو داود في " سننه " : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا سعيد بن أبي مريم أنبأنا يحيى بن أيوب ، حدثني عمارة بن غزية أن [ ص: 340 ] محمد بن إبراهيم ، حدثه عن محمد بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك - أو خيبر - وفي سهوتها ستر ، فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا يا عائشة ! فقالت : بناتي . ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس . قال : وما الذي عليه هذا ؟ قالت : جناحان . قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة! قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه صلى الله عليه وسلم . وقال بعض العلماء : لما ترك الخيل لله ، عوضه الله عنها بما هو خير له منها ، وهو الريح التي كان غدوها شهرا ورواحها شهرا ، كما سيأتي الكلام عليها ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن أبي قتادة وأبي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت ، قالا : أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يعلمني مما علمه الله ، عز وجل ، وقال : إنك لا تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه .

وقوله تعالى : ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما من المفسرين ، هاهنا ، آثارا كثيرة عن جماعة من السلف ، وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات ، وفي كثير منها نكارة شديدة ، [ ص: 341 ] وقد نبهنا على ذلك في كتابنا " التفسير " ، واقتصرنا هاهنا على مجرد التلاوة . ومضمون ما ذكروه أن سليمان عليه السلام غاب عن سريره أربعين يوما ، ثم عاد إليه ، ولما عاد أمر ببناء بيت المقدس ، فبناه بناء محكما ، وقد قدمنا أنه جدده وأن أول من جعله مسجدا إسرائيل ، عليه السلام ، كما ذكرنا ذلك عند قول أبي ذر : قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال : المسجد الحرام قلت : ثم أي ؟ قال : مسجد بيت المقدس قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنة ومعلوم أن بين إبراهيم الذي بنى المسجد الحرام وبين سليمان بن داود عليهما السلام ، أزيد من ألف سنة ، دع أربعين سنة ، وكان سؤاله الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، بعد إكماله بناء البيت المقدس ، كما قال الإمام أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، بأسانيدهم عن عبد الله بن فيروز الديلمي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه ، عز وجل ، خلالا ثلاثا ، فأعطاه اثنتين ، ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة ; سأله حكما يصادف حكمه ، فأعطاه إياه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا [ ص: 342 ] الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه ، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها " . فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى ، فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وقد ذكر شريح القاضي ، وغير واحد من السلف ، أن هؤلاء القوم كان لهم كرم فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي رعته بالليل فأكلت شجره بالكلية ، فتحاكموا إلى داود عليه السلام ، فحكم لأصحاب الكرم بقيمته ، فلما خرجوا على سليمان قال : بما حكم لكم نبي الله ؟ فقالوا : بكذا وكذا . فقال : أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم ، فيستغلونها نتاجا ودرا حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه ، ثم يتسلموا غنمهم . فبلغ داود عليه السلام ، ذلك فحكم به .

