عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Mar 2010, 01:15 AM   #5
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


المثال الرابع : قال أهل التأويل : أنتم يا أهل السنة أولتم قوله تعالى :( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(الحديد:الآية4). فقلتم : وهو معكم بعلمه ، وهذا تأويل فإن الله تعالى يقول : ( وَهُوَ مَعَكُم)(الحديد: الآية4) . و الضمير في قوله : ( وَهُوَ مَعَكُم) يعود إلى الله . فأنتم يا أهل السنة أولتم هذا النص و قلتم : إنه معكم بالعلم . فإذا كيف تنكرون علينا التأويل ؟
قلنا : نحن لم نؤول الآية ، بل إنما فسرناها بلازمها وهو : العلم ، و ذلك لأن قوله ( وَهُوَ مَعَكُم) . لا يمكن لأي إنسان يعرف قدر الله عز وجل و يعرف عظمته ، أن يتبادر إلى ذهنه أنه هو ذاته مع الخلق في أمكنتهم ، فإن هذا أمر مستحيل ، كيف يكون الله معك في البيت و مع الآخر في المسجد ، و مع الثالث في الطريق ، و مع الرابع في البر ، ومع الخامس في الجو ، و مع السادس في البحر : إلخ ؟! لو قلنا بهذا فكم إلها يكون لو قلنا بهذا لزم أن يكون الله إما متعدداً، أو متجزئاً - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - و هذا أمرلا يمكن و لهذا نقول: من فهم هذا الفهم فهو ضال في فهمه و من اعتقده فإنه ضال إن قلد غيره بذلك ، و كافر إذا بلغه العلم و أصر على قوله ، و من نسب إلى أحد من السلف أن ظاهر الآية أن الله معهم بذاته في أمكنتهم ، فإنه بلا شك كاذب عليهم . إذاً أهل السنة و الجماعة يقولون : نحن نؤمن بأن الله تعالى فوق عرشه ، و أنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته و أنه مع خلقه كما قال في كتابه ، و لكن مع إيماننا بعلوه . و لا يمكن أن يكون مقتضى معيته إلا الإحاطة بالخلق علماً ، و قدرة ، و سلطاناً ، و سمعا ، و بصراً ، و تدبيراً و غير ذلك من معاني الربوبية إما أن يكون حالاً في أمكنتهم ، أو مختلطاً بهم كما يقول أهل الحلول و الاتحاد ، فإن هذا أمر باطل لا يمكن أن يكون هو ظاهر الكتاب و السنة و على هذا فنحن لم نؤول الآية و لم نصرفها عن ظاهرها ، لأن الذي قال عن نفسه ( وَهُوَ مَعَكُم)(الحديد: الآية4) هو الذي قال عن نفسه : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(البقرة: الآية255) . و هو الذي قال عن نفسه : (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)(الأنعام: الآية18). إذن فهو فوق عباده ، و لا يمكن أن يكون في أمكنتهم ، و مع ذلك فهو معهم محيط بهم علماً و قدرة ، و سلطاناً ، و تدبيراً و غير ذلك .
وإذا أضيفت المعية إلى من يستحق النصر من الرسل و أتباعهم اقتضت معم الإحاطة علماً و قدرة ، اقتضت نصراً و تأييداً ، فنحن و لله الحمد ما خرجنا بهذا اللفظ عن ظاهره حتى يلزمونا بذلك . و قد بين شيخ الإسلام - رحمه الله - في كتبه المختصرة و المطولة أنه لا تعارض بين معنى المعية حقيقة و بين علو الله سبحانه و تعالى ، قال : لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء ، في جميع صفاته فهو على في دنوه قريب في علوه ).
و قال : ( إن الناس يقولون ما زلنا نسير و القمر معنا ، مع أن القمر في السماء ، و هم يقولون معنا فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق كان في حق الخالق من باب أولى ) .
