من ادّعى رؤية الجن على هيئتهم الحقيقية ؛ فقد خالف القرآن الكريم !

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حقيقةً شاهدتُ كثيرًا من المواقع - والله المستعان - تنشُرُ القِصصَ بين الناس ويدّعي أصحابها إمكانية رؤية الجن على هيئتهم الحقيقية،
فبعضهم تجرّأ وأخذَ يصفُ أشكالَ الجنَّ بأنهم أقزام ولهم أشكال غريبة ونحو ذلك مما دعاني لكتابة هذا الموضوع حتى يزولَ الّلبس
عن الزوار وغيرهم ، بل أعجب من ذلك أنني أرى بعض الشباب -هداهم الله- يضع أفلامًا يدّعي فيها ؛ أنَّ هذه شياطين ،ويروّجونها بين الناس ، فقد ذكّرني هذا وأشباهه بمن يضع مقاطعًا لأناسٍ يعذبونَ في القبرِ، ويدّعي زورًا وبهتانًا أنها حقيقية !

قبل أن أتحدّث لابد أن نعلم أنَّ هذا الدين واضحًا جليًا قام على الدليل القطعي وليس للعقل مجالًا فيه إذا توهّمَ الإنسان أنَّ هناك
تعارضًا بين النقل والعقل ؛ وعلى هذا ينبغي لنا أن نتوقّف عّما جاء في القرآن الكريم وما صح في السنة النبوية من غير زيادة
أو نقصان ، بل من خالف قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر بعد أن تقوم عليه الحجة.

السؤال الذي أطرحه عليكم أحبتي هل بالإمكان رؤية الجن على هيئتهم الحقيقية ؟

لنتوقّف على قول الله تعالى: {‏إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ‏}‏


ظاهر الآية تدلُّ على أنهم يروننا من حيث لا نراهم

قال الشافعي رحمه الله "من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته , إلا أن يكون نبيا." أ.هـ

ولكن لو أعدنا السؤال بصيغة أخرى وقلنا هل بالإمكان رؤية الجن على غير هيئتهم الحقيقية ؟

فنقول نعم ، والأدلة في ذلك كثيرة جدًا ، فقد رأى أبو هريرة رجلًا أوصاه بقراءة آية الكرسي حتى أخبره الرسول صلى الله عليه
وسلم أن هذا إبليس وقال صدقك وهو كذوب ، وكذلك تمثّل الشيطان على هيئة شيخٍ كبير حينما اجتمع مع الكفار للتشاور حول
دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والقضاء عليها.

نستنتج من ذلك ما يلي:

1- أنه بالإمكان رؤية الجن على هيئة حيوانات كالقطط والثعابين وما أشبهها ، فالله أعطاهم القدرة على التشكّل على صورة إنسان أو حيوان.

2- أنهم يروننا ولا نراهم على صورتهم الحقيقية.

3- أنه بالإمكان رؤية الجن على هيئتهم الحقيقية فقط لمن اصطفاه الله كالأنبياء ، وليس لعامة الناس.

لذلك أقول لكم أحبتي من ادّعى أنه بالإمكان مشاهدة الجن على صورتهم الحقيقية فإنه يلزمه أن يحضر دليلًا من القرآن الكريم
أو السنة النبوية ، وإلا فكلامه مردودًا عليه ؛لانتفاء الدليل على كلامه من جهة ؛ ولِورود دليلٍ على عدم رؤيتهم على هيئتهم الحقيقية من جهة أخرى.

خلاصة القول: أقول لمن أخذ بالأقوال والمنقولات في بطون الكتب التي لا دليل على صحتها إتّقَّ الله تعالى ولا تتكلّم بلا علم
وتذكر قول الله تعالى::{ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}

وقوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

وقوله تعالى:{ وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُون * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }


وقوله تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}

وأقول لمن أخذ بقول أحدٍ من الناس سواءً لشيخه أولعالمٍ من العلماء،
فيجب أن نقدّم قول الله تعالى على كل قول ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم على كل قول وتذكّروا هذا الحديث الموقوف ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه حينما قال:(أراكم ستهلكون أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر) رواه أحمد في المسند.

وانتبه أخي الكريم أن تتّبع هواك وتذكّر قول الله تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ }

وقوله تعالى: { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}

وقوله تعالى: { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}

وأقول لكل من يقرأ كلماتي ، ويرى عباراتي ، لا تصدّق كل ما تقرأ ، بل اتّبع الدليل القطعي ، وخذ العلم من أهل العلم الثقات
الذين يقولون قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقولون قال فلان وفلان !

وفّقني الله وإياكم لما يُحب ويرضى ،وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، اللهم علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وأرنا الحقَّ حقًا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه ، وهيّىء لنا من أمرنا رشدًا ، وقد كتبتُ موضوعي هذا على عجالة ، فلا يخلو من الخطأ والزلل والله المستعان ،
فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ، هذا والله أعلى وأعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بارك الله فيك ونفع بك