وقريب من هذا ما ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينما امرأتان معهما ابناهما ، إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر ، فقالت الكبرى : إنما ذهب بابنك . وقالت الصغرى : إنما ذهب بابنك . فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى ، فخرجتا على سليمان ، فقال : ائتوني [ ص: 343 ] بالسكين أشقه نصفين ، لكل واحدة منكما نصفه . فقالت الصغرى : لا تفعل ، يرحمك الله ، هو ابنها . فقضى به لها ولعل كلا من الحكمين كان سائغا في شريعتهم ، ولكن ما قاله سليمان أرجح ، ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه إياه ، ومدح بعد ذلك أباه فقال : وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ثم قال : ولسليمان الريح عاصفة أي : وسخرنا لسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين [ الأنبياء : 80 - 82 ] . وقال في سورة " ص " : فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله عوضه الله منها الريح ، التي هي أسرع سيرا وأقوى وأعظم ، ولا كلفة عليه لها . تجري بأمره رخاء حيث أصاب أي : حيث أراد من أي البلاد . كان له بساط مركب من أخشاب ، بحيث إنه يسع جميع ما يحتاج إليه من الدور المبنية والقصور والخيام والأمتعة والخيول والجمال والأثقال والرجال من الأنس والجان ، وغير ذلك من الحيوانات والطيور ، فإذا أراد سفرا أو مستنزها ، أو قتال ملك أو أعداء من أي بلاد الله شاء ، فإذا حمل هذه الأمور المذكورة على البساط ، أمر الريح فدخلت تحته فرفعته ، فإذا استقل [ ص: 344 ] بين السماء والأرض أمر الرخاء فسارت به ، فإن أراد أسرع من ذلك أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون ، فوضعته في أي مكان شاء ، بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس ، فتغدو به الريح فتضعه بإصطخر ، مسيرة شهر ، فيقيم هناك إلى آخر النهار ، ثم يروح من آخره ، فترده إلى بيت المقدس ، كما قال تعالى : ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور [ سبأ : 12 ، 13 ] . قال الحسن البصري : كان يغدو من دمشق ، فينزل بإصطخر فيتغدى بها ، ويذهب رائحا منها فيبيت بكابل ، وبين دمشق وبين إصطخر مسيرة شهر ، وبين إصطخر وكابل مسيرة شهر . قلت : قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان ، أن إصطخر بنتها الجان لسليمان وكان فيها قرار مملكة الترك قديما ، وكذلك غيرها من بلدان شتى; كتدمر ، وبيت المقدس ، وباب جيرون ، وباب البريد ، اللذين بدمشق ، على أحد الأقوال . وأما القطر ، فقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، وغير واحد : هو النحاس . قال قتادة : وكانت باليمن ; أنبعها الله له . قال السدي : ثلاثة أيام فقط ، أخذ منها جميع ما يحتاج إليه للبنايات وغيرها .

[ ص: 345 ] وقوله : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير أي : وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء ، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته ، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه ونكل به . يعملون له ما يشاء من محاريب وهي الأماكن الحسنة وصدور المجالس . وتماثيل وهي الصور في الجدران ، وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم . وجفان كالجواب قال ابن عباس : الجفنة كالجوبة من الأرض . وعنه : كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم . وعلى هذه الرواية يكون ( الجواب ) : جمع جابية ; وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى :

نفى الذم عن آل المحلق جفنة كجابية السيح العراقي تفهق


وأما القدور الراسيات ، فقال عكرمة : أثافيها منها . يعني أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن . وهكذا قال مجاهد وغير واحد . ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام ، والإحسان إلى الخلق من إنس وجان ، قال تعالى : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور وقال تعالى : والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد [ ص : 37 ، 38 ] . يعني أن منهم من قد سخره في البناء ، ومنهم من يأمره بالغوص في الماء لاستخراج ما هنالك من [ ص: 346 ] الجواهر والللآلئ ، وغير ذلك مما لا يوجد إلا هنالك . وقوله : وآخرين مقرنين في الأصفاد أي : قد عصوا فقيدوا مقرنين اثنين اثنين في الأصفاد ، وهي القيود . هذا كله من جملة ما هيأ الله وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، ولم يكن أيضا لمن كان قبله . وقد قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه ، فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد ; حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان : " رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " [ ص : 35 ] . فرددته خاسئا وكذا رواه مسلم ، والنسائي ، من حديث شعبة .

وقال مسلم : حدثنا محمد بن سلمة المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح ، حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ، فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ألعنك بلعنة الله . ثلاثا ، وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك . قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب [ ص: 347 ] من نار ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك - ثلاث مرات - ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة . فلم يستأخر - ثلاث مرات - ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة وكذا رواه النسائي عن محمد بن سلمة به .

وقال أحمد : حدثنا أبو أحمد ، حدثنا مسرة بن معبد ، ثنا أبو عبيد صاحب سليمان ، قال : رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي ، فذهبت أمر بين يديه ، فردني ثم قال : حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه ، فقرأ فالتبست عليه القراءة ، فلما فرغ من صلاته قال : لو رأيتموني وإبليس ، فأهويت بيدي ، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها - ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد ، يتلاعب به صبيان المدينة ، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل روى أبو داود منه : فمن استطاع ، إلى آخره ، عن أحمد بن سريج عن أبي أحمد الزبيري به .

[ ص: 348 ] وقد ذكر غير واحد من السلف ، أنه كانت لسليمان من النساء ألف امرأة ; سبعمائة بمهور ، وثلاثمائة سراري . وقيل بالعكس : ثلاثمائة حرائر وسبعمائة من الإماء .

وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمرا عظيما جدا .

قال البخاري : حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله . فقال له صاحبه : إن شاء الله . فلم يقل ، فلم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قالها لجاهدوا في سبيل الله وقال شعيب وابن أبي الزناد : " تسعين " . وهو أصح . تفرد به البخاري من هذا الوجه .

وقال أبو يعلى : حدثنا زهير ، حدثنا يزيد أنبأنا هشام بن حسان ، عن محمد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على مائة امرأة كل امرأة منهن تلد غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف تلك الليلة على مائة امرأة ، فلم تلد منهن امرأة ، إلا امرأة ولدت نصف إنسان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قال : [ ص: 349 ] إن شاء الله . لولدت كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل إسناده على شرط " الصحيح " ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، ثنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على مائة امرأة ، تلد كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله . ولم يستثن ; فما ولدت إلا واحدة منهن بشق إنسان . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو استثنى لولد له مائة غلام كلهم يقاتل في سبيل الله ، عز وجل تفرد به أحمد أيضا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة بمائة امرأة ، تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله . قال : ونسي أن يقول : إن شاء الله . فأطاف بهن ، قال : فلم تلد منهن امرأة ، إلا واحدة نصف إنسان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قال : إن شاء الله . لم يحنث ، وكان دركا لحاجته وهكذا أخرجاه في " الصحيحين " من حديث عبد الرزاق به مثله .

وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا مقاتل ، عن أبي الزناد ، وابن أبي الزناد عن أبيه ، عن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة : أن سليمان بن داود كان له أربعمائة امرأة وستمائة سرية ، فقال يوما : لأطوفن الليلة على ألف امرأة ، فتحمل كل [ ص: 350 ] واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يستثن ، فطاف عليهن فلم تحمل واحدة منهن ، إلا امرأة واحدة منهن جاءت بشق إنسان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو استثنى فقال : إن شاء الله . لولد له ما قال ، فرسان ، ولجاهدوا في سبيل الله ، عز وجل وهذا إسناد ضعيف ; لحال إسحاق بن بشر ، فإنه منكر الحديث ، ولا سيما وقد خالف الروايات الصحاح . وقد كان له ، عليه السلام ، من أمور الملك ، واتساع الدولة ، وكثرة الجنود وتنوعها ، ما لم يكن لأحد قبله ، ولا يعطيه الله أحدا بعده ، كما قال : وأوتينا من كل شيء وقال : رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق . ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه من النعم الكاملة العظيمة إليه ، قال : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب أي; أعط من شئت واحرم من شئت ، فلا حساب عليك ، أي : تصرف في المال كيف شئت ; فإن الله قد سوغ لك كل ما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك ، وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول ; فإن من شأنه أن لا يعطي أحدا ولا يمنع أحدا إلا بإذن الله له في ذلك .

وقد خير نبينا محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، بين هذين المقامين فاختار أن يكون عبدا رسولا . وفي بعض الروايات : أنه استشار جبريل في ذلك ، فأشار إليه أن تواضع . فاختار أن يكون عبدا رسولا ، صلوات الله [ ص: 351 ] وسلامه عليه . وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة ، فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة . فلله الحمد والمنة .

ولما ذكر تعالى ما وهبه لنبيه سليمان ، عليه السلام ، من خير الدنيا ، نبه على ما أعده له في الآخرة من الثواب الجزيل والأجر الجميل ، والقربة التي تقربه إليه ، والفوز العظيم والإكرام بين يديه ، وذلك يوم المعاد والحساب ، حيث قال تعالى : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب .

[ ص: 352 ] ذكر وفاته ومدة ملكه وحياته

قال الله تبارك وتعالى : فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ سبأ : 14 ] . روى ابن جرير ، وابن أبي حاتم وغيرهما ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان سليمان نبي الله ، عليه السلام ، إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها : ما اسمك ؟ فتقول : كذا . فيقول : لأي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غرست ، وإن كانت لدواء كتبت ، فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخروب . قال : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت . فقال سليمان : اللهم عم على الجن موتي ; حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب . فنحتها عصا ، فتوكأ عليها حولا والجن تعمل ، فأكلتها الأرضة فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين قال : وكان ابن عباس يقرؤها كذلك . قال : فشكرت الجن للأرضة ، فكانت تأتيها بالماء . لفظ ابن جرير . وعطاء الخراساني ، في حديثه نكارة . وقد رواه الحافظ ابن عساكر ، من طريق سلمة بن كهيل ، [ ص: 353 ] عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس موقوفا ، وهو أشبه بالصواب . والله أعلم . وقال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من الصحابة : كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين ، والشهر والشهرين ، وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل طعامه وشرابه . فأدخله في المرة التي توفي فيها ، فكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة ، فيأتيها ، فيسألها : ما اسمك ؟ فتقول الشجرة : اسمي كذا وكذا . فإن كانت لغرس غرسها وإن كانت نبتت دواء قالت : نبت دواء لكذا وكذا . فيجعلها كذلك ، حتى نبتت شجرة يقال لها : الخروبة . فسألها : ما اسمك ؟ فقالت : أنا الخروبة . فقال : ولأي شيء نبت ؟ فقالت : نبت لخراب هذا المسجد . فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس . فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه ، فمات ولم تعلم به الشياطين وهم في ذلك يعملون له ، يخافون أن يخرج فيعاقبهم ، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب ، وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه ، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول : ألست جليدا إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب ؟ فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر ، فدخل شيطان من أولئك ، فمر - ولم يكن [ ص: 354 ] شيطان ينظر إلى سليمان ، عليه السلام ، وهو في المحراب إلا احترق - ولم يسمع صوت سليمان ، ثم رجع فلم يسمع ، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق ، ونظر إلى سليمان ، عليه السلام ، قد سقط ميتا ، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات ، ففتحوا عنه ، فأخرجوه ووجدوا منسأته - وهي العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة ، ولم يعلموا منذ كم مات ، فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها يوما وليلة . ثم حسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة ، وهي قراءة ابن مسعود : ( فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا كاملا ) . فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبون ، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له ، وذلك قول الله ، عز وجل : ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين يقول : تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم . ثم إن الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام لأتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب ، ولكنا سننقل إليك الماء والطين . قال : فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت ، قال : ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب ، فهو ما تأتيها به الشياطين شكرا لها . وهذا فيه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب .

وقال أبو داود في كتاب " القدر " : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، قال : قال سليمان بن داود [ ص: 355 ] عليهما السلام ، لملك الموت : إذا أردت أن تقبض روحي فأعلمني . قال : ما أنا بأعلم بذاك منك ; إنما هي كتب تلقى إلي ، فيها تسمية من يموت .

وقال أصبغ بن الفرج ، وعبد الله بن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : قال سليمان لملك الموت : إذا أمرت بي فأعلمني . فأتاه فقال : يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت لك سويعة . فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب ، فقام يصلي فاتكأ على عصاه . قال : فدخل عليه ملك الموت ، فقبض روحه وهو متوكئ على عصاه . ولم يصنع ذلك فرارا من ملك الموت . قال : والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه ، يحسبون أنه حي . قال : فبعث الله دابة الأرض ، يعني إلى منسأته ، فأكلتها حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها ، فخر فلما رأت الجن ذلك ، انفضوا وذهبوا . قال : فذلك قوله : ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين قال أصبغ : وبلغني عن غيره أنها مكثت سنة تأكل في منسأته حتى خر . وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف وغيرهم . والله أعلم .

قال إسحاق بن بشر ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، وغيره : أن سليمان ، عليه السلام ، عاش ثنتين وخمسين سنة ، وكان ملكه أربعين سنة . وقال إسحاق : أنبأنا أبو روق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن [ ص: 356 ] ملكه كان عشرين سنة . فالله أعلم . وقال ابن جرير : فكان جميع عمر سليمان بن داود عليهما السلام ، نيفا وخمسين سنة . وفي سنة أربع من ملكه ابتدأ ببناء بيت المقدس فيما ذكر . ثم ملك بعده ابنه رحبعم مدة سبع عشرة سنة فيما ذكره ابن جرير قال : ثم تفرقت بعده مملكة بني إسرائيل .



 
 توقيع : نور الشمس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

‏🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون

‏ وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،،

‏فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨

‏فهذا هو الخير ،،،

‏ 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87

🦋🍃


رد مع اقتباس