اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ : روى الإمام مسلم عن أبي أيُّوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن صام رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدهر))؛ وروى الإمام الطبراني عن عبدالله ابن عمررضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضانَ وأتبعه ستًّا من شوَّالٍ خرج من ذنوبِه كيومِ ولدته أمُّه ) .

اللهم ربنا تقبل منا الصيام والصلاة والقرآن والقيام والدعاء وسائر صالح الأعمال ،وأجعلنا ممن قام ليلة القدر واجعلنا فيها من الفائزين المقبولين وكل عام ونحن وجميع المسلمين في خيرورخاء وصحة وعافية وسعادة وأمن وأمان .


           :: حلم (آخر رد :ابن الورد)       :: صورة عجيبة.. هل توجد عناكب عملاقة فوق المريخ ؟ (آخر رد :ابن الورد)       :: اكتشاف على كوكب المريخ يثير حيرة العلماء . (آخر رد :ابن الورد)       :: خطبة جمعة : الوطن نعمته وأمانه - الشيخ فيصل الحسني . (آخر رد :ابن الورد)       :: أكثر شيء يحسدوننا اليهود عليه ثلاثة أشياء . (آخر رد :شبوه نت)       :: خطبة جمعة : أحب الأعمال إلى الله - الشيخ فيصل الحسني . (آخر رد :ابن الورد)       :: بالصور: اكتشاف تاريخي لجيمس ويب.. العثور على المادة الأولى للحياة . (آخر رد :ابن الورد)       :: ناسا تكشف: أول دليل على احتمال وجود حياة فوق المريخ . (آخر رد :ابن الورد)       :: طاقية الإخفاء أصبحت حقيقة.. ابتكار أول درع للتخفي (آخر رد :ابن الورد)       :: أخطر جمعية سحر أسود بالعالم أعضاؤها أعظم سحرة الكون..في "الفجر الذهبي" (آخر رد :طالب علم)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

الصوفيـــــــة ـ بيان وتحذير . Sufi statement warning فضح ضلال هذه الفرقة على مختلف طرقها وبيان علاقتهم بالسحر والشيطان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03 Apr 2010, 02:36 AM   #11
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# الوجه الثاني والثلاثون أن القوم مع سائر أهل السنة يقولون إن حقيقة الباري غير معلومة للبشر ولهذا اتفقوا على ما اتفق عليه السلف من نفي المعرفة بماهيته وكيفية صفاته ثم جمهورهم يقول ما يقوله السلف من نفي المعرفة بالكيفية ويقولون لا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته بمثال ومنهم من يقول كما يقوله طوائف من النفاة المعتزلة وغيرهم إنه لا ماهية له فتجري في مقال ولا كيفية له فتخطر ببال فلا يحيط أحد من المخلوقين على حقيقة ذاته ولا يبلغ قدره غيره كما في الدعاء المأثور يا من لا يعلم ما هو إلا هو بل قد قال في الجنة أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعكم عليه وتصديق ذلك في كتابه حيث قال ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ^ 3217 فهم لا يحيطون علما بكنه عامة المخلوقات فكيف يحيطون علما بكنه الخالق تعالى وقد قال تعالى ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ^ 1715 وفي الصحيح عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الخضر الذي قال الله عنه ^ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلناه من لدنا علما ^ 1865 قال لموسى الذي كلمه الله تكليما ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر لما ركب في السفينة وقد وقف عليها عصفور فنقر في البحر نقرة وفي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده وروى أنه كان يقوله في قنوته أيضا اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فإذا كان أعلم الخلق بربه لا يحصي ثناء عليه فكيف بمن هو دونه بدرجات لا يحصيها إلا الله

# وإن كان هذا الذي يقولنه ويثبتونه بالأدلة الشرعية لم تذكر أنت عليها حجة ولا نقلت فيها مذهبا فقولك لا بد من الاعتراف بأن خصوصية ذاته التي بها امتازت عن سائر الذوات مما لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها تقصير وتفريط فإنه لا يصل إلى كنهها لا علم ولا عقل ولا معرفة ولا حس ولا وهم ولا خيال ولا نوع من أنواع الإدراكات فتخصيص الوهم والخيال بذلك يشعر بأن غير الوهم والخيال يصل إلى كنهها وأنهم يفرقون بين هذا وهذا وأنه يجب التفريق بين وصول الوهم والخيال إلى كنهها وبين وصول العلم والعقل وكل هذا غلط # الوجه الثالث والثلاثون أنه إذا لم يكن فرق في نفس إدراك كنهه بين الوهم والخيال وبين الحس وبين العلم والعقل لم يحصل شيء من مطلوبك فإن المطلوب أنه لا بد من الاعتراف بثبوت أمر على خلاف حكم الحس والخيال والذي ذكر لا فرق فيه بين الحس والخيال وبين العقل فإن هذه الأمور لا تكيف ذاته ولا يلزم من نفي اكتناه ذاته نفي معرفته بها كما لم يلزم نفي معرفته بالعلم والعقل فإن قوله لا بد لهم من الاعتراف بأن خصوص ذاته الذي امتازت به عن سائر الذوات مما لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها وذلك اعتراف بثبوت أمر على خلاف ما يحكم به الوهم ويقضي به الخيال مع أنه لم يذكر حجة عليه لا فرق فيه بين الوهم والخيال وبين الحس والعقل والعلم فإن شيئا من ذلك لا يصل إلى كنهه وإذا كان مقصوده الفرق بين الوهم والخيال وبين العقل والعلم بهذا مع أنه لا فرق بينها من هذا الوجه ومع أن ذلك لا ينفي معرفته بذلك وإن لم يوصل ذلك إلى كنهه ظهر أن ما قاله ليس فيه تحصيل لغرضه مع ما فيه من التفريق بين الأشياء فيما اتفقت فيه # فتدبر هذا كله فإنه كلام حق يعرف كيف أضل هؤلاء لعباد الله بمتشابه

الكلام كما قال الإمام أحمد في وصفهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه # الوجه الرابع والثلاثون أنه لو عارضه معارض وقال قد ثبت أنه لا فرق فيما ذكرته من نفي الوصول إلى كنهه بالعقل والوهم والخيال ثم ثبت بذلك أنه لا يجب أن لا يكون معلوما بالعقل فقد ثبت أيضا أنه لا يجب أن لا يكون معلوما بالوهم والخيال لكان هذا متوجها أكثر من كلامه # الوجه الخامس والثلاثون أن يقال الذين اتفقوا من أهل السنة وغيرهم على أن العباد لم يعرفوا كنهه في الدنيا تنازعوا في إمكان ذلك وفي حصول ذلك عند رؤيته في الأخرى وهذا يبين أن معرفة حقيقته وكنهه بالحس أولى منها بالعقل ثم الخيال والوهم يتبع الحس فهذا قد يستدل به على إمكان معرفة كنهه وحقيقته بالحس والخيال والوهم # الوجه السادس والثلاثون قوله وذلك اعتراف بثبوت أمر على خلاف ما يحكم به الوهم ويقضي به الخيال كما أنه لا يلزم من عدم وصول العلم والعقل إلى كنه الذات أن يكون على خلاف ما يقضي به العلم والعقل ويحكم به الحس كما تقدم مع أن هذه العبارة هنا ليست ظاهرة في المعنى # الوجه السابع والثلاثون أن لفظ الوهم والخيال في هذه المواضع التي ذكرتها تحتل شيئين فإن هذه الألفاظ كثيرا ما تستعمل فيما يتوهمه الإنسان ويتخيله مما لا يكون له حقيقة في الخارج مثل ما يتخيل جبل ياقوت وبحر زئبق ونحو ذلك ومثل ما يتوهم شخصا أنه عدوه ويكون وليه أو أنه وليه ويكون

عدوه وأمثال هذه الاعتقادات التي لا تكون مطابقة ترتسم في نفس الإنسان فيتخيلها ويتوهمها وتكون باطلة من جنس الكذب ولهذا إذا دفع نوع من هذه الأقوال يقال هذا خيال وهذا وهم وقد أوهم فلان كذا ومنه سميت الخيلاء والمختال مختالا لأن المختال يتخيل في نفسه من عظمته وقدره ما لا حقيقة له ^ والله لا يحب كل مختال فخور ^ 436 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الاستعاذة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه فهمزه الوسوسة ونفخه الكبر ونفثه الشعر فإن الكبر ينفخه حتى يصير مغطى في الخيال مع أنه حقيقة كالظرف المنفوخ من غير أن يكون فيه شيء # ولكن استعمال لفظ التخيل والتوهم في هذا من جنس استعمال لفظ الاعتقاد الفاسد والظن والجهل فيما لا يكون مطابقا وإن كان جنس الاعتقاد قد يكون حقا وعلما وكثيرا ما يستعمل فيما يتخيله و يتوهمه مما يكون له حقيقة في الخارج فيكون التخيل والتوهم ولفظ التخيل والتوهم صادقا مطابقا مثل ما يتخيل الإنسان في نفسه ما أدركه بصره وغيره من الحواس يتوهم في نفسه ما علمه من الصفات إذ قد يصطلح بعض أهل الطب والفلسفة على أن التخيل للصور والتوهم للمعاني التي فيها ولفظ التخيل والتوهم يعم القسمين المطابق وغير المطابق كما يعم لفظ الخبر للخبر الصادق والكاذب ولفظ الكلام للحق والباطل ولفظ الإرادة للمحمود والمذموم ولفظ الظن والحسبان للمصيب والمخطي ولفظ الاعتقاد للحق والباطل فما يتخيله الإنسان ويتوهمه قد يكون حقا أو باطلا مثل ما يعتقده ويظنه ومنه سمي السحاب مخيلة لأنه يخال فيه المطر وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر فإذا رأى المطر جلس ومنه قول الشاعر % إذا رأيت مخيلة لمعت % وتلألأت كمواقع القطر %


# فهذا في التخيل # وأما في التوهم بلفظ التهمة وأصله وهمة يقال إذا توهم في الإنسان شيء من الريب ثم قد يكون ما اتهم به حقا وقد يكون باطلا ولها في الشريعة حكم معروف حيث يحبس فيها المجهول الحال كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في التهمة ولهذا صنف الحارث المحاسبي كتابا سماه كتاب التوهم مضمونه أن يتصور الإنسان في نفسه ما أخبر الله به من أمور الآخرة وغيرها ليتذكر ذلك ويحققه في نفسه واسم الجنس إذا كان يعم نوعين أحدهما أشرف من الآخر فقد يخصون في العرف النوع الأشرف باسمه الخاص ويبقون الاسم العام مختصا بالنوع المفضول كما في لفظ الحيوان والدابة وذوي الأرحام والجائز والممكن والمباح وغير ذلك فلهذا كثيرا ما يخص بلفظ الوهم والخيال والنوع الناقص وهو الباطل الذي لا حقيقة له وأما ما كان حقا مما يتخيل فيسمونه باسمه الخاص من أنه حق وصدق ونحو ذلك ومن أنه معلوم ومعقول فإنه إذا كان حقا عقله القلب فصار معقولا كما يعقل أمثاله ويقال إنه متصور ومتذكر ونحو ذلك وهذا بخلاف لفظ العلم والعقل والإحساس فإن هذا إنما يقال على نفس الإدراك الذي هو الإدراك الصحيح ولفظ التخيل والتوهم لا يدل على نفس الإدراك وإنما يدل على نحو الاعتقاد الذي يكون مطابقا للإدراك تارة ويكون فيما تصور في النفس وتألف فيها وتنشأ فيها كما تنشأ فيها العلوم بالنظر والاستدلال وهذا الثاني يكون حقا تارة وباطلا أخرى كما أن ما يثبته الإنسان في نفسه من الاعتقادات بالنظر والاستدلال قد يكون حقا وقد يكون باطلا ومن هذا التخيل والتوهم ما يراه الإنسان في منامه فإنه ينشأ في نفسه في النوم إن لم يكن رآه بعينه في النظر



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:37 AM   #12
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# وإذا كان كذلك لم يصلح أن يجمع بين لفظ الحس وبين لفظ الوهم والخيال ويجعلهما في قرن واحد حتى يقول لا بد من الاعتراف بوجود شيء على خلاف حكم الحس والخيال فإن الإحساس هو موجب العلم الصحيح وأصله الإبصار كما قال تعالى ^ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ^ وقال يعقوب ^ يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ^ وقال تعالى ^ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله ^ وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما تنتج البهيمة بهمية جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء وأما الخيال والوهم فهو من نحو الاعتقاد الذي يكون حقا تارة وباطلا أخرى وقد يخص باسم الباطل فأين هذا من هذا # وإن أراد أنه لا يحس أي لا يرى فهذا باطل كما تقدم التنبيه عليه # الوجه الثامن والثلاثون أن يقال له ما تريد بلفظ الوهم والخيال أتريد به ما قد يخص هذا اللفظ به في العرف من تخيل الباطل وتوهمه فلا ريب أن كل حق في الوجود ينزه عن هذا التوهم والتخيل وكل حق فإنه على خلاف ما يقضي به هذا الوهم والخيال وكل حق فهو على خلاف هذا الوهم والخيال وما أكثر ما يسمع وصف شيء بألفاظ فيتخيلونه على صورة فإذا رأوه وجدوه بخلاف ما تخيلوه وما أكثر ما يتوهم الإنسان في إنسان شيئا فإذا رآه وجد بخلاف ما توهمه ولا ريب أن الله على خلاف ما يتخيله ويتوهمه المبطلون من الجهمية وغيرهم كما قال تعالى ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ^ 37180 182 وقال ^ سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ^ وقال ^ ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ^ وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ^ 2240 23 وقال ^ وتظنو 6 ن بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ^ 1133

وقال ^ ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء إلى قوله بل ظننتم أن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ^ 4812 وقال ^ فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ^ 2187 وقال ^ إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور ^ 1414 وقال ^ إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ^ 5838 و ^ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ^ 5323 وقال ^ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ^ 4380 # ولا ريب أن الاعتقادات الفاسدة مثل اعتقاد الكفار في ربهم وما يتبعها من الإرادات هي خيالات باطلة وأوهام باطلة كما قال تعالى ^ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ^ 2440 هذا بعد قوله ^ الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة إلى قوله نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ^ 2425 وقال تعالى ^ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ^ 6122 # ولا ريب أن كثيرا من الناس يتخيل ويتوهم في نفسه صورا باطلة ويعتقد أن ربه كذلك كما يعتقد في ربه اعتقادات باطلة ويعتقد أن ربه كذلك فالاعتقاد والتوهم والتخيل الباطل موجود في جانبي النفي والإثبات والباطل في

جانب النفي أكثر منه في جانب الإثبات ولهذا يوجد من الجهمية النفاة من يعتقد أن الله هو الوجود المطلق وأنه وجود الموجودات أنفسها وأنه بنفسه في كل مكان وأن وجود الموجودات كلها وجود واحد ويقولون بوحدة الوجود في الخارج وأنه عين ذلك الوجود ونحو ذلك من الاعتقادات التي يقولون إنها حصلت لهم بالكشف والمشاهدة وهي خيالات وأوهام باطلة إما أن لا يكون لها حقيقة في الخارج أو يكون لها حقيقة لكن تكون هي أمر مخلوق لا تكون هي الخالق سبحانه وكما يتخيلون ويتوهمون أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا كذا ولا كذا مما هو عند أهل العقول السليمة خيالات باطلة وأوهام فاسدة لا تنطبق إلا على المعدوم بل على الممتنع ولهذا يوجد في هؤلاء من يعبد المخلوقات ومن يعتقد في كثير من المخلوقات أن الله أضعاف أضعاف ما يوجد في أهل الإثبات كما قد رأينا وسمعنا من ذلك ما لا يسع هذا المكان ذكر عشره فلهذا هم أعظم الناس اختيالا وكيدا حيث يختال أحدهم في نفسه أنه الله ويعظمون فرعون في قوله ^ أنا ربكم الأعلى ^ 7914 ^ مالكم من إله غيري ^ 2828 ونحو ذلك من الاختيال الباطل الذي هو أفسد اختيال وأعظم فرية على الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا # وأما إن أراد أنه على خلاف ما يصدق به ويعتقده ويظنه ويتوهمه ويتخيله ويقوله ويصفه وينعته الأنبياء والمؤمنون به فهذا باطل فإن اعتقاد هؤلاء فيه اعتقاد مطابق حي وإن سمي ظنا ونحوه كما قال تعالى ^ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ^ وقال تعالى ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق

حسابيه ^ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى فمن ظن وتوهم في به أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير كان هذا الظن والتوهم حقا وإن كان الواجب تيقن ذلك بخلاف من ظن وحسب أنه لا يسمع سره ونجواه كما قال تعالى ^ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ^ 4380 وقال ^ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ^ 186140 # بل لفظ الرؤية وإن كان في الأصل مطابقا فقد لا يكون مطابقا كما في قوله ^ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ^ 358 وقال ^ يرونهم مثليهم رأي العين ^ 313 # وقد يكون التوهم والتخيل مطابقا من وجه دون وجه فهو حق في مرتبته وإن لم يكن مماثلا للحقيقة الخارجة مثل ما يراه الناس في منامهم وقد يرى في اليقظة من جنس ما يراه في منامه فإنه يرى صورا وأفعالا ويسمع أقوالا وتلك أمثال مضروبة لحقائق خارجية كما رأى يوسف سجود الكواكب والشمس والقمر له فلا ريب أن هذا تمثله وتصوره في نفسه وكانت حقيقته سجود أبويه وأخوته كما قال ^ يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ^ 12100 وكذلك رؤيا الملك التي عبرها يوسف حيث رأى السنبل بل والبقر فتلك رآها متخيلة متمثلة في نفسه وكانت حقيقتها وتأويلها من الخصب والجدب فهذا التمثل والتخيل حق وصدق في مرتبته بمعنى أن له تأويلا صحيحا يكون مناسبا له ومشابها له من بعض الوجوه فإن تأويل الرؤيا مبناها على القياس والاعتبار والمشابهة والمناسبة ولكن من اعتقد أن ما تمثل في نفسه وتخيل من الرؤيا هو مماثل لنفس الموجود في الخارج وأن تلك الأمور هي بعينها

رآها فهو مبطل مثل من يعتقد أن نفس الشمس التي في السماء والقمر والكواكب انفصلت عن أماكنها وسجدت ليوسف وأن بقرا موجودة في الخارج سبعا سمانا أكلت سبعا عجافا فهذا باطل # وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا حق في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس قال بعض المشايخ إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلا ينكر ذلك فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره وهذه مسألة معروفة وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام ولكن لعلهم قالوا لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام فهذا مما يقوله المتجهمة وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه وقول من يقول ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه ونحو

ذلك إذا حمل على مثل هذا كان محملا صحيحا فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها # بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته وإن كان ما رآه مناسبا مشابها لها فالله تعالى أجل وأعظم # وهؤلاء النفاة من الجهمية والمعتزلة والفلاسفة ونحوهم يزعمون أن الرسل فيما أخبروا به من صفات الرب خيلوا ومثلوا حتى أخرجوا المعقول في مثال المحسوس وكذلك يقول هؤلاء المفلسفة إن ما أخبرت به الرسل من أمر المعاد أمثال مضروبة لتفهيم المعاد العقلي واللذة والألم العقليين ويقول الفارابي وأمثاله إن خاصة الأنبياء جودة التخيل والتخييل والكلام على هؤلاء وبيان خطئهم وضلالهم في هذا التخيل والتوهم الذي هو غير مطابق له موضع غير هذا ومن أكثر أسباب غلطهم بناؤهم على أن المعقول الموجود يكون له وجوده في الخارج وهم إذا تدبروا ذلك علموا أن المعقولات التي هي أمور كلية إنما وجودها في الأذهان لا في الأعيان وإن الخارج لا يكون فيه شيء مما هو معقول مجرد وهو الأمور الكلية إلا أن يراد بالمعقول في قولهم مثلوا المعقول في صورة المحسوس ما يحسه الإنسان بنفسه دون جسده فهذا في الحقيقة محسوس موجود لكن بالحس الباطن والوجد الباطن ليس معقولا محضا ولا في تمثل أن الإنسان يحس جوعه وشبعه ولذته وألمه أنه ينتقل حكمه من الباطن إلى الظاهر كما ينتقل حكم الحس بالظاهر إلى الباطن وإذا قدر وجود النفس بغير بدن فهو يحس بما يجده من لذة وألم وذلك أمر محسوس لها وبجنس أسباب ذلك لا يكون لها معقولا مجردا كليا فإن

ذاك إنما ثبوته في مجرد العلم والاعتقاد ولا بد له من أفراد موجودة في الخارج وإلا لم يكن حقا ومن المعلوم أن هذا الظان أن النفس تلذذ بهذه الأمور دون إدراك الحقائق الخارجية من أفسد الظن وهو كقول من يقول إن النفس تتلذذ بتمثل المحسوس والمشتهى دون المباشرة لحقيقته الخارجة فقولهم يمثل المعقول في صورة المحسوس كلام لا حقيقة له لكن لو قال يمثل الغائب في صورة الشاهد ويمثل الغيب في صورة الشهادة كان هذا حقا فإن الإنسان إنما يعلم ما يشهده ويحس به بالقياس والتمثيل لما شاهده لكن هذا لا يقتضي أن تكون الأمور الغائبة المتمثلة ليست في أنفسها مما يحس بل يعقل عقلا مجردا فإن هذا لا يقوله من يفهم ما يقوله # قال شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية # الوجه الثالث والستون أن يقال إن الصحابة والتابعين وسائر سلف الأمة وأئمتها وأئمة أهل الحديث والفقهاء والصوفية والمتكلمة الصفاتية من الكلابية والكرامية والأشعرية وغيرهم من طوائف المتكلمين من المرجئة والشيعة وغيرهم في إثبات هذه الصفات الخبرية وبقية الصفاتية النفاة

لها في الصفات التي يسمونها الصفات العقلية كالحياة والعلم والقدرة لكن من هؤلاء الصفاتية من يجعل تلك الصفات الخبرية صفات معنوية أيضا قائمة بالموصوف مثل هذه وإنما يفرق بينهما لافتراق الطريق التي به علمت فتلك علمت مع الخبر الصادق بالعقل وهذه لم تعرف إلا بالخبر وأما السلف والأئمة وأهل الحديث وأئمة الفقهاء والصوفية وطوائف من أهل الكلام فلا يقولون إن هذه من جنس تلك لا يسمونها أيضا صفات خبرية لأن من الصفات المعنوية ما لا يعلم إلا بالخبر أيضا فليس هذا مميزا لها عندهم ومنهم من يقول هذه معلومة بالعقل أيضا # وعلى القولين سواء كانت صفات عينية ومعنوية فيقال من المعلوم أن الموجودات في حقنا إما أجسام كالوجه واليد وإما أعراض كالعلم والقدرة فإذا كان أهل الإثبات متفقين على أن العلم والقدرة ثابت لله على خلاف ما هو ثبات للمخلوق وإن لم يكن في ذلك نفيا لحقيقته ولا تمثيلا له بالمخلوق فكذلك إذا قالوا في هذه الصفات إنا نثبتها على خلاف ما هو ثابت للخلق أو لا فرق بين ثبوت ما هو عرض فينا مع كونه غير مماثل للأعراض وبين ما هو جسم فينا مع كونه غير مماثل للأجسام بل يقال من المعلوم المتفق عليه بين المسلمين أن الله حي عالم قادر مع كونه ليس مثل الأحياء العالمين القادرين بل لا خلاف بين أهل الأثبات أنه موجود مع كونه ليس مثل سائر الموجودات بل العقل الصريح يقتضي وجود موجود واجب قديم ويقتضي بأنه ليس مماثلا للموجود المحدث الممكن وإلا للزم أن يجوز على الواجب ما يجوز على المحدث فبأوائل العقل يعلم أن من الموجود وجودا واجبا وأنه ليس مثل الموجود الممكن فالذي يثبتونه في جميع الصفات المعلومة هو من جنس ما يثبتونه في الذات وذلك أمر

