اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة : ۲٤] . قال وكيع وغيره : هي أيام الصوم ، إذ تركوا فيها الأكل والشرب .

روى الإمام البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة بابا يقال له : الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم .


           :: كلمة سواء - رمضان " الموضوع الثاني الإمامة "⎜ 2024-1445⎜ الحلقـــ13ـــة (آخر رد :ابن الورد)       :: كلمة سواء - رمضان " الموضوع الثاني الإمامة "⎜ 2024-1445⎜ الحلقـــ12ـــة (آخر رد :ابن الورد)       :: كلمة سواء - رمضان " الموضوع الثاني الإمامة "⎜ 2024-1445⎜ الحلقـــ11ـــة (آخر رد :ابن الورد)       :: درس جامع العروة الوثقى : علاج القرآن للصحة النفسية السليمة - الشيخ فيصل الحسني . (آخر رد :ابن الورد)       :: خطبة جمعة : واقع الناس في شهر رمضان - الشيخ فيصل الحسني . (آخر رد :ابن الورد)       :: كلمة سواء - رمضان " الموضوع الثاني الإمامة "⎜ 2024-1445⎜ الحلقـــ10ـــة (آخر رد :ابن الورد)       :: كلمة سواء - رمضان " الموضوع الثاني الإمامة "⎜ 2024-1445⎜ الحلقـــ09ـــة (آخر رد :ابن الورد)       :: معاناة (آخر رد :هاجر هاجر)       :: ثواب تعجيل الفطر . (آخر رد :ابن الورد)       :: ثواب السحور . (آخر رد :ابن الورد)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 06 Aug 2017, 03:36 PM
طالب علم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث جزاه الله خيرا
طالب علم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل : May 2008
 فترة الأقامة : 5788 يوم
 أخر زيارة : 09 Sep 2023 (01:17 PM)
 المشاركات : 3,093 [ + ]
 التقييم : 11
 معدل التقييم : طالب علم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
خوارق السحرة والكهان مناقضة للنبوة ولا تخرج عن مقدور الجن والإنس ..