و المهم أننا نحن معشر أهل السنة ما قلنا أبداً و لا نقول إن ظاهر الآية هو ما فهمتموه و أننا صرفناها عن ظاهرها ، بل نقول : إن الآية معناها أنه سبحانه مع خلقه حقيقة ، معية تليق به ، محيط بهم علماً و قدرة ، و سلطاناً ، و تدبيراً ، و غير ذلك لأنه لا يمكن الجمع بين نصوص المعية و بين نصوص العلو إلى على هذا الوجه الذي قلناه ، و الله سبحانه و تعالى يفسر كلامه بعضه بعضاً .
المثال الخامس : قال أهل التأويل : إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم ، أنه قال : قال الله تعالى : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ، و رجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه ) . وأنتم يا أهل السنة هل تقولون أن الله يكون سمع ، و بصر ، و يد ، و رجل من يحبه حقيقة ؟ إن لم تقولوا بذلك فقد صرفتم الحديث عن ظاهره ، لأن الله يقول : (كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ، و رجله التي يمشي بها )
و جوابنا : أنه لا أحد يفهم أن ظاهر الحديث هو هذا أي أن الله يكون سمع الإنسان و بصره ، و رجله ، و يده حقيقة ، لا أحد يفهم هذا ، إلا من كان بليد الفهم ، أو مظلم القلب بالتقليد أو بالدعوة الباطلة . فالحديث لا يدل على أن حقيقة سمع الإنسان ، وبصره ، و رجله ، و يده هو الله عز وجل ، و حاشاه عز وجل عن ذلك ، لا يدل على هذا بأي وجه من الوجوه . اقرأ الحديث : (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) . (و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) .
فأثبت عابداً و معبوداً ، و متقرباً و متقرباً إليه ، (و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) فأثبت محباً و محبوباً ، (و لئن سألني لأعطينه) فأثبت سائلاً و مسئولاً ، و معطي و معطى (و لئن استعاذني لأعيذنه ) فأثبت مستعيذاً و مستعاذاً به ، و من المعلوم أن كل واحد من هذين هو غير الآخر بلا ريب إذا تقرر هذا فكيف يمكن أن يفهم أحد من قوله تعالى في هذا الحديث القدسي : (كنت سمعه ) إن الله سيكون جزءاً في هذا المخلوق الذي يتقرب إليه ، و الذي يستعيذ به ، و الذي يسأله ، هذا لا يمكن أحداً أن يفهمه أبداً من سياق الحديث ، و بهذا يكون معنى الحديث و ظاهر الحديث و حقيقة الحديث : أن الله سبحانه و تعالى يسدد هذا الإنسان في سمعه ، و بصره ، و سعيه ، فلا يسمع إلا بالله ، و لله ، و في الله ، و لا ينظر إلا لله ، و بالله ، و في الله و لا يبطش إلا لله ، و بالله ، و لا يمشي إلا لله ، و بالله ، و في الله، هذا هو معنى الحديث، و حقيقته و ظاهره، و ليس فيه و لله الحمد أي شيء من التأويل .
المثال السادس : قال أهل التأويل : إنكم يا أهل السنة أولتم قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ) . حيث قلتم : إن المراد أن الله سبحانه و تعالى متصرف في القلوب ، و لا يمكن أن تكون القلوب بين إصبعين من أصابع اليد فإن هذا يقتضي الحلول و أن أصابع الله حالة في صدر كل إنسان .
قلنا : هذا كذب على السلف و السلف ما أولوا هذا التأويل ، و لا قالوا إن الحديث كناية عن سلطان الله تعالى ، و تصرفه في القلوب بل قالوا : نثبت أن لله تعالى أصابع و أن كل قلب من بني آدم فهو بين أصبعين من أصابعه على وجه الحقيقة ، و لا يلزم من ذلك الحلول أبداً ، فإن البينية بين شيئين لا يلزم منها المماسة و المباشرة ، أرأيتم قول الله تعالى : ( وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ)(البقرة: الآية164) . فهل يلزم من ذلك التعبير أن يكون السحاب لاصقاً بالسماء و الأرض ؟! لا يمكن فقلوب بني آدم كلها ، كما قال نبينا ، صلى الله عليه وسلم ، وهو أعلم الخلق بالله : ( بين أصبعين من أصابع الرحمن ) و لا يلزم من ذلك أن يكون مماساً لهذه القلوب بل نقول كما قال نبينا ، و نقول هذا على وجه الحقيقة وليس فيه تأويل . و نثبت مع ذلك أيضاً أن الله تعالى يتصرف في هذه القلوب كما يشاء كما جاء في الحديث و نقول : اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك .
المثال السابع و الأخير : فهو الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، قال أهل التأويل : إنكم تؤولون هذا الحديث ، لأنكم لا يمكن أن تقولوا إن الحجر هو يد الله . و نقول هذا حق ، لا يمكن لأحد أن يقول عن الحجر الأسود هو يد الله عز وجل و لكن قبل أن نجيب على هذا نقول : إن هذا الحديث باطل و لا يثبت عن النبي ، صلى الله عليه و سلم . قال ابن العربي : إنه حديث باطل و قال ابن الجوزي في (العلل المتناهية ): إنه حديث لا يصح. و قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (روي عن النبي صلى الله عليه و سلم، بإسناد لا يثبت ) .
و على هذا فإنه ليس وارداً على أهل السنة و الجماعة لأنه لا يصح عن النبي ، صلى الله عليه و سلم ، و لكن قال شيخ الإسلام إنه مشهور عن ابن عباس ، و لكنه مع ذلك لا يعطي المعنى الذي قاله هؤلاء ، وأن الحجر الأسود يمين الله ، لأنه قال : ( يمين الله في الأرض فقيده ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - و الكلام إذا قيد ليس كالكلام المطلق ما قال : يمين الله و سكت . قال : في الأرض . و معلوم أن يمين الله ليست في الأرض ، كذلك أيضاً قال في نفس الحديث كما رواه شيخ الإسلام ابن تيمية:(فمن صافحه فكأنما صافح الله ) ، و التشبيه يدل على أن المشبه به ليس هو المشبه ، و إنما هو غيره .
و خلاصة القول :
إن أهل السنة و الجماعة - و لله الحمد - لا يمكن أن يخرجوا الكلام عن ظاهره ، لأن ظاهر الكلام و حقيقته ما دل عليه سياقه و هو مختلف بحسب السياق ، و بحسب الأحوال فإن لم يكن ذلك و أبي إنسان إلا أن يجعل معنى الكلمة معنى ذاتياً لها فإننا نقول لا يمكن لأهل السنة و الجماعة أن يتركوا هذا المعنى الذي ادعى أنه ذاتي لها إلا بدليل من الكتاب و السنة و متى دل الكتاب و السنة على شيء وجب القول به سواء وافق ما يقال إنه ظاهر اللفظ ، أو خالفه ، و نحن كلنا نلتمس ما قاله الله عن نفسه ، و ما قاله عنه رسوله صلى الله عليه و سلم ، و يدلكم لهذا ما ثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى يقول : ( عبدي جعت فلم تطعمني ، عبدي مرضت فلم تعدني ، فيقول كيف أطعمك وأنت رب العالمين ، كيف أعودك وأنت رب العالمين ، فيقول الله عزوجل : أما علمت أن عبدي فلان جاع فلم تطعمه مرض فلم تعده ).
هذا الحديث يدلنا دلالة ظاهرة على أن ما جاء في الكتاب والسنة مما أضافه إلى نفسه فهو حق على ظاهره ، مالم يرد عن الله ورسوله صرفه عن ذلك ، فإن ورد صرفه عن ظاهره فإننا آخذون به ، وهذا الحديث الأخير دليل واضح على منع التأويل الذي ليس له دليل من الكتاب والسنة ولعلنا نقتصر على هذا خوفاً من التطويل ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس