عرض مشاركة واحدة
قديم 23 Mar 2017, 10:01 AM   #4
أبو خالد
باحث جزاه الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية أبو خالد
أبو خالد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2005
 أخر زيارة : 15 Jul 2018 (03:04 PM)
 المشاركات : 13,860 [ + ]
 التقييم :  21
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 مزاجي
 وسائط MMS
وسائط MMS
 SMS ~
اللهم إني ظلمت نفسي
ظلـمآ كثيرآ
ولا يفغر الذنوب
الا أنت
فاغفر لي مفغرة من عندك
وأرحمني
إنك أنت الغفور الرحيم
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مقتطفات من كتاب العلامة ابن القيم ( اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان )



فصل في الافتتان بالقبور

فإن قيل : فما الذي أوقع عباد القبور في الافتتان بها ، مع العلم بأن ساكنيها أموات ، لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياتا ولا نشورا ؟ .
قيل : أوقعهم في ذلك أمور :
منها : الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسوله ، بل جميع الرسل : من تحقيق التوحيد ، وقطع أسباب الشرك ، فقل نصيبهم جدا من ذلك . ودعاهم الشيطان إلى الفتنة ، ولم يكن عندهم من العلم ما يبطل دعوته ، فاستجابوا له بحسب ما عندهم من الجهل ، وعصموا بقدر ما معهم من العلم .
ومنها : أحاديث مكذوبة مختلقة، وضعها أشباه عباد الأصنام : من المقابرية ، على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تناقض دينه، وما جاء به كحديث : إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور . وحديث : لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه ، وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام . وضعها المشركون ، وراجت على أشباههم من الجهال الضلال . والله بعث رسوله بقتل من حسن ظنه بالأحجار ، وجنب أمته الفتنة بالقبور بكل طريق ، كما تقدم .
ومنها : حكايات حكيت لهم عن تلك القبور: إن فلانا استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخلص منها . وفلانا دعاه أو دعا به في حاجة، فقضيت له . وفلانا نزل به ضر فاسترجى صاحب ذلك القبر ، فكشف ضره . وعند السدنة والمقابرة من ذلك شيء كثير يطول في ذكره . وهم من أكذب خلق الله تعالى على الأحياء والأموات . والنفوس مولعة بقضاء حوائجها، وإزالة ضرورتها ويسمع بأن قبر فلان ترياق مجرب . والشيطان له تلطف في الدعوة ، فيدعوهم أولا إلى الدعاء عنده ، فيدعو العبد عنده بحرقة وانكسار وذلة ، فيحجب الله دعوته لما قام بقلبه ، لا لأجل القبر . فإنه لو دعاه كذلك في الحانة والخمارة والحمام والسوق أجابه ، فيظن الجاهل أن للقبر تأثيرا في إجابة تلك الدعوة . والله سبحانه وتعالى يجيب دعوة المضطر، ولو كان كافرا . وقد قال تعالى :" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا " وقد قال الخليل : " وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر " فقال الله سبحانه وتعالى : " ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " .
فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضيا عنه، ولا محبا له، ولا راضيا بفعله، فإنه يجيب البر والفاجر ، والمؤمن والكافر وكثير من الناس يدعو دعاء يعتدى فيه ، أو يشترط في دعاله ، أو يكون مما لا يجوز أن يسأل، فيحصل له ذلك أو بعضه . فيظن أن عمله صالح مرضي لله ، ويكون بمنزلة من أملي له وأمد بالمال والبنين ، وهو يظن أن الله تعالى يسارع له في الخيرات . وقد قال تعالى : " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء " .
فالدعاء قد يكون عبادة، فيثاب عليه الداعي ، وقد يكون مسألة تقضي به حاجته ، ويكون مضرة عليه ، إما أن يعاقب بما يحصل له ، أو تنقص به درجته ، فيقضي حاجته ويعاقبه على ما جرأ عليه من إضاعة حقوقه واعتداء حدوده .
والمقصود : أن الشيطان بلطف كيده يحسن الدعاء عند القبر، وأنه أرجح منه في بيته ومسجده ، وأوقات الأسحار ، فإذا تقرر ذلك عنده نقله درجة أخرى ، من الدعاء عنده إلى الدعاء به ، والإقسام على الله به ، وهذا أعظم من الذي قبله ، فإن شاء الله أعظم من أن يقسم عليه ، أو يسأل بأحد من خلقه ، وقد أنكر أئمة الإسلام ذلك .