بين بأدنى تأمل معلوم بالعقل الصريح فليس المحكي عنهم في ذلك إلا ما اتفق العقلاء على نظيره وما هو ثابت معلوم بصريح العقل وإن كان بقية الطوائف بينهم نزاع في ذلك قيل له والحنابلة أيضا بينهم نزاع فمنهم من ينفي هذه الصفات ويوجب تأويل النصوص ومنهم من يجوز التأويل ولا يوجبه ومنهم من يفوض معنى النصوص مع نفي ومنهم من لا يحكم فيها بنفي ولا إثبات وهذه المقالات هي الممكنة الموجودة في غيرهم # وأما قوله إنهم يصرحون بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فلا ريب إنما يثبتونه وإلا لزم التمثيل والتشبيه المنفي بالعقل والشرع لكنهم لا يقولون نثبت معنى الجوارح والأعضاء ولكن نثبت المعاني التي دل عليها الكتاب والسنة والإجماع # قوله فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق وبدا بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال فإذا عقل إثبات ذلك على خلاف الوهم والخيال فأي استبعاد في القول بأنه تعالى موجود وليس بداخل العالم ولا خارج العالم وإن كان الوهم والخيال قاصرين عن إدراك هذا الموجود # يقال له أكثر ما في هذا أنهم أثبتوا ما لا يعلمون حقيقته لقيام الأدلة الشرعية عليه وهذا لا محذور فيه كما أثبتوا ما أخبر به من الجنة والنار وما فيهما والملائكة وصفاتها وهم لم يعلموا حقيقة ذلك فهم عن معرفة حقيقة الخالق أبعد وأما إثبات ما ليس بداخل العالم ولا خارجه فإنه ممتنع في الفطرة البديهية والفرق

واضح بين عدم العلم وبين العلم بالعدم فأين إثبات شيء يعلم على سبيل الجملة ولا تعلم حقيقته على التفصيل من إثبات شيء يعلم بالبديهية انتفاؤه بل لو علم انتفاؤه بالنظر لم يجز إثباته فكيف إذا علم بالبديهة ولم يرد بثبوته خبر ولا نقل ثبوته عن أحد من السلف والأئمة وأما ما أثبتوه فلم يعلم انتفاؤه لا ببديهة ولا بنظر باتفاق عقلاء الطوائف # والرازي من أقول الناس بذلك صرح في غير موضع من كتبه كالمحصل والتفسير وغيرهما بأنه لا يجوز نفي ما لا يعلم ثبوته من الصفات وأن الظاهريين من أصحابه ينفون ما لم يقم دليل على ثبوته ورد ذلك بأن ما لم يقم دليل بثبوته وعدمه لا يجوز نفيه ولا إثباته وصرح بأن هذه الصفات الخبرية كالوجه واليد الذي أثبتها الأشعري وغيره من أصحابه إنما لم يثبتها لعدم دليل ثبوتها لا لدليل عدمها وزعم أن أدلة الشرع لا تثبتها فلا يجوز إثباتها وأما ثبوت صفات في نفس الأمر لم نعلمها فإنه لا ينفي ذلك ويخطئ من ينفيه وهؤلاء يدعون ثبوت صفاته في نفس الأمر ثم إذا قال أحدهم إنا لا نعلم كيفيتها أو لا نعلم كنهها وحقيقتها كان هذا كقوله في الذات ولو قال أقلهم علما إنا لا نعلم معناها لم يكن عدمه علمه بالمعنى مانعا من ثبوته في نفس الأمر فأين عدم العلم بالشيء إلى العلم بعدمه وهذا الذي ذكره عن ظاهريي أصحابه وإن كان قول أبي المعالي الجويني وغيره وقد نقل الإجماع فيه وهو مما يقوله أبو الوفاء ابن عقيل ونحوه فالصواب هو الذي ذكر أبو عبدالله الرازي وهو الذي عليه المحققون وهو أحد قولي ابن عقيل بل هو آخر قوليه كما هو في الكفاية


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:38 AM   #13
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل # عجيب يخفى على كثير من الأصوليين وذلك أنه لا يجوز الإغراق في الإثبات مجاوزة لما أثبته الشرع ودل عليه كذلك لا يجوز الإغراق في النفي ولا الإقدام على نفي شيء عن الله إلا بدليل لأن النفي أيضا لا يؤمن معه إزالة ما وجب له سبحانه فالنفي يحتاج إلى دليل كما أن الإثبات يحتاج إلى دليل كما أن إثبات ما لا يجب له كفر فنفي ما جوز عليه خطأ وفسق ومثال ذلك أن يغرق هؤلاء الخطباء والقصاص في نفي النقائص ثم يدرجون فيها ما وردت به السنن ويقولون ليس بفوق ولا تحت ولا يدرك ولا يعلم ولا يعرف ولا ولا فربما ساقوا في نفيهم نفي صفة وردت بها السنن # قلت وهذا هو الصواب عند السلف والأئمة وجماهير المسلمين أنه لا يجوز النفي إلا بدليل كالإثبات فكيف ينفى بلا دليل ما دل عليه دليل إما قطعي وإما ظاهري بل كيف يقال ما لم يقم دليل قطعي على ثبوته من الصفات يجب نفيه أو يجب القطع بنفيه ثم يقال في القطعي إنه ليس بقطعي فهذه المقدمات الفاسدة هي وسائل الجهل والتعطيل وتكذيب المرسلين وإنما اعتمد على ذلك أبو المعالي لما خالف أئمته في إثبات صفة اليد وغيرها فقال في الإرشاد
فصل # ذهب أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة وحمل العينين على البصر وحمل الوجه على الوجود قال صاحبه أبو القاسم النيسابوري

الأنصاري شارح الإرشاد شيخ أبي عبدالله الشهرستاني صاحب الملل والنحل ونهاية الإقدام وغيرهما هذا ما قاله الإمام واعلم أن مذهب شيخنا أبي الحسن أن اليدين صفتان ثابتتان زائدتان على وجود الإله سبحانه ونحوه قال عبدالله بن سعيد ومال القاضي أبو بكر في الهداية إلى هذا المذهب # قلت هو قول القاضي في جميع كتبه كالتمهيد والإبانة وغيرهما # قال أبو القاسم النيسابوري وفي كلام الأستاذ أبي إسحاق ما يدل على أن التثنية في اليدين ترجع إلى اللفظ لا إلى الصفة وهو مذهب أبي العباس القلانسي قال الأستاذ أما العينان فعبارة عن البصر وكان في العقل ما يدل عليه وأما اليد والوجه فقد اختلف أصحابنا في الطريق إليهما قال قائلون قد كان في العقل ما يدل على ثبوت صفتين يقع بإحداهما الاصطفاء بالخلق وبالأخرى الاختيار بالتقريب في التكليم والإفهام لكن لم يكن في العقل دليل على تسميته فورد الشرع ببيانها يسمى الصفة التي يقع بها الاصطفاء بالخلق يدا والصفة التي يقع التقريب في التكليم وجها وقالوا لما صح في العقل التفضيل في الخلق والفعل بالمباشرة والإكرام والتقريب بالإقبال وجب إثبات صفة له سبحانه يصح بها ما قلناه من غير مباشرة ولا محاذاة فورد الشرع بتسمية إحداهما يدا والأخرى وجها ومن سلك هذه الطريقة قال لم يكن في العقل جواز ورود السمع بأكثر منه وما زاد عليه من جهة الإخبار فطريقة الآحاد التي لا توجب العلم ولا يجوز

بمثلها إثبات صفة القديم وإن ثبت منها شيء بطريق يوجب العلم كان متأولا على الفعل # قال وقال آخرون طريق إثباتها السمع المحض ولم يكن للعقول فيه تأثير فإذا قيل لهم لو جاز ورود السمع بإثبات صفات لا يدل العقل عليها لم يأمن أن يكون لله صفات لم يرد الشرع بها ولا صارت معلومة ووجب على القائل بذلك جواز ورود السمع بصفات الإنسان أجمع لله تعالى إذا لم تكن واحدة منها شبيهة بصفته كان جوابهم أن يقولوا لما أخبر الله المؤمنين بصفاته الكاملة له حكم لهم بالإيمان بكماله عند المعرفة بها لم يجز أن يكون له صفة أخرى لا طريق إلى معرفتها لاستحالة أن يكون المؤمن مؤمنا يستحق المدح إذا لم يكن عارفا بالله معنى وبصفاته أجمع فلما وصفهم بالإيمان عند معرفتهم لما ورد من الشرع ثبت أن لا صفة أكثر مما بين العقل إليه بالعقل والشرع قال الأستاذ أبو إسحاق والتعويل على الجواب الأول فإن فيه الكشف عن المعنى # قال أبو المعالي فمن أثبت هذه الصفات السمعية وصار إلى أنها زائدة على ما دلت عليه دلالات العقول استدل بقوله تعالى ^ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ^ وذكر أنهم قرروا ذلك بتخصيص آدم بالخلق وبأنه ثنى اللفظ وكلاهما يمنع من حمله على القدرة وتكلم على ذلك إلى أن قال والذي يحقق ما قلناه أن الذي ذكره شيخنا أبو الحسن الأشعري القاضي ليس يوصل إلى القطع بإثبات صفتين زائدتين على ما عداهما من الصفات ونحن وإن لم ننكر في قضية العقل صفة سمعية لا يدل مقتضى العقل عليها وإنما يتوصل إليها سمعا فبشرط أن يكون السمع مقطوعا به وليس فيما استدل به الأصحاب قطع والظواهر المحتملة لا توجب العلم وأجمع المسلمون على منع تقدير صفة مجتهد فيها لله عز وجل لا يتوصل إلى القطع فيها بعقل أو سمع وليس في اليدين على ما قاله شيخنا نص لا يحتمل التأويل

ولا إجماع عقلية فيجب تنزيل ذلك على ما قلناه يعني القدرة والظاهر من لفظ يدين حملهما على جارحتين فإن استحال حملهما على ذلك ومنع من حملهما على القدرة أو النعمة أو الملك فالقول بأنها محمولة على صفتين قديمتين لله زائدتين على ما عداهما من الصفات تحكم محض # قال أبو المعالي وأما العينان والوجه فقد اختلف جواب شيخنا أبي الحسن في ذلك فقال مرة هما صفتان على نحو ما قال في اليدين وقال مرة العينان محمولتان على البصر وهذا أظهر قوليه وعليه حمل الأعين في قوله ^ تجري بأعيننا ^ 1454 أي تجري السفينة بمرأى منا وقيل بحفظنا وحمل الوجه على وجود الباري واستدل على ذلك بقوله تعالى ^ ويبقى وجه ربك ^ 2754 والباقي بعد فناء الحق هو الله قال أبو المعالي وهذا هو الصحيح من جوابيه عندنا وإنما اختلف جوابه من حيث كان التعليق بالظاهر في اليدين أظهر # قال أبو القاسم النيسابوري وقول أبي الحسن في أن الوجه صفة زائدة على الوجود أظهر وقوله في العينين أن المراد بذلك البصر أظهر # قال أبو المعالي ومن سوغ من أصحابنا إثبات الصفات بظواهر هذه الآيات ألزمه بثبوت كلامه أن يجعل الاستواء والنزور والجنب من الصفات تمسكا بالظاهر وإن لم يبعد تأويلها فيما يتفق عليه لم يبعد أيضا طريق التأويل فيما ذكرناه قال أبو القاسم هذا ما قاله الإمام # وقد رأيت في بعض كتب الأستاذ أبي إسحاق قال ومما ثبت من الصفات بالشرع الاستواء على العرش والمجيء يوم القيامة بقوله ^ الرحمن على العرش

استوى ^ وقوله ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ 2289 ومما ثبت بالأخبار الصحيحة النزول إلى السماء الدنيا كل ليلة وقوله أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا الحديث قال وأجمع أهل النقل على قبول هذين الخبرين وما هذا وصفه كان موجبا للعمل ومقبولا في مسائل القطع هذا ما ذكره الأستاذ في هذا الكتاب # قال أبو القاسم لا يظن بالأستاذ أبي إسحاق أنه اعتقد أن النزول والمجيء والإتيان من صفات ذات الإله سبحانه فإنه سبحانه لا يوصف بهذه الأوصاف في أزله ويستحيل قيام حادث بذاته فما حكيناه عنه أنه قال ومما يثبت في الصفات بالسمع كذا وكذا فيحتمل أنه أراد بذلك صفات الأفعال ويحتمل أنه أراد به الصفات الخبرية التي لا بيان لها أكثر مما ورد به الخبر # قال وقال الأستاذ أبو بكر يعني ابن فورك من أصحابنا من قال الاستواء وصف خبري لا مجال للعقل فيه وكذلك الفوقية والواجب أن يتوقف في ذلك أن يرد بمعناه خبر قال وهذا مذهب أئمة أهل السلف وقد روي عن أم سلمة أنها قالت الاستواء ثابت بلا كيف وهذا قول مالك بن أنس والأوزاعي وغيرهما من الأئمة وحكى شيخنا أبو الحسن قولين لأصحابنا في الاستواء أحدهما من صفات الذات والثاني أنه من صفات الأفعال فمن صار إلى أنه من صفات الذات اختلفوا فيه فصار الأكثرون منهم إلى أن الاستواء على العرش هو العلو عليه من جهة القهر والغلبة والانفراد بنعوت الجلال وهذا المعنى وإن كان مدركا بالعقل ولكن تسميته بالاستواء مستقاة من الخبر قال أبو الحسن من قال الاستواء صفة للذات

فإنه سمى الله به حين خلق العرش لأجل أن الاستواء يقتضي إليه يستوي عليه ولم يكن في الأزل غير الله فلم تكن تسميته به قال وقال بعض المتأخرين من أصحابنا ويمكن أن يقال لم يزل كانت له صفة الاستواء مطلقا بمعنى أنه على صفة يصح بها الاستواء على العرش إذا خلق كما يقول لم يزل الله قادرا وإن كان تعلق القدرة بالأحداث يختص بحال الحدوث وصار آخرون إلى أن الاستواء صفة خبرية يتوقف في معناها إلى أن يرد خبر ببيانها # قلت ما نقله من لفظ الأشعري فمعروف وما فسره # قال وقال الإمام يعني أبا المعالي وكنا على الإضراب عن الكلام وعلى الظواهر فإذا عرض فنشير إلى جمل منها في الكتاب والسنة وقد صرح بالاسترواح إليها المجسمة وأصحاب الظواهر قال وأجمع المسلمون على منع تقدير صفة مجتهد فيها لله عز وجل لا يتوصل فيها إلى قطع بعقل أو سمع قال وأجمع المحققون على أن الظواهر يصح تخصيصها أو تركها بما لا يقطع به من أخبار الآحاد والأقيسة وما يترك مما لا يقطع به كيف يقطع به # قلت هذا الإجماع الذي ذكره أبو المعالي مرتين هو الذي ذكره أبو عبدالله الرازي وغيره عن الظاهريين من أصحابه وبين أنه فاسد والذي قاله الرازي

هو الذي عليه جماهير الناس من المتقدمين والمتأخرين قد صرح أئمة السلف بذلك وأن ما لم يعلم ثبوته ولا انتفاؤه من الصفات لا ننفيه ولا نثبته والإجماع الذي ذكره أبو المعالي لا أصل له بل لم يقل ما ادعى فيه الإجماع أحد من أئمة المسلمين لا من الفقهاء ولا أهل الحديث ولا السلف وإنما قال هذا ابتداء من قاله من المعتزلة واتبعهم على ذلك طائفة ممن احتذى حذوهم في الكلام من الأشعرية وغيرهم وذلك لأن من أصلهم أنهم يقولون إنهم عرفوا الله حق معرفته وعرفوا حقيقة ذاته فعلموا ما يوصف به نفيا وإثباتا فلو جوزوا أن يكون له صفة لا يعلمون نفيها ولا إثباتها بطل هذا الأصل وهذا الأصل قد خالفهم فيه أبو المعالي كما خالفهم فيه أئمته وضرار بن عمر وهم مخالفون فيه لسلف الأمة وأئمتها وسائر أئمة العلم والدين وقد حكينا ذلك في غير هذا الموضع وأن أبا المعالي قال لا شك في ثبوت وجوده سبحانه فأما الموجود من غير اختصاص بصفة تميزه عن غيره فمحال قال ولكن ليس تتطرق إليها العقول ولا هي علم هجمي ولا علم مبحوث عنه غير أنا لا نقول إن حقيقة الإله لا يصح العلم بها فإنه سبحانه يعلم حقيقة نفسه وليس للمقدور الممكن من مزايا العقول عندنا موقف ينتهى إليه ولا يمتنع في قضية العقل مزية لو وجدت لاقتضت العلم بحقيقة الإله # وقد تقدم أن هذا قول أئمة أصحابه كالقاضي وغيره وهذا تصريح منه بأن لله صفة تميزه عن غيره لا تعلم بالعقول لا بضرورة ولا نظر وصرح بإمكان علمنا بها إذا أعطينا مزية نعلمها بها وقد حكى هو عن الأستاذ أبي إسحاق أنه قال حقيقة الإله صفة مائية اقتضت له التنزه عن مناسبة الحدثان وذكر عن القاضي أبي بكر أنه ذكر مذهب ضرار أن لله مائة لا يعلمها في وقتنا إلا هو

وأن القاضي قال لا بعد عندي فيما قاله ضرار فإن الرب يخالف خلقه بأخص صفاته فيعلم على الجملة اختصاص الرب سبحانه بصفة يخالف بها خلقه ولا سبيل إلى صرف الأخص إلى الوجود والقدم ولا شك في امتناع صرفها إلى الصفات الحقيقية وأن القاضي تردد في أن الذين يرون الله سبحانه في الدار الآخرة هل يعلمون تلك الصفة التي يسميها أخص وصفه وسماها ضرار مائية وذكر عن طائفة من الكرامية أنهم أثبتوا لله مائية وكيفية # فقد يقال إذا كان أبو المعالي قد أوجب ثبوت صفة لله يمتنع علمنا بها الآن كيف يصح أن يقال علمنا جميع ما يثبت له وينفي عنه من الصفات وإذا كان قول طوائف يثبوت صفات له لا تعلم وتجويز ذلك كيف يحكى إجماع المسلمين على خلاف ذلك هذا تناقض منه في كتبه وقد يقال لم يتناقض لأن الذي نفاه بالإجماع تقدير صفة مجتهد فيها لا يتوصل إلى القطع فيها بعقل أو سمع وهو هنا قاطع بما أثبته لا مجوز له فلا تناقض # وقد يقال بل إذا وجب إثبات حقيقة لا تعرف لم يمتنع أن يكون لتلك الحقيقة صفة لا تعرف فالجزم بنفي ذلك مع الجزم بثبوت تلك الحقيقة تناقض وسواء كان تناقضا أو لم يكن ولو لم يتناقض فبطلان هذا الإجماع الذي ادعاه ظاهر لكل من له من العلم أدنى نظر وإنما هو كثير الاستغراق في كلام المعتزلة وأتباعهم قليل المعرفة والعناية بكلام السلف والأئمة وسائر طوائف الإسلام من أهل الفقه والحديث والتصوف وفرق المتكلمين أيضا فحكى الإجماع كما يحكى أمثال هذه الإجماعات الباطلة أمثال هؤلاء المتكلمين ولو كان الأمر كما ادعاه فدعواه أن دلالة القرآن والأخبار على ذلك ليست قطعية يخالفه

في هذه الدعوى أئمة السلف وأهل الحديث والفقه والتصوف وطوائف من أهل الكلام من أصحابه وغيرهم فإن عندهم دلالة النصوص على ذلك قطعية وأما الأخبار فمذهب أكثر أصحابه أنها إذا تلقيت بالقبول أفادت العلم كما تقدم ذكرهم لذلك عن الأستاذ أبي إسحاق وهذا الذي ذكره أبو بكر ابن فورك هو معنى ما ذكره الأشعري في كتبه عن أهل السنة والحديث وذكر أنه قوله وأن الإيمان بموجب هذه الأخبار واجب وإذا كان يمكن أن يكون له صفات لا تعلم بمجرد العقل وكان كثير من المثبتين لهذه الصفات الخبرية من أئمته ومن الحنبلية وغيرهم يثبتون ما لا يعلمون معناها ومالا يعلمون حقيقته ولم يثبتوا ما يعلمون انتفاء ظهر ما تقدم من الجواب من الفرق بين ما يعلم امتناعه وهو وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه وبين ما لا تعلم حقيقته كهذه الصفات عند هؤلاء # الرابع والستون أن ما أثبتوه من الصفات جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها وقد يقول طوائف أن العقل أيضا يوجب ثبوت أصل هذه الصفات وإن لم يثبتها مفصلة كما أنه في العلو يعلم علوه لكن لا يعلم وما نفوه من كون الخالق ليس داخل العالم ولاخارجه جاء فيه الأثبات الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأئمة وأئمتها مع حكم العقل الصريح به فهم في كلا الموضعين آمنوا بالله وكتبه ورسله وأقروا ما شهدت به الفطرة وما علمه العقل الصريح وأقروا بموجب السمع والعقل ولم يكونوا من أصحاب النار الذين يقولون ^ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ 1067 فأين هذا ممن خالف صريح العقل بإثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه وخالف مع ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها ونفى مع ذلك

الصفات التي أثبتتها النصوص المتواترة والإجماع السلفي وعلم فساد نقيضها بالعقل الصريح أيضا بأن الله لا مثل له وأن حقيقته مخالفة لحقيقة العالم كما أنه قد يحصل العلم بأنه ليس مماثلا للخلق بل مخالف له قبل العلم بأنه مباين للعالم محتاز عنه منفرد فإن باب الكيف غير باب الكم وباب الصفة غير باب القدر وإذا كانت المباينة بالقدر والجهة تعلم بدون هذه علم أنها أيضا ثابتة وإن كانت تلك أيضا ثابتة وأنه مباين للخلق بالوجهين جميعا بل المباينة بالجهة والقدر أكمل فإنها تكون لما يقوم بنفسه كما تكون لما يقوم بغيره لأن عدم قيامه بنفسه يمنع أن يكون له قدر وحيز وجهة على سبيل الاستقلال ومن هنا تبينا # الوجه الثالث والثلاثون وهو أن من المعلوم أن مباينة الله لخلقه أعظم من مباينة بعض الخلق بعضا سواء في ذلك مباينة الأجسام بعضها لبعض والأعراض بعضها لبعض ومباينة الأجسام والأعراض ثم الأجسام والأعراض تتباين مع تماثلها بأحيازها وجهاتها المستلزمة لتباين أعيانها وتباين مع اختلافها أيضا بتباين أحيازها وجهاتها مع اختلافها كالجسمين المختلفين والعرضين المختلفين في محلين وأدنى ما تتباين به الاختلاف في الحقيقة والصفة دون الحيز كالعرضين المختلفين في محل واحد فلو لم يباين الباري لخلقه إلا بمجرد الاختلاف في الحقيقة والصفة دون الجهة والحيز والقدر لكانت مباينته لخلقه من جنس مباينة العرض لعرض آخر حال في محله أو مباينة الجسم للعرض الحال في محله وهذا يقتضي أن مباينته للعالم من جنس تباين الشيئين اللذين هما في حيز واحد ومحل واحد فلا تكون هذه المباينة تنفي أن يكون هو والعالم في محل واحد بل إذا كان

