عالم الجان ـ علومه ـ أخباره ـ أسراره ـ خفاياه . الإدارة العلمية والبحوث World of the jinn من الكتاب والسنة والأثر وماورد عن الثقات العدول من العلماء والصالحين وماتواتر عن الناس ومااشتهر عن الجن أنفسهم . |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
تعليل ما يتخيله الأعراب من عزيف الجنان وتغول الغيلان .
وكان أبو إسحاق يقول في الذي تذكر الأعرابُ من عزيف الجنان، وتغوُّل الغيلان: أصلُ هذا الأمر وابتداؤه، أنّ القوم لما نزلوا بلاد الوحش، عملتْ فيهم الوَحْشة، ومن انفردَ وطال مُقامُه في البلاد والخلاء، والبعد من الإنس - استوحَش، ولا سيَّما مع قلة الأشغال والمذاكرين. والوَحدةُ لاتقطع أيامهم إلا بالمُنى أو بالتفكير، والفكرُ ربما كان من أسباب الوَسوَسة، وقد ابتلى بذلك غيرُ حاسب، كأبي يس ومُثَنًّّى ولد القُنافر. وخبَّرني الأعمش أنه فكّر في مسألة، فأنكر أهله عقله، حتّى حَمَوه وداووه. وقد عرض ذلك لكثير من الهند. وإذا استوحشَ الإنسانُ تمثّل له الشّيء الصغيرُ في صورة الكبير، وارتاب، وتفرَّق ذهُنه، وانتقضت أخلاطُه، فرأى ما لا يُرى، وسمع ما لا يُسمع، وتوهم على الشيء اليسير الحقير، أنه عظيمٌ جليل. ثمَّ جعلوا ما تصوَّر لهم من ذلك شعرا تناشدوه، وأحاديث توارثوها فازدادوا بذلك إيماناً، ونشأ عليه الناشئ، ورُبّي به الطِّفل، فصار أحدهم حين يتوسَّط الفيافيَ، وتشتملُ عليه الغيظان في اللَّيالي الحنادس - فعند أوَّل وحْشةٍ وفزْعة، وعند صياح بُوم ومجاوبة صدًى، وقد رأى كلَّ باطل، وتوهَّم كلَّ زُور، وربما كان في أصل الخلْق والطبيعة كذّاباً نفّاجاً، وصاحبَ تشنيعٍ وتهويل، فيقولُ في ذلك من الشِّعر على حسب هذه الصِّفة، فعند ذلك يقول: رأيتُ الغيلان وكلّمت السِّعلاة ثمَّ يتجاوزُ ذلك إلى أن يقول قتلتها، ثم يتجاوزُ ذلك إلى أن يقول: رافَقتها ثمَّ يتجاوز ذلك إلى أن يقول: تزوَّجتها. قال عُبيد بن أيُّوب: فللّه دَرُّ الغُولِ أيُّ رَفيقةٍ ... لصاحبِ قفْرٍ خائفٍ متقتّرِ وقال: أهذا خَليلُ الغولِ والذئبِ والذي ... يهيمُ بَرَبَّاتِ الحِجالِ الهَرَاكِلِ وقال: أَخُو قَفَرَاتٍ حالَفَ الجِنّ وانتَفَى ... من الإنْسِ حتَّى قد تقضّت وسائله له نسَبُ الإنْسيِّ يُعْرَفُ نجله ... وللجنِّ منهُ خَلْقُه وشمائله وممّا زادهم في هذا الباب، وأغراهم به، ومدَّ لهم فيه، أنهم ليس يلقون بهذه الأشعار وبهذه الأخبار إلا أعرابيّاً مثلهم، وإلا عَامِّيّاً لم يأخُذْ نفسه قط بتمييز ما يستوجب التّكذيب والتّصديق، أو الشّكّ، ولم يسلُك سبيلَ التوقف والتثبّت في هذه الأجناس قطّ، وإمَّا أن يَلقَوْا رَاوِيَة شعر، أو صاحب خبَر، فالرّاوية كلّما كان الأعرابيُّ أكذبَ في شعره كان أطْرَف عِنْده، وصارت روايتُه أغلبَ، ومضاحيكُ حديثه أكثر فلذلك صار بعضهم يدّعي رؤية الغُول، أو قتلها، أو مرافقتها، أو تزويجها؛ وآخر يزعم أنّه رافقَ في مفازةٍ نمراً، فكان يطاعمه ويؤاكله، فمن هؤلاء خاصّة القَتّال الكِلابي؛ فإنّه الذي يقول: أيرسِلُ مَرْوانُ الأميرُ رسالة ... لآتيه إني إذاً لَمَصلَّلُ وما بي عِصْيانٌ ولا بُعدُ منزل ... ولكنّني من خوْف مَرْوانَ أوجلُ وفي باحة العَنْقاء أو في عَمايةٍ ... أو الأُدَمِى من رَهْبةِ الموتِ مَوْئلُ ولي صاحبٌ في الغارِ هَدَّكَ صاحباً ... هو الجَون إلاّ أنه لا يعلّل إذا ما التقَينا كان جُلّ حديثنا ... صُماتٌ وطرْفٌ كالمعَابلِ أطْحَلُ تَضَمَّنَتِ الأرْوَى لنا بطعامِنا ... كِلانا له منها نَصيبُ ومأكلُ فأغلِبُه في صَنْعة الزّادِ إنّني ... أُميطُ الأذى عنه ولا يتأمَّلُ وكانتْ لنا قَلتٌ بأرض مَضَلَّةٍ ... شريعتُنا لأيّنا جاءَ أوَّلُ كلانا عدُوٌّ لو يرى في عدُوِّه ... مَحزّاً وكلٌّ في العداوة مُجْمِلُ وأنشد الأصمعيّ: ظللْنَا معاً جارَينْ نحترسُ الثَّأى ... يُسائرُني من نُطفةٍ وأسائرُهْ ذكر سبعاً ورجُلاً، قد ترافقا، فصار كلُّ واحدٍ منهما يدَعُ فضْلاً من سُؤره ليشرَبَ صاحبه، الثَّأى: الفساد، وخبّر أنّ كلّ واحد منهما يحترس من صاحبه. وقد يستقيمُ أن يكونَ شعر النابغة في الحية، وفي القتيلِ صاحب القَبْر، وفي أخيه المصالح للحيةِ أن يكون إنما جعل ذلك مثلاً، وقد أثبتناهُ في باب الحيات، فلذلك كرهنا إعادَته في هذا الموضع، فأما جميع ما ذكرناه عنهم فإنما يخبرون عنه من جهة المعاينَة والتّحقيق، وإنما المثل في هذا مثل قوله: قد كان شيطانك منْ خطّابها ... وكان شيطاني منْ طُلاَّبِها حيناً فلمّا اعتَركا ألْوى بها الاشتباه في الأصوات والإنسان يجوع فيسمع في أذنه مثل الدويّ، وقال الشاعر: دويُّ الفَيَافي رَابه فكأنّه ... أَميمٌ وسارِي اللَّيلِ للضُّرِّ مُعْوِرُ مُعْوِر: أي مُصْحِر. وربما قال الغلام لمولاه: أدعوتني؟ فيقول له: لا، وإنما اعترى مسامعه ذلك لعرضٍ، لا أنَّه سمعَ صوتاً. ومن هذا الباب قول تأبَّط شراً، أو قول قائل فيه في كلمة له: يَظَلُّ بمَوّْماةٍ ويُمسي بقَفرَةٍ ... جَحِيشاً ويَعرَوْرِي ظهورَ المهالِكِ ويَسْبِقُ وقدَ الرِّيح من حَيث ينْتحي ... بمنخَرِقٍ من شَدِّهِ المتدارِكِ إذا خاطَ عَينَيه كَرى النَّوم لم يزَلْ ... له كالئٌ من قَلبِ شَيْحانَ فاتكِ ويجعلُ عينيه رَبيئةَ قلبهِ ... إلى سلَّةٍ من حَدِّ أخْضَر باتكِ إذا هزَّه في عَظم قِرْنٍ تهلَّلتْ ... نواجذُ أفواهِ المنايا الضّواحكِ يَرى الإنس وحْشيَّ الفَلاة ويهتدي ... بحيث اهتدتْ أمُّ النجومِ الشّوابكِ نزول العرب بلاد الوحش والحشرات والسباع ويدلُّ على ما قال أبو إسحاق، من نزولهم في بلاد الوحْش وبينَ الحشَراتِ والسِّباع، ما رواه لنا أبو مُسْهرٍ، عن أعرابيٍّ من بني تميم نزل ناحية الشَّام، فكان لا يَعْدِمُهُ في كلِّ ليلة أن يعضَّه أو يَعضَّ ولدَه أو بعضَ حاشيته سبعٌ من السباع، أو دابّة من دوابّ الأرض فقال: تعاوَرَني دَينٌ وذُلٌّ وغُربةٌ ... ومَزّقَ جلدي نابُ سبْع ومِخْلبُ وفي الأرض أحناشٌ وسَبْع وحاربٌ ... ونحن أُسارَى وَسْطَهَا نتقلبُ رُتَيْلا وطَبُّوعٌ وشِبْثَان ظُلْمةٍ ... وأرقطُ حُرْقُوصٌ وضَمْجٌ وعَقْربُ ونمل كأشخاصِ الخنافس قُطَّبٌ ... وأرْسالُ جعلانٍ وهَزْلى تَسَرَّبُ وعُثٌّ وحُفّاثٌ وضَبٌّ وعِربِدٌ ... وذرٌّ ودَحّاس وفَارٌ وعقربُ وهرٌّ وظِرْبانٌ وسِمْعٌ ودَوْبَلٌ ... وثُرْمُلةٌ تجرِي وسِيدٌ وثعلبُ ونمر وفَهْدٌ ثم ضبعٌ وجَيألٌ ... وليثٌ يجُوس الألف لا يتهيّبُ ولم أرَ آوى حيث أسمعُ ذِكرَه ... ولا الدُّبَّ إنّ الدُّبَّ لا يتنسَّبُ فأما الرُّتَيلا والطَّبُّوع، والشَّبَث، والحُرقوص، والضّمجُ والعنكبوت، والخنفُساء، والجُعَل، والعُثّ، والحُفَّاث، والدّحّاس والظّرِبان، والذِّئب، والثَّعلب، والنمر، والفَهْد، والضّبع، والأسد - فسنقول في ذلك إذا صرنا إلى ذكر هذه الأبواب، وقبل ذلك عند ذِكر الحشرات، فأما الضّبُّ والورَل، والعقرب، والجُعل، والخنفساء، والسِّمْع فقد ذكرنا ذلك في أوّل الكتاب، وأما قوله: وهَزْلى تسرب فالهزْلى هي الحيات، كما قال جَرير: مَزَاحف هزْلَى بينها متباعدُ وكما قال الآخر: كأنَّ مَزَاحِفَ الهَزْلى عليها ... خدودُ رصائعٍ جُدِلَتْ تُؤَامَا وأما قوله: ولم أر آوَى حيثُ أسمع ذِكرَه فإنّ ابنَ آوى لا ينزِلُ القفار، وإنّما يكونُ حيث يكونُ الريف. وينبغي أن يكونَ حيث قال هذا الشّعر توهَّم أنّه ببياض نجد. وأمَّا قوله: ولا الدبَّ إنَّ الدبَّ لا يتنسَّبُ فإنّ الدبَّ عندهم عجميٌّ، والعجميُّ لا يقيم نسبَه. http://roqia.khayma.com/book/haywanjahth.html
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|