فقال أبو الحسين القدوري في شرح كتاب الكرخي : قال بشر بن الوليد : سمعت أبا يوسف يقول : قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به . قال : وأكره أن يقول : أسألك بمعقد العز من عرشك . وأكره أن يقول : بحق فلان ، وبحق أنبيائك ورسلك ، وبحق البيت الحرام .

قال أبو الحسين : أما المسألة بغير الله فمنكرة في قولهم ، لأنه لا حق لغير الله عليه ، وإنما الحق لله على خلقه ، وأما قوله : بمعقد العز من عرشك فكرهه أبو حنيفة ، ورخص فيه أبو يوسف .
وقال : وروى أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دعا بذلك ، قال : ولأن معقد العز من العرش إنما يراد به القدرة التي خلق الله بها العرش ، مع عظمته . فكأنه سأله بأوصافه .
وقال ابن بلدجي في شرح المختار : ويكره أن يدعو الله تعالى إلا به ، فلا يقول : أسألك بفلان ، أو بملائكتك ، أو بأنبيائك ونحو ذلك . لأنه لا حق للمخلوق على خالقه ، أو يقول في دعائه : أسالك بمعقد العز من عرشك . وعن أبي يوسف جوازه .
وما يقول فيه أبو حنيفة وأصحابه : أكره كذا هو عند محمد حرام . وعند أبي حنيفة وأبي يوسف هو إلى الحرام أقرب ، وجانب التحريم عليه أغلب .
وفي فتاوى أبي محمد بن عبد السلام : أنه لا يجوز سؤال الله سبحانه بشيء من مخلوقاته ، لا الأنبياء ، ولا غيرهم ، وتوقف في نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، ولأعتقاده أن ذلك جاء في حديث ، وأنه لم يعرف صحة الحديث .
فإذا قرر الشيطان عنده أن الإقسام على الله به ، والدعاء به أبلغ في تعظيمه وأحترامه ، وأنجع في قضاء حاجته ، نقله درجة أخرى إلى دعائه نفسه من دون الله . ثم ينقله بعد ذلك درجة أخرى إلى أن يتخذ قبره وثنا ، يعكف عليه ، ويوقد عليه القنديل ، ويعلق عليه الستور ، ويبني عليه المسجد ، ويعبده بالسجود له ، والطواف به وتقبيله ، وإستلامه ، والحج إليه ، والذبح عنده ، ثم ينقله درجة أخرى إلى دعاء الناس إلى عبادته ، وإتخاذه عيدا ومنسكا وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وآخرتهم .
قال شيخنا، قدس الله روحه : وهذه الأمور المبتدعة عند القبور مراتب ، أبعدها عن الشرع : أن يسأل الميت حاجته ، ويستغيث به فيها ، كما يفعله كثير من الناس . قال : وهؤلاء من جنس عباد الأصنام ، ولهذا قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت ، أو الغائب . كما يتمثل لعباد الأصنام . وهذا يحصل للكفار من المشركين ، وأهل الكتاب ، يدعو أحدهم من يعظمه فيتمثل له الشيطان أحيانا . وقد يخاطبهم ببعض الأمور الغائبة . وكذلك السجود للقبر، والتمسح به وتقبيله .
المرتبة الثانية : أن يسأل الله عزوجل به . وهذا يفعله كثير من المتأخرين ، وهو بدعه باتفاق المسلمين .
الثالثة : أن يسأله نفسه .
الرابعة : أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد . فيقصد زيارته، والصلاة عنده . لأجل طلب حوائجه . فهذا أيضا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين . وهي محرمة . وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة الدين . وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك . ويقول بعضهم : قبر فلان ترياق مجرب .
والحكاية المنقولة عن الشافعي : أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر .

فصل في الفرق بين الموحدين والمشركين في زيارة القبور

في الفرق بين زيارة الموحدين للقبور ، وزيارة المشركين
أما زيارة الموحدين : فمقصودها ثلاثة أشياء :
أحدها : تذكر الآخرة ، والاعتبار ، والاتعاظ . وقد أشار النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى ذلك بقوله : " زوروا القبور ، فإنها تذكركم الآخرة " .
الثاني : الإحسان إلى الميت ، وأن لا يطول عهده به ، فيهجره ، ويتناساه ، كما إذا ترك زيارة الحي مدة طويلة تناساه، فإذا زار الحي فرح بزيارته وسر بذلك ، فالميت أولى . لأنه قد صار في دار قد هجر أهلها إخوانهم وأهلهم ومعارفهم ، فإذا زاره وأهدى إليه هدية : من دعاء، أو صدقة، أو أهدى قربة . ازداد بذلك سروه وفرحه ، كما يسر الحي بمن يزوره ويهدي له . ولهذا شرع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم للزائرين أن يدعوا لأهل القبور بالمغفرة والرحمة ، وسؤال العافية فقط ، ولم يشرع أن يدعوهم ، ولا أن يدعوا بهم ، ولا يصلى عندهم .

الثالث : إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة ، والوقوف عند ما شرعه الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فيحسن إلى نفسه وإلى المزور .
وأما الزيارة الشركية : فأصلها مأخوذ عن عباد الأصنام .
قالوا : الميت المعظم ، الذي لروحه قرب ومنزلة ومزية عند الله تعالى ، لا يزال تأتيه الألطاف من الله تعالى ، وتفيض على روحه الخيرات . فإذا علق الزائر روحه به ، وأدناها منه ، فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها . كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له .
قالوا : فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت ، ويعكف بهمته عليه ويوجه قصده كله وإقباله عليه ، بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره . وكلما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظهم ، كان أقرب إلى انتفاعه به .
وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرما . وصرح بها عباد
الكواكب في عبادتها .
وقالوا : إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية . فاض عليها منها النور .
وبهذا السر عبدت الكواكب ، واتخذت لها الهياكل ، وصنفت لها الدعوات ، واتخذت الأصنام المجسدة لها . وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها أعيادا ، وتعليق الستور عليها ، وإيقاد السرج عليها ، وبناء المساجد عليها . وهو الذي قصد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إبطاله ومحوه بالكلية ، وسد الذرائع المفضية إليه . فوقف المشركون في طريقه ، وناقضوه في قصده . وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في شق ، وهؤلاء في شق .
وهذا الذي ذكره هؤلاء المشركون في زيارة القبور : هو الشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها ، وتشفع لهم عند الله تعالى .
قالوا : فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المقرب عند الله ، وتوجه بهمته إليه ، وعكف بقلبه عليه . صار بينه وبينه اتصال . يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل له من الله . وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان . فهو شديد التعلق به . فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلقه به .
فهذا سر عبادة الأصنام . وهو الذي بعث الله رسله ، وأنزل كتبه بإبطاله ، وتكفير أصحابه ، ولعنهم . وأباح دماءم وأموالهم ، وسبى ذراريهم . وأوجب لهم النار . والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله ، وإبطال مذهبهم .
قال تعالى: " أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض " .
فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض، وهو الله وحده . فهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه، ليرحم عبده . فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه . فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له ، والذي يشفع عنده إنما يشفع بإذنه له وأمره ، بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده . وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون ومن وافقهم ، وهي التي أبطلها الله سبحانه في كتابه ، بقوله : " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة " وقوله : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة " وقال تعالى " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون " وقال : " الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " .
فأخبر سبحانه أنه ليس للعباد شفيع من دونه ، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه . كما قال تعالى : " ما من شفيع إلا من بعد إذنه " وقال : " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " فالشفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه ، ولا الشافع شفيع من دونه ، بل شفيع بإذنه .
والفرق بين الشفيعين ، كالفرق بين الشريك والعبد المأمور .
فالشفاعة التي أبطلها الله : شفاعة الشريك فإنه لا شريك له ، والتي أثبتها : شفاعة العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له . ويقول : أشفع في فلان . ولهذا كان أسعد الناس شفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد ، الذين جردوا التوحيد وخلصوه من تعلقات الشرك وشوائبه ، وهم الذين ارتضى الله سبحانه .
قال تعالى : " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " وقال : " يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا " .
فأخبر أنه لا يحصل يومئذ شفاعة تنفع إلا بعد رضاء قول المشفوع له ، وإذنه للشافع فيه . فأما المشرك فإنه لا يرتضيه، ولا يرضى قوله . فلا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه فإنه سبحانه علقها بامرين : رضاه عن المشفوع له ، وإذنه للشافع . فما لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة .
وسر ذلك : أن الأمر كله لله وحده ، فليس لأحد معه من الأمر شيء ، وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده : هم الرسل والملائكة المقربون . وهم عبيد محض ، لا يسبقونه بالقول ، ولا يتقدمون بين يديه ، ولا يفعلون شيئا إلا بعد إذنه لهم ، وأمرهم . ولا سيما يوم لا تملك نفس لنفس شيئا . فهم مملوكون مربوبون ، أفعالهم مقيدة بأمره وإذنه . فإذا أشرك بهم المشرك ، واتخذهم شفعاء من دونه ، ظنا منه أنه إذا فعل ذلك تقدموا وشفعوا له عند الله ، فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه وما يجب له . ويمتنع عليه . فإن هذا محال ممتنع ، شبيه قياس الرب تعالى على الملوك والكبراء ، حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج .
وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام ، واتخذ المشركون من دون الله الشفيع والولي .
والفرق بينهما هو الفرق بين المخلوق والخالق . والرب والمربوب ، والسيد والعبد . والمالك والمملوك . والغني والفقير . والذي لا حاجة به إلا أحد قط . والمحتاج من كل وجه إلى غيره .
فالشفعاء عند المخلوقين : هم شركاؤهم . فإن قيل مصالحهم بهم . وهم أعوانهم وأنصارهم ، الذين قيام أمر الملوك والكبراء بهم . ولولاهم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس ، فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلا قبول شفاعتهم . وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشافع . لأنهم يخافون أن يردوا شفاعتهم . فتنتقض شفاعتهم لهم ، ويذهبون إلى غيرهم . فلا يجدون بدا من قبول شفاعتهم على الكره والرضا . فأما الغني الذي غناه من لوازم ذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته . وكل من في السموات والأرض عبيد له، مقهورون بقهره ، مصرفون بمشيئته . لو أهلكهم جميعا لم ينقص من عزه وسلطانه وملكه وربوبيته وإلهيته مثقال ذرة .
قال تعالى : " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير" وقال سبحانه في سيدة آي القرآن ، آية الكرسي : " له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " وقال : " قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض " .
فأخبر أن حال ملكه للسموات والأرض يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده، وأن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه، فإنه ليس بشريك، بل مملوك محض . بخلاف شفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض .
فتبين أن الشفاعة التي نفاها الله سبحانه في القرآن هي هذه الشفاعة الشركية التي يعرفها الناس ، ويفعلها بعضهم مع بعض . ولهذا يطلق نفيها تارة ، بناء على أنها هي المعروفة المشاهدة عند الناس ، ويقيدها تارة بأنها لا تنفع إلا بعد إذنه ، وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه ، فإنه الذي أذن، والذي قبل، والذي رضي عن المشفوع ، والذي وفقه لفعل ما يستحق به الشفاعة وقوله .
فمتخذ الشفيع مشرك ، لاتنفعه شفاعته . ولايشفع فيه ، ومتخذ الرب وحده الهه ومعبوده ومحبوبه ، ومرجوه ، ومخوفه الذي يتقرب إليه وحده ، ويطلب رضاه ، ويتباعد من سخطه هو الذي يأذن الله سبحانه للشفيع أن يشفع فيه .
قال تعالى : " أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا " وقال تعالى : " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " .
فبين سبحانه أن المتخذين شفعاء مشركون، وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذهم هم . وإنما تحصل بإذنه للشافع ، ورضاه عن المشفوع له .
وسر الفرق بين الشفاعتين : أن الشفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده ، لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خلقا، ولا أمرا، ولا إذنا، بل هو سبب محرك له من خارج . كسائر الأسباب التي تحرك الأسباب . وهذا السبب المحرك قد يكون عند المتحرك لأجله ما يوافقه ، كمن يشفع عنده في أمر يحبه ويرضاه ، وقد يكون عنده ما يخالفه ، كمن يشفع إليه في أمر يكرهه ، ثم قد يكون سؤاله ، وشفاعته أقوى من المعارض، فيقبل شفاعة الشافع . وقد يكون المعارض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع ، فيردها ولا يقبلها، وقد يتعارض عنده الأمران ، فيبقى مترددا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد، وبين الشفاعة التي تقتضي القبول ، فيتوقف إلى أن يترجح عنده أحد الأمرين بمرجح، فشفاعة الإنسان عند المخلوق مثله : هي سعي في سبب منفصل عن المشفوع إليه يحركه به، ولو على كره منه، فمنزلة الشفاعة عنده منزلة من يأمر غيره، أو يكرهه على الفعل، إما بقوة وسلطان، وإما بما يرغبه، فلا بد أن يحصل للمشفوع إليه من الشافع إما رغبة ينتفع بها، وإما رهبة منه تندفع عنه بشفاعته . وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب سبحانه ، فإنه ما لم يخلق شفاعة الشافع ويأذن له فيها، ويحبها منه، ويرضى عن الشافع، لم يمكن أن توجد. والشافع لا يشفع عنده لحاجة الرب إليه، ولا لرهبته منه، ولا لرغبته فيما لديه ، وإنما يشفع عنده مجرد إمتثال لأمره وطاعة له . فهو مأمور بالشفاعة، مطيع بامتثال الأمر . فإن أحدا من الأنبياء والملائكة، وجميع المخلوقات لا يتحرك بشفاعة ولا غيرها إلا بمشيئة الله تعالى، وخلقه . فالرب سبحانه وتعالى هو الذي يحرك الشفيع حتى يشفع، والشفيع عند المخلوق هو الذي يحرك المشفوع إليه حتى يقبل . والشافع عند المخلوق مستغن عنه في أكثر أموره . وهو في الحقيقة شريكه . ولو كان مملوكه وعبده . فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النفع بالنصر، والمعاونة . وغير ذلك . كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله منه من النفع بالنصر، والمعاونة . وغير ذلك . كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله منه من رزق أو نصر ، أو غيره ، فكل منهما محتاج إلى الآخر .
ومن وفقه الله تعالى لفهم هذا الموضع ومعرفته ، تبين له حقيقة التوحيد والشرك ، والفرق بين ما أثبته الله تعالى من الشفاعة وبين ما نفاه وأبطله ، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور .

فصل في مكيدة اصطياد قلوب الجاهلين والمبطلين

ومن مكايد عدو الله ومصايده ، التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين : سماع المكاء ، والتصدية ، والغناء بالالات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان . فهو قرآن الشيطان . والحجاب الكثيف عن الرحمن . وهو رقية اللواط والزنا . وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى . كاد به الشيطان النفوس المبطلة . وحسنه لها مكرا منه وغرورا . وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورا . فلو رأيتهم عند ذياك السماع وقد خشعت منهم الأصوات ، وهدأت منهم الحركات . وعكفت قلوبهم بكليتها عليه . وأنصبت أنصبابة واحدة إليه . فتمايلوا له ولا كتمايل النشوان ، وتكسروا في حركاتها ورقصهم ، أرأيت تكسر المخانيث والنسوان ؟ ويحق لهم ذلك ، وقد خالط خماره النفوس ، ففعل فيها أعظم ما يفعله حميا الكؤوس . فلغير الله ، بل للشيطان ، قلوب هناك تمزق . وأثواب تشقق . وأموال في غير طاعة الله تنفق . حتى إذا عمل السكر فيهم عمله . وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله . واستفزهم بصوته وحيله . وأجلب عليهم برجله وخيله . وخز في صدورهم وخزا. وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزا . فطورا يجعلهم كالحمير حول المدار . وتارة كالدباب ترقص وسيط الديار . فيارحتما للسقوف والأرض من دك تلك الأقدام . ويا سوأتا من أشباه الحمير والأنعام . ويا شماتة أعداء الإسلام . بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام . قضوا حياتهم لذة وطربا . واتخذوا دينهم لهوا ولعبا . مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن . لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك ساكنا . ولا أزعج له قاطنا . ولا أثار فيه وجدا . ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى الله زندا ، حتى إذا تلى عليه قرآن الشيطان . وولج مزموره سمعه ، تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت ، وعلى أقدامه فرقصت ، وعلى يديه فصفقت ، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت ، وعلى أنفاسه فتصاعدت ، وعلى زفراته فتزايدت ، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت . فيا أيها الفاتن المفتون ، والبائع حظه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسر مغبون ، هلا كانت هذه الأشجان ، عند سماع القرآن ؟ وهذه الأذواق والمواجيد عند قراءة القرآن المجيد ؟ وهذه الأحوال السنيات ، عند تلاوة السور الآيات ؟ ولكن كل امرىء يصبو إلى ما يناسبه ، ويميل إلى ما يشاكله، والجنسية علة الضم قدرا وشرعا ، والمشاكلة سبب الميل عقلا وطبعا ، فمن أين هذا الإخاء والنسب ؟ لولا التعلق من الشيطان بأقوى سبب . ومن أين هذه المصالحة التي أوقعت في عقد الإيمان وعهد الرحمن خللا ؟ " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " .
وقد أحسن القائل :
تلي الكتاب، فأطرقوا، لا خيفة = لكنه إطراق ســـاه لا هي
وأتي الغناء، فكالحمير تناهقوا = والله ما رقصوا لأجـل الله
دف ومزمار، ونغمــة شــادن = فمتى رأيت عبادة بملاهي؟
ثقل الكتاب عليهــم لمــا رأوا = تقييـــده بـــأوامر ونواهــي
سمعوا له رعدا وبرقا،إذ حوى = زجرا وتخويفا بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن = شهواتها، يا ذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقا أغراضها = فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع = أسبابه، عند الجهول الساهي؟
إن لم يكن خمرالجسوم ، فإنه = خمرالعقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه = وانظر إلى النسوان عند ملاهي
وانظر إلى تمزيق ذا أثوابه = من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
واحكم فأي الخمرتين أحق بالتحريم = والتــــــــأثيم عنــــد اللـــــه ؟
وقال آخر :
برئنا إلى الله من معشر = بهم مرض من سماع الغنا
وكم قلت: ياقوم، أنتم على = شفا جرف ما به من بنا
شفا جرف تحته هوة = إلى درك، كم به من عنا ؟
وتكرار ذا النصح منا لهم = لنعذر فيهم إلى ربنا
فلما إستهانوا بتنبيهنا = رجعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى = وماتوا على تنتنا تنتنا
ولم يزل أنصار الإسلام وأئمة الهدى، تصيح بهؤلاء من أقطار الأرض ، وتحذر من سلوك سبيلهم ، واقتفاء آثارهم ، من جميع طوائف الملة .
قال الإمام أبو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه ، في تحريم السماع :
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ونسأله أن يرينا الحق حقا فنتبعه ، والباطل باطلا فنجتنبه . وقد كان الناس فيما مضى يستر أحدهم بالمعصية إذا واقعها ، ثم يستغفر الله ويتوب إليه منها ، ثم كثر الجهل ، وقل العلم ، وتناقص الأمر ، حتى صار أحدهم يأتي المعصيه جهارا ، ثم ازداد الأمر إدبارا ، حتى بلغنا أن طائفة من إخواننا المسلمين - وفقنا الله وإياهم - استنزلهم الشيطان ، واستغوى عقولهم في حب الأغاني واللهو ، وسماع الطقطقة والنقير ، واعتقدته من الدين الذي يقربهم إلى الله . وجاهرت به جماعة المسلمين وشاقت سبيل المؤمنين ، وخالفت الفقهاء والعلماء وحملة الدين ، " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " فرأيت أن أوضح الحق . وأكشف عن شبه أهل الباطل ، بالحجج التي تضمنها كتاب الله ، وسنة رسوله ، وأبدأ بذكر أقاويل العلماء الذين تدور الفتيا عليهم في أقاصي الأرض ودانيها ، حتى تعلم هذه الطائفة أنها قد خالفت علماء المسلمين في بدعتها . والله ولي التوفيق .
ثم قال : أما مالك فإنه نهى عن الغناء ، وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب .
وسئل مالك رحمه الله ، عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء ؟ فقال : إنما يفعله عندنا الفساق .
قال : وأما أبو حنيفة ، فإنه يكره الغناء ، ويجعله من الذنوب .
وكذلك مذهب أهل الكوفة : سفيان ، وحماد ، وإيراهيم ، والشعبي ، وغيرهم . لا اختلاف بينهم في ذلك ، ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه .
قلت : مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب ، وقوله فيه أغلظ الأقوال . وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها ، كالمزمار ، والدف ، حق الضرب بالقضيب ، وصرحوا بأنه معصية ، يوجب الفسق ، وترد به الشهادة ، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا : إن السماع فسق ، والتلذذ به كفر . هذا لفطهم ، ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه .
قالوا : ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به ، أو كان في جواره .
وقال أبو يوسف ، في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي : ادخل عليهم بغير إذنهم ، لأن النهي عن المنكر فرض ، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض .
قالوا : ويتقدم إليه الإمام إذا سمع ذلك من داره ، فإن أصر حبسه أو ضربه سياطا ، وإن شاء أزعجه عن داره .
وأما الشافعي : فقال في كتاب أدب القضاء : إن الغناء لهو مكروه ، يشبه الباطل والمحال . ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .
وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه . وأنكروا على من نسب إليه حله ، كالقاضي أبي الطيب الطبري ، والشيخ أبي إسحق ، وابن الصباغ .
قال الشيخ أبو إسحق في التنبيه : ولا تصح - يعني الإجارة - على منفعة محرمة ، كالغناء والزمر، وحمل الخمر . ولم يذكر فيه خلافا .
وقال في المهذب : ولايجوز على المنافع المحرمة، لأنه محرم، فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميتة والدم .
فقد تضمن كلام الشيخ أمورا .
أحدها : أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة .
الثاني : أن الاستئجار عليها باطل .
الثالث : أن أكل المال به أكل مال بالباطل ، بمنزلة أكله عوضا عن الميتة والدم .
الرابع : أنه لا يجوز للرجل بذل ماله للمغني، ويحرم عليه ذلك . فإنه بذل ماله في مقابلة محرم ، وأن بذله كبذله في مقابلة الدم والميتة .
الخامس : أن الزمر حرام .
وإذا كان الزمر- الذي هو أخف آلات اللهو- حراما، فكيف بما هو أشد منه ؟ كالعود . والطنبور ، واليراع . ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك . فأقل ما فيه : أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور .
وكذلك قال أبو زكريا النووي في روضته :
القسم الثاني : أن يغني ببعض آلات الغناء، بما هو من شعار شاربي الخمر، وهو مطرب كالطنبور والعود والصنج ، وسائر المعازف ، والأوتار . يحرم استعماله ، واستماعه . قال : وفي اليراع وجهان ، وصحح البغوي التحريم .
ثم ذكر عن الغزالي الجواز . قال : والصحيح تحريم اليراع ، وهو الشبابة .
وقد صنف أبو القاسم الدؤلعي كتابا في تحريم اليراع .
وقد حكى أبو عرو بن الصلاح الإجماع على تحريم السماع، الذي جمع الدف والشبابة . والغناء ، فقال في فتاويه :
وأما إباحة هذا السماع وتحليله ، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت ، فاستماع ذلك حرام ، عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين . ولم يثبت عن أحد - ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف - أنه أباح هذا السماع ، والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نقل في الشبابة منفردة، والدف منفردا، فمن لا يحصل ، أو لا يتأمل ، ربما اعتقد خلافا بين الشافعيين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي ، وذلك وهم بين من الصائر إليه ، تنادى عليه أدلة الشرع والعقل ، مع أنه ليس كل خلاف يستروح إليه ، ويعتمد عليه ، ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ بالرخص من أقاويلهم ، تزندق أو كاد . قال : وقولهم في السماع المذكور : إنه من القربات والطاعات ، قول مخالف لإجماع المسلمين ، ومن خالف إجماعهم فعليه ما في قوله تعالى : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " .
وأطال الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين بلاء الإسلام منهم : المحللون لما حرم الله، والمتقربون إلى الله بما يباعدهم عنه .
والشافعي وقدماء أصحابه ، والعارفون بمذهبه : من أغلظ الناس قولا في ذلك .
وقد تواتر عن الشافعي أنه قال : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة ، يسمونه التعبير . يصدون به الناس عن القرآن .
فإذا كان هذا قوله في التغبير، وتعليله : أنه بصد عن القرآن ، وهو شعر يزهد في الدنيا ، يغني به مغن ، فيضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو مخدة على توقيع غنائه - فليت شعري ما يقول في سماع التغبير عنده كتفلة في بحر. قد أشتمل على كل مفسدة، وجمع كل محرم ، فالله بين دينه وبين كل متعلم مفتون ، وعابد جاهل .
قال سفيان بن عيينة : كان يقال : احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .
ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين .


نقلاً عن لقط المرجان في علاج العين والسحر والجان



 
 توقيع : أبو خالد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ»

الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلاتحرمونا دعائكم


رد مع اقتباس