عرض مشاركة واحدة
قديم 18 Jan 2015, 11:04 PM   #3
بالقرآن نرتقي
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية بالقرآن نرتقي
بالقرآن نرتقي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8317
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Dec 2023 (11:50 PM)
 المشاركات : 3,065 [ + ]
 التقييم :  18
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ



ما يُنجِّسُ الماءَ ~ الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - الطهارة (1) ~




ما يُنجِّسُ الماءَ

الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - الطهارة (1)
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة


(الطهارة)


معنى الطهارة:
في اللغة: النظافة، والنزاهة من الأقذار.

وفي الاصطلاح:
رفع الحَدَث، وزوال الخَبَث.

أنواع الطهارة:
طهارة حكمية: هي الطهارة عن الحدث، أو الطهارة عن النجاسة حكمًا، وهي ثلاثة أنواع:
(الوضوء، والغسل، والتيمم).


طهارة حقيقية: وهي الطهارة عن النجاسة حقيقة، وهي ثلاثة أنواع:
(طهارة البدن، وطهارة المكان، وطهارة الثياب).


عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء وما ينوبُه من الدوابِّ والسِّباع،
فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان الماء قُلَّتينِ، لم يحمِلِ الخَبَث))[1].


المسألة الأولى: معاني الكلمات:
قوله: (وما ينوبُه من الدوابِّ)؛ أي: سئل أيضًا عن الماء الذي ينوبه الدواب؛ أي: تقصده،
يقال: نابه ينوبُه نَوْبًا، وانتابه: إذا قصده مرَّة بعد أخرى، ويقال: معنى تنوبه الدواب؛ أي: تنزل به للشرب.


والدوابُّ: جمع دابة، وهي اسم ما يدبُّ على وجه الأرض في اللغة، وفي العرف:
الدابة تطلق على ذوات الأربع مما يُركَب، وقال في الصحاح: الدابة التي تركب.


والسباع: جمع سبع، وهي كل حيوان عادٍ مفترس ضار ممتنع.

قوله (إذا كان الماء قُلَّتينِ): القُلَّتان تثنية قُلَّة، وهي الحُب العظيم، والجمع قِلال،
واختلفوا في تفسير القُلَّة، فقيل: خمس قِرَب، وكل قِرْبة خمسون منًّا،
وقيل:
القُلَّة جرَّة تسع فيها مائة وخمس وعشرون منًّا،
وقيل: القلتان خمسمائة رطل بالبغدادي، وقيل: القلتان خمسمائة منٍّ.


وقال الخطابي:
(قد تكون القُلَّة الإناء الصغير الذي تنقله الأيدي، ويتعارض فيه الشراب كالكيزان ونحوها،
وتكون القُلَّة الجرة الكبيرة التي ينقلها القوي من الرجال، إلا أن مخرج الخبر قد دلَّ على أن المراد ليس النوع الأول؛
لأنه إنما سُئِل عن الماء الذي يكون بالفلاة من الأرض في المصانع والوهاد والغدران ونحوها،
ومثل هذه المياه لا يُحدُّ بالكوز والكوزين في العرف والعادة؛ لأن أدنى النجس إذا أصابه نجَّسَه،
فعُلِم أنه بمعنى الثاني، وقد روي في غير طريق أبي داود من رواية ابن جريج: ((إذا كان قلتين بقلال هجر))[2]،
وقِلال هجر مشهورة الصنعة، ومعلومة المقدار، وهي أكبر ما يكون من القلال وأشهرها؛
ولذلك قيل "قُلَّتين" على لفظ التثنية، ولو كان وراءها قُلَّة في الكبر لأشكلت دلالته،
فلما ثنَّاه دلَّ على أنه أكبر القِلال؛ لأن التثنيةَ لا بدَّ لها من فائدة، وليست فائدتها إلا ما ذكرناه)[3].


قوله: ((لم يحملِ الخَبَث)): بفتح الخاء والباء؛ أي: لم يحمِلِ النَّجَس، واحتجَّ الشافعي وأصحابه بهذا الحديث
على أن الماء إذا بلغ قُلَّتين لا ينجُسُ إلا بالتغيير، وهو مذهب أحمد وأبي ثور، وفسَّروا قوله: ((لم يحملِ الخَبَث))؛ أي:
يدفعُه عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحمل الضيم، إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه، ويؤكِّد ذلك الرواية الأخرى: ((فإنه لا ينجس))[4].


المسألة الثانية: حكم الماء إذا خالطته نجاسة:
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال؛ منها:
القول الأول: أن الماء لا ينجس مطلقًا وإن تغيَّر لونه وطعمه وريحه، وهو مذهب الظاهرية،
واستدلوا بحديث: ((الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ))[5].


القول الثاني: أن الماء لا يتنجس إلا إذا تغير لونه أو ريحه أو طعمه، وهو مذهب المالكية، واستدلوا:
أن عمر بن الخطاب خرج في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضًا،
فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض، هل تَرِدُ حوضَك السباع؟
فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض، لا تُخبِرنا، فإنا نَرِدُ على السِّباع وتَرِدُ علينا[6].


القول الثالث: أنه إن كان الماء قُلَّتين لا يتنجس، وإلا تنجس، وهو مذهب الشافعية، واستدلوا بحديث الباب الذي مرَّ معنا.

القول الرابع: فرَّقوا بين قليل الماء وكثيرِه، فقالوا: إذا كان قليلاً تنجَّس، وإذا كان كثيرًا لا يتنجَّس،
وهو مذهب الحنفية، واختلفوا فيما بينهم في تحديد القليل والكثير، فمنهم مَن قال: التحديد بالكدرة،
ومنهم مَن قال: التحديد بالصبغ، ومنهم مَن قال: التحديد بالسبع في السبع، ومنهم مَن قال: التحديد بالثمانية في الثمانية،
ومنهم مَن قال: عشرون في عشرين، ومنهم مَن قال: العشر في العشر، ومنهم مَن قال: خمسة عشر في خمسة عشر،
ومنهم مَن قال: اثنا عشر في اثني عشر، ومنهم مَن قال: بالتحريك باليد أو الغسل أو الوضوء، وكلها تحديدات لا دليل عليها.


القول الخامس: فرَّقوا بين بَوْل الآدمي وعَذرته المائعة وغيرها من النجاسات، فقالوا: إذا خالط الماء،
تنجَّس إذا كان دون القُلَّتين أو بلغ القُلَّتين، تغير أم لم يتغير.


أما غيره من النجاسات، فجعلوا المعتبر فيه القُلَّتين، فإذا بلغ قُلَّتين ولم يتغير، فطهور،
وإن لم يبلغ القلتين، فنجسٌ بمجرد الملاقاة.


واعتمَدوا في التفريق بين بَوْل الآدمي وعذرته المائعة وغيرها من النجاسات على قوله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه))[7].


ورُدَّ عليه بأن الحديث لم يتعرَّض للنجاسة لا من قريب ولا من بعيد، ولكن نهى عن البول في الماء،
ثم الاغتسال فيه؛ لأنه كيف يغتسل في ماء بال هو فيه، وهذا نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا يجلد أحدُكم امرأتَه جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم))[8].


فالحديث ليس فيه النهي عن المضاجعة (أي: الجماع)، ولكن النهي عن الجمع بين الضرب والمضاجعة؛ لأنه تناقض.

والراجح من هذه الأقوال أن الماء قليلاً كان أم كثيرًا، إذا لم تتغير أحد أوصافه الثلاثة
(الطعم - اللون - الرائحة)،
فهو على طهوريته، ولم يخرج من كونه ماءً طاهرًا مطهِّرًا، ولا فرقَ بين نجاسة وأخرى،
والدليل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري، أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أنتوضَّأ من بئر بُضَاعة، وهي بئر يُطرَح فيها الحَيض ولحم الكلاب والنَّتْن؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((الماء طهور لا يُنجِّسه شيء))[9].


وقد نقل الإجماعَ ابنُ المنذر، فقال:
(أجمعوا على أن الماء القليلَ أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيَّرت للماء طعمًا أو لونًا أو ريحًا، أنه نجسٌ ما دام كذلك)[10].


وقال ابن القيم: (إن الذي دلَّت عليه سنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وآثارُ أصحابه أن الماء لا ينجُسُ إلا بالتغير وإن كان يسيرًا، وهذا قول أهل المدينة،
وجمهور السلف، وأكثر أهل الحديث، وبه أفتى عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، ومالك بن أنس،
وبه قال أهل الظاهر، ونصَّ عليه أحمد في إحدى روايتيه، واختاره جماعة من أصحابنا، منهم:
ابن عقيل في مفرداته، وشيخنا أبو العباس ابن تيمية، وشيخه ابن أبي عمر)[11]،[12].



يتبع



 
 توقيع : بالقرآن نرتقي





بالقرآن نرتقي


رد مع اقتباس