الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء

الحمـــى من فيح جهنـــــم
قال البخاري :: حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب قال حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء ) قال نافع : وكان عبدالله يقول: (إكشف عنا الرجز) صحيح مسلم باب لكل داء دواء )
الحديث الثاني : حدثنا عبدالله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن فا طمة بنت المنذر أن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها اخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نبردها بالماء ..
الحديث الثالث : حدثنا محمد بن بن المثني حدثنا يحيي حدثنا هشام أخبرني ابي عن عائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ( الحمي من فيح جهنم فابردوها بالماء )
الحديث الرابع: حدثنا مسدد حدثنا ابو الاحوص حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية ابن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال : سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول ( الحمي من فوح جهنم فابردوها بالماء .)
الشــــــــــــــــرح والايضــــــــــاح
قوله ( الحمي من فيح جهنم ) بفتح الفاء وسكون التحتانية بعدها مهملة .. وأختلف في نسبتها الي جهنم فقيل حقيقة واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقدر الله ظهورها باسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك ، كما ان انواع الفرح واللذة من نعيم الجنة اظهره في هذه الدار عبرة ودلالة .
وقد جاء في حديث اخرجه البزار من حديث عائشة بسند حسن وفي الباب عن ابي امامة عند احمد وعن ابي ريحانة عن الطبراني وعن ابن مسعود في مسند الشهاب ( الحمى حظ المؤمن من النار ) وهذا كما جاء في حديث الامر بالابراد (إن شدة الحر من فيح جهنم وأن الله أذن لها بنفسين ) وقيل بل الخبر ورد مورد التشبيه والمعني ان حر الحمي شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس تنبيها للنفوس علي شدة حر النار وان هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها كما قيل بذلك في حديت الابراد والاول أولى... والله اعلــــــم
ويؤيده قول ابن عمر في هذا الحديث ..قوله صلى الله عليه وسلم ( فاطفئوها ) بهمزة قطع ثم طاء مهملة وفاء مكسورة ثم همزة أمر بالاطفاء وقد جاء عند البخاري في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في صفة النار من بدء الخلق بلفظ (فابردوها ) والمشهور في ضبطها بهمزة وصل والراء مضمومة وحكي كسرها يقال بردت الحمى أبردها بردا بوزن قتلتها اقتلها قتلا أي أسكنت حرارتها قال الشاعر :
اذا وجدت لهيب الحب في كبدي اقلبت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره فمن لنار على الاحشاء تتقد
وحكي عياض رواية بهمزة قطع مفتوحه وكسر الراء من ابرد الشئ اذا عالجه فصيره باردا مثل اسخنه اذا صيره سخنا ، وقد اشار اليها الخطابي وقال الجوهري انها لغة رديئة .
قوله ( بالماء ) في حديث ابي هريرة عند ابن ماجه ( بالماء البارد) ومثله في حديث مسرة عند احمد ووقع في حديث ابن عباس ( بماء زمزم ) كما جاء عند البخاري من رواية ابي جمرة بالجيم قال : ( كنت اجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى) وفي رواية احمد (كنت ادفع الناس عن ابن عباس فاحتبست اياما فقال : ما حبسك ؟ قلت الحمي قال ابردوها بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الحمى من فيح جهنم فقابردوها بالماء أو بماء زمزم ) شك همام كذا في رواية البخاري في طريق ابي عامر العقدي عن همام . وقد تعلق به من قال بان ذكر ماء زمزم ليس قيد لشك راويه فيه وممن ذهب الى ذلك ابن القيم وتعقب بانه وقع في رواية احمد عن عفان عن همام ( فابردوها بماء زمزم) و لم يشك وكذا . وترجم له ابن حبان بعد ايراده حديث ابن عمر فقال : ذكر الخبر المفسر للماء المجمل في الحديث الذي قبله وهوان شدة الحمى تبرد بماء زمزم دون غيره من المياه وساق حديث ابن عباس وقد تعقب علي تقدير ان لا شك في ذكر ما زمزم فيه - بان الخطاب لاهل مكة خاصة لتيسيرماء زمزم عندهم كما خص الخطاب باصل الامرباهل البلاد الحاره وخفي ذلك علي بعض الناس ..
قال الخطابي ومن تبعه : اعترض بعض سخفاء الاطباء على هذا الحديث بان قال : اغتسال المحموم بالماء خطريقربه من الهلاك لانه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون ذلك سببا للتلف .. وقال الخطابي غلط بعض من ينسب الي العلم فانغمس في الماء لما اصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في بطن بدنه فاصابته علة صعبة كادت تهلكه فلما خرج من علته قال قولا سيئا لا يحسن ذكره ,, وإنما اوقعه في ذلك جهله بمعنى الحديث ، والجواب أن هذا الاشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر ، فيقال له اولا: من أين حملت الامر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية فضلا عن اختصاصها بالغسل ، وانما في في الحديث الارشاد الى تبريد الحمى بالماء فإن أظهر الوجد أو اقتضت صناعة الطب أن انغماس كل محموم في الماء او صبه إياه على جميع بدنه يضره فليس هوالمراد وإنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم استعمال الماء علي وجه ينفع ، فيبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به وهو ما وقع في أمره العائن بالاغتسال ,واطلق . وقد ظهر من الحديث الاخر انه لم يرد مطلق الاغتسال ، وانما اراد الاغتسال على كيفية مخصوصة واولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما فإنها كات ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها والصحابي ولا سيما في مثل أسماء التي هى ممن كان يلازم بيت النبى صلى الله عليه وسلم أعلم بالمراد من غيرها , ولعل هذا هو السر في ايراد البخاري لحديثها عقب حديث أبن عمر المذكور وهذا من بديع ترتيبه
وقال المازري : و لاشك أن علم الطب من اكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشئ دواءه في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له من غضب يحمي مزاجه مثلا فيتغير علاجه ، ومثل ذلك كثير فاذا فرض وجود الشقاء لشخص بشئ في حالة ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له او بغيره في سائر الاحوال ، والاطباء مجمعون علي ان المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء المتقدم والتأثير المألوف وقوة الطباع . ثم ذكر نحو ماتقدم . قالوا وعلى تقدير أن يريده التصريح بالاغتسال في جميع الجسد فيجاب بانه يحتمل ان يكون أراد أن يقع بعد إقلاع الحمى، وهوبعيد ، ويحتمل أن يكون في وقت مصوص بعدد مخصوص فيكون من الخواص التى اطلع النبي صلى الله وسلم عليها بالوحي ، و يضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب ..
وقد أخرج الترمذي من حديث ثوبان مرفوع (إذا أصاب احدكم الحمى . وهي قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل : بسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ولينغمس فيه ثلاث عمسات ثلاثة ايام ، فإن لم يبرأ فخمس والا فسبع , وإلا فتسع فانها لا تكاد تجاوزتسعما باذن لله ) قال الترمذي غريب وفي سنده سعيد ابنزرعة مختلف فبه قال ويحتمل ان يكون لبعض الحميات دون بعض في بعض الاماكن فدون لبعض الاشخاص دون بعض . وهذا اوجه . فان خطابة صلى الله عليه وسلم قد يكون عاما وهوالاكثر، وقد يكون خاصا ما قال ( لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقو اوغربوا )

يتبـــــــــــــــــــــع ....