حرمة الحسد ....شرح الشيخ عبد المحسن بن عبد الله الزامل

حرمة الحسد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

باب الرهب من مساوئ الأخلاق.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: إياكم والحسد ، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أخرجه أبو داود، ولابن ماجه من حديث أنس نحوه .


--------------------------------------------------------------------------------

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا الباب في الترهيب من مساوئ الأخلاق، والمعنى كما سيأتي الترغيب في محاسن الأخلاق، ولا شك أن مساوئ الأخلاق تفسد الأعمال، تفسد المعروف، ربما كانت سببا في إبطال العمل.

وشر الأخلاق ما يتعلق بعبادة الشخص المكلف من الرجال والنساء التي يتخلق بها مما نهي عنه، مما يبطل العمل أو ينقص ثوابه، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل الله في صلاته في استفتاحها أن يهديه إلى محاسن الأخلاق، كما في حديث علي -رضي الله عنه- الطويل في الاستفتاح: اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت .

حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- من طريق إبراهيم بن أبي أسيد عن جده عن أبي هريرة وجده مجهول، والطريق الثاني عن أنس عند ابن ماجه أيضا أضعف منه من طريق رجل يقال له: عيسى بن أبي عيسى الحناط أو الخباط، وهو متروك، لكن ما دل عليه الخبر من ضرر الحسد ، معلوم من الأدلة بالكتاب والسنة. وما دل عليه من كونه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، هذا فيه تفصيل يأتي الإشارة إليه.

وذلك أن الحسد كراهة النعمة أو الكراهة والبغض مطلقا، كما قال سبحانه وتعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وقوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ .

فالحسد هو كراهة النعمة على الغير مطلقا، فإن كان كرهها وأراد زوالها عن الغير، سواء حصلت له أم لم تحصل له، فهذا هو المحرم الذي لا يجوز، وإن كان كرهها من جهة أن غيره كان أفضل منه في هذه النعمة وهو لا يريد زوالها إنما يريد أن يحصل له مثل هذه النعمة، ويكره أن تزول، لكن يكره فضل غيره عليه، فهذا هو الغبطة هو الغبطة.

والغبطة معناها حسن الحال، أن ترى إنسانا حسن الحال فتريد أن يكون لك مثل حاله، ولا تريد أن تزول هذه النعمة، هذه هي الغبطة، والغبطة لا بأس بها، فإن كانت في أمرٍ محمود شرعا فهو حسن، مثل أن تغبط غيرك على قراءة القرآن وعلى العلم، وعلى الدعوة والجهاد في سبيل الله، وأعمال الخير والبر، هذا حسن، وإن كانت الغبطة في أمر مباح، أن يغبط غيره في أمر من أمور الدنيا، أو جاهٍ أو منصب، فهذا مباح، ما دام المغبوط حاله في حالٍ مباحة.

وإن كانت الغبطة في أمرٍ محرم فإنها لا تجوز، حرام، مثل أن يتمنى حال إنسان عنده مال أو جاه، وهو يستعمله فيما حرم الله، فكما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: فهو بنيته، فهما في الوزر سواء في حديث ابن كبشة الأنماري.

ولهذا كان الصحيح أن الحسد اسمٌ عام يدخل فيه الغبطة، وكما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار حديث ابن عمر أيضا في الصحيحين: لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل، أو قال: فسلطه الله على هلكته في الحق .

وفي حديث أبي هريرة أيضا في البخاري هذا المعنى، فسماه حسدا وهذا هو الغبطة بمعنى أن يتمنى حال الغير الحسنة المشروعة، وأعلى من الغبطة أن لا تلتفت نفسه إلى شيء من هذا، بل يجتهد في الأعمال الصالحة، وتكون همته رضاه -سبحانه وتعالى- وهمته العمل دون الالتفات إلى أحوال الناس؛ لأنه مصروف النية والقلب إلى أعمال الخير فهو مشغول بها عن أن يتمنى مثل هذه الأحوال؛ لأنه يسعى لا يتمنى، لأنه يسعى لا يتمنى، فهو يسعى في أعمال الخير، ولأن التمني حال ضعيفة، أو حال هي أقل من حال من كان يجد ويجتهد.

ولهذا كانت هذه حال أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حيث إنه لم يلتفت بقلبه إلى أحد وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى قيل إنها في أبي بكر -رضي الله عنه- ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ما من أحد إلا قد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له يدا عند الله، الله يكافئه بها .

ولهذا روى الترمذي وغيره من حديث ابن عمر في قصة عمر -رضي الله عنه- قال: لما حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على النفقة، قال: اليوم أسبق إن سبقت أبا بكر، اليوم أسبق؛ لأن أبا بكر كان يسبقه إذا سابق، ولا يسبقه أحد -رضي الله عنه-، فقال: اليوم أسبق أبا بكر، يقول: فكان -رضي الله عنه- يجتهد في المسابقة وأبو بكر هو السابق -رضي الله عنه- فقال عمر: اليوم أسبق إن سبقت، فجاء بمالٍ، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- أو أتى بنصف ماله، ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم مثله، ثم جاء أبو بكرٍ بماله كله يحمله بين يديه، قال: ماذا أبقيت لهم يا أبا بكر؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قال عمر -رضي الله عنه-: لا أسابقك إلى شيء أبدا، رضي الله عنه.

فأبو بكر لم يقع في قلبه منافسة لأحد؛ لأنه مشغول بالعمل والجد فلم ينظر ولم ينفس أحد على هذه الأعمال -رضي الله عنه- فالمقصود أن هذه هي الحال الأعلى والكاملة، والأتم.

ولا شك أن الحسد فيه مفاسد كثيرة وهو محرم إذا عمل الحاسد، لكن نعلم كما قال جمع من أهل العلم: ما خلا جسد من حسد . والمؤمن يجتهد في إزالة الحسد ، وفي قطع أسبابه، وفي عدم العمل به، ولهذا يقول الله -عز وجل- وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ .

أما إذا لم يحسد، وصرف نفسه وفطمها فإنه لا عتب عليه في ذلك، أما إذا سعى فإنه يضر نفسه، ويأكل نفسه، والنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، وهو يأكل نفسه، والحسد يأكل حسناته، فهو مأكول في نفسه، مأكول في حسناته، مغبون في الدنيا، مغبون في الآخرة.

فهو ضر نفسه حيث لا تطمئن نفسه، ولا يطمئن قلبه، ولا يهدأ له بال ولا يرتاح؛ لأنه لَهِث، حاسد، والعياذ بالله، لا يرى أحدا إلا حسده ، كذلك هو متسخط لقدر الله، لأقدار الله -عز وجل- هذا تسخط، حينما يكره تلك النعمة تسخط لأقدار الله.

كذلك هو في الحقيقة لا يحصل له مقصوده، من الجهات الثلاث، من جهة تسخطه لأقدار الله، ومن جهة أنه يضر نفسه ويتعبها ويتلفها بالحسد ، الأمر الثالث أنه في الحقيقة يعود أنه لا ضرر على المحسود، بل هو ربما كان منتفعا بهذا؛ ولهذا جاء هذا الخبر، بهذا المعنى.

وهذا الخبر إذا صح محمول على من كان حسده على جهة تمني زوال النعمة، فهو عملُ قلب جازم به، وربما سعى، ولهذا هذا يسعى ويجتهد في السعي في زوالها، إما بالقول أو بالفعل لا يدعه الحسد حتى يعمل بمقتضاه. نعم
http://www.taimiah.org/display.asp?P...nName=Taimiah2
عودة إلى نتائج البحث
المكتبة الإلكترونية شرح بلوغ المرام (الجزء الثامن) شرح الشيخ عبد المحسن بن عبد الله الزامل

بارك الله فيك شيخنا الفاضل

وجزاك الله خير

بارك الله فيكم
وجزاكم الله خيرا