العالم قائما بنفسه وكانت مباينته له من هذا الجنس كانت مباينته للعالم مباينة للجسم الذي قام به ويكون العالم كالجسم وهو معه كالعرض وذلك يستلزم أن تكون مباينته للعالم مباينة المفتقر إلى العالم وإلى محل يحله لا سيما والقائم بنفسه مستغن عن الحال فيه وهذا من أبطل الباطل وأعظم الكفر فإن الله تعالى غني عن العالمين كما تقدم # ومن هنا جعله كثير من الجهمية حالا في كل مكان وربما جعلوه نفس الوجود القائم بالذوات نفس أو جعلوه الموجود المطلق أو نفس الموجودات وهذا كله مع أنه من أبطل الباطل وهو تعطيل للصانع ففيه من إثبات فقره وحاجته إلى العالم ما يجب تنزيه الله عنه وهؤلاء زعموا أنهم نزهوه عن الحيز والجهة لئلا يكون مفتقرا إلى غيره فأحوجه بهذا التنزيه إلى كل شيء وصرحوا بهذه الحاجة كما ذكرناه في غير هذا الموضع فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ^ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرص وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ^ 1988 95 ومع هذا فهؤلاء أقرب إلى الإثبات وإلى العلم من إثبات مباينة لا تعقل بحال وهو مباينة من قال لا داخل العالم ولا خارجه فإن هذه ليست كشيء من المباينات المعروفة التي أدناها مباينة العرض للجسم أو للعرض بحقيقته فإن ذاك يقتضي أن يكون أحدهما في الآخر أو يكونان كلاهما في محل واحد وإذا كان هؤلاء النفاة لم يثبتوا له مباينة تعقل وتعرف بين موجودين علم أنه في موجب قولهم معدوما كما اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن ذلك حقيقة قول هؤلاء الجهمية الذين يقولون إنه ليس فوق العرش أنهم جعلوه معدوما ووصفوه بصفة المعدوم


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:40 AM   #14
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# يدل على ذلك أن هذا الرازي جعل مباينته لخلقه من جنس مباينته للحيز ولا يجب أن يكون موجودا كما تقدم فعلم أنهم أثبتوا للعالم من جنس مباينة الموجود للمعدوم ومن جنس مباينة المعدوم للمعدوم والعالم موجود لا ريب فيه فيكونون قد جعلوه بمنزلة المعدوم وهذا حقيقة قولهم وإن كانوا قد لا يعلمون ذلك فإن هذا حال الضالين # الوجه الرابع والثلاثون أن يقال هب أنهم أثبتوا له مباينة تعقل لبعض الموجودات فالواجب أن تكون مباينته للخلق أعظم من مباينة كل لكل فيجب أن يثبت له من المباينة أعظم من مباينة العرض للعرض ولمحله ومباينة الجوهر للجوهر وكذلك يقتضي أن يثبت له المباينة بالصفة التي تسمى المباينة بالحقيقة أو بالكيفية أو المباينة بالقدر التي تسمى المباينة بالجهة أو الكمية فإن تكون مباينته بهذين أعظم مما يعلم مباينة المخلوق المخلوق إذ ليس كمثله شيء مما يوصف به وأما إثبات بعض المباينات دون بعضها فهذا يقتضي مماثلة المخلوق وإنما يكون شبهه ببعض المخلوقات أعظم من شبه بعضها ببعض وذلك ممتنع يوضح ذلك # الوجه الخامس والثلاثون وهو أن المباينة تقتضي المخالفة في الحقيقة وهو ضد المماثلة وحيث كانت المباينة فإنها تستلزم
فصل قول المؤسس وأمثاله معلوم أن الوجه واليد بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال # إن عنى بذلك ما يعرفه من مسمى ذلك لم ينازع فيما يدعيه وإن ادعى ذلك يبين هذا

# الوجه الثامن والستون وهو أن يقال له لا نسلم إن ذلك مما لا يقبله الوهم والخيال والدليل على ذلك أن القرآن والحديث سمعه الصحابة والتابعون وتابعوهم من القرون الثلاثة وفي غيرها من الأعصار في جميع أمصار المسلمين وهو يتلى ليلا ونهارا والمؤمن يسلم أن ظاهر ذلك هي هذه الصفات ومن المعلوم أن أحدا من السلف والأئمة لم يتقدموا إلى من يستمع القرآن والحديث بأن يصرف قلبه وفكره عن تدبر ذلك وفهمه وتصوره ولا أمره أن يعتقد أن هذا المعنى منه ليس بمراد وإنما المراد بعض المعاني التي يعينها المتأولون أو المراد معنى آخر لا يعرف جملة ولا تفصيلا ولا يميز بينه وبين غيره ولا يقال اكتفوا في ذلك بسماع قوله ^ ليس كمثله شيء ^ وقوله ^ هل تعلم له سميا ^ وقوله ^ لم يكن له كفوا أحدا ^ لأنه يقال الذي دلت عليه هذه النصوص هو الذي حكى عن أهل الأثبات التصريح بأن الثابت لله هو على خلاف ما يثبت للمخلوق فإن هذه المخالفة هي عدم المماثلة والنصوص تدل على ذلك فإذا كان ما دل عليه النصوص هو الذي حكاه عن أهل الإثبات فلو كان ذلك مردودا أو غير ممكن القبول في التوهم والتخيل مع أن ذلك غالب أو لازم لبني آدم لوجب أن يظهر إنكار ذلك ودفعه من عموم الخلق وجهورهم # الوجه التاسع والستون وهو قوله معلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه مما لايقبله الوهم والخيال أما أن يريد به المعنى الذي يذكره المتكلمة الصفاتية الذين يقولون هذه صفات معنوية كما هو قول الأشعري والقلانسي وطوائف من الكرامية وغيرهم وهو قول طوائف من الحنبلية وغيرهم وأما أن يريد بمعنى أنها أعيان قائمة بأنفسها

# فإن أراد به المعنى الأول فليس هو الذي حكاه عن الحنبلية فإنه قال وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض فهم أيضا معترفون بأن ذاته مخالفة لسائر الذوات إلى أن قال وأيضا فعمدة مذهب الحنابلة أنهم متى تمسكوا بآية أو خبر يوهم ظاهره شيئا من الأعضاء والجوارح صرحوا بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق ويدا بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه عما لا يقبله الوهم والخيال فإذا كان هذا قوله فمعلوم أن هذا القول الذي حكاه هو قول من يثبت هذه بالمعنى الذي سماه هو أجزاء وأبعاضا فتكون هذه صفات قائمة بنفسها كما هي قائمة بفسها في الشاهد كما أن العلم والقدرة قائم بغيره في الغائب والشاهد لكن لا تقبل التفريق والانفصال كما أن علمه وقدرته لا تقبل الزوال عن ذاته وإن كان المخلوق يمكن مفارقة ما هو قائم به وما هو منه يمكن مفارقة بعض ذلك بعضا فجوزا ذلك على المخلوق لا يقتضي جوازه على الخالق وقد علم أن الخالق ليس مماثلا للمخلوق وأن هذه الصفات وإن كانت أعيانا فليست لحما ولا عصبا ولا دما ولا نحو ذلك ولا هي من جنس شيء من المخلوقات # فإذا كان هذا القول الذي ذكر تنفي الحنابلة وإن هذا هو الظاهر فلو كان هذا مما لا يقبله الوهم والخيال لوجب نفرة من سمع القرآن والحديث عن ذلك من الكفار والمؤمنين ولوجب أن يكون المشركون يقدحون فيه بأنه جاء بما تنكره الفطرة ولوجب أن المؤمنين عوامهم وخواصهم يكون عندهم يفي ذلك شبهة وإشكالا حتى يسألوا عن ذلك كما وقعت الشبهة عند من سمع ذلك واعتقد نفي هذا المعنى إذ يرى ذلك متناقضا ولوجب أن علماء السلف وأئمة الأمة يتكلمون بما ينفي هذا المرض ويزيل هذه الشبهة ويكون ذلك من أعظم الطاعات بل من

أكبر الواجبات فلما لم يمكن شيء من ذلك علم أن هذا الذي ذكرته عنهم ليس هو مما ينكره الوهم والخيال # ألا ترى أن ما نقوله من أنه ليس بداخل العالم ولا خارجه متى صرحت به لجمهور الناس تلقوه بالرد والإنكار ولهذا كان الحذاق من أهل هذا القول يتواصون بكتمانه وإخفائه وكان السلف والأئمة في ذلك يفصحون به في المجالس العامة والخاصة وهكذا الأمر فيما قبل شريعتنا فإن التوراة فيها من هذا الباب نحو ما في القرآن وكان موسى عليه السلام يبلغ ذلك لبني إسرائيل تبليغا عاما والأنبياء بعده ولم يكن بنو إسرائيل ينكرون ذلك ولا كان الأنبياء يأمروهم بترك ما فهموه من ذلك فلو كان الوهم والخيال يرد ذلك للعامة لكان يجب أن يكثر في العامة من يرد ذلك وهمه وخياله وإن كان في الخاصة فكذلك فلما لم يوجد في العامة ولا الخاصة من رد ذلك لكونه لا يمكنه أن يتصور خياله ووهمه علم بطلان ما ذكره إذ الذين ينفون ذلك يزعمون أن القياس دل على نفيه # الوجه السبعون أن جميع الناس من المثبتة والنفاة متفقون على أن هذه المعاني التي حكيناها عن خصمك هي التي تظهر للجمهور ويفهمونها من هذه النصوص من غير إنكار منهم لها ولا قصور في خيالهم ووهمهم عنها والنفاة المعتقدون انتفاء هذه الصفاة العينية لم يعتقدوا انتفاءها لكونها مردودة في التخيل والتوهم ولكن اعتقدوا أن العين التي تكون كذلك هو جسم واعتقدوا أن الباري ليس بجسم فنفوا ذلك # ومعلوم أن كون الباري ليس جسما ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة

ولا بمقدمات قريبة من الفطرة ولا بمقدمات بينة في الفطرة بل مقدمات فيها خفاء وطول وليست مقدمات بينة ولا متفقا على قبولها بين العقلاء بل كل طائفة من العقلاء تبين أن من المقدمات التي نفت بها خصومها ذلك ما هو فاسد معلوم الفساد بالضرورة عند التأمل وترك التقليد وطوائف كثيرون من أهل الكلام يقدحون في ذلك كله ويقولون بل قامت القواطع العقلية على نقيض هذا المطلوب وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسما وما لا يكون جسما لا يكون معدوما ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول # وإن قال النفاة إن هذا حكم الخيال والوهم فقد اتفقوا على أن الوهم والخيال يثبت الصانع على قول مثبتة الجسم لا على قول نفاته فإذا كان الوهم والخيال يثبته كذلك بإقرار النفاة فكيف تكون هذه الصفات منفية عنه في حكم الوهم والخيال هذا خلاف ما اتفق عليه النفاة والمثبتة بل على هذا التقدير يكون الوهم والخيال مقرا بما قاله أهل الإثبات في الذات والصفات دون ما قاله النفاة وهذا أمر بين لا يتنازع فيه عاقلان # الوجه الحادي والسبعون أن هذا الذي حكيته عن هؤلاء الذين قلت إنهم التزموا الأجزاء والأبعاض غايته أنهم يثبتون ما هو الموصوف الذي تسميه جسما وأنهم لا يجوزون عليه ما يجوز على الأجسام من الفناء والآفات ومضمو ذلك أنه جسم يمتنع عليه أن يوصف بما توصف به سائر الأجسام بل هو مختلف عنها في الحقيقة وكذلك ما ذكرته من أنهم يصرحون متى تمسكوا بآية أو خبر يوهم ظاهره شيئا من الأعضاء والجوارح بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق ويدا بخلاف أيدي الخلق فهذا الذي ذكرته غايته أنهم يثبتون

وجها ويدان مخالفا لوجوه الخلق وأيديهم كما يقال جسم لا كالأجسام ومن أوضح المعلومات أن إثبات هذا ليس مما لا يقبله الوهم والخيال بل الوهم والخيال من أعظم الأشياء قبولا لمثل هذا كما تقدم تقريره غير مرة فإن الوهم والخيال يتصور أنواعا من الأجسام كل جسم موصوف بضد صفات الآخر وكل جسم يجوز عليه أو يمتنع ما لا يجوز على الآخر أو لا يمتنع فيتصور الأجسام الموجودة ويقدر ما ليس بموجود وما يستحيل وجوده فكيف يقال إنه لا يقبل هذا # يوضح هذا # الوجه الثاني والسبعون وهو أنه إذا وصف له الملائكة وغيرهم بالوجه واليد ونحو ذلك مع أنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه على صورته التي خلق عليها مرتين رآه مرة وله ست مائة جناح منها جناحان قد سد بهما الأفق وروي أنه حمل قرى قوم لوط على ريشة من جناحه ونحو ذلك من الصفات العظيمة التي توصف بها الملائكة فإن الوهم والخيال يقبل ذلك مع علمه بأن حقيقتهم ليست مثل حقيقة بني آدم وأنهم ليسوا لحما ودما وعصبا ونحو ذلك من الأجسام الكائنة الفاسدة نعم قد يكون الضعيف الخيال منهم يكل خياله عن مثل ذلك كما يكل حسه عن رؤية الشعاع وعن سماع الصوت القوي ونحو ذلك ولهذا قال علي رضي الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وقال ابن مسعود ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ولهذا سأل بعضهم زر بن حبيش عن حديث ابن مسعود في صفة جبريل وأن له ست مائة جناح فلم يحدثه به خوفا أن لا يحتمله عقله فيكذب به فهذا وأمثاله كثير موجود في بني آدم تضعف قوى إدراكهم عن إدراك الشيء العظيم الجليل

لا كون الوهم والخيال لا يقبل جنس ذلك ولكن لأجل ما فيه من العظمة التي لم يعتد تصور مثلها # ومن هذا الباب عجز الخلق عن رؤية الرب في الدنيا لامتناع رؤيه لعجزهم في هذه الحياة فأما أن يكون بنو آدم ينكرون بوهمهم وخيالهم في جسم مخلوق أن يكون مخالفا لغيره وأنه يمتنع تماثلهما فليس الأمر كذلك فكيف ينكرون بوهمهم وخيالهم أن يكون الخالق غير مماثل للمخلوق مع كون الوهم والخيال لا يتصور موجودا إلا جسما أو قائما بجسم # الوجه الثالث والسبعون أن الأجسام بينها قدر مشترك وهو جنس المقدار كما يقولون ما يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه وبينها قدر مميز وهو حقيقة كل واحد وخصوص ذاته التي امتاز بها عن غيره كما يعلم أن الجبل والبحر مشتركان في أصل القدر مع العلم بأن حقيقة الحجر ليست حقيقة الماء وإذا كان كذلك فالحس لم يدرك مقدارا مجردا ولا صورة مجردة ولم يحس قط إلا جسما مهيئا له قدر يخصه وصفة تخصه والخيال إذا تخيل المحسوسات وهو مع هذا يمكنه تجريد المقدار عن الصفة فيشكل في نفسه قدرا معينا أو مطلقا غير مختص بصفة من الصفات وهو تقدير الأبعاد في النفس وإذا وصف له الملك فإنه يتخيل صورة مطلقة وأن لها وجها ويدا تناسبها في غير أن يتخيل حقيقتها فإن تخيل نسبة الصفة المخصوصة إلى الموصوف المخصوص أقرب إلى ما أحسه من تخيل قدر مطلق والتخيل يتبع الحس فكلما كان أقرب إلى الحس كان تخيله أيسر عليه # وهذا ونحوه ما يبين أن تصوير الخيال لما حكاه عن منازعيه من أيسر الأمور بل لو قال إن التخيل لا يتصور إلا ما يكون هكذا لا يتصور

وصفة بنقيض ذلك لكان هذا القول أقرب بل هذا القول الذي اتفق عليه العقلاء من أهل الإثبات والنفي اتفقوا على أن الوهم والخيال لا يتصور موجودا إلا متحيزا أو قائما وهو الجسم وصفاته ثم المثبتة قالوا وهذا حق معلوم أيضا بالأدلة العقلية والشرعية بل بالضرورة وقالت النفاة إنه قد يعلم بنوع من دقيق النظر أن هذا باطل فالفريقان اتفقوا على أن الوهم والخيال يقبل قول المثبتة الذين ذكرت أنهم يصفونه بالأجزاء والأبعاض وتسميهم المجسمة فهو يقبل مذهبهم لا نقيضه في الذات
فصل # التخيل والوهم الصحيح لا يتصور الموجود معدوما فعلم أن إنكاره الفطرة لذلك ورد التخيل والوهم له لما فيه من الأمور العدمية كالتناقض الذي فيه لا لعظمته في الوجود والذي يوضح هذا أن كثيرا من الخطباء والقصاص إذا أخذوا يصفون الرب ويعظمونه بهذه الصفات السلبية أخذت العامة الذين لا يفهمون حقيقة ما يقولون وإنما يستشعرون من حيث الجملة أن هذا تعظيم للرب يسبحونه ويمجدونه فلولا أنهم تخيلوا وتوهموا أن هذا السلب متضمن لوجود عظيم كبير وإلا لم يكونوا كذلك فعلم أنهم لم ينكروه لما فيه من الأمور الوجودية بل هم يتخيلون الموجود العظيم في الجملة ولكن إذا فهموا حقيقة هذه الألفاظ وما تشتمل عليه من الأمور العدمية أنكروه حينئذ وردته فطرتهم وذلك لأن السلب والعدم ليس فيه مدح أصلا ولا تعظيم فعلم أنه تعظيم فيها عند من توهمها # ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون يعظمون الرب بشيء من ذلك ولا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في آثار الأنبياء وسلف الأمة وأئمتها شيء من ذلك بل أعظم ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم الرب وتمجيده

يوم قرأ على المنبر ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ 6739 كما روى ذلك أبو هريرة وعبدالله بن عمر والحديث في الصحيحين والآية دلت على عظم قدر الرب الذي يقبض الأرض ويطوي السموات بيمينه وهذا وصف لأمور وجودية تقتضي عظمة القدرة بخلاف السلوب المحضة ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيح قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيديه وقبض كفيه أو قال يديه فجعل يقبضهما ويبسطهما ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ويميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله حتى نظرت إلى المنبر من أسفل شيء حتى إني لا أقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديث عمر بن حمزة قال قال سالم أخبرني عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن وفي الصحيحين عن سعيد عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم قال أنا الملك أين ملوك الأرض وروى أبو الشيخ وغيره عن ابن عباس قال ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم وفي لفظ إنها لتغيب في يده حتى لا يرى طرفاها # الوجه السادس والسبعون قوله فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق وبدأ بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن الوجه واليد بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:40 AM   #15
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# يقال له لا نسلم أن هذا غير مقبول كما يقبل أشباهه وتوابعه بل قبول وجوه وأيد لا تكون من جنس وجوه المخلوقين وأيديهم من جنس قبول ذات لا تكون من جنس ذوات المخلوقين وسمع وبصر وعلم وصفة لا تكون من جنس سمعهم وأبصارهم وعلومهم وإراداتهم شيئا فإن الذات عين قائمة بنفسها وهذه صفات لها ومنها وكل في ذلك ليس من جنس الأعيان المخلوقة وصفاتها التي هي لها ومنها وإن كان اللفظ متواطئا فيهما وقول القائل إن الوهم والخيال لا يقبل ذلك في الوجه كقول غيره إن الوهم لا يقبل ذلك في العلم وهو قول نفاة الصفات وهو كقول القائل إن الوهم والخيال لا يقبل ذلك في الذوات مطلقا عند كل من أثبت الذوات # وليس له أن يقول فمقصودي أننا متفقون على الإقرار بما لا يقبله الوهم والخيال فإن هذا باطل من وجوه # أحدها أنه لا فرق بين العقل والاعتقاد والعلم والوهم والخيال والظن من هذا الباب # الثاني إن مورد النزاع قد قيل إنه معلوم بالفطرة انتفاؤه عقلا وموقع الإجماع ليس كذلك # الثالث إن موقع النزاع معلوم الانتفاء بالوهم والخيال وموقع الإجماع إنما يقال فيه إن الوهم عاجز عنه كما بين ذلك # الرابع أن إثبات صفات لا تعلم كيفيتها لذات لا تعلم كيفيتها ليس ممتنعا في العقل ولا في الوهم والخيال إنما الممتنع ثبوت ذات قائمة بنفسها لا داخل العالم ولا خارجه

# الخامس أنه إذا عرض على الفطرة وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه نفت ذلك وأنكرته وقضت بعدمه وإذا عرض عليها يد ليست جسما كأيدي المخلوقين وعلم ليس عرضا كعلم المخلوقين لم يقض بعدم فهمه ومعرفته أو بعلمه من وجه دون وجه ولهذا تنفر الفطرة عن الأول مالا تنفر عن الثاني # وتحرير الأمر أن يقال # الوجه السابع والسبعون أن لفظ الجسم والعرض والمتحيز ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك حق الله لا بنفي ولا بإثبات بل بدعوا أهل الكلام بذلك وذموهم غاية الذم والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر ولم يذم أحد من السلف أحدا بأنه مجسم ولا ذم المجسمة وإنما ذموا الجهمية النفاة لذلك وغيره وذموا أيضا المشبهة الذين يقولون صفاته كصفات المخلوقين ومن أسباب ذمهم للفظ الجسم والعرض ونحو ذلك ما في هذه الألفاظ من الاشتباه ولبس الحق كما قال الإمام أحمد يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم # وإنما النزاع المحقق أن السلف والأئمة آمنوا بأن الله موصوف بما وصف به نفسه وصفه به رسوله من أن له علما وقدرة وسمعا وبصرا ويدين ووجها وغير ذلك والجهمية أنكرت ذلك من المعتزلة وغيرهم # ثم المتكلمون من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة تنازعوا في الألفاظ الاصطلاحية فقال قوم العلم والقدرة ونحوهما لا تكون إلا عرضا وصفة حيث كان فعلم الله وقدرته عرض وقالوا أيضا إن اليد والوجه لا تكون إلا جسما فيد الله ووجهه كذلك والموصوف بهذه الصفاة لا يكون إلا جسما

فالله تعالى جسم لا كالأجسام قالوا وهذا مما لا يمكن النزاع فيه إذا فهم المعنى المراد بذلك لكن أي محذور في ذلك وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال # قالوا وكذلك فالعقل ينفي ذلك بما دل على حدوث الجسم والعرض القائم به قالوا لأنه لم يدل العقل على حدوث كل موصوف قائم بنفسه وهو الجسم وكل صفة قائمة به وهو العرض والدليل المذكور على ذلك دليل فاسد وهو أصل علم الكلام الذي اتفق السلف والأئمة على ذمه وبطلانه وسيأتي الكلام على هذا الدليل في موضعه قالوا فلا معنى لإنكار ما هو الحق الثابت بالشرع والعقل لاستلزام ذلك بطلان حجة مبتدعة أنكرها السلف والأئمة لأجل دعوى من ادعى من أهلها أنها أصل الدين الذي لا يعلم الدين إلا به فإنما هو أصل الدين الذي ابتدعوه كما قال تعالى ^ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ^ 4142 ليست أصلا لدين الله ورسوله بل أصل هذا الدين هو ما بينه الله ورسوله من الأدلة كما هو مبين في موضعه إذ من الممتنع أن يبعث الله رسولا يدعو الخلق إليه ولا يبين لهم الرسول أصل الدين الذي أمرهم به وهذا مبسوط في غير هذا الموضع وعلى هذا التقدير فلا يكون فيما أثبته هؤلاء ما يخالف الوهم والخيال فتنقطع مادة التزامه بالكلية

# وقال قوم بل نقول ما وصف الله به من العلم والقدرة تسمى صفة ومعنى ولا نسميه عرضا لأن العرض هو ما يعرض ويزول وصفات الله لازمة بخلاف صفة المخلوق فإنها عارضة والتزموا لذلك وغيره أن صفة المخلوقات وهي الأعراض لا يبقى شيء منها زمانين ثم أئمة هؤلاء قالوا وكذلك ما وصف الله به نفسه من الوجه واليد نقول إنه من جنس العلم والقدرة والإكرام بل ما وصف الله به نفسه من الوجه واليد هو مما يوصف من الله ويوصف الله به ولا نسميه جسما لأنها تسمية مبتدعة وموهمة معنى باطلا ولا نقول ذلك من جنس العلم والقدرة ونحوهما بل نقول كما يعلم الفرق في صفاتنا بين العلم والقدرة وبين الوجه واليد ونحوهما فإن الحقائق لا تختلف شاهدا ولا غائبا كما يفرق في حقنا بين العلم والقدرة والسمع والبصر فلكل صفة من هذه خاصة ليست للأخرى كذلك هذه العقيدة في حق الله وإن قيل إن ذلك يقتضي التكثر والتعدد وكذلك نفرق بين الوجه واليد والعين وبين العلم والقدرة ونحو ذلك وإن قيل هذا يقتضي التجسيم والتركيب والتأليف ونحو ذلك فسيأتي الكلام المفصل في هذا في موضعه إن شاء الله لكن علمنا أن ذاته ليست مثل ذوات المخلوقين وعلمنا أن هذه الصفات جميعها ما يفهم أنه عين يقوم بغيره وما يفهم منه أنه معنى قائم بغيره نعلم أن جميع صفات الرب ليست كصفات المخلوقين فإن الشرع والعقل قد نفى المماثلة والشرع والعقل يثبتان أصل الصفات كما يثبتان الذات فإن إثبات ذات لا تقوم بنفسها ممتنع في العقل وإثبات قائم بنفسه يمتنع وصفة بهذه الصفات ممتنع في العقل بل العقل يوجب أن الذات القائمة بنفسها لا تكون إلا بمثل هذه الصفات وعلى قول هؤلاء فلم يثبت شيء على خلاف حكم الوهم والخيال


فصل # قال أبو عبدالله الرازي # التاسع أن أهل التشبيه قالوا إن العالم والباري موجودان وكل موجودين فأما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه قالوا والقول بوجوب هذا الحصر معلوم بالضرورة قالوا والقول بالحلول محال فتعين كونه مباينا للعالم بالجهة فبهذا الطريق احتجوا بكونه تعالى مختصا بالحيز والجهة وأهل الدهر قالوا العالم والباري موجودان وكل موجودين فأما أن يكون وجودهما معا أو يكون أحدهما قبل الآخر ومحال أن يكون العالم والباري معا وإلا لزم إما قدم العالم أو حدوث الباري وهما محالان فثبت أن الباري قبل العالم ثم قالوا والعلم الضروري حاصل بأن هذه القبلية لا تكون إلا بالزمان والمدة وإذا ثبت هذا فتقدم الباري على العالم إن كان بمدة متناهية لزم حدوث الباري وإن كان بمدة لا أول لها لزوم كون المدة قديمة فأنتجوا بهذا الطريق قدم المدة والزمان # فنقول حاصل هذا الكلام أن المشبهة زعمت أن مباينة الباري تعالى عن العالم لا يعقل حصولها إلا بالجهة وأنتجوا منه كون الإله في جهة وزعمت الدهرية أن تقدم الباري على العالم لا يعقل حصوله إلا بالزمان وأنتجوا منه قدم المدة وإذا ثبت هذا فنقول حكم الخيال إما أن يكون مقبولا في حق الله تعالى أو غير مقبول فإن كان مقبولا فالمشبهة يلزم عليهم مذهب الدهرية وهو أن يكون الباري متقدما على العالم بمدة غير متناهية ويلزمهم القول بكون الزمان أزليا

والمشبهة لا يقولون بذلك والدهرية يلزم عليهم مذهب المشبهة وهو مباينة الباري عن العالم بالجهة والمكان فيلزمهم القول بكون الباري مكانيا وهم لا يقولون به فصار هذا التناقض وارد على الفريقين # وأما إن قلنا إن حكم الوهم والخيال غير مقبول البتة في ذات الله تعالى وفي صفاته فحينئذ نقول قول المشبهة إن كل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه بالجهة قول خيالي باطل وقول الدهري إن تقدم الباري على العالم لا بد وأن يكون بالمدة والزمان قول خيالي باطل وذلك هو قول أصحابنا أهل التوحيد والتنزيه الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته وذلك هو المنهج القويم والصراط المستقيم # قلت والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن تسمية هؤلاء أهل التشبيه مما ينازعونه فيه وذلك أن القوم متفقون على إنكار التشبيه وذم المشبهة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه ويجعلون الخالق من جنس شيء من المخلوقات وهذا منتف عندهم كما أقر به هذا الرجل # ومعلوم أن كل من نفى شيئا من الصفات سمى المثبت لها مشبها فمن نفى الأسماء من املاحدة الفلاسفة والقرامطة وغيرهم يجعل من سمى الله تعالى عليما وقديرا وحيا ونحو ذلك مشبها وكذلك من نفى الأحكام يسمى من يقول إن الله يعلم ويقدر ويسمع ويبصر مشبها ومن نفى الصفات من الجهمية والمعتزلة وغيرهم يسمون من يقول إن لله علما وقدرة وأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن الله تعالى يرى في الآخرة مشبها وهم من أكثر الطوائف لهجا بهذا الاسم وذم

أصحابه ولهذا كان السلف إذا رأوا الرجل يكثر من ذم المشبهة عرفوا أنه جهمي معطل لعلمهم بأن هذا الاسم قد أدخلت الجهمية فيه كل من آمن بأسماء الله تعالى وصفاته ومن نفى علو الله على عرشه يسمى المثبت لذلك مشبها ومن نفى الصفات الخبرية والعينية يجعل من أثبتها مشبها وإذا كان هذا اللفظ فيه عموم وخصوص بحسب اعتقاد المتكلمين به واصطلاحهم وقد علم أن الرازي وأشباهه تسميهم المعتزلة وغيرهم مشبهة فإن كان ينفي عن نفسه هذا الاسم بما يقوله من التنزيه فكذلك حال غيره سواء مع أن هذا الاسم ليس له ذم بلفظه في الكتاب والسنة # وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المازني مصنفا سماه تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة ذكر فيه من كلام السلف والأئمة في هذا الباب كلاما كثيرا لا يحضرني الساعة قال أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة حكى إسماعيل بن زرارة قال سمعت أبا زرعة الرازي يقول المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ويكذبون بالأخبار الصحيحة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات ويتأولونها بآرائهم المنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة وينسبون رواتها إلى لتشبيه فمن نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه

وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ولا تشبيه فهو معطل ناف ويستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية كذلك كان أهل العلم يقولون منهم عبدالله بن المبارك ووكيع بن الجراح وذكره أيضا أبو القاسم التيمي في كتابة الحجة في بيان المحجة # وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني في اعتقاده المشهور وعلامة أهل البدع شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة اعتقادا منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل من العلم وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة ووساوس صدورهم المظلمة وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير العاطلة وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة بل أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ^ ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ^ 1822 # فلو قال الرازي بدل المشبهة مثبتة الصفات الخبرية والعينية الذاتية أو مثبتة العلو أو جهة العلو لكان في ذلك من العدل ما ليس في هذا الاسم


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:42 AM   #16
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# وأيضا فإنه قد صرح في أجل كتبه وهو نهاية العقول أن المجسمة القائلين بالجهة وغيرها ليسوا مشبهة وكذلك رد على من كفرهم لكونهم مشبهة فتبين ن التشبيه إن كان المراد به إثبات مثل لله عز وجل فهم لا يقولون بذلك وإن كان المراد إثبات وصف مشترك فهذا لازم لجميع الناس وهذا قول أئمته في المجسمة # قال أبو المعالي باب نفي المثل والتشبيه عن الله من صفات نفس القديم تعالى مخالفة للحوادث فالرب سبحانه وتعالى لا يشبه شيئا من الحوادث ولا يشبهه شيء منها والكلام في هذا الباب من أعظم أركان الدين فقد غلت طائفة في النفي فعطلت وغلت طائفة بالإثبات فشبهت وألحدت فأما الغلاة في النفي فقالوا الإشراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه وقالوا على هذا القديم سبحانه لا يوصف بالوجود بل يقال ليس بمعدوم فكذلك لا يوصف بأنه حي عالم بل يقال ليس بعاجز ولا جاهل ولا ميت وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية وأما الغلاة في الإثبات فاعتقدوا ما يلزمهم القول بمماثلة القديم سبحانه الحوادث فإنهم أثبتوا له الصورة والجوارح والاختصاص بالجهات والتركيب والأقدار والنهايات ومن غلاتهم من يثبت للقديم تعالى عن قولهم اللحم والدم والهيئة ويقولون بقدم الأرواح وصاروا إلى أنها من ذات القديم سبحانه وإنها تحل الأشخاص # فإن قال قائل ما معنى التشبيه قلنا قد يطلق التشبيه والمراد منه اعتقاد المشابهة ويطلق والمراد منه الإخبار عن تشابه المتشابهين ويطلق ويراد به إثبات فعل على مثال فعل فإن قيل فهل تسمون غلاة المجسمة مشبهة قلنا

قال أبو الحسن في بعض كتبه نسميهم مشبهة وإن لم يصرحوا بلفظ التشبيه بل أبوه وامتنعوا منه فإن الأمة مجمعة على أن من أثبت لله الجوارح والأعضاء والصورة واللحم والدم والتأليف فقد شبه ربه بخلقه فلا ينفعه بعد ذلك نفي سمة التشبيه عن نفسه بالقول بأنه جسم وشخص بلا كيف أو أنه على صورة الإنسان بلا كيف # وقال في بعض كتبه المشبهة من يعترف بالتشبيه ويلتزمه وأما من ينكره فلا نسميه مشبها إذ حقيقة المثلين المشتبهان في جميع صفات النفس وليس كلما يلزم صاحب مذهب نظرا يجوز وصفه ابتداءا # فإن قيل هل تكفرون الغلاة منهم قلنا القول في التكفير سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وبالجملة كل من شبهه فيما يطلقه من القول أو يعتقده بظاهر من الكتاب والسنة ولم يرد على ما ورد التعبد به ولا يفسره بما يوهم السامع تشبيها مع اعتقاد التقديس والتنزيه عن سمات الحدث فالأمر فيه قريب # هذا كله كلام أبي المعالي وأصحابه فقد ذكر في تسمية غلاة المجسمة مشبهة قولين لأبي الحسن والمنصور عندهم هو القول الثاني وإن لازم المذهب ليس بمذهب فأما المجسمة غير الغلاة فلا يسمون مشبهة على القولين ومعلوم أن القائلين بالعلو على العرش بل بالجهة ليسوا بذلك من الغلاة بلا نزاع سواء صرحوا بأنه جسم غير مركب أو قالوا بالتركيب أو نفوهما جميعا إذ القول بأن الله تعالى نفسه فوق العالم هو قول الصفاتية من الكلابية والكرامية وأئمة الأشعرية مع جميع طوائف المسلمين فيمتنع إطلاق اسم المشبهة على هؤلاء وإنما يطلقه عليهم الجهمية من المعتزلة ونحوهم وغلاة المجسمة عنده الذين ذكر

فيهم قولين هم الذين يثبتون مع التجسيم صورة الإنسان أو يثبتون له اللحم والدم كما ذكره # ومع هذا كله فالأسماء التي تعلق بها الشريعة المدح والذم والحب والبغض والموالات والمعادات والطاعة والمعصية والبر والفجور والعدالة والفسق والإيمان والكفر هي الأسماء الموجودة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فأما سوى ذلك من الأسماء فإنما تذكر للتعريف كأسماء الشعوب والقبائل فلا يجوز تعليق الأحكام الشرعية بها بل ذلك كله من فعل أهل الأهواء والتفرق والاختلاف الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كحال من يعلق الموالات والمعاداة بأسماء القبائل أو البلدان أو المذاهب المتبوعة في الإسلام كالحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والمشايخ ونحوهم # وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر يذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولكن تكلم طائفة من السلف مثل عبدالرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونعيم بن حماد وغيرهم بذم المشبهة وبينوا المشبهة الذين ذموهم أنهم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه فكان ذمهم لما في قولهم من مخالفة الكتاب والسنة إذ دخلوا في التمثيل إذ لفظ التشبيه فيه إجمال واشتراك وإيهام بخلاف لفظ التمثيل الذي ذل عليه القرآن ونفى موجبه عن الله عز وجل # الوجه الثاني أن هذه الحجة يحتج بها طوائف من متكلميهم من الكرامية وغيرهم وإلا فجمهورهم لا يحتاجون إلى قياس شمولي في هذا الباب

بل عندهم أن علو الله على العرش معلوم بالفطرة الضرورية وقد تواطأت عليه الآثار النبوية واتفق عليه خير البرية ويقولون نفي ذلك تعطيل للصانع معلوم بالضرورة العقلية فلو فرض أن هذا القياس عارضه ما أبطله لم يبطل ما علموه بالفطرة الضرورية من أن الله فوق خلقه وأنه يمتنع كونه لا داخل العالم ولا خارجه ولا يلزم من كون العبد مضطرا إلى العلم بحكم الشيء المعين أن يجعل نقيض ذلك قضية عامة كلية فإن العلم بالمعين الموجود يلزمه نفي النقيض وذلك شيء غير العلم بنفي المطلق الكلي وطوائف من أهل الفطرة الصحيحة والأثبات للشريعة يعلمون أن الله تعالى فوق العالم ولا يخطر بقلوبهم تقدير وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه حتى ينفوه إذ الأقوال المنافية للإيمان لا يجب أن تخطر لكل مؤمن لكن لما حدث من ابتدع هذا النفي تكلم المسلمون في رده تارة ببيان أن الله تعالى فوق خلقه من غير تعرض لغيره وتارة ببيان استحالة نقيض ذلك وتارة ببيان استحالة وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه ومن علم أن الله عز وجل فوق العالم نفى أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه وأما هل يمكن وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فقد يخطر بقلبه وقد لا يخطر # الوجه الثالث أن هذه الحجة المذكورة ليست نظير ما ذكره من حجة الدهرية وذلك أن هؤلاء قالوا الخالق والمخلوق موجودان فكل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما داخلا في الآخر أو خارجا منه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما متصلا بالآخر مقارنا له أو منفصلا عنه بائنا منه ثم قالوا وليس هو فيه فوجب أن يكون خارجا منه وهذا مقصودهم فنظيره أن يقال الباري والعالم موجودان وكل موجودين فإما أن يكون وجودهما معا وهما متقارنان وإما

أن يكون أحدهما قبل الآخر وليس مع العالم مقارنا له فوجب أن يكون متقدما عليه وهذا حق فهذا تمام الموازنة والمعادلة بين الحجتين # فالأولى دلت أن الباري تعالى خارج عن العالم ليس فيه وهذه دلت على أن الباري سابق للعالم لم يقارنه العالم وكذلك قال سبحانه ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ 6057 وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة كما أن التقدم على الشيء قد يقال إنه بمجرد الرتبة كما يكون بالمكان مثل تقدم العالم على الجاهل وتقدم الإمام على المأموم فتقدم الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو قبله حقيقة فكذلك العلو على العالم قد يقال إنه يكون بمجرد الرتبة كما يقال العالم فوق الجاهل وعلو الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو عال عليه علوا حقيقيا وهو العلو المعروف والتقدم المعروف فهذا هو الذي يدل عليه ما ذكره من الموازنة والمقابلة وكلاهما حق يقولون به فعلم أن الحجة عليه لا له # الوجه الرابع أن هذه المعارضة قد أخذها الرازي ممن احتج بها قبله كأبي المعالي وذويه فإنهم ذكروها في مسألة حدوث العالم وذكروها في مسألة الجهة لما أورد عليهم كل واحدة من الطائفتين ما عارضهم به من القضيتين الفطريتين فظنوا أنهم بهذا الإلزام يخلصون من معارضة الطائفتين ويجعلون ذلك دليلا على أنها من حكم الوهم ومع هذا لم يخلصوا بذلك من معارضة الطائفتين بل ادعوا ما يخالف العقل الصريح وكان ذلك مما سلط

عليهم الفلاسفة الدهرية رأوا احتجاجهم بهذه الحجة الضعيفة وكان ذلك مما سلط عليهم المسلمون المثبتون وهذا كما ذكره الإمام أحمد في مناظرة جهم للسمنية # فهكذا أجاب أهل الكلام الذين تكلموا في مناظرة الكفار وأهل الأهواء في المذاهب والحجج بما ليس موافقا للشريعة وما ينكره العقل الصريح فصاروا كمن جاهد الكفار جهادا ظلمهم به وخرج فيه عن الشريعة وظلم فيه المؤمنين جميعا حتى كان مضرة ذلك الجهاد على المسلمين وعلى أنفسهم وعلى عدوهم أكثر من منفعته وقد بسطنا الكلام في أمثال هذا في غير هذا الموضع # ثم غاية ذلك أنه جواب إلزامي لا علمي وهو لا ينفع لا للناظر ولا للمناظر وذلك أن المثبت إذا قال لهم كل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه كان من المعروف بنفسه أن هذا حكم الفطرة الإنسانية الموجودة لبني آدم وهذه الفطرة الضرورية لا تندفع بمعارضة ولا جدل فإذا قالوا هذا من حكم الوهم الباطل وبمنزلة قول الدهرية من الفلاسفة وغيرهم كل موجودين فإما أن كون أحدهما متقدما على الآخر أو مقارنا قيل له هب أن الأمر كذلك فهذا الذي مثلت به هو حق أيضا تقبله الفطرة وتحكم به فإذا قال هذا من حجة الدهرية القائلين بقدم العالم فإذا صححناه لزمنا القول بقدم العالم وهو باطل وما استلزم الباطل فهو باطل قيل له هذه القضية معلومة بينة بنفسها فطرية ضرورية وأما كونها مستلزمة للقبول بقدم العالم فهذا ليس بين

ولا معلوم بل أنت تقوله وقد يكون هذا من ضعف جوابك عن دعوى التلازم فلما عجزت عن الجواب سلمت التلازم # الوجه الخامس أن يقول هب أنا نفرض تلازمهما فالعلم بهذه القضية التي ألزمتموني نفيها لأنفي معها الأولى التي إثباتها أبين في العقول من كون العالم الذي هو عندكم جميع الأجسام وصفاتها محدث ليس شيء منها بقديم فالاحتجاج على بطلان هذه المقدمة ببطلان هذا اللازم الذي هو أخفى منها عكس الواجب بل إن صح هذا التلازم كان بعض قول الفلاسفة أصح من قولكم يا معشر المناظرين لهم والله تعالى لم يأمرنا أن ندفع الأقوال الباطلة من أقوال الكفار وغيرها بالأقوال الباطلة بل أمرنا أن نكون قوامين بالقسط شهداء لله وأن لا نقول على الله إلا الحق ولا نقفوا ما ليس لنا به علم قال الله تعالى ^ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ^ وقال تعالى ^ وإذا قلتم فاعدلوا ^ وقال تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ^ وقال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال تعالى ^ ولا تقف ما ليس لك به علم ^ وقال تعالى ^ ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ^ وقال تعالى ^ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ^ وقال تعالى ^ ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ^ وقال تعالى ^ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ^ وقال تعالى ^ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ^ وقال تعالى ^ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ^ وقال تعالى ^ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ^

وليس من الأحسن أن يدفع الباطل بالباطل أو أن نرد ما علمناه بالفطرة والضرورة لظننا أن المبطل يدفع به الحق وقال تعالى ^ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ^ فذم الله من جادل في الحق بعد ما تبين ومن حاج فيما ليس له به علم ومن أبين الحق ما كان معلوما بالفطرة فكيف يجوز أن يجادل أحد فيه فيدفعه وإن كان هذا مشتبها على أحد كان ما ليس له به علم وليس لأحد أن يحاج فيما ليس له به علم وهذا أصل عظيم ومن أعظم ما ذم به السلف والأئمة أهل الكلام والجدل وإن جادلوا الكفار وأهل البدع أنهم يجادلون بالباطل في الحجج وفي الأحكام فتدبر هذا واحترس منه فإنه من توقاه الله تخلصت له السنة من البدعة والحق من الباطل والحجج الصحيحة من الفاسدة ونجا من ضلال المتفلسفين وحيرة المتكلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم # الوجه السادس إن كل واحدة من الطائفتين تقول لهم إذا عارضهم بمذهب الآخرين ما يبطل هذه المعارضة فيقول المثبت للعلو من المسلمين وسائر أهل الملل والفلاسفة الصابئين والمشركين وغيرهم أنا أعلم بفطرتي أن الموجود إما أن يكون محايثا لغيره أو مباينا له وقولك إن هذا مثل قول الفيلسوف الدهري الموجودان إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله هو أيضا معلوم لي وقولك إن هذا يستلزم تقدم العالم أنا لا أجزم بهذه الملازمة نفيا ولا إثباتا # وقد يقول أيضا أنا لا أنظر في هذه المعارضة وسواء جزمت بثبوت الملازمة أو انتفائها أو لم أجزم بشيء فأقول لا يخلو إما أن يكون ما ذكرته مستلزما للقول بقدم جسم من الأجسام أو لا يكون فإن لم يكن مستلزما بطلت المعارضة وإن كان مستلزما لقدم جسم من الأجسام فليس علمي بحدوث الأجسام الذي

تسميه حدوث العالم أبين عندي من العلم بهذه القضية إذ هذه المقدمة ضرورية فطرية وتلك تحتاج إلى مقدمات طويلة خفية وفيها نزاع كثير # ولا أيضا دلالة الكتاب والسنة على حدوث جميع الأجسام بأظهر من دلالة الكتاب والسنة على أن الله تعالى فوق العالم بل القرآن مملوء بما يدل على أن الله تعالى فوق العالم وهو دال على أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولكن هو يذكر مع ذلك أنه استوى على العرش والذي نطق به القرآن في جميع الآيات لا يمكن أن يستدل به على أن جميع الأجسام محدثة إلا بتوسط مقدمات مستنبطة بأن يبين أن هذا المذكور في القرآن هو الأجسام وأن لا جسم إلا ما أخبر بخلقه وأما دلالة القرآن على العلو فلا تحتاج إلى مقدمات مستنبطة فإذا كان العلم بأن الله تعالى فوق العالم أبين في الفطرة والشرعة من كون الأجسام كلها محدثة لم يجب علي أن أترك ذلك المعلوم البين في الفطرة خوفا أن يلزمني إنكار هذا الذي ليس هو مثله في ذلك وهذا الجواب بين ظاهر # وملخصه أن هذه الملازمة التي ذكرها وهو أن هذا يستلزم أن يقال هذا مثل حجة الفلاسفة المستلزمة قدم الزمان إما أن تكون حقا في نفس الأمر أو باطلا فإن كانت باطلا بطلت المعارضة وإن كانت حقا لزم إما ثبوت اللازم وإما انتفاء الملزوم لا يلزم انتفاء الملزوم عينا وإذا كان كذلك فليس العلم بانتفاء اللازم بأظهر من العلم بثبوت الملزوم بل ثبوت الملزوم أبين في الشرع والعقل فلا يجوز على هذا التقدير انتفاء اللازم فلا تصح المعارضة وهكذا يقول الفيلسوف وذلك يظهر # بالوجه السابع وهو أن الفيلسوف يقول وعلمي بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله علم بديهي فطري وأما قولك إن هذا مثل قول المجسم

الموجودان إما أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو بائنا عنه أقول لا يخلو إما أن تكون هذه المماثلة حقا أو باطلا فإن كانت باطلا لم يرد علي وإن كانت حقا وجب علي التزام المماثلة وذلك يقتضي أن أقول بثبوت النقيضين جميعا أو انتفائهما جميعا لا يقتضي أن أثبت الزمانية وأنفي المكانية فإذا كنت قد فرقت بينهما بإثبات هذه ونفي الأخرى أكون مخطئا في هذا التفريق لم يتعين خطأي في المكانية حتى أنفيها وأسوي الأخرى بها في النفي بل إذا سويت بينهما في الإثبات يلزمني أن أقول إن واجب الوجود مباين للعالم وإذا سويت بينهما في النفي وسلم أن ذلك يبطل دلالة هذه الحجة على قدم العالم كان غاية ما يلزمني إما بطلان القول بقدم العالم وإما بطلان دليل معين يدل على قدمه ولا ريب أن قدم العالم أو صحة هذه الحجة أخفى وأبعد عن المعلوم من كون واجب الوجود تعالى فوق العالم فإن الإقرار بهذا ثابت في الفطرة وقد تواتر عن الأنبياء والرسل القول به فإذا كان على أحد التقديرين أخالف المعلوم بفطرتي من العلوم الضرورية فأنفي كل واحد من القضيتين وأخالف الأنبياء والمرسلين وعلى الآخر إنما أخالف الحجج الدالة على قدم العالم وأبطل هذه الحجة المعينة كانت مخالفة هذه أولى في عقل كل عاقل وهذا لكلام في غاية الإنصاف والبيان # فعلم أن ما ذكروه من المعارضة لم يندفع به واحدة من الطائفتين لا في المناظرة ولا في نظر الإنسان بينه وبين ربه تعالى ولكن أوهموا هؤلاء بهؤلاء وهؤلاء بهؤلاء والتزموا مخالفة الفطرة الضرورية العقلية التي اتفق عليها العقلاء في كل من الإيهامين مع ما في ذلك من مخالفة الكتب والرسل ببعض ما قالوه في كل واحدة من المسألتين مسألة حدوث الأجسام ومسألة علو الله تعالى على خلقه

هذا كله إذا لم يكن في الفلاسفة من يقول بالجهة ولا في المسلمين من يقول بقدم بعض الأجسام فكيف والمثبت للجهة يقول ما يقال في # الوجه الثامن وهو أن يقول غاية ما ألزمتني به من حجة الدهرية أن يقال بقدم بعض الأجسام إذ القول بقدم الأجسام جميعها لم يقل به عاقل والقول بخلق السموات والأرض لم تدل هذه الحجة على نفيه وإنما دلت إن دلت على قدم ما هو جسم أو مستلزم لجسم وهذا مما يمكنني التزامه فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف فالقول بحدوث ذلك يستلزم القول بحدوث كل موجود وموصوف وقائم بنفسه وذلك يستلزم بأن الله تعالى محدث # وهؤلاء يقولون لمناظريهم نحن نبين أن القول بحدوث كل ما يدخل في المعنى الذي تسمونه جسما يستلزم حدث الباري تعالى ونبين أن قولكم أن الله تعالى ليس بجسم يستلزم حدوث الباري أكثر مما تبينون أن القول بثبوته يستلزم حدوث الباري كما سنبين أن نفي الجهة يستلزم القول بعدم الباري وهذا أمر قد بين في غير هذا الموضع وبين أنما ذكره النفاة من حدوث كل جسم حجة باطلة مبتدعة حتى ذكر أبو الحسن الأشعري أن هذه الحجة مخالفة لحجج الأنبياء والرسل وأتباعهم وأنها محرمة عندهم # وإذا كان كذلك فتقول لهم مثبتة الجهة إذا كان تصحيح هاتين المقدمتين الفطريتين يستلزم مع كون الباري تعالى فوق العالم مباينا له أن يكون

من الأجسام ما هو قديم أمكنني التزام ذلك على قول طوائف من أهل الكلام بل على قول كثير منهم ولم أكن في ذلك موافقا للدهرية الذين يقولون إن الأفلاك قديمة أزلية حتى يقال هذا مخالف للكتاب والسنة أو هذا كفر بل الذي نطق به الكتاب والسنة واتفق عليه المسلمون من خلق المخلوقات وحدوث المحدثات أقول به وأما كون الباري جسما أو ليس بجسم حتى يقال الأجسام كلها محدثة فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم تنطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسم ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة ولا عن الشريعة بخلاف قولي بأن الله تعالى ليس فوق العالم وأنه موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإن فيه من مخالفة الفطرة والشرعة ما هو بين لكل أحد وهو قول لم يقله إمام من أئمة المسلمين بل قالوا نقيضه فكيف التزم خلاف المعقول الفطري وخلاف الكتاب والسنة والإجماع القديم خوفا أن أقول قولا لم أخالف فيه كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا معقولا فطريا # بل يقول في الوجه التاسع هذه المعارضة تؤكد مذهبي وتقوية وتكون حجة ثانية لي على صحة قولي فإن احتججت علي بأن الله تعالى مباين للعالم بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو محايثا له فقلتم هذا معارض بقول الفيلسوف إن الموجودين إما أن يكون أحدهما متقدما على العالم أو مقارنا له وذلك يستلزم القول بقدم الزمان المستلزم للقول بقدم بعض الأجسام فأقول إذا كانت هذه الحجة التي عارضتموني بها مستلزمة لكون بعض الأجسام قديمة من غير أن تعين جسما أمكن أن يكون ذلك الذي يعنونه بأنه الجسم القديم هو الله سبحانه وتعالى كما يقوله المثبتون وأن ذلك هو ملازم لقولنا إنه موصوف وقائم بنفسه ونحو ذلك فتكون هذه الحجة التي عارضتم بها دليلا على أن الله

تعالى جسم بالمعنى الذي ذكرتموه الذي تقول إنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه وإن نازعتم في الملازمة وذلك يدل على صحة الحجة الأولى بالاتفاق فإن الجسم وما يقوم به إما أن يكون مباينا لغيره وإما أن يكون محايثا له أو حالا فيه وهذا متفق عليه فإنكم لا تنازعون في أن الجسم أو ما يقوم به إما مباينا لغيره أو محايثا له وإذا كان موجب الحجة التي ألزمتموني إياها يلزمني أن أقول هو جسم وذلك يستلزم أن يكون مباينا للعالم كان هذا الذي ألزمتموني به حجة ثانية على أنه مباين للعالم فأردتم معارضة كل حجة بالأخرى ليكون ما قلتموه من تناقض الحجتين نافيا لكونه مباينا للعالم ولكون كل جسم محدثا فتبين أن الحجتين متعاونتان متصادقتان وأن كل واحدة منهما تدل على أنه تعالى مباين للعالم # ويقول في الوجه العاشر إذا كانت إحدى هاتين المقدمتين الضرورتين تستلزم أنه مباين للعالم والأخرى تستلزم أنه جسم فقد ثبت بموجب هاتين المقدمتين صحة قول القائلين بالجهة وقول القائلين بأنه جسم وكونه جسما يستلزم القول بالجهة كما توافقون عليه وقول القائلين بالجهة يستلزم أيضا القول بالجسم كما تقولون أنتم وأكثر العقلاء خلاف ما يقوله قدماء أصحابكم إن نفي الجسم مستلزم لنفي الجهة والعلو على العرش وأن ثبوت العلو على العرش يستلزم ثبوت الجسم فإذا تكون كل واحدة من هاتين المقدمتين الفطريتين دليل على كل واحد من هذين المطلوبين وكل من المطلوبين دليلا على الآخر فصار على كل واحد من هذين المطلوبين أربع حجج وهي مبنية على مقدمات فطرية فقد بين هذا أن ما ذكرتموه معارضة للنفاة لتبطلوا به حجتهم هو من أعظم الحجج على صحة قولهم

# وكذلك أيضا قول الفيلسوف في # الوجه الحادي عشر وهو أن يقول هذا الذي عارضتموني به في مسألة الزمان أكثر ما يوجب علي أن أقول بالجهة والقول بالجهة هو قول أئمة الفلاسفة كما ذكرناه فيما مضى عن القاضي أبي الوليد ابن رشد الفيلسوف الذي هو من أتبع الناس لأقوال آرسطو وذويه وأنه قال القول في الجهة وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله قال وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ ومثل قوله ^ وسع كرسيه السموات والأرض ^ ومثل قوله ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ ومثل قوله ^ يدبر الأمر من السماء إلى لأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ^ ومثل قوله ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ ومثل قوله ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ^ إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا متشابها لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله تعالى في السماء وأن منها تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين وأن من السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى قال وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية # وقد تقدم ذكرنا لبقية كلامه بألفاظه وأنه قرر أن ما فوق العالم

وهو الجهة ليس مكانا على اصطلاح الفلاسفة إذ المكان عند آرسطو هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي إلى أن قال وقد قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة إن ذلك الموضع هو مسكن الروحانيين يريدون الله والملائكة إلى أن قال فقد ظهر من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل وأنه الذي جاء به الشرع وابتنى عليه فإن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع فقد حكى اتفاق الحكماء على إثبات الجهة قال وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء وأن مما قيل في الآراء السالفة والشرائع الغابرة إن ذلك الموضع يعني ما فوق العالم هو مسكن الروحانيين يريدون الله تعالى والملائكة وتصريحهم في هذا بلفظ المسكن يشبه ما ذكره الأشعري أن المسلمين جميعا إذا نابتهم نائبة يقولون يا ساكن العرش # فقد ظهر بهذا أنما ذكره من التناقض على المجسمة والفلاسفة لا يرد على واحدة منهما بل يمكنهم نفي هذا التناقض
فصل # لفظ الظرف فيه اشتراك غلط بسببه أقوام فإن الظرف في اللغة قد يعنى به الجسم الذي يوعى فيه غيره فيظن إذا استعملت هذه الأدوات في حق الله تعالى أنه محل المخلوقات تكون في جوفه وأنها محل له يكون في جوفها وهذا مما يعلم قطعا أن هذه الأدوات لم تدل على ذلك في حق الله تعالى البتة بل النحاة سموا الألفاظ التي يعبر بها العرب عن المعاني التي هي أعم من ذلك بالظروف حتى يدخل في ذلك ما لا يحيط بالمظروف وأنواع متعددة وقد قال تعالى ^ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ^ وقال تعالى ^ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ^ وقال تعالى ^ إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ^ وقال تعالى ^ فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل

والنهار وهم لا يسأمون ^ وقال تعالى ^ في مقعد صدق عند مليك مقتدر ^ وقال تعالى ^ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ^ وقال تعالى ^ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ^ وقال تعالى ^ ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ^ وقال تعالى ^ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ^ وقال تعالى ^ إن الله عنده علم الساعة ^ # ولفظ مع من الظروف وقد أضيف اسم الله إليه فيما شاء الله من المواضع وإضافته إلى الظرف أبلغ من إضافة الظرف إليه قال تعالى ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ وقال ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ وقال ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ # وحق لمن يكون هذا وأمثاله كلامه إذا أراد الله رحمته أن يتوب منه كما قال أبو المعالي عند الموت لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا أموت على عقيدة أمي وروي على عقيدة عجائز نيسابور ولهذا يقول مثل هؤلاء عليكم بدين العجائز فإن تلك العقيدة الفطرية التي للعجائز خير من هذه الأباطيل التي هي من شعب الكفر والنفاق وهم يجعلونها من باب التحقيق والتدقيق
فصل # أبو عبدالله الرازي فيه تجهم قوي ولهذا يوحد ميله إلى الدهرية أكثر من ميله إلى السلفية الذين يقولون إنه فوق العرش وربما كان يوالي أولئك أكثر من هؤلاء ويعادي هؤلاء أكثر من أولئك مع اتفاق المسلمين على أن الدهرية كفار وأن المثبتة للعلو فيهم من خيار المسلمين من لا يحصيه إلا الله تعالى وقد صنف على مذهب الدهرية المشركين والصابئين كتبا حتى قد صنف في السحر

وعبادة الأصنام وهو الجبت والطاغوت وإن كان قد أسلم من هذا الشرك وتاب من هذه الأمور فهذه الموالاة والمعادات لعلها في تلك الأوقات ومن كان بتلك الأحوال فهو قبل الإسلام والتوبة ومن فعل هذا كان له نصيب من قوله تعالى ^ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا إلى قوله ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ^ إلى آخر الآيات # يقرر ذلك أنه احتج في مقدمة هذا العلم الشريف بكلام آرسطو معلم المشائين من الدهرية ولم يكن عنده من أثارة الأنبياء والمرسلين ما يقدمه على كلام الدهرية واحتج أيضا بما نقله عن أبي معشر البلخي والمنجم وهو من أتباع الصابئين بل كان تارة من المشركين عباد الشمس والقمر وعبد القمر مدة كما أخبر بذلك عن نفسه وصنفها صنف في ذلك وجواب الدهرية أنه قبل العالم وما فيه من الزمان وقولهم والعلم الضروري حاصل بأن هذه القبلية لا تكون إلا بالزمان والمدة



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:43 AM   #17
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل # تنازع المسلمون في تسمية الله بالدهر ففي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر ولا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار وفي رواية أخرى يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما هذه ألفاظ مسلم # قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات اعلم أن أبا بكر الخلال قال أخبرني بشر بن موسى الأسدي قال سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن الدهر فلم يجبني فيه بشيء قال القاضي وظاهر هذا أن أحمد توقف عن الأخذ بظاهر الحديث وقال حنبل سمعت هارون الحمال يقول لأبي عبدالله كنا عند سفيان بن عيينة بمكة فحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا الدهر فقام فتح بن سهل فقال يا أبا محمد نقول يا دهر ارزقنا فسمعت سفيان

يقول خذوه فإنه جهمي وهرب فقال أبو عبدالله القوم يردون الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نؤمن بها ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله قال القاضي وظاهر هذا أنه أخذ بظاهر الحديث ويحتمل أن يكون قوله ونحن نؤمن بها راجع إلى أخبار الصفات في الجملة ولم يرجع إلى هذا الحديث خاصة # قال وقد ذكر شيخنا أبو عبدالله رحمه الله يعني ابن حامد هذا الحديث في كتابه وقال لا يجوز أن يسمى الله دهرا والأمر على ما قاله لأنه قد روي في بعض ألفاظ الحديث ما يمنع من حمله على ظاهره هذا ولم يرد في غيره من أخبار الصفات ما دل على صرفه عن ظاهره فلهذا أوجب حملها على ظاهرها وذلك أنه روي فيه أنه يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وفي لفظ آخر لي الليل والنهار أجدده وأبليه وأذهب بملوك وآتي بملوك فتبين أن الدهر هو الليل والنهار خلق له وبيده وأنه يجدده ويبليه فامتنع أن يكون إلا له وأصل هذا الخبر أنه ورد على سبب وهو أن الجاهلية كانت تقول أصابني الدهر في مالي بكذا ونالتني قوارع الدهر ومصائبه فيضيفون كل حادث يحدث بما هو جار بقضاء الله وقدره وخلقه وتقديره من مرض أو صحة أو غنى أو فقد أو حياة أو موت إلى الدهر ويقولون لعن الله هذا الدهر والزمان ولذلك قال قائلهم % أمن المنون وريبه تتوجع % والدهر ليس بمعتب من يجزع %
# وقال تعالى ^ نتربص به ريب المنون ^ أي ريب الدهر وحوادثه وقال سبحانه وتعالى ^ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ^ فأخبر عنهم بما كانوا عليه من نسبة أقدار الله وأفعاله إلى الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم

لا تسبوا الدهر أي إذا أصابتكم المصائب لا تنسبوها إليه فإن الله هو الذي أصابكم بها لا الدهر وأنكم إذا سببتم الدهر وفاعل ذلك ليس هو الدهر # وقال أبو بكر الخلال سألت إبراهيم الحربي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر وعن لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر قال كانت الجاهلية تقول الدهر هو الليل والنهار يقولون الليل والنهار فعل بنا كذا فقال الله تعالى أنا أفعل ليس الدهر قال القاضي فقد بين إبراهيم الحربي أن الخبر ليس على ظاهره وأنه ورد على سبب وذكر أبو عبيد نحو ما ذكرنا فقال لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين واحتج به بعضهم فقال ألا تراه يقول فإن الله هو الدهر قال وتأويله أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هرم أو تلف فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر وأتى عليهم الدهر فيجعلونه الذي يفعل ذلك فيذمونه عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الذي فعل بكم هذه الأشياء أو يصيبكم بهذه المصائب فإنكم إذا سببتم فاعلها فإنما يقع السب على الله تعالى وهو الفاعل لها لا الدهر


فصل # القول بأن الله تعالى ليس فوق العرش أول من ابتدعه في الإسلام الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وشيعتهما وهم عند الأمة من شرار أهل الأهواء وقد أطلق السلف من القول بتكفيرهم ما لم طلقوه بتكفير أحد وقالوا نحكي كلام اليهود والنصارى ولا نحكي كلام الجهمية وقالوا اتفق المسلمون واليهود والنصارى على أن الله تعالى فوق العرش وقالت الجهمية ليس فوق العرش وليس هذا قول أئمة متكلمة الصفاتية لا أبي محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب ولا أبي العباس القلانسي ونحوهما ولا قول أبي الحسن الأشعري وأبي الحسن علي بن مهدي الطبري والقاضي أبي بكر الباقلاني وغيرهم من أئمة الأشعرية الذين تزعم أنهم أصحابك وإن قيل هؤلاء

متناقضون في أقوالهم لم يكن نفي قول الأثبات الذين صرحوا به عنهم لقولهم بما يناقضه بأولى من نفي القول النافي عنهم لقولهم ما يناقضه لا سيما إذا كان المعروف عنهم أن الأثبات آخر القولين وإذا كان أبو المعالي والشهرستاني وطوائف غيرهما قد خالفوه من أئمة أصحابهم وقدمائهم في الأثبات لم يجز أن يجعل قولهم هو قول أولئك بل نقل لمذهب إمامه أنا قد ذكرنا بنقل العدول الأئمة أن أبا المعالي تحير في هذه المسألة في حياته ورجع إلى دين أهل الفطرة كالعجائز عند مماته وكذلك الرازي أيضا حيرته وتوبته معروفة وكذلك أئمة هؤلاء # ثم يقال هب أنه قول هؤلاء أفهؤلاء ومن وافقوه من المعتزلة هم أهل التوحيد والتنزيه دون سائر النبيين والمرسلين والصحابة والتابعين وسائر أئمة الفقهاء والصوفية والمحدثين وأصناف المتكلمين الذين لم يوافقوا هؤلاء في هذا السلب بل يصرحون بنقيضه أو بما يستلزم وكلامهم في ذلك ملء العالم مع موافقتهم للكتب المنزلة من السماء وللفطرة الضرورية التي عليها عموم الدهماء والمقاييس العقلية السليمة عن المراء وقد ذكر هذا الإمام لأتباعه أبو عبدالله الرازي في كتابه أقسام اللذات لما ذكر اللذة العقلية وأنها العلم وأن أعرف العلوم العلم بالله لكنه العلم بالذات والصفات والأفعال وعلى كل واحدة من ذلك عقدة هل الوجود هو الماهية أم قدر زائد وهل الصفات زائدة على الذات أم لا وهل الفعل مقارن أو محدث ثم قال ومن الذي وصل إلى هذا الباب أو ذاق من هذا الشراب

% نهاية إقدام العقول عقال % وأكثر سعي العالمين ضلال % % وأرواحنا في وحشة من جسومنا % وحاصل دنيانا أذى ووبال % % ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا % سوى أن جمعنا فيه قيل وقال %
# لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن إقرأ في الاثبات ^ الرحمن على العرش استوى ^ ^ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ واقرأ في النفي ^ ليس كمثله شيء ^ ^ ولا يحيطون به علما ^ ثم قال ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ومثل هذا كثير عن هؤلاء أئمة هذه المقالة النافية يعترفون بعدم العلم بها ويرجعون إلى ما عليه أهل الفطرة وما عليه أهل الظاهر الحشوية عندهم فكيف يكونون هم أهل التوحيد والتنزيه مع هذا الريب والشك والحيرة والتمويه # الوجه السادس والثلاثون أن يقال له دعواكم الرد على الدهرية بمثل جحد هذه المقدمة وأمثالها مما تبين فيها أنكم جحدتم العلوم الفطرية أوقعكم في أمورا أربعة # أحدها اتفاق سلف الأمة وأئمتها على ذمكم وذم كلامكم # الثاني نفور أهل الإيمان عن طريقكم وما قذف الله تعالى في قلوبهم من البغض لذلك وهم شهداء الله تعالى في الأرض # الثالث طمع الفلاسفة الدهرية فيكم أهل جدل وكلام لا أهل علم وبرهان حتى ارتد خلق كثير منكم إليهم بل أن ابن الراوندي

الذي يقال إنه من شيوخ الأشعري صنف كتابه المسمى بكتاب التاج في قدم العالم موافقة للدهرية وهؤلاء المدعون للتحقيق منكم كصاحب الفصوص وابن سبعين وأمثالهما يؤول بهم الأمر إلى أن يقتصروا على قول الدهرية الذين يثبتون واجب الوجود ويفرقون بين الواجب والممكن بل يجعلون وجوده وجود الممكنات ولا يجعلون له وجودا خارجا عن وجود الأرض والسموات ويصرح من يصرح من فضلائهم بأن قولهم هو قول فرعون وأنهم على قول فرعون فيأتون بقول الدهرية المتضمن لإنكار الصانع وهو شر المقالات ويدعون أن هذا هو التحقيق والعرفان وسببه أنكم سلكتم بهم في طريقة النفي والتعطيل التي لا تثبت للصانع وجودا مباينا للمخلوق وهذه يضطر سالكها إلى أن لا يقول بموجود وراء العالم وهو محض قول الدهرية فكيف تتبرؤون منهم وقولكم يؤول إليهم تصريحا أو لزوما # الرابع أن يقال له أنت معترف بعجزك عن مقاومة الدهرية وأنت في أكبر كتبك المطالب العالمية ذكرت أدلة الفريقين القائلين بحدوث العالم وقدمه وضربت هذه بهذه ولم ترجح شيئا بل ذكرت أن الكتب الإلهية والأدلة السمعية لم تبين هذه المسألة وفي أجل كتبك الكلامية لم تحتج على حدوثه بحجة ظنية فضلا عن علمية وادعيت أن ذلك لا يتم إلا بمقدمة تذكر في سائر كتبك أنها معلومة الفساد بالضرورة وهو ترجيح أحد طرفي الممكن

بلا مرجح فمن تكون هذه حاله كيف يدعي أنه وأصحابه أهل التوحيد والتنزيه دون المثبتين والفلاسفة # وسبب ذلك أنهم أدخلوا في مسألة حدوث العالم حقا وباطلا وطلبوا إثباتهما معا فلم ينهض دليل صحيح بإثبات باطل مع حق وطمع فيهم خصمهم لما رآه من ذلك وإن كان كلام خصومهم فيها أيضا فاسدا متناقضا فالطائفتان فيها ضالتان وذلك أن هذا وأصحابه سلكوا طريق المعتزلة التي التزموا حدوث الموصوفات بحدوث صفاتها والتزموا على ذلك امتناع اتصاف الرب بصفة ولزمهم على ذلك وإن لم يلتزموه حدوث كل قائم بنفسه بل حدوث كل موجود فكان ما ذكروه من الحجة متضمنا حدوث الموجودات كلها ومعلوم أن الدليل على ذلك لا يكون حقا وقابلوا بها من زعم أن من المخلوقات ما هو قديم كالعناصر والسموات وقابلوا باطلا بباطل ثم إنهم اضطربوا في العلم بحدوث الصفات وحدوث موصوفاتها اضطرابا ذكرناه في غير هذا الموضع ثم جاء هؤلاء فوافقوهم في المعنى دون العبارة وزعموا أن الموصوف الذي سموا صفته عرضا يستدل على حدوثه بحدوث صفته وزعموا أن شيئا من صفات المخلوقات لا يبقى زمانين وأن القابل لصفة لا يخلو منها ومن ضدها وقود مقالتهم يوجب مثل تلك المقالة مع ما التزموه في مواضع من المكابرات وإن كانوا في مواضع اعترفوا بالحق الذي أنكره أولئك # ومن تدبر عامة بدع الجهمية ونحوهم وجدها ناشئة عن مباحث هذه الدعوى والحجة # ولهذا كان السلف والأئمة يذمون كلامهم في الجواهر والأعراض وبناءهم علم الدين على ما ذكروه من هذه المقدمات وقد بسطنا الكلام في هذا في غير

هذا الموضع قال الإمام أبو المظفر السمعاني والأصل الذي يؤسسه المتكلمون والأصل الذي يجعلونه قاعدة علومهم مسألة العرض والجوهر وإثباتهما وأنهم قالوا إن الأشياء لا تخلو من ثلاثة أوجه إما أن تكون جسما أو عرضا أو جوهرا فالجسم ما اجتمع من الافتراق والجوهر ما احتمل الأعراض والعرض مالا يقوم بنفسه وإنما يقوم بغيره وجعلوا الروح من الأعراض وردوا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم التي لا توافق نظرهم وعقولهم ولهذا قال بعض السلف إن أهل الكلام أعداء الدين لأن اعتمادهم على حدسهم وظنونهم وما يؤدي إليه نظرهم وفكرهم ثم يعرضون عليه الأحاديث فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه وأما أهل السنة سلمهم الله تعالى فإنهم يتمسكون بما نطق به الكتاب ووردت به السنة ويحتجون له بالحجج الواضحة على حسب ما أذن فيه الشرع وورد به السمع وذكر تمام الكلام # والمقصود أن هذا وأمثاله وإن كان في هذا المقام يتجوه بمخالفة الدهرية وليس الرد على الدهرية معلوما من طريقهم بل طريقهم هم والدهرية فيها متقابلون يقولون هؤلاء الحق تارة والباطل أخرى وكذلك أولئك وليس أذكياؤهم على بصيرة فيها وسبب ذلك ما يجحدونه من الحق المعلوم وما يدعونه من الدعاوى الباطلة والمشتملة على حق وباطل وإلا فلو كانت الحجج حقا محضا لم ينكرها أحد من السلف والأئمة ولا كان للمخالفين طريق صحيح إلى هدمها # الوجه السابع والثلاثون إن تسميتك أصحابك أهل التوحد والتنزيه هو مما اتبعتم فيه المعتزلة نفاة الصفات فإنهم فسروا التوحيد بتفسير لم يدل عليه الكتاب والسنة ولا قاله أحد من سلف الأمة وأئمتها كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله

تعالى وادعوا أن من أثبت الصفات لم يكن موحدا لأن الواحد عندهم الذي لا يعقل فيه ما تميز منه شيء عن شيء أصلا وثبوت الصفات يقتضي الكثرة والذي جعلوه واحدا لا ينطبق إلا على معدوم ممتنع كما سيأتي بيان # ومن المعلوم أن التوحيد الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه هو ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع مثل عبادة الله وحده لا شريك له فمن عب غيره كان مشركا ولم يكن موحدا وإن أقر أنه خالق كل شيء كما قال تعالى ^ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ^ وقال تعالى ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ^ وقال تعالى ^ قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون ^ وقال تعالى ^ وإلهكم إله واحد ^ وقال تعالى ^ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ^ وأمثال هذه الآيات # وأما تفسير التوحيد بما يستلزم نفي الصفات أو نفي علوه على العرش بل بما يستلزم نفي ما هو أعم من ذلك فهو شيء ابتدعته الجهمية لم ينطق به كتاب ولا سنة ولا إمام وكذلك جعل التشبيه ضد التوحيد وتفسير التشبيه بما فيه إثبات الصفات هو أيضا باطل فإن التوحيد نقيضه الإشراك بالله تعالى والتمثيل له بخلقه وإن كان ينافي التوحيد فليس المراد بذلك ما يسمونه هم تشبيها فإنهم يسمون المعاني بأسماء سموها هم وآباؤها ما أنزل الله بها من سلطان فمن بنى على ذلك الحمد والذم ومن علق الحمد والذم بأسماء ليست مما أنزل الله بها سلطانا بين فيه ما يحمده وما يذمه فقد ابتدع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى وليس هذا موضع بسط

هذا وتبيينه إذ كل من كان إلى التعطيل أقرب وعن القرآن والإسلام أبعد كان أحق بهذا المعنى الذي تسميه التوحيد والتنزيه # فإن المعتزلة أحق منهم بهذا لأنهم أحق بنفي الصفات والكثرة وأحق بنفي الأمور التي يجعلون إثباتها تشبيها والفلاسفة أحق من المعتزلة بهذا وأهل وحدة الوجود أحق بهذا من الفلاسفة ولهذا يدعون من التوحيد والتحقيق والعرفان بحسب هذا الوضع والاصطلاح الذي ابتدعوه مالا يمكن هؤلاء رده إلا بنقض الأصول المبتدعة التي وافقوهم عليها ومن المعلوم أن الوجود المطلق ليس شيئا له وجود في الخارج مطلقا حتى يوصف بوحدة ولا كثرة وإنما حقيقة قولهم قول أهل التعطيل الذين هم شرار الدهرية فظهر أن توحيدهم هذا وتنزيههم هذا دهليز التعطيل والزندقة وأن من كان أعظم تعطيلا وإلحادا كان أحق بتوحيدهم وتنزيههم هذا وهذا بخلاف ما كان من أهل الإثبات المقرين بالتوحيد والتنزيه الذي جاءت به الرسل عليهم السلام ونزلت به الكتب التوحيد العلمي القولي كالتوحيد الذي دلت عليه السورة التي هي صفة الرحمن وهي تعدل ثلث القرآن والتوحيد العملي الإرادي الذي دلت عليه السورة التي هي براءة من الشرك وهما سورتا الإخلاص فإن هؤلاء الموحدين كلما حققوا هذا التوحيد بعدوا عن أهل الشرك والتعطيل وتبرؤوا منهم كما قال إمامهم إبراهيم لقومه ^ إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ^ وقال ^ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ^ وقال ^ يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ^ وقال تعالى ^ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ^


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:44 AM   #18
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# الوجه الثامن والثلاثون قوله أهل التوحيد والتنزيه الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته يقال له قد تقدم الكلام على هذا اللفظ المجمل غير مرة # ثم يقال له لا ريب أن الله تعالى أنزل كتابه بيانا للناس وهدى وشفاءا وقال تعالى فيه ^ وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء ^ وقال ^ ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء ^ وقال ^ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ^ وقال ^ فمن ابتع هداي فلا يضل ولا يشقى ^ وقال ^ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ^ وقال تعالى ^ وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ^ وقال ^ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ^ وقال ^ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل عه أولئك هم المفلحون ^ وقال ^ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ^ وقالت الجن ^ إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ^ وقص الله تعالى ذلك عنهم على سبيل التصديق لهم في ذلك والثناء عليهم بهذا القول وكذلك قولهم ^ يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ^ وأمثال هذا كثير # وقد بين الله تعالى ما يتقي من القول فيه والظن فقال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال عن الشيطان

^ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال تعالى ^ لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ^ وقال ^ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ^ وقال ^ يجادلونك في الحق بعدما تبين ^ فذم من يقول مالا يعلم ومن يقو غير الحق ومن يجادل فيما لا يعلم ومن يجادل في غير الحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار وقال تعالى في موضع آخر ^ ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ^ وقال ^ ما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ^ وقال تعالى ^ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ^ # ومن المعلوم أن العلم له طرق ومدارك وقوى باطنة وظاهرة في الإنسان فإنه يحس الأشياء ويشهدها ثم يتخيلها ويتوهمها ويضبطها بعقله ويقيس ما غاب على ما شهد والذي يناله الإنسان بهذه الأسباب قد يكون علما وقد يكون ظنا لا يعلمه وما يقوله ويعتقده ويحسه ويتخيله قد يكون حقا وقد يكون باطلا فالله سبحانه وتعالى لم يفرق بين إدراك وإدراك ولا بين سبب وسبب ولا بين القوى الباطنة والظاهرة فجعل بعض ذلك مقبولا وبعضه مردودا بل جعل المردود هو قول غير الحق والقول بلا علم مطلقا # فلو كان بعض جناس الإدراك وطرقه باطلا مطلقا في حق الله تعالى أو كان حكمه غير مقبول كان رد ذلك مطلقا واجبا والمنع من قبوله مطلقا متعينا إن لم يعلم بجهة أخرى كما قال في الخبر ^ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ^ وقال في الاعتبار والقياس الصحيح ^ إن الله يأمر بالعدل ^ ^ وإذا قلتم فاعدلوا ^ ^ كونوا

قوامين لله شهداء بالقسط ^ ^ ليقوم الناس بالقسط ^ فلما كان من المخبرين من لا يقبل خبره إذا انفرد أمر بالتثبت في خبره ولما كان القياس والاعتبار يحصل فيه الظلم والبغي بتسوية الشيء بما ليس مثله في الشرع والعقل أمر بالعدل والقسط وقال تعالى ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ^ فبين تعالى أن سبب الاختلاف هو البغي الذي هو خلاف العدل فالشبهة الفاسدة من هذا النمط وهي من أسباب الاختلاف بعد بيان الكتاب والسنة للحق المعلوم كما قال تعالى ^ ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ^ # فلو كان في الإحساس الباطن والظاهر ما يرد حكمه مطلقا حتى يوافقه إحساس آخر لكان ذلك أيضا مردودا وليبين ذلك كما بين نظيره فإن الحاجة إلى ذلك في أصل الأيمان أعظم من الحاجة إلى ما هو دون ذلك بدرجات كثيرة فلما كان المحرم هو اتباع الظن وما تهوى الأنفس والقول في الدين بلا علم أو قول غير الحق نهى عن ذلك ولم يفرق بين إحساس ظاهر أو باطن ولا بين حس وعقل فلم يكن لأحد أن يفرق بين ما جمع الله تعالى بينه ويجمع بين ما فرق الله تعالى بينه بل يتبع كتاب الله تعالى على وجهه والله أعلم # والذي دل عليه الكتاب أن طرق الحس والخيال والعقل وغير ذلك متى لم يكن عالما بموجبها لم يكن له أن يقول على الله وليس له أن يقول عليه إلا الحق وليس له أن يقفو ما ليس له به علم لا في حق الله ولا في حق غيره فإما تخصيص الإحساس بالباطن بمنعه عن تصور الأمور الإلهية بحسه فهو خلاف ما دل عليه القرآن من تسوية هذا بسائر أنواع الإحساس في المنع وأن القول بموجبها جميعها

إذا كان باطلا حرم في حق الله تعالى وحق باده وإن كان حقا لم ينه عنه في شيء من ذلك # يؤكد ذلك أن حكم الوهم والخيال غالب على الآدميين في الأمور الإلهية بل وغيرها فلو كان ذلك كله باطلا لكان نفي ذلك من أعظم الواجبات في الشريعة ولكان أدنى الأحوال أن يقول الشارع من جنس ما يقوله بعض النفاة ما تخيلته فالله بخلافه لا سيما مع كثرة ما ذكره لهم من الصفات # الوجه التاسع والثلاثون قولك الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته يقال له ليس الأمر كذلك بل هم يستدلون على منازعيهم في إثبات الصفات لله وما يتبع ذلك بما هو من جنس هذه الحجج وأضعف منها سواء سميت ذلك من حكم العقل أو من حكم الوهم والخيال فإن الاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ لا سيما وقد جرت عادة هؤلاء المتكلمين أنهم يسمون بدعواهم منازعيهم بالأسماء المذمومة ويسمون أنفسهم بالأسماء المحمودة فإن كانوا مشتركين في جهة الحمد والذم ويقول أحدهم قال أهل الحق وقال أهل التوحيد ونحو ذلك حتى قد يدعون الإيمان أو ولاية الله تعالى لأنفسهم خاصة كما يفعل ذلك الرافضة والمعتزلة وطوائف من غلاة الصوفية وهؤلاء فيهم شبه من أهل الكتاب الذين قالوا ^ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ^ وقالوا إن الدار الآخرة خالصة لهم عند الله يوم القيامة والذين ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه ويسمى أحدهم من أثبت لله صفة مشبها ومجسما مع كونه قد أثبت نظيرها أو أبلغ منها ويسمى النافي معطلا ويكون قد نفى نظير ما نفاه ذلك

# الوجه السابع والثلاثون أن يقال أصل الجهل والضلال والزندقة والنفاق والإلحاد والكفر والتعطيل في هذا الباب هو ما اشتركت فيه الدهرية والجهمية من التكذيب والنفي والجحود لصفات الله تعالى بلا برهان أصلا بل البراهين إذا أعطوها حقها أوجبت ثبوت الصفات وهم مع اشتراكهم في هذا الأصل الفاسد افترقوا حينئذ في المناظرة والمخاصمة كل قوم معهم من الباطل نصيب # وذلك أن مبدأ حدوث هذا في الإسلام هو مناظرة الجهمية للدهرية كما ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مناظرة جهم للسمنية وهم من الدهرية حيث أنكروا الصانع وإن كان غيرهم من فلاسفة الهند كالبراهمة لا ينكره بل يقول العالم محدث فعله فاعل مختار كما يحكي عنهم المتكلمون وكذلك مناظرة المعتزلة وغيرهم لغير هؤلاء من فلاسفة الروم والفرس وغيرهم من أنواع الدهرية وكذلك مناظرة بعضهم بعضا في تقرير الإسلام عليهم وإحداثهم في الحجج التي سموها أصول الدين ما ظنوا أن دين الإسلام ينبني عليها وذلك هو أصل علم الكلام الذي اتفق السلف والأئمة على ذمه وذم أصحابه وتجهيلهم فإن كلام السلف والأئمة في ذم الجهمية والمتكلمين لا يحصيه إلا الله تعالى وأصل ذلك أنهم طلبوا أن يقرروا ما لا ريب فيه عند المسلمين من أن الله تعالى خلق السموات والأرض وأن العالم له صانع خالق خلقه ويردوا على من يزعم أن ذلك قديم إما واجب بنفسه وإما معلول علة واجبة بنفسها # فإن الدهرية لهم قولان في ذلك ولعل أكثر المتكلمين إذا ذكروا قول الدهرية لا يذكرون أن الدهرية إلا من ينكر الصانع فيقولون الدهرية وهم الذين يقولون بقدم العالم وإنكار الصانع وعندهم كل من آمن بالصانع فإنه يقول بحدوث العالم وهذا كما قاله طوائف من المتكلمين كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني قال في مسائل التكفير

# وجملة الخلاف على ضربين خلاف مع الخارجين عن الملة المنكرين لكلمة التوحيد وإثبات النبوة أعني نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وخلاف مع أهل القبلة المنتسبين إلى الملة فأما الخلاف مع الخارجين عن الملة فعلى ثلاثة أضرب خلاف مع المنكرين للصانع والقائلين بقدم العالم وخلاف مع القائلين بحدوث العالم المثبتين للصانع المنكرين للنبوات أصلا كالبراهمة وخلاف مع القائلين ببعض النبوات المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فجعل ثبوت الصانع وحدوث العالم قولا وإنكار الصانع وقدم العالم قولا ولم يذكر قولا ثالثا بإثبات الصانع وقدم العالم لأن ذلك كالمتنافي عند جمهور المتكلمين فلا يجعل قولا قائما بنفسه # وأما الرازي وأمثاله فيذكروا الدهرية أعم من هذا بحيث أدخلوا فيهم هذا القسم الذي هو قول المشائين أر سطو وذويه وقول غيرهم فقال في كتاب نهاية العقول المسألة الرابعة في تفصيل الكفار قال الكافر إما أن يكون معترفا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم اولا يكون فإن لم يكن فإما أن يكونوا معترفين بشيء من النبوات وهم اليهود والنصارى وغيرهم وإما أن لا يعترفوا بذلك وهم إما أن يكونوا مثبتين للفاعل المختار وهم البراهمة وأما أن لا يثبتوه وهم الدهرية على اختلاف أصنافهم وكذلك قال غير هذا مثل ابن الهيصم وأمثاله قالوا قالت الدهرية من منكري الصانع ومثبتيه أن العالم على هيئة ما تراه عليه قد كان لم يزل إلا أن من أثبت الصانع منهم زعم أنه مصنوع لم يتأخر في الوجود عن صانعه وإليه ذهب أرسطو طاليس ومن قال بقوله وقال أهل التوحيد بل هو مصنوع محدث لم يكن ثم كان # ولا ريب إنكار الصانع بالكلية قول السمنية الذين ناظرهم الجهم بن صفوان وغيرهم من الدهرية وكطوائف غير هؤلاء من الأمم المتقدمة وأما الدهرية اليونان أتباع أرسطو وذويه ونحوهم فهم مع كونهم دهرية يقرون بأن العالم معلول

علة واجبة بنفسها ولهذا نفق قول هؤلاء على طوائف كثيرة وصاروا في ه زنادقة منافقين وادعوا علم الباطن الذي اختصوا بمعرفته وزعموا أن ما أظهرته الشرائع لمنفعة الجمهور ونحو ذلك مما ليس هذا موضعه # والمقصود هنا أن أولئك المتكلمين لما راموا إثبات وجود الصانع وخلق العالم سلكوا الطريقة التي ابتدعوها من الاستدلال على حدوث الموصوفات بحدوث صفاتها أو بحدوث صفاتها وأفعالها وسموا ذلك أجساما أو جواهر وسموا صفاتها وأفعالها أعراضا وبنوا الحجة على مقدمتين # إحداهما أن الموصوفات لا تخلو عن أعراض حادثة من صفات وأفعال تعتقب عليها # والثانية أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث # فاحتاجوا في تقرير المقدمة الأولى إلى ثبوت الأعراض أو بعضها وحدوثها أو حدوث بعضها وأن الأجسام لا تخلو منها أو من بعضها فتارة يستدلون بما شهدوه من الاجتماع والافتراق وتارة يقولون إنه لازم لها من الحركة والسكون وهذه الأقسام الأربعة هي الأكوان عندهم وهذه حجة الصفاتية يحتجون بالأكوان ويقولون إن الله تعالى لا يوصف بها وآخرون فيهم لا يحتجون إلا بجواز الاجتماع والافتراق دون الحركة والسكون حتى يستقيم له أن يصف الرب بذلك ويقول إن هذا هو الذي لا تخلو الجواهر منه وهو مبني على الجوهر الفرد وتارة يدعى بعضهم حدوث جميع الأعراض زعما منه أن العرض لا يبقى زمانين ويدعون مع ذلك بأن كل جسم فلن يخلو

عما يمكن قبوله من الأعراض أو عن ضد ونشأ بينهم في هذا من المقالات والنزاع ما يطول ذكره # وأما المقدمة الثانية فكانت في بادئ الرأي أظهر ولهذا كثير منهم يأخذها مسلمة فإن ما لا يخلو عن الحادث فهو مقارنه ومجامعه لا يتقدم عليه وإذا قدر شيئان متقارنان لا يتقدم أحدهما الآخر وأحدهما حادث كان الآخر حادثا # لكن في اللفظ إجمال فإن هذا القائل ما لا يخلو عن الحوادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث أو ما تعتقب عليه الحوادث فهو حادث ونحو ذلك له معنيان # أحدهما ما لا يخلو عن حوادث معينة لها ابتداء فلا ريب أن ما تقدم على ماله ابتداء فله ابتداء # والثاني أن ما لا يخلو عن جنس الحوادث بحيث لم يزل قائما به ما يكون فعلا له كالحركة التي تحدث شيئا بعد شيء فهذا لا يعلم أنه حادث إن لم يعلم أن ذلك الجنس لا يكون قديما بل يمنع حوادث لا أول لها وهذه مقدمة مشكلة بل كلام المتكلمين والفلاسفة فيما يتناهى وفيما لا يتناهى فيه من الاضطراب ما ليس هذا موضعه فاحتاجوا أن يستدلوا على هذه بأدلة التزموا طردها فنشأ عن ذلك مذاهب أخر كنفي التناهي في المستقبل حتى قال طوائف منهم الجهم بوجوب فناء العالم لوجوب تناهيه أولا وآخرا فقال بفناء الجنة والنار وقال أبو الهذيل بوجوب فناء الحركات إلى مقالات # وإن كان طوائف من المصنفين في الكلام لا يتعرضون لهذه المقدمة بل يرون أن قولهم مالا يخلو عن الحوادث فهو حادث يكفي في العلم بحدوث

ما التزمته الحوادث وهؤلاء يقولون إن قولنا حوادث وقولنا لا أول لها مناقضة ظاهرة في اللفظ والمعنى وإن لفظ كونها حوادث يوجب أن يكون لها أول وهذه طريقة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما وقولهم هذا يشبه قولهم إن نفي حدوث العالم هو قول نفاة الصانع ولأجل ما في هذه القضية من الاشتباه خفي عليهم هذا الموضع الذي لا بد من معرفته وبهذه الطريقة نفوا يقوم به فعل من الأفعال فنفوا أن الرب استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويا كما نطق به القرآن في قوله تعالى ^ خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ ^ وكان عرشه على الماء ^ فخص الاستواء بكونه بعد خلق السموات والأرض كما خصه بأنه على العرش وهذا التخصيص المكاني والزماني كتخصيص النزول وغيره إذ أبطلوا بهذه الطريقة أن يكون على العرش مطلقا وإن كان كثير ممن يسلك هذه الطريقة يجوز عليه الأفعال الحادثة فلا يمنع حدوث الاستواء كما كان كثير ممن ينفي ذلك يقول باستوائه على العرش مع نفي قيام الفعل به كما سيأتي مأخذ الناس في هذا # وإنما الغرض هنا التنبيه على هذه الطريقة فقال نفاة الصفاة من المعتزلة ونحوهم والصفاتية المنكرون للأفعال كالكلابية والأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم كالقاضي أبي يعلى وأبي الوفاء وابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني وغيرهم والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي إسحاق الأسفرائيني وأبي بكر ابن فورك وغيرهم قالوا الجسم محدث والدلالة على حدوثه أنا وجدنا هذه الأجسام تتغير عليها الأحوال والصفات فتكون تارة متحركة وتارة ساكنة وتارة حية وتارة ميتة وكذلك سائر الصفات التي تتجدد عليها فلا يخلو الجسم من أن يكون انتقل من حال قدم إلى حال قدم أو من حال حدث إلى حال حدث أو من حال قدم إلى حال حدث أو من حال

حدث إلى حال قدم فيستحيل أن يكون متنقلا من حال قدم إلى حال قدم لأنه لو كان كذلك استحال خروجه عن تلك الحال لأن كل حكم حصل عليه الجسم فيما لم يزل وجب وجوده دائما كوجوب وجوده فلما لم يصح خروج القديم عن وجوده الأزلي لأن وجوده ثابت فيما لم يزل كذلك لا يصح خروجه عن كل حكم كان عليه فيما لم يزل وفي العلم بأنه ينتقل من المكان الذي فيه ويخرج عنه دليل على أنه لم يكن في ذلك المكان فيما لم يزل لأن كل مكان يشار إليه وكل حال يشار إليه يصح خروجه عنهما وإذا جاز خروجه عنهما ثبت أنه لم يكن حاصلا في ذلك المكان ولا على تلك الصفة فيما لم يزل وإن كانت الحالة الأولى لم تكن حالة قدم فالحالة التي تجددت بعد أن لم تكن أولى وأحرى أن لا تكون حالة قدم فثبت بذلك أن الجسم لم يكن موجودا فيما لم يزل إذ لو كان موجودا فيما لم يزل لكان لا بد أن يكون في مكان أو ما يقدر تقدير المكان ولو كان كذلك لاستحال خروجه عن تلك المحاذاة لما ذكرناه وإلا نودي إلى حدثه وصح بذلك ما قلناه فهذا نظم حجة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما وهي حجة مبنية على وجوب الكون للجسم ووجوب حدوثه وامتناع حوادث لا أول لها وهذه حجة أكثرهم # ومضمونها أن الجسم القديم لا بد له من مكان فإن كان قديما امتنع خروجه عنه وإن كان حادثا لزم قيام الحادث به وتعاقب الحوادث عليه وهي حجة الرازي وغيره في حدوث العالم
فصل # النصوص قد أخبرت والعقول قد دلت على ثبوت صفات الله متنوعات له من العلم والقدرة والحب والبغض والسمع والبصر فإذا كان مع ذلك قد لزم

القول بأفعال تقوم بذاته كما تقوله طوائف من أهل الفلسفة والكلام مع جماهير أهل الحديث والفقه والتصوف وسلف الأمة وأن الأفعال متعلقة بمشيئته وقدرته وقد علم ما دلت عليه النصوص مع أن في العقول تنبيه عليه من قوله ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ فإنه إذا كان جملة السموات مقبوضة بيمينه وقد قال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما وما بينهما في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم وقد علم بالعقل أنه يجب أن يكون أعظم بكل وجه من مخلوقاته ومبتدعاته إذ كل ما فيها من وجود وكمال فهو من أثر قدرته ومشيئته فهو أعظم وأكبر وإذا كان كذلك كانت أفعاله التي يفعلها بذاته تناسب ذاته وكانت أعظم وأجل من أن يدرك عقول البشر قدرها وإذا كان من المعلوم أن حدوث هذه المتكونات من استحالة العناصر والمولدات أعظم نسبة إلى الفلك من الخردلة إلى الإنسان العظيم إذ في الإنسان من قدر الخردل أكثر مما في الفلك من قدر العناصر والمولدات فنسبة الأفلاك وما فيها إلى الرب تعالى دون نسبة حوادثها المتكونة إلى الفلك فإذا جاز أن تكون هذه محدثة بحركة مشهودة حادثة في الفلك فحدوث الفلك وما فيه لفعل يفعله الرب أولى بالجواز وأبعد عن الامتناع وله المثل الأعلى هذا مع أن هذه المحدثات إنما هي منسوبة عندهم إلى فيض العقل الفعال مع إعداد حركات جميع الأفلاك للقوابل وحينئذ فتكون نسبة المحدثات إلى ذلك نسبة كثرة أعظم من نسبة الخردلة إلى الإنسان بكثير ولهذا يظهر ذلك للعباد في المعاد إذا قبض الجبار الأرض بيده وطوى السموات بيمينه ثم هزهن وقال أنا الملك أين ملوك الأرض أين الجبارون أين المتكبرون # وإنما يعظم على الجهال من المتفلسفة وأمثالهم وأشباههم تقدير حدوث العالم

وتغيره لأنهم لم يقدروا الله حق قدره وكان ينبغي كلما شهدوه على عظم العالم وقدره يدلهم على قدر مبدعه لكن لما ضل من ضل منهم لم يثبت لخالقه ومبدعه إلا وجودا مطلقا لا ينطبق إلا على العدم وإن أثبت له نوعا من الخصائص الكلية فهي أيضا لا تمنع أنه إنما يطابق العدم ولهذا كان هؤلاء من الدهرية المعطلة نظيرا للصفاتية الذين لا يثبتون حقيقة الذات المباينة للعالم فإن حقيقة قولهم يعود إلى قول معطلة الصفات أيضا # وإذا كان الأمر كذلك فيقال لمن يلتزم منهم نفي الصانع ويقول أنا أقول إنه قديم واجب بنفسه لئلا يلزمني هذا المحذور الذي ذكرتموه في صدوره عن فاعل قديم كما قد يقول بعض الصفاتية إذا ضاقت عليهم الحجج في مسألة العرش والقرآن والرؤية وغيرها نحن نلتزم قول المعتزلة بنفي الصفات مطلقا فإنه يقال لهذا الدهري إذا كنت تجوز في عقلك وجود هذه الأفلاك قديمة أزلية واجبة الوجود أو حادثة بذاتها فإنها إذا لم تكن مفعولة لغيرها فإما أن تكون قديمة بنفسها أو حادثة بنفسها فإذا جوزت ذلك بلا زمان ولا مكان ولا من مادة ولا عن خالق لأن في إثبات الخالق صدور عن فاعل قديم أو حدوثها عنه بلا زمان ولا مكان ولا من مادة وهذا خلاف ما يشهد من صدور الأجسام عن غيرها أو حدوثها فإن تجويز وجوبها بنفسها وقدمها أو حدوثها بنفسها بلا فاعل أبعد عن المشهود والمحسوس والمعقول من صدورها عن فاعل بلا مادة ولا مكان ولا زمان فإن المشهودات صادرة في مكان وزمان ومن مادة وعن فاعل في الجملة وإن سميتموه طبيعة أو قوى فلكية أو غير ذلك فإنكم لا يمكنكم إنكار الأسباب الحادثة المحسوسة فإذا جوزتم وجود ذلك في غير زمان ولا مكان ولا من مادة ولا بفاعل كان ذلك أبعد عن المحسوس والمعقول مما فررتم منه وإذا قلتم ذلك قديم واجب الوجود

بنفسه كان ما يلزمكم في هذا من المحذورات أعظم بكثير مما يلزمكم من الاعتراف بصانع لها قديم واجب الوجود فإنكم مهما أوردتموه في ثبوته حينئذ من كونه يستلزم أن يكون محلا للصفات والأفعال ونحو ذلك فإن ذلك يلزمكم أعظم منه إذا قلتم بأن الأفلاك قديمة واجبة الوجود بنفسها وإن قدر أن قائلا يقول إنها حدثت بأنفسها فهذا أعظم إحالة وهذا مما نبغي التفطن له فكل ما يقوله الدهرية من نفاة الصانع ومن مثبتيه من الشبهة النافية لوجوده أو لفعله فإنه يلزمهم أعظم منه على قولهم بأن القديم واجب الوجود بنفسه مستغن عن صانع وقولهم بأنه معلول عن علة موجبة فتدبر هذا # وأصل ذلك أن الله ليس كمثله شيء لا في نفسه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا مفعولاته فإذا رام الإنسان أن ينفي شيئا مما يستحقه لعدم نظيره في الشاهد كان ما يثبته بدون الذي نفاه أبعد عن المشهود مثل أن يثبت الصفات بلا حقيقة الذات أو الذات بلا صفات أو يثبتهما بدون فعل يقوم بنفسه أو يثبت ذلك لازما لذاته أو يقول إن هذا المحسوس هو القديم الواجب الوجود بنفسه أو يقول حدث بنفسه فكل هذه المقالات النافية يلزم كل قول منها من المعارضات أعظم مما أورده هو على أقوال المثبتين فلا خلاص عنها بحال إذ الوجود مشهود محسوس ولا يخلو إما أن يكون قديما واجبا بنفسه أو محدثا بإحداث غيره وممكنا ومفتقرا إلى واجب بنفسه وإذا كان لا بد من الاعتراف بالوجود القديم الواجب وكان من نفي الرب الصانع الخالق السموات والأرض لشبهة يذكرها يلزمه مع هذا هي وما هو أعظم منها علم أن كل ما يذكره النفاة من الشبهة النافية للرب أو صفاته أو أفعاله حجج باطلة متناقضة إذ كان يلزم من صحتها نفي الوجود بالكلية وما استلزم نفي الوجود بالكلية علم أنه باطل


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:45 AM   #19
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# وهذا المقصود هنا وهو أن كل ما يحتج به في إثبات قدم العالم بل وفي نفي الصفات يلزم صاحبه أعظم مما فر منه حتى يؤول به الأمر إلى أن ينكر الوجود بالكلية أو يعترف ببطلان قوله وببطلان كل ما يدل على قوله وهذا موجود في عامة الدين مما أمر الله به من اعتقاد أو قول أو قصد وعمل ومن ترك شيئا من ذلك إلى غيره خوفا ترك كان في الذي فر إليه أعظم من ذلك المخوف وإن كان رغبة فيما فر إليه كان ما فاته أعظم مما حصل له بل يعاقبون بأعظم من ذلك وقد قال تعالى ^ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ^ فأخبر أن المشركين لا يأتون بقياس وأقيستهم من الباطل إلا أتى الله بما هو الحق بكلام وقياس أحسن تفسيرا بحيث يكون بيانه ودلالته للمطلوب أبين وأوضح وأجلى وأقرب إلى الأمور البديهية الجليلة فهذا في جانب الحق # وأما في عقوبة المبطل فإن المبطلين رئيسهم من الجن إبليس وأعظم رؤسائهم في الإنس فرعون وإبليس ترك طاعة الله تعالى وعبادته في السجود لآدم حذرا من نقص مرتبته بفضل آدم عليه فأداه ذلك إلى أن رضي بأن صار بأخس المراتب وباع آخرته بدنيا غيره كأخس القوادين فإنه يهلك نفسه في إغواء بني آدم بتحسين شهوات الغي لهم يتلذذون بالشهوات التي لا يلتذ هو بها ثم إنهم قد يتوبون فيغفر لهم وهو قد خسر وهلك من غير فائدة مع أنه ليس بين كونه تابعا لهؤلاء في إرادتهم الخسيسة وكونه تابعا لربه فيما أراد به من السجود لآدم نسبة في الشرف والرفعة كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الشيطان وعزتك لأغوين بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسامهم فقال وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأغفرن لهم ما استغفروني # وهكذا فرعون استكبر أن يعبد رب السموات والأرض خوفا من سقوط رياسته ثم رضي لنفسه أن يعبد آلهة له قد صنعها هو وهكذا تجد كل أهل

المقالات الباطلة وأهل الأعمال الفاسدة وإبليس إمام هؤلاء كلهم فإنه اتبع قياسه الفاسد المخالف للنص واتبع هواه في استكباره عن طاعة ربه تعالى # فكل من اتبع الظن وما تهوى الأنفس وترك اتباع الهدى ودين الحق الذي بينه الله تعالى وأمر به في كتبه وعلى ألسن رسله وفطر عليه عباده وضرب له الأمثال المشهودة والمسموعة فهو متبع لإبليس في هذا له نصيب من قوله ^ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ^ كما قال محمد بن سيرين أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقايس ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نعت القرآن من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وق قال تعالى لما أهبط آدم ^ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ^ فأخبر أن من اتبع هداه الذي جاء من عنده فإنه لا يضل ولا يشقى كما قال ^ ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون إلى قوله أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ^ فإنه الهدى ضد الضلالة والفلاح ضد الشقاء وقد قال من قال من السلف ^ المفلحون ^ الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من ما منه هربوا # ولهذا أمرنا أن نقول في كل صلاة ^ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ^ فإن المغضوب عليهم هم أهل الشقاء والضالون أهل الضلال وهم الذين اتبعوا هداه فلم يضلوا ولم يشقوا بل أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون وقال أيضا ^ إن المجرمين في ضلال وسعر ^ والسعر من أعظم الشقاء وهذا باب واسع

# وإنما القصود هنا التنبيه على هذا الأصل وهو أن من أعرض عن هدى الله علما وعملا فإنه لا يحصل له مطلوب ولا ينجو من مرهوب بل يلحقه من المرهوب أعظم مما فر منه ويفوته من المطلوب أعظم مما رغب فيه وأما المتبعون لهداه فإنهم على هدى من ربهم وهم المفلحون الذين أدركوا المطلوب ونجوا من المرهوب # وهذا الذي شهد الله تعالى به في كتابه وكفى به شهيدا قد يري العباد آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق فتتفق عليه الأدلة المسموعة والمشهودة هي أصل العلوم الضرورية والنظرية والقياسية التي ينتحلها أهل النظر وأهل الذوق فتكون الأدلة الحسية والضرورية والقياسية موافقة للأدلة السمعية من الكتاب والسنة وإجماع المؤمنين والمخالفون لهذا مخالفون لهذا وإن ادعوا في الأول من الأقيسة العقلية وفي الثاني من التأويلات السمعية ما إذا تأمله اللبيب وجد مآلهم في تلك الأقيسة العقلية إلى السفسطة التي هي جحود الحقائق الموجودة بالتمويه والتلبيس ومآلهم في تلك التأويلات إلى القرمطة التي هي تحريف الكلم عن مواضعه وإفساد الشرع واللغة والعقل بالتمويه والتلبيس وهذا أيضا سفسطة في الشرعيات وسمي قرمطة لأن القرامطة هم أشهر الناس بادعاء علم الباطن المخالف للظاهر ودعوى التأويلات الباطنة المخالفة للظاهر المعلوم المعقول من الكتاب والسنة والله يهدينا وسائر أخواننا المؤمنين لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم # ولما كان مآل هؤلاء إلى السفسطة التي هي جحود الحقائق وجحود الخالق وكان لا بد لهم من النفاق كان لتنبيه من نبه من الأئمة كمالك وأحمد وأبي يوسف

وغيرهم على أن كلام هؤلاء جهل وأن مآله إلى الزندقة كقول أحمد علماء الكلام زنادقة وقول أبي يوسف ويروى عن مالك من طلب العلم بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب وقول الشافعي ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح # ولما كان الرد إلى ما جاءت به الرسل يؤول بأصحابه إلى الهدى والصلاح قال تعالى ^ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ^ # ثم قال هذا الفيلسوف وهذا كله مع أن هذه الآراء في العالم ليست على ظاهر الشرع فإن ظاهر الشرع إذا تصفح ظهر من الآيات الواردة في الأنباء عن إيجاد العالم أن صورته محدثة بالحقيقة وأن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين أعني غير منقطع وذلك أن قوله تعالى ^ وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ^ يقتضي بظاهره أن وجودا قبل هذا الوجود وهو العرش والماء وزمانا قبل هذا الزمان أعني المقترن بصورة هذا الوجود الذي هو عدد حركة الفلك وقوله تعالى ^ يوم تبدل الأرض غير الأرض ^ يقتضي أيضا بظاهره أن وجودا ثانيا بعد هذا الوجود وقوله تعالى ^ ثم استوى إلى السماء وهي دخان ^ يقتضي بظاهره أن السموات خلقت من شيء فالمتكلمون ليسوا في قولهم أيضا في العالم على ظاهر الشرع بل يتأولوه بأنه ليس في الشرع أن الله كان موجودا مع العدم المحض ولا يوجد هذا فيه أيضا أبدا فكيف يتصور في تأويل المتكلمين في هذه الآيات أن الإجماع انعقد عليه والظاهر الذي قلناه في الشرع في وجود العالم قد قال فيه فرقة من الحكماء

# قلت لم يقل أحد من سلف الأمة ولا أئمتها إن هذه السموات والأرض خلقنا وحدثنا من غير أن يتقدمها مخلوق وهذا وإن كان يظنه طائفة من أهل الكلام أو يستدلون عليه فهذا قول باطل فإن الله قد أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين أن أهل اليمن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أول هذا الأمر فقال كان الله ولم يكن شيء غيره وفي رواية في البخاري ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض وفي رواية ثم كتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء وقد بسطنا هذا فيما سيأتي لما احتج المؤسس بحديث عمران هذا وذكر المخلوقات التي أخبر بابتدائها القرآن وإعادتها وما يتعلق بذلك # وكذلك لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن السموات والأرض لم تخلقا من مادة بل المتواتر عنهم أنهما خلقتا من مادة وفي مدة كما دل عليه القرآن قال الله تعالى ^ أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين ^ وقال تعالى ^ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ^ # وهذا الذي يذكره كثير من أهل الكلام الجهمة ونحوهم في الابتداء نظير ما يذكرونه في الانتهاء من أنه تفنى أجسام العالم حتى الجنة والنار

أو الحركات أو ينكرون وجود النفس وأن لها نعيما وعذابا ويقولون إن ذلك إنما هو للبدن بلا نفس ويزعمون أن الروح عرض من أعراض البدن ونحو ذلك من المقالات التي خالفوا فيها الكتاب والسنة إذ كانوا فيها هم والفلاسفة على طرفي نقيض وهذا الذي ابتدعه المتكلمون باطل باتفاق سلف الأمة وأئمتها # لكن يقال لهؤلاء الفلاسفة لا ريب أنكم أنتم وهؤلاء كلاكما مخالفون لما نطقت به الكتب الإلهية كما أنكم مخالفون لصرائح المعقولات ومن وافق ظالما في ظلمه كان جزاؤه أن يقال له ^ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشركون ^ وأنت قد اعترفت أن الأخبار الإلهية ناطقة بأن صورة العالم أي صورة السموات والأرض محدثة وأما قولك إن ظاهر الشرع أن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين فليس في القرآن ما يدل ظاهره على أن وجودا غير وجود الله أو زمانا موجودا خارجا عنه هو مقارن لوجوده وما ذكرته إنما يدل على أن العرش كان قبل السموات وهذا حق لكن ليس فيه أن وجود العرش أزلي وقد جاء ذكر خلقه في الأحاديث كحديث أبي رزين الآتي ذكره مع ما في القرآن من أنه رب العرش وأمثال ذلك وكذلك ما فيه من ذكر زمان قبل هذا الزمن المتعلق بحركة الفلك لا يدل على أن ذلك قديم أزلي مقارن لوجود الله تعالى وكذلك ما فيه من ذكر مادة لخلق السموات والأرض لا يقتضي أن تلك المادة قديمة أزلية هذا مع ما في القرآن من أنه ^ خالق كل شيء ^ في غير موضع و ^ رب كل شيء ^ ولفظ الخلق ينافي ما يذكرونه من لزوم العالم له كلزوم الصفة للموصوف # وحديث أبي رزين رواه أحمد والترمذي وغيره قال الترمذي في كتاب التفسير في تفسير سورة هود لأجل قوله تعالى ^ هو الذي خلق السموات

والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ^ ثنا أحمد بن منيع قال ثنا يزيد بن هرون أنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هو وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء قال أحمد بن منيع قال يزيد بن هارون العماء أي ليس معه شيء فهذا الحديث فيه بيان أنه خلق العرش المخلوق قبل السموات والأرض وأما قوله في عماء فعلى ما ذكره يزيد بن هارون ورواه عنه أحمد بن منيع وقرره الترمذي في أن معناه ليس معه شيء فيكون فيه دلالة على أن الله تعالى كان وليس معه شيء وسيأتي الكلام على ذلك إنشاء الله تعالى # ثم لو دل على وجود موجود على قول من يفسر العماء بالسحاب الرقيق لم يكن في ذلك دليل على قول الدهرية بقدم ما ادعوا قدمه ولا بأن مادة السموات والأرض ليستا مبتدعتين وذلك أن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده كما قال ^ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ^ وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة وأخبر أيضا أنه يغير هذه المخلوقات في مثل قوله ^ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ^ وقوله تعالى ^ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ^ ^ يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ^ ومن المعلوم أنه لم يتعقب الإعادة عدمه كما لم يتقدم ابتداء خلق السموات والأرض العدم المطلق وفي قوله تعالى ^ إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ^ وقوله ^ إذا السماء انفطرت ^ وقوله ^ إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع ^ وقوله ^ يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ^ وقال ^ فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ^ وقال تعالى ^ يوم تكون السماء كالمهل وتكون

الجبال كالعهن وقال تعالى ^ ويم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ^ وقال تعالى ^ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ^ فأخبر في هذه الآيات أن الخلق الذي ابتدأه وخلقه في ستة أيام يعيده ويقيم القيامة وقد أخبر أنه خلقه من مادة وفي مدة وأنه إذا أعاده لم يعدمه بل يحيله إلى مادة أخرى وفي مدة # وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة ولا فيما يشقه ويفطره بل الأحاديث المشهورة دلت على ما دل عليه القرآن من بقاء العرش وقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن سقفها عرش الرحمن قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلا الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن وقال تعالى لما أخبر بالقيامة ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر واللفظ لمسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون وفي الصحيحين أيضا عن عبدالله بن مسعود قال جاء جبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أو يا أبا القاسم إن الله يمسك السموات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن ويقول أنا الملك أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال وتصديقا له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم

^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ^ وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة قال فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه فقال ألا أخبرك بإدامهم قال بلى قال إدامهم باللام ونون قالوا ما هذا قال ثور ونون يأكل من زائدة كبدها سبعون ألفا وفي الصحيحين عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس بها علم لأحد وفي الصحيحين عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ^ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ^ فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله فقال على الصراط # ثم إنه سبحانه وتعالى لما أخبر بقبضة الأرض وطيه للسموات بيمينه ذكر نفخ الصور وصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ثم ذكر النفخة الثانية التي يقومون بها وذكر أنه تشرق الأرض بنور ربها وأنه يوضع الكتاب ويجاء بالنبيين والشهداء وأنه توفى كل نفس ما عملت وذكر سوق الكفار إلى النار وذكر سوق المؤمنين إلى الجنة إلى قوله تعالى ^ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوؤ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ^

# ولم يكن العرش داخلا فيما يقبض ويطوى ويبدل ويغير كما قال في الآية ^ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ # ثم أخبر ببقاء الجنة والنار بقاءا مطلقا ولم يخبرنا بتفصيل ما سيكون بعد ذلك بل إنما وقع التفصيل إلى قيام القيامة واستقرار الفريقين في الجنة والنار وذكر ما فيهما من الثواب والعقاب وقد أجمل من ذلك مالا نعلمه على التفصيل كقوله تعالى ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءا بما كانوا يعملون ^ وقوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكان الذي أخبرنا به مفصلا مالنا حاجة ومنفعة بمعرفته مفصلا وما سوى ذلك فوقع الخبر به مجملا إذ يمتنع أن نعلم كلما كان وسيكون مفصلا وهذا كما أنه أمرنا أن نؤمن بالملائكة والأنبياء والكتب عموما وقد فصل لنا من أخبار الأنبياء وأمر كتبهم وقصصهم وأمر الملائكة ما فصله والثاني أجمله كما قال ^ منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ^ وقال تعالى ^ ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ^ وأمثال هذا # فلما وقع التفصيل في خلق السموات والأرض وما بينهما وفي القيامة التي تستحيل فيها السموات والأرض وما بينهما لم يكن العرش داخلا في ذلك بل أخبر

ببقائه بعد تغيير السموات والأرض كما أخبر بكونه قبل خلق السموات والأرض خبرا مطلقا وأخبر في غير موضع أنه ربه وصاحبه تمييزا له من السموات والأرض كقوله ^ قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله قل أفلا تتقون ^ وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم وقال عن أهل سبأ ^ ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ^ وذكر نفسه بأنه ذو العرش في غير موضع كقوله تعالى ^ وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد ^ وقوله تعالى ^ قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ^ وقوله ^ رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ^ فهذا كله يبين أن العرش له شأن آخر # كما أن الروح خصه من بين الملائكة في مثل قوله ^ تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ^ وفي قوله ^ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ^ وفي قوله تعالى ^ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام ^ مع العلم أن ذلك جميعه مخلوق لله مملوك له وأنه رب ذلك كله وهم عباده # وليس فيما سكت عن الأخبار بتفصيله ما ينافي ما علم مجملا وما أخبر به مفصلا كما ذكر البخاري عن سليمان التيمي أنه قال لو قيل لي أين الله لقلت في السماء فلو قيل لي أين كان قبل أن يخلق السماء لقلت على عرشه على الماء فلو قيل لي أين كان قبل ذلك لقلت لا أدري قال البخاري وذلك لقوله تعالى ^ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ^ يعني بما بين


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2010, 02:46 AM   #20
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# فأما قول الدهرية بأن السموات لم تزل على ما هي عليه ولا تزال فهذا تكذيب صريح وكفر بين بما في القرآن وما اتفق عليه أهل الإيمان وعلموه بالاضطرار أن الرسل أخبروا به وكذلك قول الجهمية أو من يقول منهم إن السموات والأرض خلقتا من غير مادة ولا في مدة وأنهما يفنيان أو يعدمان أو أن الجنة تفنى أيضا كل ذلك مخالف لنصوص القرآن ولهذا كفر السلف هؤلاء وإن كان كفر الأولين أظهر وأبين لكن لم تكن الدهرية تتظاهر بقوله في زمن السلف كما تظاهرت الجهمية بذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك عند احتجاج المؤسس على نفي العلو بقوله ^ هو الأول والآخر ^ كما احتج بها الجهمية قبله # والطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول أن تعرف ألفاظه الصحيحة وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ والمعنى ولغتهم التي كانوا يتخاطبون بها وما حدث من العبارات وتغير من الاصطلاحات # ولفظ العالم ليس في لقرآن ولا يوجد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين وإنما الموجود لفظ العالمين وفيه عموم كقوله ^ رب العالمين ^ وقد يقال فيه خصوص كقوله ^ وفضلناهم على العالمين ^ وقوله ^ واصطفاك على نساء العالمين ^ وقوله تعالى ^ ما سبقكم بها من أحد من العالمين ^ عند من يجعل ذلك المراد به الآدميون أو أهل عصرهم # وكذلك لفظ الخلق هو معرف باللام ففيه عموم وقد ينصرف إلى المعهود الذي هو أخص من جملة المخلوقات كقوله في حديث خلق آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن وفي الحديث المتقدم ذلك وكذلك قوله في حديث الخلق وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل والله سبحانه وتعالى أعلم

# والمقصود هنا التنبيه على فساد حجج الدهرية المعطلة للصانع تعالى وتناقضها ومشاركة الجهمية لهم في بعض أصولهم الفاسدة مع حجج الدهرية المثبتة له أيضا # وقد تقدم ما ذكره أبو المعالي من أن شبه الدهرية لحصرها أربعة أقسام # أحدها تعرضهم للقدح في الدليل الذي ذكره أبو المعالي دليل المعتزلة ومن اتبعهم من المتكلمين الذي استدلوا له على حدوث الأجسام دليل الأعراض ونحن قد ذكرنا في غير هذا الموضع كلام أئمة المسلمين في هذه الطريقة تحريما وكراهة وإبطالا # قال والقسم الثاني يتعلق بالتعرض لنفي الصانع ولهم في ذلك طريقان # أحدهما أن إثبات قائم بنفسه يتقدس عن الجهات المحاذيات غير معقول # والثاني يتعلق بالتعديل والتجويز والحكم بأن الحكم لا يفعل الفعل إلا لغرض والغرض ماله الضر والنفع وذلك يستحيل على القديم # قلت هاتان أيضا كلامهم فيهما مع المعتزلة في الأصل فإنهم جهمية أثبتوه بالصفات السلبية وهم أيضا قدرية ثم انتقلت هذه الحجة إلى المرجئة فجاوبوهم في المقدمة الثانية ببعض جواب المعتزلة وأجابوهم في الصفات بجواب يقال إنه متناقض # قال أبو المعالي والقسم الثالث على الاستشهادات بالشاهد على الغائب من غير رعاية وجه في الجمع بينهما # قال والقسم الرابع من كلامهم يشتمل على ضروب من التمويهات

# قلت قد نبهنا على القسم الثالث والمقصود هنا القسم الثاني فإنه الذي ذكروا فيه نفي الصانع وهو أعظم كلامهم والحجة العظمى التي عول عليها ابن الراوندي المصنف كتاب التاج في قدم العالم ومحمد بن زكريا المتطبب فيما صنفه في ذلك حيث قال بالقدماء الخمسة والاحتجاج بها على قدم العالم تارة مع الإقرار بالعلة الموجبة وتارة مع عدم ذلك # فأما الأول فقالوا لو كان العالم محدثا لكان محدثه فاعلا مختارا وهو محال لوجهين # أحدهما أن ذلك الاختيار إما أن كون لغرض أو لا يكون فإن كان لغرض فهو باطل لأمرين # أحدهما أنه يجب أن يكون ذلك الغرض أولى به من عدمه وإلا لم يكن غرضا وإذا كان وجوده أولى به كان مستكملا بخلق العالم وهو محال # فإن قيل هو فعله لا لغرض يعود إليه بل لغرض يعود إلى غيره وهو الإحسان إلى الغير وهذا يدفع المحذور # قيل الإحسان إلى الغير إما أن يكون بالنسبة إلى ذاته أولى من تركه وإما أن لا يكون فإن كان مساويا لم يكن غرضا وإن لم يكن مساويا عاد المحذور # الثاني إن من فعل لغرض غيره كان الفاعل دون المفعول كالخادم والمخدوم ومن الممتنع أن يكون غير الله أشرف منه فيمتنع أن يفعل لغرض غيره

# وإن قيل إنه فعل العالم لا لغرض كان عابثا والعبث على الحكيم محال ولأنه يكون ترجيحا لأحد طرفي الممكن على الآخر من غير مرجح وهو محال # الوجه الثاني أنه لو فعله بالاختيار فإما أن يجوز منه فعل القبيح أو لا يجوز وإن شئت قلت فإما أن يجوز عليه فعل كل شيء وإما أن يكون متنزها عن بعض الأفعال فإن قيل إنه يجوز أن يصدر منه فعل القبيح لم يؤمن منه تصديق المتنبئين الكذابين بالمعجزات ولم يؤمن أيضا الخبر المخالف لمخبره فإن الكذب وتصديق الكاذب قبيح وتجويز ذلك يبطل النبوات وأخبار المعاد وهذا تبطل بهما الملل # وإن قيل إنه لا يفعل القبيح وهذا قبيح # الثاني أن العالم مملوء طافح بالشرور والآفات وأنواع الألم والعقوبات والقول بالغرض باطل وإذا بطل القسمان بطل القول بالفاعل المختار # وأما الاحتجاج بها على نفي الصانع مطلقا فأن يقال إن كان موجبا بذاته لزم قدم المفعولات وهو خلاف المحسوس لأن الموجب لفعل المحدث الذي هو علة تامة إن كان موجودا في الأزل لزم قدم المحدثات وإن لم يكن موجودا فصدوره بعد أن لم يكن يحتاج إلى سبب حادث والقول فيه كالقول في غيره من الحوادث فيمتنع حدوث محدث عن موجب بذاته وإن كان فاعلا باختياره عادت الحجة المتقدمة

# وهذه الحجة لما كان أصلها هو البحث عن حكمة الإرادة ولم فعل ما فعل وهي مسألة القدر ظهر بها ما كان السلف يقولونه إن الكلام في القدر هو أبو جاد الزندقة وعلم بذلك حكمة نهيه صلى الله عليه وسلم لما رآهم يتنازعون في القدر عن مثل ما هلك به الأمم قال لهم بهذا هلكت الأمم قبلكم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض وعن هذا نشأ مذهب المجوس والقدرية مجوس هذه الأمة حيث خاضوا في التعديل والتجويز بما هو من فروع هذه الحجة كما أن التجهم فروع تلك الحجة # ثم إن الدهرية ظنوا أنهم بالقول بقدم العالم ينجون من هذه الشبهات وكان الذي وقعوا فيه شرا مما وقعت فيه المجوس والقدرية ولهذا كان المشركون والصابئون القائلون بقدم العالم ومن معهم من الفلاسفة شرا من المجوس ومن معهم من القدرية المعتزلة وغيرهم # والمقصود بيان هذا يقال لهم لا ريب في هذا الوجود المشهود المستلزم لوجود الموجود القديم الواجب فإن نفس الوجود يستلزم موجودا قديما واجبا بنفسه إذ كل موجود فإما أن يكون واجبا قديما أو يكون محدثا أو ممكنا

والمحدث لا بد له من محدث والممكن لا بد له من واجب وهذا مما لا ينازع فيه أحد من بني آدم وإنما الدهرية تقول هذا العالم قديم واجب بنفسه أو يقولون هو معلول علة قديمة واجبة بنفسها فيقال لهؤلاء إن قلتم إن هذا العالم واجب الوجود بنفسه قديم لزمكم هذه المحالات وأضعافها فإنه يقال لكم لأي سبب تحرك الفلك الأعلا وغيره من الأفلاك ولم حصلت هذه الاستحالات فإن هذه أمور حادثة بعد أن لم تكن وهي ممكنة قطعا فالمحدث لها سواء كان الفلك أو غيره الذي قد قدر أنه قديم واجب الوجود بنفسه إن أحدثها لغرض لزم أن يكون مستكملا بها والتقدير أنه قديم واجب الوجود بنفسه فقد لزمكم أن يكون القديم الواجب الوجود بنفسه مستكملا بغيره وهذا هو المحال الذي فررتم منه فقد وقعتم فيه مع ما في ذلك من المحالات اللازمة على هذا التقدير مثل امتناع كون الفلك الأعلا هو المحدث لجميع الحركات وغير ذلك حتى لو قدر في كل فلك متحرك أنه قديم واجب الوجود بنفسه كان هذا السؤال قائما فيه وفي حركاته الحادثة بعد أن لم تكن وكذلك إن قالوا تحرك لأجل العناية بالسافلات أن يكون الأعلا خادما للأدنى وأن تكون هذه الغاية أعلا من الفاعل الذي هو أشرف منها وهو متناقض # وإن فرض أن قائلا يقول أو يخطر له إن الفلك ليس بقديم واجب بنفسه ولا معلول علة قديمة بل يقول حدث بنفسه بعد أن لم يكن وهذا لا نعلم به قائلا وقد ذكر أرباب المقالات أنهم لم يعلموا به قائلا لكن هو مما يخطر بالقلب ويوسوس به الشيطان

# فيقال هذا الوجود المشهود إما أن يكون موجودا بنفسه وإما أن لا يكون وإذا كان موجودا بنفسه فإما أن يكون قديما وهو القسم الذي تقدم بيان تناقض أصحابه وإما أن يكون محدثا بنفسه فيقال هذا القول أظهر فسادا وتناقضا فإنه من المعلوم ابالفطرة البديهية أن المحدث بد أن لم يكن لا يتصور أن يحدث عن غير محدث ولا ن يحدث نفسه فلا يكون الشيء صانعا لنفسه ولا مصنوعا لنفسه ولا يكون أيضا على غائية لنفسه كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع قال تعالى ^ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ^ قالوا من غير خالق خلقهم قال جبير بن مطعم لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية في صلاة المغرب أحسست بفؤادي قد انصدع وقد تكلمنا على هذه الآية في غير هذا الموضع بين سبحانه باستفهام الإنكار الذي يتضمن أن الأمر المنكر من العلوم المستقرة الملازمة للمخاطب التي ينكر على من جحدها لأنه سفسط بجحد العلوم البديهية الفطرية الضرورية فإنه من المعلوم أن ما حدث لا يكون من غير محدث أحدثه ولا يكون هو حدث بنفسه فقال ^ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ^ وهذا يستلزم الجمع بين النقيضين وغيره من المحالات # وإن كانت إحالته في العقل من أظهر العلوم الضروريات فإن كونه فاعلا لنفسه يقتضي أن يكون وجوده قبلها وكونها مفعولة يقتضي أن يكون وجوده بعد نفسه فيجب أن تكون نفسه موجودة معدومة في آن واحد # والمقصود هنا بيان تناقض حججهم وأن الذي يقولونه فيه من المحذور أعظم مما فروا منه # فيقال إذا قدر أنه حدث بنفسه بلا محدث بل عن العدم المحض فمعلوم أن هذا مع كونه معلوم الفساد بالضرورة من أبعد الأشياء عن الأمور الموجودة

المحسوسة وعن القياس العقلي فمن جوز أن يكون هذا الوجود صدر عن عدم محض فصدروه عن علة موجبة لا تستلزم وجود المعلول أقرب إلى العقل وأبعد عن المحذور وهو الذي فروا منه لأن أكثر ما في هذا أنه تكون العلة التامة قد تخلف عنها معلولها أو وجد المعلول عن علة ليست تامة ومن المعلوم أن صدوره لا عن شيء أعظم امتناعا وفسادا من صدوره عن علة ليست تامة ومن المعلوم أن وجود العلة التامة بلا معلول أقل فسادا وامتناعا من وجود المحدث لا من علة أصلا فإن المعلول إما محدث وإما قديم ومعلوم بالعقل أن حاجة المعلول المحدث إلى العلة أظهر من حاجة المعلول القديم ووجود المعلول بلا علة أبعد في العقل من وجود العلة بلا معلول فإذا جوزتم صدور المحدث بلا علة ولا محدث كان تجويز وجود العلة التامة مع تأخر معلولها أقرب في العقل وأبعد عن المحال # وكذلك أيضا إذا جوزتم صدوره عن العدم فصدوره عن فاعل مستكمل بفعله أو فاعل يفعل لا لغرض أقرب في العقل وأبعد عن المحال مما جوزتموه فإن هذا غايته أن يكون أحدثه فاعل ناقص أو عابث وبكل حال فهذا أقل امتناعا من أن يكون حدث لا عن شيء # وبالجملة فافتقار المحدث إلى المحدث من أبده العلوم وأوضح المعارف وهذا لم ينازع فيه أحد من العقلاء وأي قول قيل كان أقرب إلى العقل وأبعد عن المحال من هذا فإذا قرر هذا القول ظهر أن المحال الذي فيه أعظم من المحال الذي يلزم غيره ولهذا لم نكثر تقرير هذا القول وإنما تكلمنا على ما قال به قائلون وهم الدهرية القائلون بقدم العالم إما واجبا بنفسه وإما واجبا بعلته فهؤلاء إذا ظهر تناقض قولهم كان تناقض ذلك القول أظهر وقد ذكرنا بعض تناقضهم

# ويقال لهم أيضا هذه الكمالات الحاصلة للفلك بإحداث ما يحدثه من الحركات إن كانت مقدورة له في الأزل فلم أخرها وإن كانت غير مقدورة له فقد أثبتموه عاجزا عن غير ما فعل من الأحداث فإذا أقررتم بخلق الفلك لم يلزمكم في إثباته أكثر من هذا وهو أن يكون مستكملا بما يحدثه من الأفعال وأن لا يكون وجود تلك الأفعال في الأزل ممكنا وغاية ما يلتزمونه من قيام أفعال حادثة بذاته أو من كونه جسما أو غير ذلك فإن هذا كله لازم لكم إذا قلتم بأن الفلك قديم واجب الوجود فإذا كان كل محذور يلزمكم على تقدير إثبات الصانع يلزمكم أيضا على تقدير نفي الصانع كان القول بنفيه باطلا قطعا وكانت هذه الحجة فاسدة وهذا هو المقصود هنا # وأما بيان أن هذه الحوادث الموجودة في العالم يمتنع أن يكون الفلك مستقلا بهذا فذاك له مقام آخر إذ الغرض هنا بيان تناقضهم مع أن ذلك ظاهر بين والعقلاء المعروفون متفقون على أن الحوادث التي تحدث لا يستقل بها الفلك ويمتنع أن يكون في المخلوقات ما يستقل بأحداث محدث منفصل عنه فهذا له مقام آخر وهو دليل مستقل عظيم القدر على ثبوت الصانع تعالى # وهكذا الإلزام على التقدير الثاني وهو أن يقال هذه الحركات لغير غرض فيقال فيلزمكم بموجب كلامكم أن يكون الموجود القديم الواجب الوجود يفعل أفعالا دائمة مستمرة لغير غرض وقد قلتم إنه عبث والعبث على الحكيم محال فمهما كان جوابكم عن ذلك في هذا أمكن أن تجيبوا أنفسكم به إذا كان القديم الواجب الوجود هو صانع الفلك مع كون المحذور حينئذ أقل عندكم فلم عدلتم عن القول الأخف إلى القول الأقبح ولله المثل الأعلى فنزهتموه إذا كان

موجودا قديما صانعا عن أن يستكمل بفعله أو يكون عابثا فيه فجعلتموه معدوما وأي موجود فرض كان خيرا من المعدوم فعدلتم عن أن تصفوه بنوع نقص فوصفتموه بما يجمع كل نقص ثم وصفتم غيره بصفات الكمال التي هي وجوب الوجود والقدم مع وصفكم له بتلك النقائص فاجتماع هذه النقائص مع هذه الكمالات لازم لكم ولم تستفيدوا إلا كمال التعطيل والجحود بلا حجة أصلا # وقد ظهر فساد حجتهم وتناقضهم فيها من وجوه # أحدها أن الذي نفوه به يلزمهم مثله فيما أثبتوه من موجود قديم واجب وهو الفلك المشهود # الثاني أنهم قصدوا تنزيهه عن تجدد كمال له بفعله أو عن عبث فجعلوه أعظم نقصا من المستكمل العابث ومن المعلوم أنه إذا قدر فاعل يستكمل بفعله كان خيرا من المعدوم فإن الفلك أو غير الفلك إذا قدر ذلك فيه لم يشك عاقل أنه خير من المعدوم فكان نفيهم له الذي فروا إليه شرا من نفي بعض الأمور التي ظنوها كمالا فتدبر هذا أيضا وكذلك إذا قدر موجود كامل يفعل فعلا لغير غرض له وقيل إنه عابث فهو أكمل من العدم الذي ليس بشيء أصلا فإن الفاعل لغير غرض بمنزلة الساكن الذي لا يفعل وهذا يقال فيه إنه جامد ويقال في ذلك إنه عابث والجامد والعابث خير من العدم المحض لا سيما إذا كان متصفا بسائر صفات الكمال # الثالث ما تركب من هذين الوجهين وهو أنهم مع التزام المحالات التي زعموا أنهم فروا منها ومع التزام ما هو شر مما فروا منه لم يستفيدوا بذلك إلا جحود الصانع تعالى وتقدس رب العالمين الذي هو أصل كل باطل

وكفر وكذب وتناقض وشر في الوجود كما أن الإيمان به أصل كل حق وهدى وصدق واستقامة وخير في الوجود # وهكذا يقال لهم في فعل القبائح وعدم فعلها من وجوه # أحدها أن هذا لازم لكم فيما تصفونه بأنه واجب لذاته قديم وهذا لا بد منه على كل تقدير ولا مندوحة عنه # الثاني أن يقال تجويز تصديق الكاذب أو الكذب أكثر ما يقال فيه إنه يستلزم بطلان الرسالة والخبر عن الثواب والعقاب وهذا المحذور أخف بكثير من محذور نفي الصانع فهل يسوغ في العقل أن نجحد الصانع وخلقه للعالم لأن ثبوت ذلك يستلزم بطلان النبوة والوعد والوعيد فإنه يقال لذلك وأنت إذا نفيته بطلت النبوة والوعد والوعيد أيضا وبطل أضعاف هذا من أمور الديانات فبتقدير أن يكون هذا لازما على التقديرين لا يجوز أن يحتج به على نفي أحدهما مع كثرة المحاذير على هذا التقدير بل غاية ما يقال إذا قدر أنه لازم فليس بمحذور ومعلوم أن الإقرار بالصانع تعالى مع الكفر بالرسل والمعاد أقل كفرا من جحود الصانع كما أن الإقرار مستكمل أو عابث أقل كفرا من جحوده فالتزام زيادة الحجة والتعطيل بلا حجة من أبطل الباطل # وهكذا ما احتجوا به على جحود فعل القبيح كتكليف المحال ووجود الشرور فإنه يقال فيه هذان الوجهان # أحدهما لزوم ذلك أيضا مع ما يصفونه بالقدم ووجوب الوجود # الثاني أن ذلك إنما يستلزم نقصا وذلك أهون من العدم فإذا كانت الحجة إنما تستلزم في الوجود لم جز أن يلتزم عدمه بلا حجة بل إذا كان إثبات الوجود الناقص لا بد منه على كل تقدير

# ومثل من احتج على بطلان الخالق بأن ذلك يستلزم بطلان النبوة والمعاد مثل من بلغه أن الله تعالى بعث رسولا وأن قوما كذبوه فتأذى بذلك فجاء إليه فقتله وقال إنما قتلته لئلا يتأذى بالتكذيب وهؤلاء أعدموا الخالق لئلا تكذب رسله على زعمهم # وكذلك مثل من أراد أن ينصر ملكا له مملكة عظيمة ولكن بعض رعيته عصوه فعمد إلى ذلك الملك فقتله أو عزله عن الملك بالكلية وقال إنما فعلت ذلك إجلالا لقدره لئلا يعصيه بعض رعيته # ويحكى عن بعض الحمقاء أنه رأى ذبابا وقع على وجه مخدومه فأخذ المداس فضرب به وجه مخدومه ليطير عنه الذباب # ومثل من كان له ميراث من أبيه غصب بعض الناس شيئا منه فقصد بعض الحكام أو بعض الشهود دفع الشر عن ذلك الوارث ودفع تضرره بالغصب فأثبت أنه ليس ابنه وأنه لا يستحق شيئا من الميراث وقال إنه بهذا الطريق امتنع أن يكون مغصوبا وزال تضرره بالغصب # أو رجل كان له عقار عظيم من مساكن وبساتين وغيرها وله منافع عظيمة وحقوق كثيرة قد غصبه بعض الناس بعضها وهو متألم لذلك فقام قوم من الحكام والشهود والأعوان ليزيلوا عنه فسعوا في أخذ ذلك العقار منه بالكلية وإخراجه من ملكه ويده بلا فائدة حصلت له أصلا وقالوا هذا العقار إذا كان له فلا بد له من أن يؤخذ منه هذا الجزء اليسير فيتألم فأعدموه إياه كله بلا فائدة حصلت له # ومثل من قال أنا لا أصلي لأني إذا صليت أقصر في ذكر الله وعبادته وطاعته التي ينبغي أن أفعلها في الصلاة فأنا أترك الصلاة بالكلية خوفا من ترك بعض واجباتها

# وكذلك من قال لا أزكي أصلا لأني إذا زكيت فقد يأخذ زكاة بعض مالي من لا يستحقها فيحرم المستحقين لها فأنا أحرم المستحقين جميع الزكاة لئلا يحرموا بعضها بالمزاحمة # ومثل من ارتكب الفواحش المحرمة وترك النكاح الحلال قال لأني إذا نكحت المرأة فقد أطؤها وهي حائض أو في الدبر فأستحل الفواحش من التلوط وغيره حذرا من هذا الذنب # أو من أخذ يسرق أموال الناس خوفا من تجارة أو صناعة يكون ظلمه فيها أقل من ظلم السرقة # أو من أقام ببلاد الحرب معاونا لهم على قتال المسلمين خوفا من أن يهاجر إلى بلاد المسلمين فيقصر بجهاد أهل الحرب والأمثال في هذا كثيرة جدا # ومن العجب أن المتكلمين المناظرين لهؤلاء وأمثالهم من أهل الكفر إذا أوردوا سؤالا من جنس هذا السؤال أن يدخلوا معهم في جوابه وحله وقد لا يكون المجيب متمكنا من ذلك علما وبيانا ولا ينقطع بذلك الخصم ولا يهتدي لنقص قوي إدراكه أو سوء قصده أو لا حتياج تحقيق ذلك إلى مقدمات متعددة وزمان طويل وتقرير لتلك المقدمات بجواب ما ترد بها من ممانعة ومعارضة فيتركوا أن يبدؤوهم من أول الأمر ببيان فساد هذه الحجة وبيان تناقضهم وأن قائلها يلزمه إذا قال بها أعظم مما أنكره فإذا تبين له فسادها وللمتكلمين معه حصل دفع هذا الشر وبطلان هذا القول وهذه الحجة وهو المقصود في هذا المقام ثم بيان الحق وتكميله مقام آخر # ومثل ذلك مثال من قدم العدو بلاده فأخذ يبني ويغرس ويعمر ما ينتفع به لنفسه ويدفع به عدوه قبل دفع العدو عن بلاده فجعل كلما عمر شيئا خربه العدو

وهو غير متمكن من العمارة الثانية فإذا كان قادرا من أول الأمر على دفع العدو كان ذلك أولى وإن حصل له في ذلك نوع مشقة فهي أخف من كل مشقة يلتزمها مع بقاء العدو ببلاده والحجج الباطلة هي عدو الحق فهي عدو في قلب الناظر بنفسه لطلب الحق وقلبه كبلاده وهي أيضا عدو له مع المناظر الذي يناظره وسواء كان معاونا أو مغالبا ولهذا ناظر إبراهيم الخليل بمثل هذه المناظرة المتضمنة قياس الأولى وإلزام الخصم على قوله أعظم مما ألزمه هو على قول خصمه كما قال ^ وكيف أخاف ما أرشكتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ^ قال تعالى ^ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ^ قال زيد بن أسلم وغيره بالعلم فالعلم بحسن المحاجة مما يرفع الله تعالى به الدرجات وكذلك قال تعالى فيما أمر أن يخاطب به أهل الكتاب ^ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ^
فصل # يجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع جميع الموجودات وأما دلالة الاختراع فيدخل فيها وجود الحيوان كله ووجود النبات ووجود السموات وهذه الطريقة تنبني على أصلين موجودين بالقوة في جميع فطر الناس


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كلمات ذهبية لشيخ الإسلام ابن تيميه فخوره بحجابى منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum 6 07 May 2012 03:44 PM
نقص الوضوء و تلبيس The lack of ablution and dressing Devil أبو سفيان عالم الجان ـ علومه ـ أخباره ـ أسراره ـ خفاياه . الإدارة العلمية والبحوث World of the jinn 1 19 May 2010 10:41 PM
تلبيس الأم أبنائها ملابس رثة خوفاً من العين مكاوية العين والحسد وخطرها على المجتمعات قديما وحديثا . الإدارة العلمية والبحوث Research studies and eye a 1 21 Sep 2008 11:57 PM
كتاب تلبيس إبليس ... لإبن الجوزي مسك 2007 المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 5 13 Apr 2008 06:05 PM
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ????????????? ابن الورد منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum 2 08 Jun 2007 11:18 PM

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 10:04 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي