الثَّامِنَةُ : فِي صِفَةِ الْإِنْذَارِ ، قَالَ مَالِكٌ : أُحِبُّ إِلَيَّ أَنْ يُنْذَرُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ . وَقَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي الْيَوْمِ مِرَارًا . وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى إِنْذَارِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَكُونَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ . وَقِيلَ : يَكْفِي ثَلَاثَ مِرَارٍ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا ، وَقَوْلِهِ : حَرِّجُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَلِأَنَّ ثَلَاثًا لِلْعَدَدِ الْمُؤَنَّثِ ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . وَقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ . وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ مُقَيِّدٌ لِتِلْكَ الْمُطْلَقَاتِ ، وَيُحْمَلُ " ثَلَاثًا " عَلَى إِرَادَةِ لَيَالِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ ، فَغَلَّبَ اللَّيْلَةَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي بَابِ التَّارِيخِ فَإِنَّهَا تُغَلِّبُ فِيهَا التَّأْنِيثَ . قَالَ مَالِكٌ : وَيَكْفِي فِي الْإِنْذَارِ أَنْ يَقُولَ : أُحَرِّجُ عَلَيْكِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَلَّا تَبْدُوا لَنَا وَلَا تُؤْذُونَا . وَذَكَرَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ حَيَّاتُ الْبُيُوتِ فَقَالَ : إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فِي مَسَاكِنِكُمْ فَقُولُوا : أَنْشُدُكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنْشُدُكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا بَعْدُ فَاقْتُلُوهُ .
قُلْتُ : وَهَذَا يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِذْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ : أَنْشُدُكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَلَّا تُؤْذِينَنَا وَأَلَّا تَظْهَرْنَ عَلَيْنَا .
يتبع..