خوارق السحرة والكهان مناقضة للنبوة ولا تخرج عن مقدور الجن والإنس ..
فصل فجميع ما يختص بالسحرة والكهان هو مناقض للنبوة فوجود ذلك يدل على أن صاحبه ليس بنبي ويمتنع أن يكون شيء من ذلك دليلا على النبوة فإن ما استلزم عدم الشيء لا يستلزم وجوده وكذلك ما يأتي به أهل الطلاسم وعبادة الكواكب ومخاطبتها كل ذلك مناقض للنبوة فان النبي لا يكون إلا مؤمنا وهؤلاء كفار فوجود ما يناقض الايمان هو مناقض للنبوة بطريق الأولى وهو آية ودليل وبرهان على عدم النبوة فيمتنع أن يكون دليلا على وجودها وجميع ما يختص بالسحرة والكهان وغيرهم ممن ليس بنبي لا يخرج عن مقدور الانس والجن وأعني بالمقدور ما يمكنهم التوصل اليه بطريق من الطرق فان من الناس من يقول ان المقدور لا بد أن يكون في محل القدرة وليس هذا هو لغة العرب ولا غيرهم من الأمم لا لغة القرآن والحديث ولا غيرهما وإنما يدعون ذلك من جهة العقل وقولهم في ذلك باطل من جهة العقل لكن المقصود هنا التكلم باللغة المعروفة لغة العرب وغيرهم التي كان نبينا صلى الله عليه و سلم وغيره يخاطب بها الناس كقوله في الحديث الصحيح لابي مسعود بما ضرب غلامه اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك على هذا فجعل نفس المملوك مقدورا عليه لسيده كما يقول الناس القوة على الضعيف ضعف في القوة ويقولون فلان قادر على فلان وفلان عجز عن فلان ويقولون فلان ناسج هذا الثوب وبنى هذه الدار ومنه قوله تعالى :. ويصنع الفلك فجعل الفلك مصنوعة لنوح ومنه قوله تعالى :. والله خلقكم وما تعملون أي والأصنام التي تعملونها وتنحتونها فجعل ما في الاصنام من التأليف معمولا لهم كما جعل تأليف السفية مصنوعا لهم وهذا كثير والمقصود هنا أن ما يأتي به السحرة والكهان ونحوهم هو مما يصنعه الانس والجن لا يخرج ذلك عنهم والانس والجن قد أرسلت اليهم الرسل فآيات الانبياء خارجة عن قدرة الانس والجن لا يقدر عليها لا الانس ولا الجن ولله الحمد والمنة ومقدورات الجن هي من جنس مقدورات الانس لكن تختلف في المواضع فإن الإنسي يقدر على أن يضرب غيره حتى يمرض أو يموت بل يقدر أن يكلمه بكلام يمرض به أو يموت فما يقدر عليه الساحر من سحر بعض الناس حتى يمرض أو يموت هو من مقدور الجن وهومن جنس مقدور الانس ومنعه من الجماع هو من جنس المرض المانع له من ذلك والحب والبغض لبعض الناس كما يفعله الساحر هو من استعانته بالشياطين وهو من جنس مقدور الانس بل شياطين الانس قد يؤثرون من البغض والحب أعظم مما تؤثره شياطين الجن والجن تقدر على الطيران في الهواء وهو من الأعمال والطيور تطير فهو من جنس مقدور الانس لكن يختلف المحل بأن هؤلاء سيرهم في الهواء والانس سيرهم على الأرض وكذلك المشي على الماء وطي الارض وهو قطع المسافة البعيدة في زمان قريب هو من هذا الجنس هو مما تفعله الجن وهو مما تفعله الجن ببعض الناس وقد أخبر الله عن العفريت أنه قال لسليمان عن عرش بلقيش وهو باليمن وسليمان بالشام أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ولهذا يوجد كثير من الكفار والفساق والجهال تطير بهم الجن في الهواء وتمشي بهم على الماء وتقطع بهم المسافة البعيدة في المدة القريبة وليس شيء من ذلك من آيات الانبياء ولله الحمد والمنة .
.
إذ كان مقدور الانس والجن والاخبار ببعض الامور الغائبة التي يأتي بها الكهان هو أيضا من مقدور الجن فإنهم تارة يرون الغائب فيخبرون به وتارة يسترقون السمع من السماء فيخبرون به وتارة يسترقون وهم يكذبون في ذلك كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عنهم وما تخبر به الانبياء من الغيب لا يقدر عليه إنس ولا جن ولا كذب فيه وأخبار الكهان وغيرهم كذبها أكثر من صدقها وكذلك كل من تعود الاخبار عن الغائب فاخبار الجن لا بد أن تكذب فإنه من طلب منهم الاخبار بالمغيب كان من جنس الكهان وكذبوا في بعض ما يخبرون به وإن كانوا صادقين في البعض وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الكهان فقيل له إن منا قوما يأتون الكهان قال فلا تأتوهم وثبت عنه في الصحيح أنه قال من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما وفي السنن عنه أنه قال من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد والنبي صلى الله عليه و سلم لما أسري به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى لم يكن المقصود مجرد وصوله الى الاقصى بل المقصود ما ذكره الله بقوله لنريه من آياتنا كما قال في سورة النجم ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى وما رآه مختص بالانبياء لا يكون ذلك لمن خالفهم ولا يريه الله تعالى :. ما أراه محمد حين أسري به وكذلك صلاته بالانبياء في المسجد الاقصى وركوبه على البراق هذا كله من خصائص الانبياء .
.
والذين تحملهم الجن وتطير بهم من مكان الى مكان أكثرهم لا يدري كيف حمل بل يحمل الرجل الى عرفات ويرجع وما يدري كيف حملته الشياطين ولا يدعونه يفعل ما أمر الله به كما أمر الله به بل قد يقف بعرفات من غير إحرام ولا إتمام مناسك الحج وقد يذهبون به الى مكة ويطوف بالبيت من غير إحرام اذا حاذى الميقات وذلك واجب في أحد قولي العلماء ومستحب في الآخر فيفوته المشروع أو يوقعونه في الذنب ويغرونه بأن هذا من كرامات الصالحين وليس هو مما يكرم الله به وليه بل هو مما أضلته به الشياطين وأوهمته أن ما فعله قربة وطاعة أو يكون صاحبه له عند الله منزلة عظيمة وليس هو قربة وطاعة وصاحبه لا يزداد بذلك منزلة عند الله فإن التقرب الى الله انما يكون بواجب أو مستحب وهذا ليس بواجب ولا مستحب بل يضلون صاحبه ويصدونه عن تكميل ما يحبه الله منه من عبادته وطاعته وطاعة رسوله ويوهمونه أن هذا من افضل الكرامات حتى يبقى طالبا له عاملا عليه وهم بسبب اعانتهم له على ذلك قد استعملوه في بعض ما يريدون مما ينقص قدره عند الله أو وقوعه في ذنوب وإن لم يعرف انها ذنوب فيكون ضالا ناقصا وإن غفر له ذلك لعدم علمه فإنه نقص درجته وخفض منزلته بذلك الذي أوهموه أنه رفع درجته وأعلى منزلته وهذا من جنس ما تفعله السحرة فإن الساحر قد يصعد في الهواء والناس ينظرونه وقد يركب شيئا من الجمادات إما قصبة واما خابية وإما مكنسة وإما غير ذلك فيصعد به في الهواء وذلك أن الشياطين تحمله وتفعل الشياطين هذا ونحوه بكثير من العباد والضلال من عباد المشركين وأهل الكتاب والضلال من المسلمين فتحملهم من مكان الى مكان وقد يرى أحدهم بما يركبه إما فرس وإما غيره وهو شيطان تصور له في صورة مركوب وقد يرى أنه يمشي في الهواء من غير مركوب والشيطان قد حمله والحكايات في هذا كثيرة معروفة عند من يعرف هذا الباب ونحن نعرف من هذا أمورا يطول وصفها .
.
وكذلك المشي على الماء قد يجعل له الجن ما يمشي عليه وهو يظن أنه يمشي على الماء وقد يخيلون أليه أنه التقى طرفا النهرليعبر والنهر لم يتغير في نفسه ولكن خيلوا اليه ذلك وليس هذا ولله الحمد شيء من جنس معجزات الانبياء وقد يمشي على الماء قوم بتأييد الله لهم وإعانته إياهم بالملائكة كما يحكى عن المسيح وكما جرى للعلاء بن الحضرمي في عبور الجيش ولابي مسلم الخولاني وذلك اعانة على الجهاد في سبيل الله كما يؤيد الله المؤمنين بالملائكة ليس هو من فعل الشياطين والفرق بينهما من جهة السبب ومن جهة الغاية أما السبب فإن الصالحون يسمون الله ويذكرونه ويفعلون ما يحبه الله من توحيده وطاعته فييسر لهم بذلك ما ييسره ومقصودهم به نصر الدين والاحسان الى المحتاجين وما تفعله الشياطين يحصل بسبب الشرك والكذب والفجور والمقصود به الاعانة على مثل ذلك والجن فيهم مسلم وكافر فالمسلمون منهم يعاونون الانس المسلمين كما يعاون المسلمون بعضهم بعضا والكفار مع الكفار والجن الذين يطيعون الانس وتستخدمهم الانس ثلاثة أصناف أعلاها أن يأمروهم بما أمر الله به ورسله فيأمرونهم بعبادة الله وحده وطاعة رسله فإن الله أوجب على الجن طاعة الرسل كما أوجب ذلك على الانس وقال تعالى :. ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون فالرسل تكون من الانس الى الثقلين والنذر من الجن باتفاق العلماء واختلفوا هل يكون في الجن رسل والاكثرون على أنه لا رسل فيهم كما قال تعالى :. وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي اليهم من أهل القرى وعن الحسن البصري قال لم يبعث الله نبيا من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء ذكره عنه طائفة منهم البغوي وابن الجوزي وقال قتادة ما نعلم أن الله أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العمور رواه ابن أبي حاتم وذكره طائفة ونبينا محمد صلى الله عليه و سلم قد أرسل إلى الثقلين وقد آمن به من آمن من جن نصيبين فسمعوا القرآن وولوا الى قومهم منذرين ثم أتوا فبايعوه على الاسلام بشعب معروف بمكة بين الأبطح وبين جبل حراء وسألوه الطعام لهم ولدوابهم فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم قال النبي صلى الله عليه و سلم فلا تستنجوا بهما فانهما زاد إخوانكم من الجن والاحاديث بذلك كثيرة مشهورة في الصحيح والسنن والمسند وكتب التفسير والفقه وغيرها .
.
وقد روى الترمذي وغيره أنه قرأ عليهم سورة الرحمن وهي خطاب للثقلين وقد اتفق العلماء على أن كفارهم يدخلون النار كما أخبر الله بذلك في قوله قال ادخلوا في أمم قبلكم من الجن والانس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها وقال الله تعالى :. لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وقال لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وأما مؤمنوهم فأكثر العلماء على أنهم يدخلون الجنة وقال طائفة بل يصيرون ترابا كالدواب والاول أصح وهو قول الأوزاعي وابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد ونقل ذلك عن مالك والشافي وأحمد بن حنبل وهو قول أصحابهم .واحتج عليه الاوزاعي وغيره بقوله ولكل درجات مما عملوا بعد ذكره أهل الجنة وأهل النار من الجن والانس كما قال في سورة الأنعام وفي الاحقاف ولكل درجات مما عملوا بعد ذكر هل الجنة والنار وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم درجات أهل النار تذهب سفولا ودرجات أهل الجنة تذهب صعودا فنبينا صلى الله عليه و سلم هو مع الجن كما هو مع الانس والانس معه إما مؤمن به وإما مسلم له وإما مسالم له وإما خائف منه وكذلك الجن منهم المؤمن به ومنهم المسلم له مع نفاق ومنهم المعاهد المسالم لمؤمني الجن ومنهم الحربي الخائف من المؤمنين وكان هذا أفضل مما أوتيه سليمان فان الله سخر الجن لسليمان تطيعه طاعة الملوك فإن سليمان كان نبيا ملكا مثل داود ويوسف وأما محمد فهو عبد رسول مثل ابراهيم وموسى وعيسى وهؤلاء أفضل من أولئك فأولياء الله المتبعون لمحمد إنما يستخدمون الجن كما يستخدمون الانس في عبادة الله وطاعته كما كان محمد صلى الله عليه و سلم يستعمل الانس لا في غرض له غير ذلك ومن الناس من يستخدم من يستخدمه من الإنس في أمور مباحة كذلك فيهم من يستخدم الجن في أمور مباحة لكن هؤلاء لا يخدمهم الانس والجن الا بعوض مثل أن يخدموهم كما يخدمونهم أو يعينونهم على بعض مقاصدهم وإلا فليس أحد من الانس والجن يفعل شيئا إلا لغرض والانس والجن اذا خدموا الرجل الصالح في بعض أغراضه المباحة فاما أن يكونوا مخلصين يطلبون الاجر من الله وإلا طلبوه منه إما دعاءه لهم وإما نفعه لهم بجاهه أو غير ذلك والقسم الثالث أن يستخدم الجن في أمور محظورة أو بأسباب محظورة مثل قتل نفس وإمراضها بغير حق ومثل منع شخص من الوطء ومثل تبغيض شخص الى شخص ومثل جلب من يهواه الشخص اليه فهذا من السحر وقد يقع مثله لكثير من الناس ولا يعرف السحر بل يكون موافقا للشياطين على بعض أغراضهم مثل شرك أو بدعة وضلالة أو ظلم أو فاحشة فيخدمونه ليفعل مايهوونه وهذا كثير في عباد المشركين وأهل الكتاب وأهل الضلال من المسلمين وكثير من هؤلاء لا يعرف أن ذلك من الشياطين بل يظنه من كرامات الصالحين ومنهم من يعرف أنه من الشياطين ويرى أنه بذلك حصل له ملك وطاعة ونيل ما يشتهيه من الرياسة والشهوات وقتل عدوه فيدخل في ذلك كما تدخل الملوك الظلمة في أغراضهم وليس أحد من الناس تطيعه الجن طاعة مطلقة كما كانت تطيع سليمان بتسخير من الله وأمر منه من غير معارضة كما أن الطير كانت تطيعه والريح قال تعالى :. ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور .
.
والجن والانس فيهم المؤمن المطيع والمسلم الجاهل أو المنافق أو العاصي وفيهم الكافر وكل ضرب يميل الى بني جنسه والذي أعطاه الله تعالى :. سليمان خارج عن قدرة الجن والانس فإنه لا يستطيع أحد أن يسخر الجن مطلقا لطاعته ولا يستخدم أحدا منهم الا بمعاوضة إما عمل مذموم تحبه الجن وإما قوم تخضع له الشياطين كالاقسام والعزائم فان كل جني فوقه من هو أعلى منه فقد يخدمون بعض الناس طاعة لمن فوقهم كما يخدم بعض الانس لمن أمرهم سلطانهم بخدمته لكتاب معه منه وهم كارهون طاعته وقد يأخذون منه ذلك الكتاب ولا يطيعونه وقد يقتلونه أو يمرضونه فكثير من الناس قتلته الجن كما يصرعونهم والصرع لأجل الزنا وتارة يقولون إنه آذاهم إما بصب نجاسة عليهم وإما بغير ذلك فيصرعون صرع عقوبة وانتقام وتارة يفعلون ذلك عبثا كما يعبث شياطين الانس بالناس والجن أعظم شيطنة وأقل عقلا وأكثر جهلا والجني قد يحب الإنسي كما يحب الأنسي الانسي وكما يحب الرجل المرأة والمرأة الرجل ويغار عليه ويخدمه بأشياء واذا صار مع غيره فقد يعاقبه بالقتل وغيره كل هذا واقع ثم الذي يخدمونه تارة يسرقون له شيئا من أموال الناس مما لم يذكر اسم الله عليه ويأتونه إما بطعام وإما شراب واما لباس واما نقد وإما غير ذلك وتارة يأتونه في المفاوز بماء عذب وطعام وغير ذلك وليس شيء من ذلك من معجزات الانبياء ولا كرامات الصالحين فإن ذلك انما يفعلونه بسبب شرك وظلم وفاحشة وهو لو كان مباحا لم يجز أن يفعل بهذا السبب فكيف اذا كان في نفسه ظلما محرما لكونه من الظلم والفواحش ونحو ذلك وقد يخبرون بأمور غائبة مما رأوه وسمعوه ويدخلون في جوف الانسان قال النبي صلى الله عليه و سلم ان الشيطان يجري من الانسان مجرى الدم لكن إنما سلطانهم كما قال الله إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ولما قال الشيطان رب بما أغويتني لأزينن لهم في الارض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال الله تعالى :. ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ثم قال إلا أي لكن من اتبعك من الغاوين وان جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فأهل الاخلاص والايمان لا سلطان له عليهم ولهذا يهربون من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ويهربون من قراءة آية الكرسي وآخر سورة البقرة وغير ذلك من قوارع القرآن ومن الجن من يخبر بأمور مستقبلة للكهان وغير الكهان مما يسرقونه من السمع والكهانة كانت ظاهرة كثيرة بأرض العرب فلما ظهر التوحيد هربت الشياطين وبطلت أو قلت ثم انها تظهر في المواضع التي يختفي فيها أثر التوحيد وقد كان حول المدينة بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه و سلم كهان يتحاكمون اليهم وكان أبو بردة بن نيار كاهنا ثم أسلم بعد ذلك وهو من أسلم .
.
والاصنام لها شياطين كانت تتراءى للسدنة أحيانا وتكلمهم أحيانا قال أبي بن كعب مع كل صنم جنية وقال ابن عباس في كل صنم شيطان يتراءى للسدنة فيكلمهم والشياطين كما قال الله تقترن بما يجانسها بأهل الكذب والفجور قال تعالى :. هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون فكيف يجوز أن يقال إن مثل هذا يكون معجزة لنبي أو كرامة لولي وهذا يناقض الايمان ويضاده والانبياء والاولياء أعداء هؤلاء قال تعالى :. ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وقال تعالى :. ألم أعهد اليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون وهذا يظهر الفرق بين إخبار الانبياء عن الغيب ما لا سبيل لمخلوق الى علمه إلا منه كما قال تعالى :. عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا فقوله على غيبه هو غيبه الذي اختص به وأما ما يعلمه بعض المخلوقين فهو غيب عمن لم يعلمه وهو شهادة لمن علمه فهذا أيضا تخبر منه الانبياء بما لا يمكن الشياطين أن تخبر به كما في إخبار اللمسيح بقوله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم فإن الجن قد يخبرون بما يأكله بعض الناس وبما يدخرونه لكن الشياطين انما تتسلط على من لا يذكر اسم الله كالذي لا يذكر اسم الله اذا دخل فيدخلون معه وإن لم يذكر اسم الله اذا أكل فانهم يأكلون معه وكذلك اذا ادخر شيئا ولم يذكر اسم الله عليه عرفوا به وقد يسرقون بعضه كما جرى هذا لكثير من الناس وأما من يذكر اسم الله على طعامه وعلى ما يجتازه فلا سلطان لهم عليه لا يعرفون ذلك ولا يستطيعون أخذه والمسيح عليه السلام كان يخبر المؤمنين بما يأكلون وما يدخرون مما ذكر اسم الله عليه والشياطين لا تعلم به ولهذا من يكون إخباره عن شياطين تخبره لا يكاشف أهل الايمان والتوحيد وأهل القلوب المنورة بنور الله بل يهرب منهم ويعترف أنه لا يكاشف هؤلاء وأمثالهم وتعترف الجن والانس الذين خوارقهم بمعاونة الجن لهم أنهم لا يمكنهم أن يظهروا هذه الخوارق بحضرة أهل الايمان والقرآن ويقولون أحوالنا لا تظهر قدام الشرع والكتاب والسنة وإنما تظهر عند الكفار والفجار وهذا لأن أولئك أولياء الشياطين ولهم شياطين يعاونون شياطين المخدومين ويتفقون على ما يفعلونه من الخوارق الشيطانية كدخول النار مع كونها لم تصر عليهم بردا وسلاما فإن الخليل لما ألقى في النار صارت عليه بردا وسلاما وكذلك أبو مسلم الخولاني لما قال له الاسود العنسي المتنبي أتشهد أني رسول الله قال ما أسمع قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم فأمر بنار فأوقدت له وألقي فيها فجاءوا اليه فوجدوه يصلي فيها وقد صارت عليه بردا وسلاما فقدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم وأخذه عمر فأجلسه بينه وبين أبي بكر وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من فعل به كما فعل بابراهيم وأما اخوان الشياطين فاذا دخلت فيهم الشياطين فقد يدخلون النار ولا تحرقهم كما يضرب أحدهم الف سوط ولا يحس بذلك فإن الشياطين تتلقى ذلك وهذا أمر كثير معروف قد رأينا من ذلك ما يطول وصفه .
.
وقد ضربنا نحن من الشياطين في الانس ما شاء الله حتى خرجوا من الانس ولم يعاودوه وفيهم من يخرج بالذكر والقرآن وفيهم من يخرج بالوعظ والتخويف وفيهم من لا يخرج إلا بالعقوبة كالانس فهؤلاء الشياطين اذا كانوا مع جنسهم الذين لا يهابونهم فعلوا هذه الامور وأما اذا كانوا عند أهل ايمان وتوحيد وفي بيوت الله التي يذكر فيها اسمه لم يجترئوا على ذلك بل يخافون الرجل الصالح أعظم مما يخافه فجار الانس ولهذا لا يمكنهم عمل سماع المكاء والتصدية في المساجد المعمورة بذكر الله ولا بين أهل الايمان والشريعة المتبعين للرسول إنما يمكنهم ذلك في الأماكن التي تأتيها الشياطين كالمساجد المهجورة والمشاهد والمقابر والحمامات والمواخير فالمواضع التي نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الصلاة فيها كالمقبرة وأعطان الابل والحمام وغيرها فتكون حال هؤلا فيها أقوى لأنها مواضع الشياطين كالماخور والمزبلة والحمام ونحو ذلك بخلاف الأمكنة التي ظهر فيها الايمان والقرآن والتوحيد التي أثنى الله على أهلها وقال فيهم الله نور السماوات والأرض مثل نوره مشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب فهذه أمكنة النور والصالحين والملائكة لا تتسلط عليها الشياطين بكل ما تريد بل كيدهم فيها ضعيف كما أن كيدهم في شهر رمضان ضعيف اذ كانوا فيه يسلسلون لكن لم يبطل فعلهم بالكلية بل ضعف فشرهم فيه على أهل الصوم قليل بخلاف أهل الشراب وأهل الظلمات فإن الشياطين هنالك محالهم وهم يحبون الظلمة ويكرهون النور ولهذا ينتشرون بالليل كما جاء في الحديث الصحيح ولهذا أمر الله بالتعوذ من شر غاسق اذا وقب وخوارق الجن كالإخبار ببعض الامور الغائبة وكالتصرفات الموافقة لأغراض بعض الانس كثيرة معروفة في جميع الامم فقد كانت في العرب كثيرة وكذلك في الهند وفي الترك والفرس والبربر وسائر الامم فهي أمور معتادة للجن والانس وآيات الانبياء كما تقدم خارجة عن مقدور الانس والجن فإنهم مبعوثون الى الانس والجن فيمتنع أن تكون آياتهم أمورا معروفة فيمن بعثوا اليه اذ يقال هذه موجودة كثيرا للانس فلا يختص بها الانبياء بل هذه الخوارق هي آية وعلامة على فجور صاحبها وكذبه فهي ضد آيات الانبياء التي تستلزم صدق صاحبها وعدله ولهذا يكون كثير من الذين تخدمهم الشياطين من أهل الشياطين وهذا معروف لكثير ممن تخدمه الشياطين بل من طوائف المخدومين من يكونون كلهم من هذا الباب كالبويي الذي للترك وأكثر المولهين من هذا الباب وهم يصعدون بهم في الهواء ويدخلون المدن والحصون بالليل والابواب مغلقة ويدخلون على كثير من رؤساء الناس ويظنون أن هؤلاء صالحون قد طاروا في الهواء ولا يعرف أن الجن طارت بهم وهذه الاخوال الشيطانية تبطل أو تضعف إذا ذكر الله وتوحيده وقرئت قوارع القرآن لا سيما آية الكرسي فإنها تبطل عامة هذه الخوارق الشيطانية وأما آيات الانبياء والأولياء فتقوى بذكر الله وتوحيده .
.
والجن المؤمنون قد يعينون المؤمنين بشيء من الخوارق كما يعين الانس المؤمنون للمؤمنين بما يمكنهم من الإعانة وما لا يكون إلا مع الإقرار بنبوة الانبياء فهو من آياتهم فوجوده يؤيد آياتهم لا يناقضها مع أن آيات الانبياء التي يدعون اعلى من هذا وأعلى من كرامات الاولياء فإن تلك هي الآيات الكبرى والذين ذكر عنهم إنكار كرامات الاولياء من المعتزلة وغيرهم كأبي اسحاق الاسفراييني وأبي محمد بن أبي زيد وكما ذكر ذلك أبو محمد بن حزم لا ينكرون الدعوات المجابة ولا ينكرون الرؤيا الصادقة فإن هذا متفق عليه بين المسلمين وهو أن الله تعالى :. قد يخص بعضهم بما يريه من المبشرات وقد كان سعد بن أبي وقاص معروفا باجابة الدعاء فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال اللهم سدد رميته وأجب دعوته وحكاياته في ذلك مشهورة وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لم يبق بعدي من النبوة الا الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له وثبت عنه في الصحيح أنه قال ان من عباد الله من لو أقسم على الله لابره ذكر ذلك لما أقسم أنس بن النضر أنه لا تكسر ثنية الربيع فاستجاب الله ذلك وايضا فإن منهم البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكانوا اذا اشتد الحرب يقولون يا براء أقسم على ربك فيقسم على ربه فينصرون والقسم قيل هو من جنس الدعاء لكن هو طلب مؤكد بالقسم فالسائل يخضضع ويقول أعطني والمقسم يقول أقسم عليك لتعطيني وهو خاضع سائل لكن من الناس من يدعي له من الكرامات مالا يجوز ان يكون للانبياء كقول بعضهم ان لله عبادا لو شاءوا من الله أن لا يقيم القيامة لما اقامها وقول بعضهم إنه يعطي كن أي شيء أرادة قال له كن فيكون وقول بعضهم لا يعرب عن قدرته ممكن كما لا يعزب عن قدرة ربه محال فانه لما كثر في الغلاة من يقول بالحلول والاتحاد وإلهية بعض البشر كما قاله النصارى في المسيح صاروا يجعلون ما هو من خصائص الربوبية لبعض البشر وهذا كفر وأيضا فإن كثيرا من الناس لا يكون من أهل الصلاح وتكون له خوارق شيطانية كما لعباد المشركين وأهل الكتاب فتتجلى لهم على أنها كرامات فمن الناس من يكذب بها ومنهم من يجعل أهلها من أولياء الله وذلك لأن الطائفتين ظنت أن مثل هذه الخوارق لا يكون إلا لأولياء الله ولم يميزوا بين الخوارق الشيطانية التي هي جنس ما للسحرة والكهان ولعباد المشركين وأهل الكتاب وللمتنبئين الكذابين وبين الكرامات الرحمانية التي يكرم الله بها عباده الصالحين فلما لم يميزوا بين هذا وهذا وكان كثير من الكفار والفجار وأهل الضلال والبدع لهم خوارق شيطانية صار هؤلاء منهم حزبين حزبا قد شاهدوا ذلك وأخبرهم به من يعرفون صدقه فقالوا هؤلاء اولياء الله وحزبا رأوا أن أولئك خارجون عن الشريعة وعن طاعة الله ورسوله فقالوا ليس هؤلاء من الأولياء الذين لهم كرامات فكذبوا بوجود ما رآه أولئك وأولئك قد عاينوا ذلك أو تواتر عندهم فصار تكذيب هؤلاء مثل تكذيب من ينكر السحر والكهانة والجن وصرعهم للانس إذا كذب ذلك عند من رأى ذلك أو ثبت عنده ومن كذب بما تيقن غيره وجوده نقصت حرمته عنه هذا المتيقن وكان عنده إما جاهلا وإما معاندا فربما رد عليه كثيرا من الحق بسبب ذلك ولهذا صار كثير من المنتسبين إلى زهد أو فقر أو تصرف أو وله أو غير ذلك لا يقبلون قولهم ولا يعبأون بخلافهم لأنهم كذبوا بحق قد تيقنه هؤلاء وأنكروا وجوده وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وقد يدخلون انكار ذلك في الشرع كما أدخلت المعتزلة ونحوهم إنكار كرامات الأولياء وإنكار السحر والكهانة في الشرع بناء على أن ذلك يقدح في آيات الانبياء فجمعوا بين التكذيب بهذه الامور الموجودة وبين عدم العلم بآيات الانبياء والفرق بينها وبين غيرها حيث ظنوا أن هذه الخوارق الشيطانية من جنس آيات الانبياء وأنها نظير لها فلو وقعت لم يكن للأنبياء ما يتميزون به والذين ردوا على هؤلاء من الأشعرية ونحوهم يشاركونهم في هذا في التسوية بين الجنسين وأنه لا فرق لكن هؤلاء لما تيقنوا وجودها جعلوا الفرق ما ليس بفرق وهو اقترانها بالدعوى والتحدي بمثلها وعدم المعارضة وهم يقولون إنا نعلم بالضرورة أن الرب إنما خلقها لتصديق النبي وهذا كلام صحيح لكنه يستلزم بطلان ما أصلوه من أنه لا يخلق شيئا لشيء وأيضا فاختصاصها بوجود العلم الضروري عندها دون غيرها لا بد أن يكون لأمر أوجب التخصيص وهم يقولون بل قد تستوي الامور ويوجد العلم الضروري ببعضها دون بعض كما قالوا مثل ذلك في العادات انه يجوز انخراقها كلها بلا سبب على أعظم الوجوه كجعل الجبال بواقيت لكن يعلم بالضرورة أن هذا لا يقع فكذلك قالوا في المعجزات يجوز أن يخلقها على يد كاذب إنما خلقها على يد الصادق بما ادعى من العلم الضروري صحيح وأما قولهم إن المعلوم به يماثل غيره فغلط عظيم بل هم لم يعرفوا الفرق بمنزلة العامي الذي أوردت عليه شبهات السوفسطائية فهو يعلم بالضرورة أنها باطلة ولكن لا يعرف الفرق بينها وبين الحق ولكن العامي يقول فيها فساد لا أعرفه لا يقول دلائل الحق كدلائل الباطل وهؤلاء ادعوا الاستواء في نفس الامر فغلطوا غلطا عظيما ولو قالوا بينهما فرق لكنه لم يتخلص لنا لكان قولهم حقا وكانوا قد ذكروا عدم العلم لا العلم بالعدم كما يقول ذلك كثير من الناس يقول ما أعرف الفرق بينهما وذلك أن العلم الضروري يحصل ببعض الأخبار دون بعض وقد قيل إنا نعلم أنه متواتر بحصول علمنا الضروري به والتحقيق انه اذا حصل له علم ضروري كان قد حصل الخبر الذي يوجبه لهم وقد لا يحصل لغيرهم والعلم يحصل بعدد المخبرين وبصفاتهم وبأمور أخرى تنضم الى الخبر ومن جعل الاعتبار بمجرد العدد فقد غلط والأكثرون يقولون العلم الحاصل به ضروري وقيل انه نظري وهو اختيار الكعبي وأبي الحسين وأبي الخطاب والتحقيق أنه قد يكون ضروريا وقد يكون نظريا وقد يجتمع فيه الأمران يكون ضروريا ثم إذا نظر فيه وجد أنه يوجب العلم وكذلك العلم الحاصل عقب الآيات قد يكون ضروريا وقد يكون نظريا وكل نظري فإن منتهاه أنه ضروري ولهذا قال أبو المعالي المرتضى عندنا أن جميع العلوم ضرورية أي بعد حصول أسبابها ولا بد من فرق في نفس الامر بين ما يوجبه العلم ومالا يوجبه وأصل خطأ الطائفتين أنهم لم يعرفوا آيات الانبياء وما خصهم الله به ولم يقدروا قدر النبوة ولم يقدروا آيات الانبياء قدرها بل جعلوا هذه الخوارق الشيطانية من جنسها فإما ان يكذبوا بوجودها وإما أن يسووا بينهما ويدعوا فرقا لا حقيقة له ولهذا يوجد كثير ممن يكذب بهذه الخوارق الشيطانية أن تكون لبعض الاشخاص لما يراه من نقص دينه وعلمه فاذا عاينها بعد ذلك أو ثبتت عنده خضع لذلك الشخص الذي كان عنده إما كافرا وإما ضالا وإما مبتدعا جاهلا وذلك لأنه أنكر وجودها معتقدا أنها لا توجد إلا للصالحين فلما تيقن وجودها جعلها دليلا على الصلاح وهو غالط في الاصل بل هذه من الشياطين من جنس ما للسحرة والكهان ومن جنس ما للكفار من المشركين وأهل الكتاب فإن لمشركي الهند والترك وغيرهم ولعباد النصارى من هذه الخوارق الشيطانية أمورا كثيرة يطول وصفها أكثر وأعظم من أكثر مما يوجد منها لاهل الضلال والبدع من المسلمين وما يوجد منها للمنافقين فإن الشياطين لا تتمكن من إغواء المسلمين وإن كان فيهم جهل وظلم كما تتمكن من إغواء المشركين وأهل الكتاب ولهذا ثنى في القرآن قصة موسى مع السحرة وذكر ما يقولوه الكفار لانبيائهم فإنه ما جاء نبي صادق قط الا قيل فيه إنه ساحر أو مجنون كما قال تعالى :. كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون وذلك أن الرسول يأتي بما يخالف عاداتهم ويفعل ما يرونه غير نافع ويترك ما يرونه نافعا وهذا فعل المجنون فإن المجنون فاسد العلم والقصد ومن كان مبلغه من العلم إرادة الحياة الدنيا كان عنده من ترك ذلك وطلب مالا يعلمه مجنونا ثم النبي مع هذا يأتي بأمور خارجة عن قدرة الناس من إعلام بالغيوب وأمور خارقة لعاداتهم فيقولون هو ساحر وهذا موجود في المنافقين الملحدين المتظاهرين بالاسلام من الفلاسفة ونحوهم يقولون ان ما أخبرت به الانبياء من الغيوب والجنة والنار هو من جنس قول المجانين وعندهم خوارقهم من جنس خوارق السحرة والممرورين المجانين كما ذكر ابن سينا وغيره لكن الفرق بينهما أن النبي حسن القصد بخلاف الساحر وأنه يعلم ما يقول بخلاف المجنون لكن معجزات الانبياء عندهم قوى نفسانية ليس مع هذا ولا هذا شيء خارج عن قوة النفس والقاضيان أبو بكر وأبو يعلى ومن وافقهما متوقفون في وجود المخدوم الذي تخدمه الجن قالوا لا يقطع بوجوده وكذلك الكاهن ذكروا فيه القولين قول من يقول إنه المتخرص وقول من يقول إنه مخدوم وهم متوقفون فيه لا يقطعون بوجود مخدوم كاهن كما يقطعون بوجود الساحر لأنه في زمانهم وجد الساحر والقرآن أخبرنا بالسحر في سورة البقرة بخلاف الكاهن فإن القرآن ذكر اسمه ولو تدبروا لعلموا ان الكاهن هو المذكور في قوله هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قيل له ان منا قوما يأتون الكهان قال فلا تأتوهم وسئل عن الكهان وما يخبرون به فأخبر أن الجن تسترق السمع وتخبرهم به فالكتاب والسنة أثبتا وجود الكاهن وأحمد قد نص على أنه يقتل كالساحر لكن الكاهن إنما عنده أخبار والساحر عنده تصرف بقتل وإمراض وغير ذلك وهذا تطلبه النفوس أكثر وابن صياد كان كاهنا ولهذا قال له النبي صلى الله عليه و سلم قد خبأت لك خبيئا فقال الدخ فقال اخسأ فلن تعدو قدرك انما أنت من إخوان الكهان ولما قضى في الجنين بغرة قال حمل بن مالك أيودي من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل قتل ذلك يطل فقال إنما أنت من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع فكانوا يسجعون أساجيع وقد رأيت من هؤلاء شيوخا يسجعون أساجيع كأساجيع الكهان ويكون كثير منها صدقا ولهذا جمع الله بين الكاهن والشاعر في قوله وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين وكذلك في الشعراء ذكر الكاهن والشاعر بعد قوله وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين الى قوله هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك اثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون والرسول في آية الحاقة محمد وقال ايضا انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين فلما أخبر به أنه قول رسول هو ملك من الملائكة نفى أن يكون قول شيطان ولما أخبر هناك أنه قول رسول من البشر نفى أن يكون قول شاعر أو كاهن فهذا تنزيه للقرآن نفسه ونزه الرسول أن يكون على الغيب بظنين أي متهم وأن يكون بمجنون فالجنون فساد في العلم والتهمة فساد في القصد كما قالوا ساحر أو مجنون وقال في الطور فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين وقد أخبر عن الانبياء قبله أنه ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون ولم يقولوا كاهن لأن الكاهن عند العرب هو الذي يتكلم بكلام مسجوع وله قرين من الجن وهذا الاسم ليس بذم عند أهل الكتاب بل يسمون أكثر العلماء بهذا الاسم ويسمون هارون وأولاده الذين عندهم التوراة بهذا الاسم والقدر المشترك العلم بالامور الغائبة والحكم بها فعلماء أهل الكتاب يخبرون بالغيب ويحكمون به عن الوحي الذي أوحاه الله وكهان العرب كانت تفعل ذلك عن وحي الشياطين وتمتاز بأنها تسجع الكلام بخلاف اسم الساحر فإنه اسم معروف في جميع الامم وقد يدخل في ذلك عندهم المخدوم الذي تخبره الشياطين ببعض الامور الغائبة ولكون الساحر يأتي بالخوارق شبهوا به النبي وقالوا ساحر فدل ذلك على قدر مشترك لكن الفرقان بينهما أعظم كالفرق بين الملائكة والشياطين وأهل الجنة وأهل النار وخيار الناس وشرارهم وهذا أعظم الفروق بين الحق والباطل والكفار قالوا عن الانبياء انهم مجانين وسحرة فكما يعلم بضرورة العقل وجود أعظم الفرق بينهم وبين المجانين وأنهم أعقل الناس وأبعدهم عن الجنون فكذلك يعلم بضرورة العقل أعظم الفرق بينهم وبين السحرة وأنهم أفضل الناس وأبعدهم عن السحر فالساحر يفسد الادراك حتى يسمع الانسان الشيء ويراه ويتصور خلاف ما هو عليه والانبياء يصححون سمع الانسان وبصره وعقله والذين خالفوهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون فالسحرة يزيدون الناس عمى وصمما وبكما والانبياء يرفعون عماهم وصممهم وبكمهم كما في الصحيح عن عطاء بن يسار أنه سأل عبد الله بن عمرو روى عبد الله بن سلام أنه قيل له أخبرنا ببعض صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة فقال انه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين انت عبدي سميتك المتوكل لست بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالاسواق ولا تجزي بالسيئة السيئة ولكن تجزي بالسيئة الحسنة وتعفو وتغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء فأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا لا اله الا الله وهذا مذكور عند أهل الكتاب في نبوة أشعيا .
.
ولفظ التوراة قد يراد به جميع الكتب التي نزلت قبل الانجيل فيقال التوراة والانجيل ويراد بالتوراة الكتاب الذي جاء به موسى وما بعده من نبوة الانبياء المتبعين لكتاب موسى قد يسمى هذا كله توراة فإن االتوراة تفسر بالشريعة فكل من دان بشريعة التوراة قيل لنبوته انها من التوراة وكثير مما يعزوه كعب الأحبار ونحوه إلى التوراة هو من هذا الباب لا يختص ذلك بالكتاب المنزل على موسى كلفظ الشريعة عند المسلمين يتناول القرآن والاحاديث النبوية وما استخرج من ذلك كما قد بسط هذا في موضع آخر والمقصود هنا أن الانبياء يفتحون الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف والسحرة يفسدون السمع والبصر والعقل حتى يخيل للانسان الأشياء بخلاف ما هي عليه فيتغير حسه وعقله قال في قصة موسى سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وهذا يقتضي أن أعين الناس قد حصل فيها تغير ولهذا قال تعالى :. ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون فقد علموا أن السحر يغير الاحساس كما يوجب المرض والقتل وهذا كله من جنس مقدور الانس فإن الانسان يقدر أن يفعل في غيره ما يفسد إدراكه وما يمرضه ويقتله فهذا مع كونه ظلما وشرا هو من جنس مقدور البشر والجني إذا اراد أن يرى قرينه أمورا غائبة سأل عنها مثلها له فاذا سأل عن المسروق أراه شكل ذلك المال وإذا سأل عن شخص أراه صورته ونحو ذلك وقد يظن الرائي أنه رأى عينه وإنما رأى نظيره وقد يتمثل الجني في صورة الإنسي حتى يظن الظان أنه الإنسي وهذا كثير كما تصور لقريش في صورة سراقة ابن مالك بن جعشم وكان من اشراف بني كنانة قال تعالى :. وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم الآية فلما عاين الملائكة ولى هاربا ولما رجعوا ذكروا ذلك لسراقة فقال والله ما علمت بحربكم حتى بلغني هزيمتكم وهذا واقع كثيرا حتى انه يتصور لمن يعظم شخصا في صورته فاذا استغاث به أتاه فيظن ذلك الشخص انه شيخه الميت وقد يقول له إنه بعض الانبياء أو بعض الصحابة الاموات ويكون هو الشيطان وكثير من الناس أهل العبادة والزهد من يأتيه في اليقظة من يقول إنه رسول الله ويظن ذلك حقا ومن يرى إذا زار بعض قبور الانبياء أو الصالحين أن صاحب القبر قد خرج اليه فيظن أنه صاحب القبر ذلك النبي أو الرجل الصالح وإنما هو شيطان أتى في صورته إن كان يعرفها وإلا أتى في صورة انسان قال إنه ذلك الميت وكذلك يأتي كثيرا من الناس في مواضع ويقول انه الخضر وإنما كان جنيا من الجن ولهذا لم يجترئ الشيطان على أن يقول لأحد من الصحابة إنه الخضر ولا قال أحد من الصحابة إني رأيت الخضر وإنما وقع هذا بعد الصحابة وكلما تأخر الامر كثر حتى إنه يأتي اليهود والنصارى ويقول انه الخضر ولليهود كنيسة معروفة بكنيسة الخضر وكثير من كنائس النصارى يقصدها هذا الخضر والخضر الذي يأتي هذا الشخص غير الخضر الذي يأتي هذا ولهذا يقول من يقول منهم لكل ولي خضر وإنما هو جني معه.
.
.والذين يدعون الكواكب تتنزل عليهم أشخاص يسمونها روحانية الكواكب وهو شيطان نزل عليه لما أشرك ليغويه كما تدخل الشياطين في الاصنام وتتكلم أحيانا لبعض الناس وتتراءى للسدنة أحيانا ولغيرهم أيضا وقد يستغيث المشرك بشيخ له غائب فيحكى الجني صوته لذلك الشيخ حتى يظن أنه سمع صوت ذلك المريد مع بعد المسافة بينهما ثم ان الشيخ يجيبه فيحكي الجني صوت الشيخ للمريد حتى يظن أن شيخه سمع صوته وأجابه وإلا فصوت الانسان يمتنع أن يبلغ مسيرة يوم ويومين وأكثر وقد يحصل للمريد من يؤذيه فيدفعه الجني ويخيل للمريد أن الشيخ هو دفعه وقد يضرب الرجل بحجر فيدفعه عنه الجني ثم يصيب الشيخ بمثل ذلك حتى يقول اني اتقيت عنك الضرب وهذا أثره في وقد يكونون يأكلون طعاما فيصور نظيره للشيخ ويجعل يده فيه ويجعل الشيطان يده في طعام أولئك حتى يتوهم الشيخ وهم ان يد الشيخ امتدت من الشام الى مصر وصارت في ذلك الاناء ،. وعمر بن الخطاب لما نادى يا سارية الجبل قال ان لله جندا يبلغونهم صوتي فعلم أن صوته انما يبلغ بما ييسره الله من تبليغ بعض الملائكة او صالحي الجن فيهتفون بمثل صوته كالذي ينادي ابنه وهو بعيد لا يسمع يا فلا فيسمعه من يريد إبلاغه فينادي يا فلان فيسمع ذلك الصوت وهو المقصود بصوت أبيه وإلا فصوت البشر ليس في قوته أن يبلغ مسافة ايام وقد قلنا أن آيات الانبياء التي اختصوا بها خارجة عن قدرة الجن والانس قال تعالى :. قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن ياتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
.
وأما اذا كانت مما تقدر عليه الملائكة فهذا مما يؤيدها فإن الملائكة لا يطيعون من يكذب على الله ولا يؤيدونه بالخوارق فاذا أيد به كما أيد الله به نبيه والمؤمنين يوم بدر ويوم حنين كان هذا من أعلام صدقه وإنه صادق على الله في دعوى النبوة فإنها لا تؤيد الكذاب لكن الشياطين تؤيد الكذب والملائكة تؤيد الصدق والتأييد بحسب الايمان فمن كان إيمانه أقوى من غيره كان جنده من الملائكة أقوى وان كان ايمانه ضعيفا كانت ملائكته بحسب ذلك كملك الانسان وشيطانه فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن قالوا وبك يا رسول الله قال وبي لكن الله أعانني عليه فأسلم وفي حديث آخر فلا يأمرني إلا بخير وهو في صحيح مسلم من وجهين من حديث ابن مسعود ومن حديث عائشة وقال ابن مسعود ان للقلب لمة من الملك ولمة من الشيطان فلمة الملك إيعاد الخير وتصديق بالحق ولمة الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالحق فاذا كانت حسنات الانسان أقوى أيد بالملائكة تأييدا يقهر به الشيطان وإن كانت سيئاته اقوى كان جند الشيطان معه أقوى وقد يلتقي شيطان المؤمن بشيطان الكافر فشيطان المؤمن مهزول ضعيف وشيطان الكافر سمين قوي فكما أن الانسان بفجوره يؤيد شيطانه على ملكه وبصلاحه يؤيد ملكه على شيطانه فكذلك الشخصان يغلب أحدهما الآخر لأن الآخر لم يؤيد ملكه فلم يؤيده أو ضعف عنه لأنه ليس معه إيمان يعينه كالرجل الصالح اذا كان ابنه فاجرا لم يمكنه الدفع عنه لفجوره وبسط هذه الامور له موضع آخر والمقصود هنا الكلام على الفرق بين آيات الانبياء وغيرهم وأن من قال أن آيات الانبياء والسحر والكهانة والكرامات وغير ذلك من جنس واحد فقد غلط ايضا والطائفتان لم يعرفوا قدر آيات الانبياء بل جعلوها من هذا الجنس فهؤلاء نفوه وهؤلاء أثبتوه وذكروا فرقا لا حقيقة له واذا قال القائل آيات الانبياء لا يقدر عليها إلا الله أو أن الله يخترعها ويبتدئها بقدرته أو أنها من فعل الفاعل المختار ونحو ذلك قيل له هذا كلام مجمل فقد يقال عن كل ما يكون انه لا يقدر عليه إلا الله فإن الله خالق كل شيء وغيره لا يستقل باحداث شيء وعلى هذا فلا فرق بين المعجزات وغيرها وقد يقال لا يقدر عليها إلا الله أي هي خارجة عن مقدورات العباد فإن مقدوراته على قسمين منها ما يفعله بواسطة قدرة العبد كأفعال العباد وما يصنعونه ومنها ما يفعله بدون ذلك كإنزال المطر فإن أراد هذا القائل أنها خارجة عن مقدور الإنس بمعنى أنه لا يقع منهم لا بإعانة الجن ولا بغير ذلك فهذا كلام صحيح وإن أراد أنه خارج عن مقدورهم فقط وإن كان مقدورا للجن فهذا ليس بصحيح فإن الرسل أرسلوا إلى الانس والجن والسحر والكهانة وغير ذلك تقدر الجن على إيصالها إلى الانس وهي مناقضة لآيات الانبياء كما قال تعالى :. هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم وإن أراد أنها خارجة عن مقدور الملائكة والإنس والجن أو أن الله يفعلها بلا سبب فهذا أيضا باطل فمن أين له أن الله يخلقها بلا سبب ومن أين له أنه لا يخلقها بواسطة الملائكة الذين هم رسله في عامة ما يخلقه فمن أين له أن جبريل لم ينفخ في مريم حتى حملت بالمسيح وقد أخبر الله بذلك وهو وأمه مما جعلهما آية للعالمين قال تعالى :. وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما الى ربوة ذات قرر ومعين وخلق المسيح بلا أب من أعظم الآيات وكان بواسطة نفخ جبريل قال تعالى :. فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت انى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا وقال تعالى :. ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وكذلك طمس أبصار قوم لوط كان بواسطة الملائكة والذي عنده علم من الكتاب لما قال عفريت من الجن لسليمان أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك واني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك أتته به الملائكة كذلك ذكره المفسرون عن ابن عباس وغيره أن الملائكة أتته به أسرع مما كان يأتي به العفريت وقد أخبر الله تعالى :. أنه أيد محمدا صلى الله عليه و سلم بالملائكة وبالريح وقال تعالى :. فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا وقال تعالى :. يوم حنين فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وقال تعالى :. يوم الغار فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وقال تعالى :. اذ يوحي ربك الى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب وقد ثبت في الصحيح أن الانسان يصوره ملك في الرحم بإذن الله ويقول الملك أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فاذا كان الخلق المعتاد يكون بتوسط الملائكة فإنه يقرر التوحيد بقوله تعالى :. يا أيها الناس اعبدوا ربكم الآيات ثم النبوة بقوله وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا ثم المعاد وكذلك الانعام يقرر التوحيد ثم النبوة في وسطها ثم يختمها بأصول الشرائع والتوحيد أيضا وهو ملة ابراهيم وهذا مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود أنه قد يبين انفراده بالخلق والنفع والضر والاتيان بالآيات وغير ذلك وإن ذلك لا يقدر عليه غيره قال تعالى :. أفمن يخلق كمن لا يخلق وقال تعالى :. وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى :. عما يصفون بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليك ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدون وهو على كل شيء وكيل لا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ وكذلك نفصل الايات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم ألى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ففي هذه الآيات تقرير التوحيد حتى في إنزال الآيات قال إنما الآيات عند الله وكذلك قوله في العنكبوت وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما انا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والارض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون وقال أيضا وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون هذا بعد قوله فان استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين وهو أرسله بآيات بان بها الحق وقامت بها الحجة وكانوا يطلبون آيات تعنتا فيظن من يظن أنهم يهتدون بها لكن لا يحصل بها المقصود وقد تكون موجبة لعذاب الاستئصال فتكون ضررا بلا نفع وبين سبحانه أنه قادر على انزال الآيات وأنها ليست إلا عنده وغير أفعال العباد قد اتفق الناس على أنه لا يخلقه الا الله وإنما تنازعوا في أفعال العباد والصواب انها أفعال لهم وهي مخلوقة لله لكن آيات الانبياء لا تكون مما يقدر عليه العبد كما قال قل إنما الآيات عند الله والملائكة إنما هي سبب من الأسباب كما في خلق المسيح من غير أب فجبريل إنما كان مقدوره النفخ فيها وهذا لا يوجب الخلق بل هو بمنزلة الانزال في حق غير المسيح وكذلك المسيح لما خلق من الطين كهيئة الطير إنما مقدوره تصوير الطين وإنما حصول الحياة فيه فباذن الله يحيي ويميت وهذا من خصائصه ولهذا قال الخليل ربي الذي يحيي ويميت وفي القرآن في غير مواضع يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وكنتم أمواتا فأحياكم يحيي الارض بعد موتها والله يحيي ويميت .
.
وما يتولد عن أفعال الملائكة وغيرهم ليسوا مستقلين به بل لهم فيه شركة كطمس ابصار اللوطية وقلب مدينتهم وكذلك النصر إنما يقدرون على القتال كالانس والنصر هو من عند الله كما قال تعالى :. وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله والقرآن إنما يقدرون على النزول به لا على إحداثه ابتداء فهم يقدرون على الاتيان بمثله من عند الله وأما الجن والانس فلا يقدرون على الاتيان بمثله لأن الله لا يكلم بمثله الجن والانس ابتداء ولهذا قال لا يأتون بمثله وقال تعالى :. فأتوا بسورة من مثله وقال فأتوا بعشر سور مثله وقال فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين لم يكلفهم نفس الإحداث بل طالبهم بالاتيان بمثله إما إحداثا وإما تبليغا عن الله أو عن مخلوق ليظهر عجزهم من جميع الجهات فقد يقال فنفس أفعال العباد ليست من الآيات إذ كانت مقدورة ومفعولة للعبد وإن كان ذلك بأقدار الله تعالى :. ولا نفس القدرة على ذلك الفعل فإن المقصود من القدرة هو الفعل بل الآيات خارجة عن مقدور جميع العباد الملائكة والجن والانس وهي أيضا لا تنال بالاكتساب فإن الإنس والجن قد يقدرون بأسباب مباينة لهم على أمور كما يقدرون على قتل من يقتلونه وإمراضه ونحو ذلك وآيات الانبياء لا يقدر أحد أن يتوصل اليها بسبب والسحر والكهانة مما يمكن التوصل اليه بسبب كالذي يأتي بأقوال وأفعال تحدثه بها الجن فالنبوة لا تنال بكسب العبيد ولا آياتها تحصل بكسب العباد وهذا من الفروق بين آيات الانبياء وبين السحر والكهانة وبينهما فروق كثرة أكثر من عشرة
.
أحدها أن ما تخبر به الانبياء لا يكون الا صدقا وأما ما يخبرهم به من خالفهم من السحرة والكهان وعباد المشركين وأهل الكتاب وأهل البدع والفجور من المسلمين فإنه لا بد فيه من الكذب .
.
الثاني أن الانبياء لا تأمر الا بالعدل ولا تفعل الا العدل وهؤلاء المخالفون لهم لا بد لهم من الظلم فإن من خالف العدل لا يكون الا ظلما فيدخلون في العدوان على الخلق وفعل الفواحش والشرك والقول على الله بلا علم وهي المحرمات التي حرمها الله مطلقا كما قال تعالى :. قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون الثالث أن ما يأتي به من يخالفهم معتاد لغير الانبياء كما هو معتاد للسحرة والكهان وعباد المشركين وأهل الكتاب وأهل البدع والفجور وآيات الانبياء هي معتادة أنها تدل على خبر الله وأمره على حكمه فتدل على أنهم أنبياء وعلى صدق من أخبر بنبوتهم سواء كانوا هم المخبرين أو غيرهم وكرامات الاولياء هي من هذا فإنهم يخبرون بنبوة الانبياء وكذلك أشراط الساعة هي أيضا تدل على صدق الانبياء اذ كانوا قد أخبروا بها فالذي جعله أولئك من كرامات الاولياء وأشراط الساعة ناقضا لآيات الانبياء اذ هو من جنسها ولا يدل عليها فأولئك كذبوا بالموجود وهؤلاء سووا بين الآيات وغيرها فلم تكن في الحقيقة عندهم آية وكانت الآيات عند أولئك منتقضة وأولئك نصروا جهلهم بالتكذيب بالحق وهؤلاء نصروا جهلهم أيضا بقول الباطل فقالوا ان الآية هي المقرونة بالدعوى التي لا تعارض وزعموا أنه لا يمكن معارضة السحر والكهانة اذا جعل آية وأنه اذا لم يعارض كان آية وهو تكذيب بالحق أيضا فإنه قد ادعاه غير نبي ولم يعارض فالطائفتان أدخلت في الآيات ما ليس منها وأخرجت منها ما هو منها فكرامات الاولياء واشراط الساعة من آيات الانبياء وأخرجوها والسحر والكهانة ليس من آياتهم وأدخلوها أو سووا بينها وبين الآيات بل ونوابها .
.
الرابع أن آيات الانبياء والنبوة لو قدر أنها تنال بالاكتساب فهي انما تنال بعبادة الله وطاعته فإنه لا يقول عاقل ان أحدا يصير نبيا بالكذب والظلم بل بالصدق والعدل سواء قال ان النبوة جزاء على العمل أو قال انه اذا زكى نفسه فاض عليه ما يفيض على الانبياء فعلى القولين هي مستلزمة لالتزام الصدق والعدل وحينئذ فيمتنع أن صاحبها يكذب على الله فإن ذلك يفسدها بخلاف من خالف الانبياء من السحرة والكهان وعباد المشركين وأهل البدع والفجور من أهل الملل واهل الكتاب والمسلمين فإن هؤلاء تحصل لهم الخوارق مع الكذب والإثم بل خوارقهم مع ذلك أشد لأنهم يخالفون الانبياء وما ناقض الصدق والعدل لم يكن إلا كذبا وظلما فكل من خالف طريق الانبياء لا بد له من الكذب والظلم اما عمدا واما جهلا وقوله تعالى :. تنزل على كل أفاك أثيم ليس من شرطه أن يتعمد الكذب بل من كان جاهلا يتكلم بلا علم فيكذب فان الشياطين تنزل عليه أيضا اذ من أخبر عن الشيء بخلاف ما هو عليه من غير اجتهاد يعذر به فهو كذاب ولهذا يصف الله المشركين بالكذب وكثير منهم لا يتعمد ذلك وكذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم لما أفتى ابو السنابل بأن المتوفي عنها الحامل لا تحل بوضع الحمل بل تعتد أبعد الاجلين فقال كذب أبو السنابل أي في قوله بأن المتوفي عنها الحامل لا تحل بوضع الحمل بل تعتد أبعد الاجلين وكذلك لما قال بعضهم ابن الاكوع حبط عمله قال النبي صلى الله عليه و سلم كذب من قالها انه لجاهد مجاهد ونظائره كثيرة فالانبياء لا يقع في إخبارهم عن الله كذب لا عمدا ولا خطأ وكل من خالفهم لا بد أن يقع في خبره عن الله كذب ضرورة فإن خبره اذا لم يكن مطابقا لخبرهم كان مخالفا له فيكون كذبا فالذي تنزل عليه الشياطين اذا ظن واعتقد انهم جاءوا من عند الله وأخبر بذلك كان كاذبا وكذلك اذا قال عما أوحوه اليه إن الله أوحاه اليه كان كاذبا قال تعالى :. ان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم ولما شاع خبر المختار بن أبي عبيد وهو أول من ظهر في الاسلام بالكذب في هذا وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان الكذاب هو المختار بن أبي عبيد وكان يتشيع لعلي ولهذا يوجد الكذب في الشيعة اكثر مما يوجد في جميع الطوائف والمبير هو الحجاج بن يوسف وكان ظالما معتديا وكان يتشيع لعثمان والمختار يتشيع لعلي فذكر لابن عمر وابن عباس امر المختار وقيل لأحدهما إنه يزعم أنه يوحى اليه فقال صدق ان الشياطين ليوحون الى أوليائهم وقيل للآخر إنه يزعم أنه ينزل عليه فقال صدق هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم .
.
الخامس أن ما يأتي به السحرة والكهان والمشركون وأهل البدع من أهل الملل لا يخرج عن كونه مقدورا للانس والجن وآيات الانبياء لا يقدر على مثلها لا الانس ولا الجن كما قال تعالى :. قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
.
السادس أن ما يأتي به السحرة والكهان وكل مخالف للرسل تمكن معارضته بمثله وأقوى منه كما هو الواقع لمن عرف هذا الباب وآيات الانبياء لا يمكن أحدا أن يعارضها لا بمثلها ولا بأقوى منها وكذلك كرامات الصالحين لا تعارض لا بمثلها ولا بأقوى منها بل قد يكون بعض آيات أكبر من بعض وكذلك آيات الصالحين لكنها متصادقة متعاونة على مطلوب واحد وهو عبادة الله وتصديق رسله فهي آيات ودلائل وبراهين متعاضدة على مطلوب واحد والادلة بعضها أدل وأقوى من بعض ولهذا كان المشايخ الذين يتحاسدون ويتعادون ويقهر بعضهم بعضا بخوارقه إما بقتل وإمراض وإما بسلب حاله وعزله عن مرتبته وإما غير ذلك خوارقهم شيطانية ليست من آيات الانبياء والاولياء وكثير من هؤلاء يكون في الباطن كافرا منافقا وكثير منهم يموت على غير الاسلام وكثير منهم يكون مسلما مع ظلم يعرف انه ظلم ومنهم من يكون جاهلا يحسب أن ما هو عليه مما أمر الله به ورسوله هذا كما يقع للملوك المتنازعين على الملك من قهر بعضهم لبعض فهذا خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وسنة خلفائه الراشدين .
.
السابع أن آيات الانبياء هي الخارقة للعادات عادات الانس والجن بخلاف خوارق مخالفيهم فإن كل ضرب منها معتاد لطائفة غير الانبياء وآيات الانبياء ليست معتادة لغير الذين يصدقون على الله ويصدقون من صدق على الله وهم الذين جاءوا بالصدق وصدقوا وتلك معتادة لمن يفتري الكذب على الله أو يكذب بالحق لما جاءه فتلك آيات على كذب أصحابها وآيات الانبياء آيات على صدق أصحابها فإن الله سبحانه لا يخلى الصادق مما يدل على صدقه ولا يخلي الكاذب مما يدل على كذبه إذ من نعته ما أخبر به في قوله أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ثم قال خبرا مبتديا ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته فهو سبحانه لا بد أن يمحق الباطل ويحق الحق بكلماته وقال تعالى :. وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون كما أخبر في موضع أنه لم يخلق الخلق عبثا ولا سدى وإنما خلقهم بالحق وللحق فلا بد أن يجزي هؤلاء وهؤلاء باظهار صدق هؤلاء وإظهار كذب هؤلاء كما قال تعالى :. : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق .
.
الثامن ان هذه لا يقدر عليها مخلوق فلا تكون مقدورة للملائكة ولا للجن ولا للانس وإن كانت الملائكة قد يكون لهم فيها سبب بخلاف تلك فإنها إما مقدورة للانس أو للجن أو مما يمكنهم التوصل اليها بسبب وأما كرامات الصالحين فهي من آيات الانبياء كما تقدم ولكن ليست من آياتهم الكبرى ولا يتوقف اثبات النبوة عليها وليست خارقة لعادة الصالحين بل هي معتادة في الصالحين من أهل الملل في أهل الكتاب والمسلمين وآيات الانبياء التي يختصون بها خارقة لعادة الصالحين.
.
التاسع أن خوارق غير الانبياء والصالحين من السحرة والكهان أهل الشرك والبدع تنال بأفعالهم كعباداتهم ودعائهم وشركهم وفجورهم ونحو ذلك وأما آيات الانبياء فلا تحصل بشيء من ذلك بل الله يفعلها آية وعلامة لهم وقد يكرمهم بمثل كرامات الصالحين وأعظم من ذلك مما يقصد به إكرامهم لكن هذا النوع يقصد به الاكرام والدلالة بخلاف الآيات المجردة كانشقاق القمر وقلب العصا حية وإخراج يده بيضاء والإتيان بالقرآن والإخبار بالغيب الذي يختص الله به فأمر الآيات الى الله لا إلى اختيار المخلوق والله يأتي بها بحسب علمه وحكمته وعدله ومشيئته ورحمته كما ينزل ما ينزله من آيات القرآن وكما يخلق من يشاء من المخلوقات بخلاف ما حصل باختيار العبد إما لكونه يفعل ما يوجبه أو يدعو الله به فيجيبه فالخوارق التي ليست آيات تارة تكون بدعاء العبد والله تعالى :. يجيب دعوة المضطر وان كان كافرا لكن للمؤمنين من إجابة الدعاء ما ليس لغيرهم وتارة تكون بسعيه في أسبابها مثل توجهه بنفسه وأعوانه وبمن يطيعه من الجن والانس في حصولها وأما آيات الانبياء فلا تحصل بشيء من ذلك .
.
العاشر أن النبي قد خلت من قبله أنبياء يعتبر بهم فلا يأمر إلا بما أمرت به الانبياء من عبادة الله وحده والعمل بطاعته والتصديق باليوم الآخر والايمان بجميع الكتب والرسل فلا يمكن خروجه عما اتفقت عليه الانبياء وأما السحرة والكهان والمشركون وأهل البدع من أهل الملل فإنهم يخرجون عما اتفقت عليه الانبياء فكلهم يشركون مع تنوعهم ويكذبون ببعض ما جاء به الانبياء والانبياء كلهم منزهون عن الشرك وعن التكذيب بشيء من الحق الذي بعث الله به نبيا قال تعالى :. واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون وقال تعالى :. وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي اليه أن لا إله إلا انا فاعبدون وقال تعالى :. ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة وقال تعالى :. آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقال تعالى :. قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل الى ابراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تلوا فإنما هم في شقاق وقال تعالى :. ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وقال تعالى :. ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وقال تعالى :. وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم واخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين وقال شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب وقال تعالى :. يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا اني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ثم قال فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون وقال تعالى :. لما ذكر الانبياء ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل الينا راجعون فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون قال تعالى :. وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون فالانبياء يصدق متأخرهم متقدمهم ويبشر متقدمهم بمتأخرهم كما بشر المسيح ومن قبله بمحمد وكما صدق محمد جميع النبيين قبله ولهذا يقول يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزل مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وقال نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد وقال وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه والانبياء وأتباعهم كلهم مؤمنون مسلمون يعبدون الله وحده بما أمر ويصدقون بجميع ما جاءت به الانبياء ومن خالفهم لا يكون الا مشركا ومكذبا ببعض ما أنزل الله وبين الطائفتين فروق كثيرة غير خوارق العادات.
.
الحادي عشر أن النبي هو وسائر المؤمنين لا يخبرون إلا بحق ولا يأمرون الا بعدل فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويأمرون بمصالح العباد في المعاش والمعاد لا يأمرون بالفواحش ولا الظلم ولا الشرك ولا القول بغير علم فهم بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها فلا يأمرون إلا بما يوافق المعروف في العقول الذي تتلقاه القلوب السليمة بالقبول فكما أنهم هم لا يختلفون فلا يناقض بعضهم بعضا بل دينهم وملتهم واحد وإن تنوعت الشرائع فهم أيضا موافقون لموجب الفطرة التي فطر الله عليها عباده موافقون للادلة العقلية لا يناقضونها قط بل الادلة العقلية الصحيحة كلها توافق الانبياء لا تخالفهم وآيات الله السمعية والعقلية العيانية والسماعية كلها متوافقة متصادقة متعاضدة لا يناقض بعضا بعضا كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع والذين يخالفون الانبياء من أهل الكفر وأهل البدع كالسحرة والكهان وسائر أنواع الكفار وكالمبتدعين من أهل الملل أهل العلم وأهل العبادة فهؤلاء مخالفون للادلة السمعية والعقلية للسماعية والعيانية مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول كما أخبر الله عنهم بقوله كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير الآية فهؤلاء يخالفون أقوال الانبياء إما بالتكذيب وإما بالتحريف من التأويل وإما بالاعراض عنها وكتمانها فأما أن لا يذكروها أو يذكروا ألفاظها ويقولون ليس لها معنى يعرفه مخلوق كما أخبر الله عن أهل الكتاب أن منهم من يكذب في اللفظ ومنهم من يحرف الكلم في المعنى ومنهم جهال لا يفقهون ما يقرأون قال تعالى :. أفتطمعون أن يؤمنوا لكم الى قوله فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون وكذلك هم مخالفون للادلة العقلية فالانبياء كملوا الفطرة وبصروا الخلق كما تقدم في صفة محمد صلى الله عليه و سلم ان الله يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ومخالفوهم يفسدون الحس والعقل كما أفسدوا الأدلة السمعية والحس والعقل بهما تعرف الأدلة والطرق ثلاثة الحس والعقل والخبر فمخالفوا الانبياء أفسدوا هذا وهذا وهذا أما إفسادهم لما جاء عن الانبياء فظاهر وأما إفسادهم للحس والعقل فإنهم قسمان قسم أصحاب خوارق حسية كالسحرة والكهان وضلال العباد وقسم أصحاب كلام واستدلال بالقياس والمعقول وكل منهما يفسد الحس والعقل .
.
أما أصحاب الحال الشيطاني فقد عرف أن السحر يغير الحس والعقل حتى يخيل الى الانسان الشيء بخلاف ما هو وكذلك سائر الخوارق الشيطانية لا تأتي إلا مع نوع فساد في الحس أو العقل كالمولهين الذين لا تأتيهم إلا مع زوال عقولهم وآخرين لا تأتيهم إلا في الظلام وآخرين تتمثل لهم الجن في صورة الانس فيظنون أنهم إنس أو يرونهم مثال الشيء فيظنون أن الذي رأوه هو الشيء نفسه أو يسمعونهم صوتا يشبه صوت من يعرفونه فيظنون أنه صوت ذلك المعروف عندهم وهذا كثير موجود في أهل العبادات البدعية التي فيها نوع من الشرك ومخالفة للشريعة وأما أصحاب الكلام والمقال البهتاني فإنهم بنوا أصولهم العقلية واصول دينهم الذي ابتدعوه على مخالفة الحس والعقل فأهل الكلام أصل كلامهم في الجواهر والأعراض مبني على مخالفة الحس والعقل فانهم يقولون إنا لا نشهد بل ولا نعلم في زماننا حدوث شيء من الأعيان القائمة بنفسها بل كل ما نشهد حدوثه بل كل ما حدث من قبل أن يخلق آدم إنما تحدث أعراض في الجواهر التي هي باقية لا تستحيل قط بل تجتمع وتتفرق والخلق عندهم الموجود في زماننا انما هو جمع وتفريق لا ابتداع عين وجوهر قائم بنفسه ولا خلق لشيء قائم بنفسه لا انسان ولا غيره وإنما يخلق أعراضا ويقولون ان كا ما تشاهده من الأعيان فإنها مركبة من جواهر كل جوهر منها لا يتميز يمينه عن شماله وهذا مخالفة للحس والعقل كالاول ويقول كثير منهم إن الاعراض لا تبقى زمانين ويقولون انه لا يفنى ويعدم في زماننا شيء من الأعيان بل كما لا يحدث شيء من الأعيان لا يفنى شيء من الأعيان فهذا أصل علمهم ودينهم ومعقولهم الذي بنوا عليه حدوث العالم واثبات الصانع وهو مخالف للحس والعقل ويقول الذين يثبتون الجوهر الفرد ان الفلك والرحى وغيرهما يتفكك كلما استدار ويقول كثير منهم إن كل شيء فإنه يمكن رؤيته وسمعه ولمسه الى غير ذلك من الامور التي جعلوها أصول علمهم ودينهم وهي مكابرة الحس والعقل والمتفلسفة أضل من هؤلاء فانهم يجعلون ما في الذهن ثابتا في الخارج فيدعون أن ما يتصوره العقل من المعاني الغائبة الكلية موجودة في الجواهر قائمة بأنفسها إما مجردة عن الاعيان وإما مقترنة بها وكذلك العدد والمقدار والخلاء والدهر والمادة يدعون وجود ذلك في الخارج وكذلك ما يثبتونه من العقول.
.
.والعلة الاولى الذي يسميه متأخروهم واجب الوجود وعامة ما يثبتونه من العقليات إنما يوجد في الذهن فالذي لا ريب في وجوده نفس الانسان وما يقوم بها ثم ظنوا ما يقوم بها من العقليات موجودا في الخارج فكان افسادهم للعقل أعظم كما أن افساد المتكلمين للحس أعظم مع أن هؤلاء المتفلسفة عمدتهم هي العلوم العقلية والعقليات عندهم أصح من الحسيات وأولئك المتكلمون أصول علمهم هي الحسيات ثم يستدلون بها على العقليات وبسط هذه الامور له موضع آخر والمقصود هنا التنبيه على أن من خالف الانبياء فإنه كما أنه مكذب لما جاءوا به من النبوة والسمع فهو مخالف للحس والعقل فقد فسد عليه الأدلة العقلية والنقلية والله سبحانه وتعالى أعلم .
.
لا تنسونا من صالح دعائكم
http://roqia.khayma.com/book/alnobwat.htm




 توقيع : طالب علم


رد مع اقتباس
قديم 07 Aug 2017, 07:32 PM   #2
نور الشمس
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **


الصورة الرمزية نور الشمس
نور الشمس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 13417
 تاريخ التسجيل :  Dec 2012
 أخر زيارة : 21 Aug 2023 (03:12 PM)
 المشاركات : 11,240 [ + ]
 التقييم :  35
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Olivedrab
رد: خوارق السحرة والكهان مناقضة للنبوة ولا تخرج عن مقدور الجن والإنس ..



جزاك الله خير ..


 
 توقيع : نور الشمس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

‏🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون

‏ وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،،

‏فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨

‏فهذا هو الخير ،،،

‏ 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87

🦋🍃


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السحر،الكهانة،السحرة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 10:41 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي