عرض مشاركة واحدة
قديم 23 Mar 2017, 09:54 AM   #2
أبو خالد
باحث جزاه الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية أبو خالد
أبو خالد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2005
 أخر زيارة : 15 Jul 2018 (03:04 PM)
 المشاركات : 13,860 [ + ]
 التقييم :  21
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 مزاجي
 وسائط MMS
وسائط MMS
 SMS ~
اللهم إني ظلمت نفسي
ظلـمآ كثيرآ
ولا يفغر الذنوب
الا أنت
فاغفر لي مفغرة من عندك
وأرحمني
إنك أنت الغفور الرحيم
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مقتطفات من كتاب العلامة ابن القيم ( اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان )




فصل في وسوسة انتقاض الطهارة

ومن ذلك الوسواس في انتقاض الطهارة لا يلتفت إليه .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه : أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال : " شكي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " .
وفي المسند وسنن أبي داوود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها ، فيرى أنه قد أحدث ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " ولفظ أبي داوود : " إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له : إنك قد أحدثت ، فليقل له : كذبت ، إلا ما وجد ريحا بأنفه ، أو سمع صوتا بأذنه " .
فأمر عليه الصلاة والسلام بتكذيب الشيطان فيما يحتمل صدقه فيه ، فكيف إذا كان كذبه معلوما متيقنا ، كقوله للموسوس : لم تفعل كذا ، وقد فعله ؟ .
قال الشيخ أبو محمد : ويستحب للانسان أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا بال ، ليدفع عن نفسه الوسوسة، فمتى وجد بللا قال : هذا من الماء الذي نضحته ، لما روى أبو داوود بإسناده عن سفيان بن الحكم الثقفي ، أو الحكم بن سفيان قال : " كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إدا بال توضأ وينتضح " وفي رواية : " رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بال ثم نضح فرجه " وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله .
وشكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء، فأمره أن ينضح فرجه إذا بال ، قال : ولا تجعل ذلك من همتك واله عنه .
وسئل الحسن أو غيره عن مثل هذا فقال : أله عنه فأعاد عليه المسألة فقال : أتستدره لا أب لك ، اله عنه .

فصل في ما يفعله الموسوسين

ومن هذا ما يفعله كثير من الموسوسين بعد البول وهو عشرة أشياء : السلت، والنتر، والنحنحة ، والمشي ، والقفز ، والحبل ، والتفقد ، والوجور ، والحشو ، والعصابة ، والدرجة .
أمل السلت فيسلته من أصله إلى رأسه ، على أنه قد روي في ذلك حديث غريب لا يثبت ، ففي المسند وسنن ابن ماجة عن عيسى بن داوود عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " إذا بال أحدكم فليمسح ذكره ثلاث مرات " .
وقال جابر بن زيد : إذا بلت فامسح أسفل ذكرك فإنه ينقطع رواه سعيد عنه .
قالوا : ولأنه بالسلت والنتر يستخرج ما يخشى عوده بعد الاستنجاء .
قالوا : وإن احتاج إلى مشي خطوات لذلك ففعل فقد أحسن، والنحنحة ليستخرج الفضلة . وكذلك القفز يرتفع عن الأرض شيئا ثم يجلس بسرعة . والحبل يتخذ بعضهم حبلا يتعلق به حتى يكاد يرتفع ، ثم ينخرط منه حتى يقعد ، والتفقد يمسك الذكر ثم ينظر في المخرج هل بقي فيه شيء أم لا، والوجور يمسكه ثم يفتح الثقب ويصب فيه الماء ، والحشو يكون معه ميل وقطن يحشوه به كما يحشو الدمل بعد فتحها، والعصابة يعصبه بخرقة، والدرجة يصعد في سلم قليلا ثم ينزل بسرعة ، والمشي يمشي خطوات ثم يعيد الاستجمار .
قال شيخنا : وذلك كله وسواس وبدعة ، فراجعته في السلت والنتر فلم يره ، وقال : لم يصح الحديث ، قال : والبول كاللبن في الضرع إن تركته قر وإن حلبته در .
قال : ومن اعتاد ذلك ابتلى منه بما عوفي منه من لها عنه .
قال : ولو كان هذا سنة لكان أولى الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه وقد قال اليهودي لسلمان : لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخرأة ، فقال : أجل فأين علمنا نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك أو شيئا منه ؟ بلى علم المستحاضة أن تتلجم ، وعلى قياسها من به سلس البول أن يتحفظ ، ويشد عليه خرقة .

فصل في تسهيل الأشياء

ومن ذلك أشياء سهل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة فشدد فيها هؤلاء .
فمن ذلك المشي حافيا في الطرقات ، ثم يصلي ولا يغسل رجليه ، فقد روى أبو داوود في سننه : عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت : " قلت : يا رسول الله ، إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة ، فكيف نفعل إذا تطهرنا ؟ قال : أو ليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قالت : بلى . قال : فهذه بهذه " .
وقال عبد الله بن مسعود : كنا لانتوضأ من موطىء .
وعن علي رضي الله عنه : أنه خاض في طين المطر، ثم دخل المسجد فصلى ، ولم يغسل رجليه .
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الرجل يطأ العذرة ؟ قال : إن كانت يابسة فليس بشيء ، وإن كانت رطبة غسل ما أصابه .
وقال حفص : أقبلت مع عبد الله بن عمر عامدين إلى المسجد . فلما انتهينا عدلت إلى المطهرة لأغسل قدمي من شيء أصابهما، فقال عبد الله : لا تفعل ، فإنك تطأ الموطىء الرديء ، ثم تطأ بعده الموطىء الطيب - أو قال : النظيف - فيكون ذلك طهورا ، فدخلنا المسجد جميعا فصلينا .
وقال أبو الشعثاء : كان ابن عمر يمشي بمنى في الفروث والدماء اليابسة حافيا ، ثم يدخل المسجد فيصلي فيه ، ولا يغسل قدميه .
وقال عمران بن حدير: كنت أمشي مع أبي مجلز إلى الجمعة، وفي الطريق عذرات يابسة ، فجعل يتخطاها ويقول : ما هذه إلا سودات ، ثم جاء حافيا إلى المسجد فصلى ، ولم يغسل قدميه .
وقال عاصم الأحول : أتينا أبا العالية فدعونا بوضؤ فقال : ما لكم، ألستم متوضئين ؟ قلنا : بلى ، ولكن هذه الأقذار التى مررنا بها ؟ قال : هل وطئتم على شيء رطب تعلق بأرجلكم ؟ قلنا : لا . فقال : فكيف بأشد من هذه الأقذار يجف فينسفها الريح في رؤوسكم ولحاكم ؟

فصل في خلع النعال

ومن ذلك أن الخف والحذاء إذا أصابت النجاسة أسفله أجزء دلكه بالأرض مطلقا ، وجازت الصلاة فيه بالسنة الثابتة . نص عليه أحمد، وأختاره المحققون من أصحابه .
قال أبو البركات : ورواية : إجزاء الدلك مطلقا هي الصحيحة عندي، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : "إذا وطىء أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور" ، وفي لفظ : " إذا وطىء أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب " رواهما أبو داوود .
وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم ، فلما انصرف قال : لم خلعتم ؟ قالوا : يا رسول الله ، رأيناك خلعت فخلعنا ، فقال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا ، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ، ثم ينظر فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ، ثم ليصل فيها " رواه الإمام أحمد .
وتأويل ذلك : على ما يستقذر من مخاط أو نحوه من الطاهرات لا يصح ، لوجوه :
أحدها : أن ذلك لا يسمى خبثا .
الثاني : أن ذلك لا يؤمر بمسحه عند الصلاة فإنه لا يبطلها .
الثالث : أنه لا تخلع النعل لذلك في الصلاة ، فإنه عمل لغير حاجة ، فأقل أحواله الكراهة .
الرابع : أن الدارقطني روى في سننه في حديث الخلع من رواية ابن عباس : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " إن جبريل أتاني ، فأخبرني أن فيهما دم حلمة " والحلم كبار القراد .
ولأنه محل يتكرر ملاقاته للنجاسة غالبا ، فأجزأ مسحه بالجامد ، كمحل الاستجمار ، بل أولى . فإن محل الاستجمار يلاقي النجاسة في اليوم مرتين أو ثلاثا .

فصل في ذيل المرأة

وكذلك ذيل المرأة على الصحيح، وقالت امرأة لأم سلمة : إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر. فقالت : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " يطهره ما بعده " رواه أحمد وأبو داوود
وقد رخص النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة أن ترخي ذيلها ذراعا، ومعلوم أنه يصيب القذر ولم يأمرها بغسل ذلك ، بل أفتاهن بأنه تطهره الأرض .

فصل في ما لا يصيب قلوب الموسوسين

ومما لا تطيب به قلوب الموسوسين : الصلاة في النعال . وهي سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه ، فعلا منه وأمرا .
فروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " كان يصلي في نعليه " متفق عليه .
وعن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " خالفوا اليهود ، فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم " رواه أبو داوود .
وقيل للإمام أحمد : أيصلي الرجل في نعليه ؟ فقال : أي والله .
وترى أهل الوسواس - إذا بلي أحدهم بصلاة الجنازة في نعليه - قام على عقيبهما كأنه واقف على الجمر، حتى لا يصلي فيهما .
وفي حديث أبي سعيد الخدري : " إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر ، فإن رأى على نعليه قذرا فليمسحه ، وليصل فيهما " .

فصل في الصلاة بأي مكان

ومن ذلك : أن سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : الصلاة حيث كان ، وفي أي مكان اتفق ، سوى ما نهى عنه من المقبرة ، والحمام وأعطان الإبل ، فصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فحيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فليصل " وكان يصلي في مرابض الغنم ، وأمر بذلك ، ولم يشترط حائلا .
قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم ، إلا الشافعي . فإنه قال : أكره ذلك ، إلا إذا كان سليما من أبعارها .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الابل " رواه الترمنري وقال : حديث حسن صحيح .
وروى الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الابل - أو مبارك الإبل " .
وفي المسند أيضا ، من حديث عبد الله بن المغفل قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " صلوا في مرابض الغنم ولاتصلوا في أعطان الابل ، فإنها خلقت من الشياطين " .
وفي الباب عن جابر بن سمرة، والبراء بن عازب ، وأسيد بن الحضير وذي الغرة ، كلهم رووا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " صلوا في مرابض الغنم " وفي بعض ألفاظ الحديث : " صلوا في مرابض الغنم ، فإن فيها بركة " .
وقال : " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه أهل السنن كلهم ، إلا النسائي .
فاين هذا الهدى من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير، ويضع عليها المنديل ، ولا يمشي على الحصير ولا على البساط ، بل يمشي عليها نقرا كالعصفور ؟ فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود: لأنتم أهدى من أصحاب محمد أو أنتم على شعبة ضلالة .
وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام على حصير قد أسود من طول ما لبس ، فنضح له بالماء وصلى عليه، ولم يفرش له فوقه سجادة ولا منديل، وكان يسجد على التراب تارة وعلى الحصا تارة، وفي الطين تارة ، حتى يرى أثره على جبهته وأنفه .
وقال ابن عمر : كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ، ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك رواه البخاري ، ولم يقل وتبول وهو عند أبي داوود بإسناد صحيح بهذه الزيادة .

فصل في وضوء الصحابة والتابعين

ومن ذلك : أن الصحابة والتابعين كانوا يتوضئون من الحياض والأواني المكشوفة ، ولا يسألون : هل أصابتها نجاسة، أو وردها كلب أو سبع ؟ ففي الموطأ عن يحيى بن سعيد : إن عمر رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضا ، فقال عمرو : يا صاحب الحوض ، هل ترد حوضك السباع ؟ فقال عمر رضي الله عنه : لا تخبرنا . فإنا نرد على السباع وترد علينا .
وفي سنن ابن ماجة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سئل : " أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال : نعم ، وبما أفضلت السباع " .

ومن ذلك : أنه لو سقط عليه شيء من ميزاب ، لا يدري هل هو ماء أو بول . لم يجب عليه أن يسأل عنه . فلو سأل لم يجب على المسؤول أن يجيبه ، ولو علم أنه نجس ، ولا يجب عليه غسل ذلك .

ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما ، فسقط عليه شيء من ميزاب ، ومعه صاحب له . فقال : يا صاحب الميزاب ماؤك طاهرأو نجس ؟ فقال عمر رضي الله عنه : يا صاحب الميزاب لا تخبرنا ، ومضى ذكره أحمد .
قال شيخنا : وكذلك إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شيء رطب ولا يعلم ما هو، لم يجب عليه أن يشمه ويتعرف ما هو . واحتج بقصة عمر رضي الله عنه في الميزاب . وهذا هو الفقه فإن الأحكام إنما تترتب على المكلف بعد علمه بأسبابها ، وقبل ذلك هي على العفو . فما عفا الله عنه فلا ينبغي البحث عنه .

فصل في الصلاة بالدم

ومن ذلك : الصلاة مع يسيرالدم ، ولا يعيد .
قال البخاري : قال الحسن رحمه الله : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم .
قال : وعصر ابن عمر رضي الله عنه بثرة ، فخرج منها دم فلم يتوضأ . وبصق ابن أبي أوفى دما ومضى في صلاته . وصلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثغب دما .
ومن ذلك : أن المراضع ما زلن من عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإلى الآن يصلين في ثيابهن ، والرضعاء يتقيئون ويسيل لعابهم على ثياب المرضعة وبدنها ، فلا يغسلن شيئا من ذلك ، لأن ريق الرضيع مطهر لفمه ، لأجل الحاجة ، كما أن ريق الهرة مطهر لفمها .
وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات " " وكان يصغي لها الإناء حتى تشرب " وكذلك فعل أبو قتادة . مع العلم اليقيني أنها تأكل الفأر والحشرات ، والعلم القطعي أنه لم يكن بالمدينة حياض فوق القلتين تردها السنانير وكلاهما معلوم قطعا .
ومن ذلك : أن الصحابة ومن بعدهم كانوا يصلون وهم حاملو سيوفهم ، وقد أصابها الدم ، وكانوا يمسحونها ، ويجتزئون بذلك
وعلى قياس هذا : مسح المرآة الصقيلة إذا أصابتها النجاسة ، فإنه يطهرها .
وقد نص أحمد على طهارة سكين الجزار بمسحها .
ومن ذلك : أنه نص على حبل الغسال أنه ينشر عليه الثوب النجس ، ثم تجففه الشمس ، فينشر عليه الثوب الطاهر . فقال : لا بأس به . وهذا كقول أبي حنيفة : إن الأرض النجسة يطهرها الريح والشمس . وهو وجه لأصحاب أحمد ، حتى إنه يجوز التيمم بها . وحديث ابن عمر رضي الله عنهما كالنص في ذلك . وهو قوله : كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك .
وهذا لا يتوجه إلا على القول بطهارة الأرض بالريح والشمس .
ومن ذلك : أن الذي دلت عليه سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وآثار أصحابه : أن الماء لا ينجس إلا بالتغير ، وإن كان يسيرا .
وهذا قول أهل المدينة وجمهور السلف ، وأكثر أهل الحديث . وبه أفتى عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأختاره ابن المنذر . وبه قال أهل الظاهر . ونص عليه أحمد في إحدى روايتيه . واختاره جماعة من أصحابنا ، منهم ابن عقيل في مفرداته ، وشيخنا أبوالعباس ، وشيخه ابن أبي عمر .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " الماء لا ينجسه شيء " رواه الإمام أحمد .
وفي المسند والسنن عن أبي سعيد قال : " قيل : يا رسول الله ... أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ - وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن - ففال : الماء طهور، لا ينجسه شيء " قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وقال الإمام أحمد : حديث بئر بضاعة صحيح .
وفي لفظ الإمام أحمد : إنه يستقي لك من بئر بضاعة ، وهي بئر يطرح فيها محايض النساء، ولحم الكلاب ، وعذر الناس ؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " .
وفي سنن ابن ماجة من حديث أبي أمامة مرفوعا : " الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه ، أو طعمه ، أو لونه " .
وفيها من حديث أبي سعيد : " أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة ، تردها السباع والكلاب والحمر ، وعن الطهارة بها ؟ فقال : لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور " .
وإن كان في إسناد هذين الحديثين مقال ، فإنا ذكرناهما للاستشهاد لا للاعتماد .
وقال البخاري : قال الزهري : لا بأس بالماء ما لم يتغير منه طعم أو ريح أو لون .
وقال الزهري أيضا : إذا ولغ الكلب في الإناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به ثم يتيمم .
قال سفيان : هذا الفقه بعينه ، يقول الله تعالى : " فلم تجدوا ماء فتيمموا " ، وهذا ماء ، وفي النفس منه شيء يتوضأ به ثم يتيمم . ونص أحمد رحمه الله : في حب زيت ولغ فيه كلب فقال : يؤكل .

فصل في الوسوسة من مخارج الحروف

ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها .
ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم :
قال أبو الفرج بن الجوزي : قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف ، فتراه يقول : الحمد ، الحمد . فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة . وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب قال : ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده . والمراد تحقيق الحرف حسب . وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ، ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة . وكل هذه الوساوس من إبليس .
وقال محمد بن قتيبة في مشكل القرآن : وقد كان الناس يقرأون القرآن بلغاتهم ، ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الأمصار وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة ، ولا علم التكلف ، فهفوا في كثير من الحروف . وذلوا فأخلوا . ومنهم رجل ستر الله عليه عند العوام بالصلاح ، وقربه من القلوب بالدين . فلم أر فيمن تتبعت في وجوه قراءته أكثر تخليطا ولا أشد اضطرابا منه ، لأنه يستعمل في الحرف ما يدعه في نظيره ثم يؤصل أصلا ويخالف إلى غيره بغير علة ، ويختار في كثير من الحروف مالا مخرج له إلا على طلب الحيلة الضعيفة ، هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز ، بإفراطه في المد والهمز والإشباع ، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام ، وحمله المتعلمين على المذهب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره الله تعالى ، وتضييقه ما فسحه . ومن العجب أن يقرىء الناس بهذه المذاهب ، ويكره الصلاة بها . ففي أي موضع يستعمل هذه القراءة ، إن كانت الصلاة لا تجوز بها ؟ وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه ، أو ائتم بإمام يقرأ بقراءته أن يعيد ، ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين ، منهم بشر بن الحارث ، وللإمام أحمد بن حنبل ، وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقتهم ، وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها ، وطول إختلاف المتعلم إلى المقرىء فيها . فإذا رأره قد إختلف في أم الكتاب عشرا ، وفي مائة آية شهرا ، وفي السبع الطوال حولا . ورأوه عند قراءته مائل الشدقين ، دار الوريدين ، راشح الجبين ، توهموا أن ذلك لفضله في القراءة وحذقه بها، وليس هكذا كانت قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، ولا خيار السلف ولا التابعين ، ولا القراء العالمين ، بل كانت سهلة رسلة .
وقال الخلال في الجامع : عن أبي عبد الله ، أنه قال : لا أحب قراءة فلان يعني هذا الذي أشار إليه ابن قتيبة ، وكرهها كراهية شديدة ، وجعل يعجب من قراءته ، وقال : لا يعجبنى . فإن كان رجل يقبل منك فانهه .
وحكي عن ابن المبارك عن الربيع بن أنس : أنه نهاه عنها .
وقال الفضل بن زياد : أن رجلا قال لأبي عبد الله : فما أترك من قراءته ؟ قال : الإدغام ، والكسر ليس يعرف في لغة من لغات العرب .
وسأله عبد الله ابنه عنها فقال : أكره الكسر الشديد والإضجاع .
وقال في موضع آخر : إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به .
وسأله الحسن بن محمد بن الحارث : أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة ؟ قال : أكرهه أشد كراهة ، إنما هي قراءة محدثة . وكرهها شديدا حتى غضب .
وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال : أكرهها أشد الكراهية قيل له : ما تكره منها ؟ قال : هي قراءة محدثة . ما قرأ بها أحد .
وروى جعفر بن محمد عنه أنه سئل عنها فكرهها . وقال : كرهها ابن إدريس وأراه قال : وعبد الرحمن بن مهدي . وقال : ما أدري ، ايش هذه القراءة ؟ ثم قال : وقراءتهم ليست تشبه كلام العرب .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : لو صليت خلف من يقرأ بها لأعدت الصلاة .
ونص أحمد رحمه الله على أنه يعيد . وعنه رواية أخرى : أنه لا يعيد .
والمقصود : أن الأئمة كرهوا التنطع والغلو في النطق بالحرف .
ومن تأمل هدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع والتشدق والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته .

فصل في الجواب عما احتج به أهل الوسواس

أما قولهم : إن ما نفعله احتياط لا وسواس .
قلنا : سموه ما شئتم . فنحن نسألكم : هل هو موافق لفعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأمره ، وما كان عليه أصحايه ، أو مخالف ؟
فإن زعمتم أنه موافق ، فبهت وكذب صريح . فإذن لا بد من الإقرار بعدم موافقته ، وأنه مخالف له ، فلا ينفعكم تسمية ذلك احتياطا . وهذا نظير من ارتكب محظورا وسماه بغير اسمه ، كما يسمى الخمر بغير اسمها ، والربا معاملة ، والتحليل الذي لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فاعله : نكاحا ، ونقر الصلاة الذي أخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن فاعله لم يصل ، وأنه لا تجزيه صلاته ولا يقبلها الله تعالى منه : تخفيفا . فهكذا تسمية الغلو في الدين والتنطع : احتياطا .
وينبغي أن يعلم أن الاحتياط الذي ينفع صاحبه ويثيبه الله عليه : الاحتياط في موافقة السنة ، وترك مخالفتها . فالاحتياط كل الاحتياط في ذلك ، وإلا فما احتاط لنفسه من خرج عن السنة ، بل ترك حقيقة الاحتياط في ذلك .
وكذلك المتسرعون إلى وقوع الطلاق في موارد النزاع الذي اختلف فيه الأئمة ، كطلاق المكره ، وطلاق السكران ، والبتة ، وجمع الثلاث ، والطلاق بمجرد النية ، والطلاق المؤجل المعلوم مجيء أجله ، واليمين بالطلاق ، وغير ذلك مما تنازع فيه العلماء إذا أوقعه المفتي تقليدا بغير برهان ، وقال : ذلك احتياط للفروج . فقد ترك معنى الاحتياط . فإنه يحرم الفرج على هذا ، ويبيحه لغيره . فأين الاحتياط ههنا ؟ بل لو أبقاه على حاله حتى تجمع الأمة على تحريمه وإخراجه عمن هو حلال له ، أو يأتي برهان من الله ورسوله على ذلك ، لكان قد عمل بالاحتياط . ونص على مثل ذلك الإمام أحمد في طلاق السكران .
فقال في رواية أبي طالب : والذي لا يأمر بالطلاق فإنما أتى خصلة واحدة ، والذي يأمر بالطلاق فقد أتى خصلتين : حرمها عليه ، وأحلها لغيره فهذا خير من هذا ، فلا يمكن الاحتياط في وقوع الطلاق إلا حيث أجمعت الأمة ، أو كان هناك نص عن الله ورسوله يجب المصير إليه .
قال شيخنا : والاحتياط حسن ، ما لم يفض بصاحبه إلى مخالفة السنة . فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذا الاحتياط .
وبهذا خرج الجواب عن احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم : من ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه وقوله : دع ما يريبك إلى مالا يريبك وقوله : الإثم ما حاك في الصدر فهذا كله من أقوى الحجج على بطلان الوسواس .
فإن الشبهات ما يشبه فيه الحق بالباطل ، والحلال بالحرام ، على وجه لا يكون فيه دليل على أحد الجانبين ، أو تتعارض الأمارتان عنده ، فلا تترجح في ظنه إحداهما ، فيشتبه عليه هذا بهذا ، فأرشده النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ترك المشتبه والعدول إلى الواضح الجلي .
ومعلوم أن غاية الوسواس أن يشتبه على صاحبه : هل هو طاعة وقربة، أم معصية وبدعة ؟ هذا أحسن أحواله ، والواضح الجلي هو اتباع طريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وما سنه للأمة قولا وعملا ، فمن أراد ترك الشبهات عدل عن ذلك المشتبه إلى هذا الواضح . فكيف ، ولا شبهة بحمد الله هناك ؟ إذ قد ثبت يالسنة أنه تنطع وغلو ، فالمصير إليه ترك للسنة ، وأخذ بالبدعة ، وترك لما يحبه الله تعالى ويرضاه ، وأخذ بما يكرهه ويبغضه ، ولا يتقرب به إليه البته ، فإنه لا يتقرب إليه إلا بما شرع ، لا بما يهواه العبد ويفعله من تلقاء نفسه . فهذا هو الذي يحيك في الصدر ويتردد في القلب ، وهو حواز القلوب .
وأما التمرة التي ترك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أكلها ، وقال : " أخشى أن تكون من الصدقة " فذلك من باب اتقاء الشبهات ، وترك ما اشتبه فيه الحلال بالحرام . فإن التمرة كانت قد وجدها في بيته، وكان يؤتى بتمر الصدقة ، يقسمه على من تحل له الصدقة ، ويدخل بيته تمر يقتتات منه أهله ، فكان في بيته النوعان ، فلما وجد تلك التمرة لم يدر - عليه الصلاة والسلام - من أي النوعين هي ؟ فأمسك عن أكلها . فهذا الحديث أصل في الورع واتقاء الشبهات ، فما لأهل الوسواس وماله ؟ .
وأما قولكم : إن مالكا أفتى فيمن طلق ولم يدر: أواحدة طلق أم ثلاثا : إنها ثلاث احتياطا، فنعم ، هذا قول مالك ، فكان ماذا ؟ أفحجة هو على الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأحمد ، وعلى كل من خالفه في هذه المسألة ؟ حتى يجب عليهم أن يتركوا قولهم لقوله . وهذا القول مما يحتج له ، لا مما يحتج به ، على أن هذا ليس من باب الوسواس في شيء ، وإنما حجة هذا القول : أن الطلاق يوجب تحريم الزوجة . والرجعة ترفع ذلك التحريم ، فهو يقول : قد تيقن سبب التحريم ، وهو الطلاق ، وشك في رفعه بالرجعة ، فإنه يحتمل أن يكون رجعيا فترفعه الرجعة ، ويحتمل أن يكون ثلاثا ، فلا ترفعه الرجعة ، فقد تيقن سبب التحريم ، وشك فيما يرفعه .
والجمهور يقولون : النكاح متيقن . والقاطع له المزيل لحل الفرج مشكوك فيه ، فإنه يحتمل أن يكون المأتى به رجعيا فلا يزيل النكاح . ويحتمل أن يكون بائنا فيزيله . فقد تيقنا يقين النكاح، وشككنا فيما يزيله. فالأصل بقاء النكاح حتى يتيقن بما يرفعه .
فإن قلتم : فقد تيقن التحريم وشك في التحيل ، قلنا : الرجعية ليست بحرام عندكم ، ولهذا تجوزون وطأها ، ويكون رجعة ، إذا نوى به الرجعة .
فإن قلتم : بل هي حرام ، والرجعة حصلت بالنية حال الوطء . قلنا : لا ينفعكم ذلك أيضا . فإنه إنما تيقن تحريما يزول بالرجعة، ولم يتيقن تحريما لا تؤثر فيه الرجعة .
وليس المقصود تقرير هذه المسألة . والمقصود أنه لا راحة في ذلك لأهل الوسواس .

فصل في عدم الاقتداء بالوسواس

وأما ما ذكرتموه عن ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهما فشيء تفردا به ، دون الصحابة ولم يوافق ابن عمر على ذلك أحد منهم ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إن بي وسواسا فلا تقتدوا بي .
وظاهر مذهب الشافعي وأحمد : أن غسل داخل العينين في الوضوء لا يستحب ، وإن أمن الضرر . لأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه فعله قط ، ولا أمر به ، وقد نقل وضوءه جماعة ، كعثمان ، وعلي ، وعبد الله بن زيد ، والربيع بن معوذ وغيرهم ، فلم يقل أحد منهم : أنه غسل داخل عينيه ، وفي وجوبه في الجنابة روايتان عن أحمد . أصحهما أنه لا يجب . وهو قول الجمهور. وعلى هذا فلا يجب غسلهما من النجاسة ، وأولى . لأن المضرة به أغلب ، لزيادة التكرار والمعالجة .
وقالت الشافعية والحنفية : يجب لأن إصابة النجاسة لهما تندر، فلا يشق غسلهما منها .
وغلا بعض الفقهاء من أصحاب أحمد ، فأوجب غسلهما في الوضوء . وهو قول لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه . والصحيح أنه لا يجب غسلهما في وضوء ولا جنابة ولا من نجاسة .
وأما فعل أبي هريرة رضي الله عنه فهو شيء تأوله ، وخالفه فيه غيره ، وكانوا ينكرونه عليه ، وهذه المسألة تلقب بمسألة إطالة الغرة ، وإن كانت الغرة في الوجه خاصة .
وقد اختلف الفقهاء في ذلك ، وفيها روايتان عن الإمام أحمد .
إحداهما : يستحب إطالتها ، وبها قال أبو حنيفة والشافعي ، واختارها أبو البركات ابن تيمية وغيره .
والثانية : لا يستحب . وهي مذهب مالك ، وهي اختيار شيخنا أبي العباس .
فالمستحبون يحتجون بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من أثر الوضوء ، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله " متفق عليه ، ولأن الحلية تبلغ من المؤمن حيث يبلغ الوضوء .
قال النافون للاستحباب : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " إن الله حد حدودا فلا تعتدوها " والله سبحانه قد حد المرفقين والكعبين ، فلا ينبغي تعديهما ، ولأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم ينقل من نقل عنه وضوءه أنه تعداها ، ولأن ذلك أصل الوسواس ومادته ، ولأن فاعله إنما يفعله قربة وعبادة ، والعبادات مبناها على الاتباع ولأن ذلك ذريعة إلى الغسل إلى الفخذ ، وإلى الكتف . وهذا مما يعلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه لم يفعلوه ولا مرة واحدة ، ولأن هذا من الغلو ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " إياكم والغلو في الدين " ولأنه تعمق ، وهو منهى عنه ، ولأنه عضو من أعضاء الطهارة ، فكره مجاوزته كالوجه .
وأما الحديث فراويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نعيم المجمر . وقد قال : لا أدري قوله فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل من قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، أو من قول أبي هريرة رضي الله عنه روى ذلك عنه الإمام أحمد في المسند .
وأما حديث الحلية ، فالحلية المزينة ما كان في محله، فإذا جاوزا محله لم يكن زينة .

فصل في التفريط والغلو

وأما قولكم : أن الوسواس خير مما عليه أهل التفريط والاسترسال، وتمشية الأمر كيف اتفق - إلى آخره .
فلعمر الله ، إنهما لطرفا إفراط وتفريط ، وغلو وتقصير، وزيادة ونقصان ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الأمرين في غير موضع . كقوله : " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط " وقوله : " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " وقوله : " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " وقوله : " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " .
فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه . وخير الناس النمط الأوسط ، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ، ولم يلحقوا بغلو المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطا ، وهي الخيار العدل ، لتوسطها بين الطرفين المذمومين ، والعدل هو الوسط بين طرفي الجور والتفريط . والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف ، والأوساط محمية بأطرافها . فخيار الأمور أوساطها . قال الشاعر :
كانت هي الوسط المحمي، فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا .

يتبع ....



 
 توقيع : أبو خالد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ»

الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلاتحرمونا دعائكم


رد مع اقتباس