عرض مشاركة واحدة
قديم 18 Jan 2015, 11:02 PM   #2
بالقرآن نرتقي
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية بالقرآن نرتقي
بالقرآن نرتقي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8317
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Dec 2023 (11:50 PM)
 المشاركات : 3,065 [ + ]
 التقييم :  18
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ



مقدمة لطيفة

عن طرق دراسة الفقه
ونبذ التعصب لأقوال الرجال
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة


إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له،
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
[آل عمران: 102].


( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
)
[النساء: 1].



( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
)
[الأحزاب: 70، 71].



أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-
وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار[1].



وبعد:
فقد منَّ الله علينا بأن حَفِظَ لنا دينَنا، وأتمَّ علينا نعمتَه بوجود العلماء الربَّانيين،
الذين أفنوا أعمارهم وأموالهم في سبيل خدمة دينه ونشره، فأعلى الله ذكرَهم، وشكر لهم سعيَهم.


وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مَن أراد الله به الخير يفقِّهه في الدِّين،
ففي حديث معاوية بن أبي سفيان قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدين))[2].


ودراسة الفقه ومعرفة كيفية العبادات من أجلِّ ما يُنفَق فيه الوقت والجهد والمال؛
لذا اعتنى العلماء قديمًا وحديثًا بالتصنيف والتأليف لتدوين وتسطير الفقه،
وتسابَقَ العلماء على خدمته بالشرح والتأليف، والتأصيل والتفريع، والاستدلال والاستنباط، وتخريج الأدلة والنصوص.


ومن المعلوم الملاحظ أن طريقة التدوين والتأليف والدراسة في الفقه تنتظم في طريقتين:
الطريقة الأولى: طريقة الفقه المذهبي، وهي عبارة عن اختيار مذهب من مذاهب الأئمة المعتبرين،
وهذا يعرف بالتفقه في المسائل من كتب الفروع.


والطريقة الثانية: فقه الراجح، وهي عبارة عن اختيار الراجح في كل مسألة من المسائل
بدليلها من الكتاب والسنة، وهذا يعرف بالتفقه في الدلائل.


فالتفقه من كتب المسائل له أربع مراتب:
الأولى: تصور المسألة.
الثانية: معرفة دليلها.
الثالثة: استنباط الحكم من الدليل.
الرابعة: معرفة كيفية الاستنباط التي أوصلت إلى الحكم.

وكذلك تحصيل التفقه من كتب الدلائل له أربع مراتب:
الأولى: معرفة الدليل.
الثانية: استنباط الحكم منه.
الثالثة: معرفة كيفية الاستنباط.
الرابعة: تصور المسألة.

والحاصل أن كلَّ طريقة من الطريقتين لا غنى لها عن الأخرى؛ إذ الفقيه لا بد له من حديث صحيح يعتمد عليه ويبني عليه مذهبه،
كذا المحدِّث يحتاج إلى نظرة الفقهاء للحديث لاستنباط الأحكام.


أما ما يدَّعيه البعض أن المحدِّثين لا علاقة لهم بالفقه، فهذه فِرْيَة وادِّعاء لا دليل عليه، ويكفي في الرد على هذه الفرية
أن ثلاثةً من أصحاب المذاهب المتبوعة من كبار المحدثين، وهم: مالك - الشافعي - أحمد.


قال الخطابي:
ورأيتُ أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر،
وأهل فقه ونظر، وكل واحدة منهما لا تتميَّز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛
لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع،
وكل بناء لم يُوضَع على قاعدة وأساس فهو منهارٌ، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب.


ووجدتُ هذين الفريقين على ما بينهم من التداني في المحلين، والتقارب في المنزلتين، وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض،
وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه - إخوانًا متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين.


فأما هذه الطبقة الذين هم أهل الأثر والحديث،
فإن الأكثرين منهم إنما وكدهم الروايات وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ من الحديث، الذي أكثره موضوع أو مقلوب،
لا يراعون المتون ولا يتفهَّمون المعاني ولا يستنبطون سيرها، ولا يستخرجون رِكازها وفقهها، وربما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن،
وادَّعوا عليهم مخالفة السنن، ولا يعلمون أنهم عن مبلغ ما أوتوه من العلم قاصرون، وبسوء القول فيهم آثمون.


وأما الطبقة الأخرى - وهم أهل الفقه والنظر - فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقلِّه، ولا يكادون يميِّزون صحيحه من سقيمه،
ولا يعرفون جيِّدَه من رديئه، ولا يعبؤون بما بلَغهم منه أن يحتجُّوا به على خصومهم إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها،
ووافق آراءهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مُواضعةٍ بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم،
وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبت فيه أو يقين علم به، فكان ذلك ضلَّةً من الرأي وغبنًا فيه، وهؤلاء - وفقنا الله وإياهم -
لو حُكِي لهم عن واحدٍ من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قولٌ يقوله باجتهاد من قِبَل نفسه، طلبوا فيه الثقة، واستبرؤوا له العهدة.


فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه إلا ما كان من رواية ابن القاسم والأشهب وضُرَبائهم من تلاد أصحابه،
فإذا وجدت رواية عبدالله بن عبدالحكم وأضرابه لم تكن عندهم طائلاً.


وترى أصحابَ أبي حنيفة لا يقبلون من الرواية عنه إلا ما حكاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن والعِلْية من أصحابه والأجلة من تلامذته،
فإنْ جاءهم عن الحسن بن زياد اللؤلؤي وذويه روايةُ قولٍ بخلافه، لم يقبلوه ولم يعتمدوه.


وكذلك تجد أصحاب الشافعي إنما يعوِّلون في مذهبه على رواية المُزَني والربيع بن سليمان المرادي،
فإذا جاءت رواية حَرْمَلة والجيزي وأمثالهما، لم يلتفتوا إليها ولم يعتدُّوا بها في أقاويله.


وعلى هذا عادة كل فرقة من العلماء في أحكام مذاهب أئمَّتهم وأستاذيهم.


فإذا كان هذا دأبَهم،
وكانوا لا يقنَعون في أمرِ هذه الفروع وروايتها عن هؤلاء الشيوخ إلا بالوثيقة والثبت،
فكيف يجوز لهم أن يتساهلوا في الأمر الأهم، والخطب الأعظم، وأن يتواكلوا الرواية والنقل عن إمام الأئمة ورسول ربِّ العزة،
الواجب حكمُه، اللازمة طاعتُه، الذي يجب علينا التسليم لحكمه، والانقياد لأمره؛
من حيث لا نجد في أنفسنا حرجًا مما قضاه، ولا في صدورنا غلاًّ من شيء مما أبرمه وأمضاه؟![3].


ومعلوم أن الأئمة عندما تكلَّموا وصنَّفوا في العلم والفقه، إنما أرادوا إظهار الحق بدليله، وأن كلام الرجال غيرُ مرادٍ لذاته،
وإنما المرادُ هو إصابة الحق والوصول إليه، فمَن اختار طريقةً من الطريقتين، فله وجه من الحق والصواب،
ولكن ينبغي التنبيه على عدم التعصب لأقوال الرجال، وإنما التعصب - إن صح التعبير - يكون للدليل.


وإليك بعضًا من أقوال الأئمة في رد التمسك بأقوالهم وإنما التمسك بالدليل:
قال أبو حنيفة:
(لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه)[4].


وقال مالك بن أنس:
(ليس أحدٌ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ويؤخذ من قوله ويُترَك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم)[5].


وقال الشافعي:
(أجمع المسلمون على أن مَن استبان له سنةٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحلَّ له أن يَدَعها لقول أحد)[6].


وقال أحمد:
(لا تقلِّدني ولا تقلِّد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخُذْ من حيث أخذوا)[7].


وهذا لا يعني أننا نترك قولَ واختيارَ الأئمة ونذهب فنأخذ بقول واختيار فلان وفلان، ولكن هو اتباعُ الدليل ندور وراءه حيث دار،
فلا أحد كائنًا مَن كان مطلوب اتباعه إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ورحم الله ابن عباس؛ حيث قال:
(يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقولون: قال أبو بكر وعمر!)،
وهما مَن هما، إنهما أعلم الصحابة وأفضل الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين.


ومن المعلوم أن لا أحد يقول بأن أقوال الأئمة يجب اتباعها مطلقًا، فالصواب أن ننظر في أقوالهم،
فإذا وافقتِ الحقَّ قبِلناها، وإلا أخذنا بكلامِهم في العودة إلى الدليل؛ لأن الأئمة كلَّهم معترفون بأنهم ما أحاطوا بجميع النصوص،
فالصحابة - رضي الله عنهم - خَفِي عليهم بعض السنن، فما ظنُّك بغيرهم من الأئمة، وقد يصلُ الإمامَ الحديثُ ولكن لم يصحَّ عنده،
أو صح عنده ولم يصحَّ عند غيره، وقد لا يصله أصلاً، وقد يصلُه بعض الأدلة دون بعضها الآخر في المسألة الواحدة.


فإذا علِمنا هذا، فاعلَم أن واجبَنا نحو أئمتنا أن نعتذرَ لهم، ونترحَّم عليهم، وأنهم يدور اجتهادهم بين الأجر والأجرين،
ولكن ليس لمقلِّدي الأئمة من العذر ما للأئمة إذا تبين لهم الخطأ؛
لأن الأئمة بذلوا جهدهم ووُسْعَهم في الوصول للحق بدليله من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة،
ومَن كان هذا شأنه فهو جديرٌ بالعذر في خطئه، والأجر في اجتهاده، أما المقلِّدون فيبقى لهم كلام الأئمة في ذم التقليد في الخطأ[8].



[1] خطبة الحاجة، رواها مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة 2/496، وشرحها شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة مفيدة،
وقد وردت عن ثمانية من الصحابة - رضي الله عنهم - جمعها العلامة الألباني في رسالة ماتعة.


[2] البخاري 71، ومسلم 2436، من حديث معاوية بن أبي سفيان.

[3] معالم السنن للخطابي 1/3 - 5.

[4] الانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء؛ لابن عبدالبر 145، وإعلام الموقعين؛ لابن القيم 2/309.

[5] الجامع؛ لابن عبدالبر 2/91.

[6] إعلام الموقعين 2/361.

[7] إعلام الموقعين 2/302.

[8] الكلام في هذه المسألة يطول، وهذه النبذة من سن القلم،
ومَن أراد الاستزادة فعليه بكتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية،
ومقدمة صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني.



 
 توقيع : بالقرآن نرتقي





بالقرآن نرتقي


رد مع اقتباس