عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 04:05 AM   #103
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# ثم يقال لم يدعوا ثبوت التباين من غير هذه الوجوه لكن قالوا هذا التباين الذي ثبت بعدم المحايثة وهو أحد الوجوه يستلزم أن يكون بالمكان أو قالوا ان التباين الثابت بهذه الوجوه يجب أن يكون بالمكان أو قالوا ان التباين الثابت بهذه الوجوه لا يجوز ان يكون بمجرد الحقيقة او الزمان فتعين كأن يكون بالمكان اذ لم يبق قسم ثالث # وأيضا فلا ريب أن التباين حاصل بغير هذه الوجوه فانه قد قرر في غير هذا الموضوع ما هو القول الحق وهو أن حقيقة الله غير معلومة للبشر وأنه مخالف لخلقه بحقيقته الخاصة وليست هي ما علمه الناس من قدمه ووجوبه وغناه فهو أيضا مباين للعالم بحقيقته الخاصة الخارجة عما ذكره والتحقيق أنه مباين للعالم بأمور كثيرة لا يحصيها العباد غير ما ذكره ولا ينظر الى من ينازع من أهل العلم في أخص وصف الله الذي به يميز هل هو القدرة على الخلق أو هو الاستغناء او القدم أو أنه ذاته المخصوصة بل كل ما ثبت للرب تعالى من الأسماء والصفات يختص به مثل انه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وما شاء كان وما لم يشاء لم يكن وأنه أرحم الراحمين وأنه خير الناصرين وأنه اذا أراد شيئا قال له كن فيكون وكل هذه الأمور وغيرها من أخص وصفه ليست له صفة يماثله غيره فيها بوجه من الوجوه بل كل صفة له فانها تختص به وتوجب امتيازه بها عن خلقه ولكن ليس هذا موضع ذكر ذلك فان مباينة الله لخلقه بالحقيقة مما لا نزاع فيه وكذلك تقدمه على خلقه # وانما المقصود أنه المباين مباينة زائدة على المباينة بالحقيقة وعلى المباينة بالزمان والمخالفة بينه وبين الخلق أتم من الاختلاف بين الحال وبين المحل وهو قرر ذلك مع أن هذين يتباينان بالحقيقة كما تقدم واذا كانوا القوم بينوا انما ذكره من التباين يستلزم التباين بالمكان والزمان لأن هذه يشاركه فيها المحل والحال فيه

# وهذه المباينة لا تمنع أن يكون أحدهما حالا في الآخر فلا بد من المباينة بشيء غير ذلك وليس غير ذلك الا المباينة بالمكان والزمان فاذا كانت المباينة بينه وبين خلقه ليست مجرد الحقيقة والزمان وكان قد قرر هذا التباين كان ما ذكره توكيدا لحجتهم # الوجه الثاني أن قوله وأما الباري كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الامكان والحدوث والحاجة فيقال له قولك ليس بحال ولا محل سلب محض والأمور السلبية لا تتباين بها الحقائق ولا تختلف ولا تتماثل الا أن تكون مستلزمة لأمور وجودية لأن المتماثلين ما قام بأحدهما من الأمور الوجودية مثل ما قام بالآخر والخلافين اختص احدهما بأمور وجودية خالف بها الآخر اذ عدم ما به التماثل والاختلاف مستلزم لعدم التماثل والاختلاف فعدم كونه حالا ومحلا لم يستلزم أمرا وجوديا يحصل به مخالفة وقد علم أنه لا يستلزم الاختلاف في الحقيقة وفي الزمان لان المتماثلين في الحقيقة والزمان قد لا يكون أحدهما حالا في الآخر ولا محلا له كالجسمين المتماثلين # وأيضا فهو قد ذكر أن هذا من المباينة الزائدة على المباينة بالحقيقة والزمان والأمر كذلك واذا كان الأمر كذلك وعدم كونه حالا او محلا هو عدم المحايثة والمباينة فعدم المحايثة مع المباينة بالحقيقة والزمان اذا كان مستلزما لأمر وجودي لم يكن الا المباينة بالجهة وهذا يتقرر بوجهين أحدهما أنه لم تبق مباينة وجودية بعد المباينة بالحقيقة والزمان الا المباينة بالمكان كما تقدم والثاني أن عدم المحايثة يستلزم المبيانة اذ لا يعقل الا متحايثان او متباينان كما تقدم قبل هذا

الوجه الثالث قوله اذا ادعيتم ثبوت التباين بينهما من غير هذه الوجوه حتى تقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان فهو محل النزاع يقال له هم قالوا التباين بالوجوه الزائدة على الحقيقة والزمان لا تكون الا بالمكان وقد قرروا ذلك لم يقولوا بالتباين من غير هذه الوجوه حتى يقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان بل قولهم ان هذا التباين الذي سلمه هو الذي هو زائد على الحقيقة والزمان هو مستلزم التباين بالمكان واذا لم يكن لهم حاجة الى ثبوت التباين من غير هذه الوجوه التي سلمها تبين ان هذا الجواب فاسد # الوجه الرابع ان يقال التباين بين الله سبحانه وتعالى وبين العالم هو باكثر مما ذكرته فانه مباين للعالم بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وبأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وغير ذلك من الصفات ومباين العالم بقدرته وعظمته وعلوه وكبريائه وهذه الأمور ليست مباينة بالزمان فاما ان أن يقول هي من التباين بالحقيقة أولا يقول فان قال هي التباين بالحقيقة فالمباينة بوجوبه وقدمه وغناه أولى أن يكون من التباين بالحقيقة فيبطل ما ذكره من كون تلك المباينات زائدة على التباين بالحقيقة وان لم يقل هي من التباين بالحقيقة فقد ثبت تباين زائد على ماذكره فأحد الأمرين لازم اما زيادة على ما ذكره او انحصار ما ذكره غير المحايثة في الحقيقة والزمان وقد علم أن التباين بين الباري والعالم أزيد من التباين بالحقيقة والمحل وزعم أنها بهذه الأمور دون غيرها وقد تبين أن هذه الأمور هي كغيرها فلا يكون ما ذكره من الجواب عن تلك الحجة صحيحا # الوجه الخامس أن قوله وأما الباري تعالى كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الحدوث والامكان

# والحاجة لهما كان كذلك كان الاختلاف بين الباري وبين العالم أتم من الاختلاف بين الحال وبين المحل يقال له أما عدم المشاركة في الحدوث والامكان والحاجة فمرجعها الى ثبوت الوجوب والى القدم وذلك لا يخرج عن المخالفة بالحقيقة او الزمان كما تقدم وأما كونه ليس حالا فيه ولا محلا له فيقال له ان أردت بهذا أنه مباين عنه بالجهة والمكان فهو المطلوب وأن أردت بذلك أنه ليس حالا ولا محلا ولا مباينا بالجهة فهذا غير معقول ولا متصور فاما أن يقول انه معقول والمنازع مكابر فهم يحلفون الايمان المعلطة أن هذا غير معقول لهم وهم أمم عظيمة وفيهم من الصدق والديانة ما يمنع أقدامهم على الكذب ولقد خاطبت بهذا طوائف مع ذكائهم وصحة فطرتهم فلم يكن فيهم من يتصور ذلك او يعقله وان ادعيت انه معقول لطائفة دون طائفة فهذا لا يستقيم عندك لاشتراك الناس في المعقولات وان قيل ان ذلك لاختصاص بعضهم زيادة ذكاء او فطنة فمعلوم أن هذا لا يختص به أهل هذا القول دون ذاك بل الاستقراء يدل على أن المنازعين له أكمل عقولا وأحد اذهانا واوضح ادراكا وأقل تناقضا وأقل ما يمكن أن تقابل دعواه بمثلها # الوجه السادس أن يقال هب أن هذا معقول وممكن امكانا ذهنيا فما الدليل على انه ليس بحال في محل ولا محياثا للعالم اذا قلت انه ليس بخارج العالم فان المنازع لك يقول نفي كونه محايثا للعالم انما علم بأنه مباين للعالم بالجهة فاذا قدر أنه غير مباين للعالم الا بالحقيقة والزمان دون الجهة لهذا القدر لا يمنع أن يكون حالا في العالم او محلاله كالجوهر مع عرضه فان تباينهما بالحقيقة والزمان لا يمنع ذلك من تحايثهما فلا بد لك من دليل يبين عدم محايثة العالم اذا اثبت مباينته بالجهة وانت لم تذكر على ذلك حجة حتى يتم ما ذكرته من المباينة فان قلت المنازع سلم لي ذلك فهو انما سلم عدم المحايثة التي هي المبيانة بالجهة فاما نفي المحايثة من

# غير مباينة بالجهة فهذا عند المنازع غير معقول ولا هو حقا عنده فهو لا يسلم لك عدم المحايثة على هذا التقدير ولم تذكر عليها حجة فلا يكون ما ذكرته من المباينة ثابتا بحجة ولا تسليم فلا يصح في النظر ولا المناظرة # الوجه السابع أن يقال هذا الموضع من اصعب المواضع على الجهمية فانهم لما نفوا مباينته للعالم بالجهة ذهب بعضهم الى عدم محايثته أيضا كما ذكره هذا وهو المشهور من قول متكلميهم وذهب بعضهم الى محايثته للعالم وانه بكل مكان وهو قول كثير من عبادهم وبعض متكلميهم فتعارض كل طائفة بقول الأخرى فان قال مثبتوا المحايثة للعالم لا أعقل موجودا لا داخل العالم أو خارجه وليس بخارجه فيكون داخله وهذا معنى حجة طائفة من الجهمية الاتحادية ونحوهم يقال له اذا لم تعقل موجودا الا كذلك دل على أنه اما خارج العالم واما داخله لا يتعين أن يكون داخله وكونه ليس بخارج العالم انما اثبت بهذه الحجة ونحوها فاذا كنت طاعنا فيها كطعن اهل الاثبات بطل اصل قولك ولم يكن لك بعد هذا ان تنفي كونه خارج العالم # وامانا في المحايثة للعالم مثل الرازي ونحوه فقد احتجوا على كونه ليس بحال في محل بما ذكره الرازي في نهايته فقال المسألة الثالثة في أنه لا يمكن أن يكون حالا في محل ولنا فيه مسالك ثلاثة الأول لو حل في محل لكان اما أن يحل في أكثر من حيز واحد أو يحل في حيز واحد وساق الحجة مختصرة ومضمونها أن الأول يستلزم أن يكون منقسما أو يكون الواحد في حيزين الثاني يستلزم أن يكون بقدر الجوهر الفرد وقد تقدم الكلام على هذه الحجة بعينها في نفي التحيز المسلك الثاني لو حل في جسم فاما أن يقال انه أبدا كان حالا فيه فيلزم اما قدم المحل أو حدوثه وهما باطلان او يقال حل بعد ان لم يكن حالا فيه وحينئذ اما أن يكون واجبا او جائزا فان كان واجبا

# فذاك الوجوب اما أن يكون للمحل او للحال او الثالث والاول باطل لأن الأجسام متساوية في الماهيةخ وجميع اللوازم على ما مر فلو اقتضى شيء منها حلول الله فيه لاقتضى الآخر مثل ذلك فيلزم أن يحل الباري في كلها فيلزم اما انقسام ذاته او حلول واحد في اكثر من محل وأنهما محلان والثاني باطل ايضا لأن اقتضاء الحلول ان لم يكن بشرط حدوث المحل كان حالا في المحل قبل حدوث المحل وهذا محال وان كان بشرط حدوثه فعند حدوث الجواهر الكثيرة لم يكن بأن يحل في واحد منها أولى بأن يحل في غيره فيعود المحال المذكور والثالث أيضا باطل لأن ذلك الثالث أن كان لازما للحال أو المحل عادت المحالات وان لم يكن لازما لها فهو اما موجب واما مختار والموجب لا بد وأن يكون لا جسما ولا جسمانيا والا فليس اختصاصه بهذا الاقتضاء اولى من الاختصاص بسائر الأجسام بل يكون الجسم الذي هو محل اولى بذلك ويعود المحال وان لم يكن ذلك الموجب جسما ولا جسمانيا فليس بأن يقتضي حلول الله في بعض الجواهر أولى من أن يقضي حلوله في غيره فيلزم أن يحل في كل الجواهر فيعود المحال # وأما ان كان مختارا فذلك المختار لا بد وأن يفعل فعلا والا لما افترق الحال بين ما قبل الحلول وبين ما بعده وذلك الفعل لا بد وأن يكون هو الحلول او ما يقتضي الحلول لكن حلول الشيء في غيره ليس أمرا وجوديا حتى يصح أن يجعل اثرا للفاعل او موجودا لأن حلول الشيء في الشيء لو كان صفة موجودة لكانت تلك الصفة أيضا حالة في الشيء الذي صار حالا فيه

# فيكون حلول الحلول زائدا عليه ولزم التسلسل فثبت أن القول بحلول الله في غيره يفضي الى أقسام فاسدة فيكون القول به فاسدا فليس في النسخة ذكر القسم الآخر وهو أن يكون جائزا فلا أدري هل سقط من النسخة أم من التصنيف ولكن ما ذكره يدل على نظيره # وهذه الحجة مبنية على تماثل الأجسام وقد تقدم بيان فساده من وجوه كثيرة ومبنية على امتناع ما سماه انقساما وقد تقدم أيضا بيان فساده وقوله عند حدوث الجواهر الكبيرة لم يكن بأن يحل في واحد منها أولى من أن يحل في غيره فهذا مبني على تماثل الأجسام وقد تقدم وبتقدير تماثلها فهو مبني على أن الرب لا يخص أحد المثلين لمجرد مشيئته وهذا خلاف أصله وأيضا فان تخصيص بعض الأجسام ببعض الصفات أمر موجود فان كل هذا قبل عدم تماثلها وان كان التخصيص بعد التماثل فقد ثبت جواز تخصيص أحد المثلين بما يحل فيه وعلى التقديرين يبطل ما ذكره من القسم الثاني وكذلك ما ذكره في القسم الثالث من أنه ليس اقتضاء المقتضى للحلول في بعض اولى من الحلول في بعض يرد عليه هذه الوجوه الثلاثة # وما ذكره من التخصيص باختيار المختار من أن المختار لا بد وأن يفعل فعلا والحلول ليس بأمر وجودي فهو ابطل من غيره فان هذا لو صح لم يمتنع عليه الحلول في غيره فانه لا يمتنع عليه أن يكون بينه وبين المخلوقات تعلقات غير وجودية وأيضا لو صح ذلك لكان التحيز والعلو على العرش ونحو ذلك أمورا عدمية وبطل نفي ذلك عنه لأن وصفه بالسلوب متفق عليه بين العالمين وأيضا فلو كان ذلك أمرا عدميا لكان نقيضه وجوديا فكان عدم الحلول أمرا

# وجوديا ولو كان أمرا وجوديا لم يصح أن يكون صفة المعدوم ومن المعلوم أن المعدوم يوصف بأنه ليس حالا في غيره وليس غيره حالا فيه وذلك يمنع أن يكون سبب الحلول وجوديا ويقتضي أن الحلول وجودي # وأما قوله لو كان وجوديا لكانت الصفة حالة في الشيء ولكان للحلول حلول وهو يقتضي التسلسل فيقال الأول هو حلول الشيء القائم بنفسه والثاني حلول الصفة بالموصوف فهذا من باب حلول الاجسام في محالها وهذا من باب حلول الاعراض في الأجسام وأحد النوعين مخالف للآخر وذلك لا يقتضي أن يكون لحلول الصفة بالموصوف حلول فيها لأن العرض لا يقوم بالعرض # ثم قال المسلك الثالث وهو أنه تعالى ان كان محتاجا الى ذلك المحل كان ممكنا لذاته لأن المحتاج الى الغير ممكن لذاته ولكان ذلك المحل غنيا عنه فكان واجبا لذاته او لشيء آخر غيره فيلزم وجود موجودين ولمعنى الوجود وهو محال وان لم يكن محتاجا الى ذلك المحل كان غنيا عنه والغنى بذاته عن المحل يستحيل أن يعرض له ما يحوجه الى المحل لأن العرضيات لا تزيل الصفات الذاتية قال وفي هذا المسلك مباحث وهو أعم من المسلكين السالفين لأنهما ينفيان حلول الله في الجسم وهذا المسلك ينفي حلوله في المحل سواء كان ذلك المحل جسما او غير جسم # قلت وهذا المسلك ان دل فانما يدل على أنه لا يحل في محل على طريق الحاجة اليه وأما الحلول على غير طريق الحاجة فلا ينفيه هذا المسلك فكيف وليس بمستقيم فان قوله ولكان ذلك المحل غنيا عنه ليس بلازم اذ الممكن لن يكون وجوده مستلزما لمحل يكون ذلك المحل محتاجا اليه وواجب

# به لا بنفسه فلا يكون فيما يسميه حاجة الى ذلك المحل ما ينافي وجوبه بنفسه لأن الحاجة هنا معناها الملازمة كما يقوله في صفاته اللازمة وأيضا فهو قدح في الحجة المانعة من وجود واجبين # وقد تقدم الكلام على هذا مبسوطا وان لهذا الكلام ثلاثة أوجه أحدها ان يكون ذلك المحل داخلا في صفات الرب كما تقدم بيان ذلك في لفظ الحيز والنزاع في كونه في المحل لا يعني به هذا الثاني انه يراد بالمحل ما اراده هو بالحيز المنفصل عنه وقد زعم هو في موضع انه وجودي والتحقيق انه عدمي الوجه الثالث انه لو قدر انه وجودي فالمقصود هنا ان استلزام ذاته لذلك المحل لا ينافي وجوبه لذاته ولا يقتضي انه ممكن مفتقر اليه فان المتفلسفة القائلين بأن ذاته تستلزم لوجود العالم يعلمون أن ذلك لا ينافي وجوب وجوده بنفسه فهذا أولى وان كان انتفاء هذا المحل معلوما بأدلة اخرى عقلية او سمعية لكن المقصود بيان أنما ذكره ليس بدليل فاذا تبين انه ليس لهم حجة صحيحة تنفي حلوله في المحل اذا قالوا ليس مبانيا للعالم بالجهة كان قولهم حينئذ ليس هو حالا في العالم ولا العالم محلا له اذا لم يقولوا بكونه مباينا العالم قولاا بلا علم ولا حجة فلا يكون مقبولا وكذلك يقتضي انهم لا يثبتون له في المباينة قدرا زائدا على المباننة بالحقيقة والزمان وان كل من قال انه ليس بخارج العالم لم يثبت مباينة زائدة على المباينة التي يشاركها فيه المحل والحال فيه وهذا معلوم الفساد بالضرورة كما تقدم # الوجه الثامن أن اخوانهم الجهمية الموافقون لهم على نفي كونه خارج العالم اذا قالوا لهم هو في كل مكان وحال في كل مكان لم يمكنهم نفي ذلك عنه بهذه

# الحجج كما تقدم وأولئك اذا قالوا هو في كل مكان لم يمكنهم الاحتجاج على ذلك بما نفي كونه خارج العالم وكان قول طائفة من الطائفتين مانعا من صحة قول الآخرين وذلك يقتضي بطلان قول الطائفتين وبطلانهما جميعا يوجب أن يكون خارج العالم # وايضاح ذلك أن من يقول في كل مكان يجعله مقدرا محدودا بقدر العالم فجميع ما يحتج به على نفي كونه فوق العرش ينفي أن يكون بكل مكان بطريق الأولى والأحرى لأن في هذا القول من وصفه بالصفات الممتنعة عليه وتجويز النقائص عليه وقبوله للزيادة والنقصان وغير ذلك ما ليس في كونه خارج العالم ومن قال انه ليس داخل العالم ولا خارجه اما أن يثبت مباينته للعالم بقدر زائد على المباينة بالحقيقة والزمان او لا يثبته فان اثبت المباينة الزائدة وجب أن يكون مباينا للمكان وان لم يثبتها لم يمكنه نفي حلوله في العالم مع مبيانته بالحقيقة والزمان اذ لا يكون له حجة على نفي حلوله في العالم كما تقدم وهذا باطل وما استلزم الباطل فهو باطل وان قال هو داخل العالم وهو خارجه ايضا كما يقوله بعض الناس فانه يرد عليه كل ما يورد على من قال هو خارج العالم سواء قال هو جسم مع ذلك او ليس بجسم # فقد تبين أن من قال أن الله ليس خارج العالم يلزمه أن لا يكون الله مباينا للعالم منفصلا عنه وهذا باطل عند المنازع ونحوه ومن التزمه وقال بالحلول كان ما يلزمه من الفساد والتناقض اكثر مما يلزم خصمه فيكون قوله من أبطل الباطل وابطال قول هؤلاء زيادة زدناها اذ هو لم يتعرض لذلك هنا وانما أفرد له مسألة ولهذا كان الأئمة كأبن المبارك والامام أحمد واسحاق بن ابراهيم وغيرهم يقولون ان الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ويقولون بجد

# لأن نفي المباينة لخلقه يستلزم حلوله فيهم واتحاده بهم # وأما نفي المباينة ونفي المحايثة فانه جمع بين النقيضين من جنس كلام الملاحدة الذين يقولون ليس بعالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز اذ كلام هؤلاء النفاة كله من واد واحد هو الالحاد في اسماء الله وآياته بالقرمطة وتحريف الكلم عن مواضعه وبالسفسطة في العقليات بدعوى عدم النقيضين او دعوى اجتماعهما لكن فيهم من يلحد في أمور يقر الآخر باثباتها والا فينفي علوه على العرش فقول القائل ليس داخل العالم ولا خارجه هو مثل نفي علمه وقدرته بقول القائل لا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز كل هذا من باب واحد ومن لم يثبت انه عالم قادر لزمه أن يكون جاهلا عاجزا كما أن من لم يثبت أنه فوق العالم لزمه أن يكون حالا في العالم وكونه حالا في العالم هو من صفات النقص كوصفه بعدم العلم والقدرة # الوجه التاسع أن الجهمية بعد اشتراكه في أن الله ليس فوق العرش وأنه ليس خارج العالم اختلفوا فقالوا ما يمكن أن يخطر بالبال من الأقوال والممكن أن يقال اما أن يكون في كل مكان أو هو جسم بقدر العالم او هو جسم فاضل عن العالم متناه او هو في كل مكان وليس بجسم او يقال انه في كل مكان بذاته وهو مع ذلك فوق العرش وليس بجسم او يقال ليس لمساحته نهاية ولا غاية وهو ذاهب في الجهات الست وليس بجسم او يقال هو مع ذلك جسم أو يقال ليس داخل العالم ولا خارجه وهذه الأقوال قد ذكرها أرباب المقالات كما تقدم ذلك

# واذا كان كذلك فهؤلاء الذين يقولون هو في كل مكان بذاته ليس مع ذلك خارج العالم أو هو مع ذلك خارج العالم ببعد متناه او أنه لا نهاية له سواء قالوا هو جسم او قالوا ليس بجسم أو قالوا ليس داخل العالم ولا خارجه فهذه الأقوال السبعة يقابل بعضها بعضا كما تراه وهم كما قال الامام أحمد مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب وهم مع ذلك لا بد أن يقولوا هو مخالف للعالم في حقيقته ليست حقيقته مثل حقيقة العالم كما تقدم وأنه متقدم عليه أيضا فهم يثبتون المباينة بالحقيقة والزمان وأما المباينة بالجهة فلا يثبتها أحد منهم لكن منهم من ينفي المحايثة ومنهم من لا ينفيها بل يثبت المحايثة للعالم فمن نفي المحايثة للعالم لزمه أن يثبت المباينة بالجهة والا جمع بين النقيضين ولم يمكن أن ينفي المحايثة مع نفي المباينة بالجهة كما تقدم ومن أثبت المحايثة لم يجعله مباينا للعالم بالجهة بل غايته أن يجعل مباينته للعالم بالحقيقة والزمان وهذه المباينة تثبت للجوهر مع عرضه ونحن نعلم بالاضطرار أن مباينة الله للمخلوق أعظم من مباينة المخلوق بعضه لبعض ومن مباينة الجوهر للعرض فكل من هؤلاء لا يذكر بجحد الضرورة العقلية # الوجه العاشر أن هؤلاء جميعا فروا بزعمهم من التشبيه ومن المعلوم أن هذا فيه من تشبيههم اياه بكل شيء من الجواهر والأجسام بل ومن المعدومات ما ليس في قول أهل الفطرة والشرعة فان نفي المباينة والمحايثة صفة للمعدوم والقول بالمحايثة تمثيل له بكل جوهر فان أحدهما محايث للآخر مع مباينته له بالحقيقة والزمان على أن فيهم من يجعل الأشياء حالة فيه ومنهم من يجعله حالا فيها فيكون هؤلاء مثلوه بالجواهر وهؤلاء مثلوه بالأعراض

# الوجه الحادي عشر انه قد ثبت بالشرع والعقل ان الله سبحانه ليس كمثله شيء وان حقيقته لا تماثلها حقيقة وذلك انه لو كان له مثل والمثلان يجوز ويجب ويمتنع على احدهما ما يجوز ويجب ويمتنع على الآخر لوجب للمخلوق ما يجب له من الوجوب والقدم والخلق وسائر خصائص الربوبية ولجاز عليه ما يجوز على المخلوق من العدم والحاجة والحدوث وسائر صفات النقص ولا ممتنع على المخلوق ما يمتنع عليه من العدم ونحو ذلك وذلك يستلزم ان يكون الشيء موجودا معدوما قديما محدثا خالقا مخلوقا واجبا ممكنا الى غير ذلك من الأمور المتناقضة واذا كان كذلك فمن المعلوم ان عدم مماثلته لشيء من المخلوقات اعظم من عدم مماثلة المخلوق للمخلوق اذ المخلوقات تشترك في كثير مما يجوز ويجب ويمتنع عليها واذا كان عدم مماثلته للعالم أعظم فالمباينة والمخالفة ونحوهما تتبع عدم المماثلة فكلما كان الشيء عن مماثلة الشيء أبعد كانت مباينته له ومخالفته له أعظم وذلك يوجب أن يكون مباينته له أعظم من مباينة كل جوهر وكل عرض لكل جوهر ولكل عرض فاذا لم يكن مباينا الا بالحقيقة والزمان لم يكن كذلك فعلم ان ذلك باطل # الوجه الثاني عشر يقال لو كان لا يباين العالم الا بالحقيقة والزمان وهذه المباينة يشاركه فيها الجواهر وما يقوم بها من الأعراض لم يكن لمباينته للعالم قدر زائد على مباينة الجوهر للعرض واذا انتفت المباينة الزائدة ثبتت المماثلة والمشابهة في المباينة فان الشيئين اذا كان كل منهما لا يباين ما يباينه الا بالحقيقة والزمان كانت نسبة كل منهما الى ما يباينه كنسبة الآخر الى ما يباينه فتكون نسبته الى العالم كنسبة كل من الجواهر والأعراض المخلوقه الى الآخر اكثر ما يقال ان حقيقته اكثر مباينة لحقيقة غيره من لجوهر للعرض والعرض للعرض كما ان تقدمه للعالم اعظم من تقدم بعض العالم لبعض لكن بكل حال اذا كانت مباينته من جنس المباينة بالحقيقة والزمان لم يخرج عما يجوز على هذا

الجنس كما انه اذا كان موجودا وقائما بنفسه لم يخرج عما يجوز على جنس الموجود والقائم بنفسه فاذا كان الموجود والقائم بنفسه لا يكون الا واجبا او ممكنا ولا يكون الا قديما او محدثا لم يخرج عن أحد القسمين # واذا كان التباين بالحقيقة أو الزمان لا يخرج عن ان يكون محلا لحال يقوم به او حالا في محل والحال مفتقر الى محله والمحل لا يوجد بدون وجود الحال فيه اذ العرض مفتقر الى الجوهر مستلزم للعرض وقد يقال هو محتاج اليه ايضا لزم اذا جعل حالا في العالم ان يكون مفتقرا الى العالم محتاجا اليه لا يقوم وجوده الا بالعالم مع ان العالم قائم بنفسه بدونه وهذا يقتضي ان يكون غنيا عن الله تعالى والله مفتقر اليه وان يكون هو الى العالم أحوج من العالم اليه او ان يكون كل منهما محتاجا الى الآخر # وهذا قد صرح به الاتحادية كصاحب الفصوص وقال بان العالم والحق كل منهما محتاج الى الآخر ونحو ذلك مما قد ذكرناه في غير هذا الموضوع ويقال ان أعيان العالم هي ثابتة في العدم مستغنية عن الحق وأن وجود الحق ظهر فيها وهذا من جنس حلوله في تلك الأعيان لكن هما متحدان لا يتميز الحال عن المحل ولهذا يقول بنوع من الحلول وبنوع من الاتحاد وهو في ذلك متناقض كتناقض النصارى في الحلول والاتحاد الخاص بالمسيح وذلك لأنه يجعل الثبوت غير الوجود كما يقوله من يقول المعدوم شيء وهذا باطل وان كان محققوا هؤلاء لا يرضون بالحلول الذي يقتضي اثنين حالا ومحلا بل عندهم ما ثم الا وجود واحد ومنهم من يقول هو الوجود المطلق وان كان المطلق لا وجود له في الخارج الا معينا مخصصا فيكون هو وجود المخلوقات بعينه ومنهم من يصرح



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس