اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ : عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدّارِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ لِلَّهِ، وَلِكِتابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ». رَواهُ مُسْلِمٌ.

يُروى أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه كتَبَ إلى ابنِه مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ: (لا يكُنْ أخوك على قَطيعَتِك أقوى مِنك على صِلتِه، وعلى الإساءةِ أقوى مِنك على الإحسانِ) .


           :: وادي الجن شمال المدينة والبئر . (آخر رد :ابن الورد)       :: زعماعندو قدرة خارقة "بوهالي" خارج يداوي الناس من أمراض فالشارع العام فيها حارالأطباء (آخر رد :ابن الورد)       :: الشريف بهلول كيداوي وكيدير عمليات مستعصية وكيتحدى أطباء جميع دول العالم (آخر رد :ابن الورد)       :: 5:04 / 9:22 خطير ..عبد السلام دخانة يشرب ويستحم بالاسيد / الماء القاطع . (آخر رد :ابن الورد)       :: هَدْيِه النبي صلى الله فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْكَيِّ. (آخر رد :ابن الورد)       :: استكشاف قرية الجن الفروثي وتجربة جهاز كاشف الجن والأشباح بالموجات الكهرومغناطيسية . (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح بتصريح صادم: الجن يتعامل معنا والمنظومة التي تدير العالم تستجلب الشياطين ! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدث عن أسرار عبدة الشيطان :" التاروت هو أمر شيطاني "! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدى المنجمين : 2024 فيها لقاء مع الفضائيين وظهور وباء الزومبي ! (آخر رد :ابن الورد)       :: ماهي حقيقة مثلث برمودا ؟ ولماذا تختفي الطائرات والسفن به ؟ (آخر رد :ابن الورد)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

طب الأعشاب . علمها وطبها وفوائدها Department of Herbal Medicine. Flag and Dobaa and benefits كل ماجُرب فنفع مع خلو مسؤولية الموقع عن أى وصفة غير معتمدة من قبل المختصين فى الموقع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04 Apr 2010, 03:02 AM   #31
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


أعينهم وعذبهم وجعل عذابهم مستمرا فنكل بهم نكالا لم ينكله أمة سواهم وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى وتكاد الجبال تزول عن أماكنها وقتل المفعول به خير له من وطئه فانه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا ترجي الحياة معه بخلاف قتله فانه مظلوم شهيد وربما ينتفع به في آخرته.
قالوا: والدليل على هذا: أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خيرة الولي أن وإن شاء عفا وحتم قتل اللوطي حدا كما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم





ص -202- الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ثبت عن خالد بن الوليد"أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم فكان على بن أبي طالب أشدهم قولا فيه فقال: ما فعل هذا إلاّ أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه".
وقال عبد الله بن عباس:"أن ينظر أعلا ما في القرية فيرمى اللوطي منها منكسا ثم يتبع بالحجارة"وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله للوطية قوم لوط وابن عباس هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث وإسناده على شرط البخاري.
قالوا: وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط"ولم تجيء عنه لعنة الزانى ثلاث مرات في حديث واحد وقد لعن جماعة من أهل الكبائر فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة وكرر لعن اللوطية فأكده ثلاث مرات وأطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله لم يختلف منهم فيه رجلان وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله فظن بعض الناس ذلك اختلاف منهم في قتله فحكاها مسألة نزاع بين الصحابه وهي بينهم مسألة إجماع لا مسألة نزاع.
قالوا: ومن تأمل قوله سبحانه {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}. وقوله في اللواط {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ





ص -203- أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}. تبين له تفاوت ما بينهما فانه سبحانه نكر الفاحشة في الزنا أي هو فاحشة من الفواحش وعرفها في اللواط وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة كما تقول زيد الرجل ونعم الرجل زيد أي تأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد فهي لظهور فحشها وكماله غنية عن ذكرها بحيث لا ينصرف الاسم إلى غيرها وهذا نظير قول الفرعون لموسى {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} أي الفعلة الشنعاء الظاهرة المعلومة لكل أحد.
ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها احد من العالمين قبلهم فقال: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} ثم زاد في التأكيد بان صرح بما تشمئز منه القلوب وتنبوا عنها الأسماع وتنفر منه أشد النفور وهو إتيان الرجل رجلا مثله ينكحه كما ينكح الأنثى فقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ}. ثم نبه على استغنائهم عن ذلك. وأن الحامل لهم عليه ليس إلاّ مجرد الشهوة لا الحاجة التي لأجلها مال الذكر إلى الأنثى من قضاء الوطر ولذة الاستمتاع وحصول المودة والرحمة التي تنسي المرأة لها أبويها وتذكر بعلها وحصول النسل الذي هو حفظ هذا النوع الذي هو أشرف المخلوقات وتحصين المرأة وقضاء للوطر وحصول علاقة المصاهرة التي هي أخت النسب وقيام الرجال على النساء وخروج أحب الخلق إلى الله من جماعهن كالأنبياء والأولياء والمؤمنين ومكاثرة النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء بأمته إلى غير ذلك من مصالح النكاح والمفسدة التي في اللواط تقاوم ذلك كله وتربى عليه بما لا يمكن حصره وفساده ولا يعلم تفصيله إلاّ الله عز وجل.
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر عليه الرجال



ص -204- وقلبوا الطبيعة التي ركبها الله في الذكور وهي شهوة النساء دون الذكور فقلبوا الأمر وعكسوا الفطرة والطبيعة فاتوا الرجال شهوة من دون النساء ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها وكذلك قلبوهم ونكسوا في العذاب على رؤوسهم
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد فقال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} فتأمل هل جاء ذلك أو قريبا منه في الزنا؟ وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} ثم أكد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} وسماهم مفسدين في قول نبيهم فقال: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ}. فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل هذه المذمات ولما جادل فيهم خليله إبراهيم الملائكة وقد أخبروه بإهلاكهم فقيل له: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}.
وتأمل خبث اللوطية وفرط تمردهم على الله حيث جاؤا نبيهم لوطا لما سمعوا بأنه قد طرقه أضياف هم من أحسن البشر صورا فأقبل اللوطية إليهم يهرعون. فلما رآهم قال لهم: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ففدا أضيافه ببناته يزوجهم بهم خوفا على نفسه وعلى أضيافه من العار الشديد. فقال: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}. فردوا عليه ولكن رد جبار عنيد {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}. فنفث نبي الله نفثه مصدور وخرجت من قلب مكروب فقال: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}



ص -205- فنفس له رسل الله وكشفوا له عن حقيقة الحال وأعلموه إنه ممن ليس يوصل إليهم ولا إليه بسببهم فلا تخف منهم ولا تعبأ بهم وهون عليك فقالوا: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} ومبشروه بما جاؤا به من الوعد له ولقومه من الوعيد المصيب فقالوا: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} فاستبطأ نبي الله عليه السلام موعد هلاكهم وقال: أريد أعجل من هذا فقالت الملائكة: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}. فوالله ما كان بين إهلاك أعداء الله ونجاة نبيه وأوليائه إلاّ ما بين السحر وطلوع الفجر وإذا بديارهم قد اقتلعت من أصولها ورفعت نحو السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب ونهيق الحمير فبرز المرسوم الذي لا يرد من عند الرب الجليل إلى عبده ورسوله جبرائيل بان يقلبها عليهم كما أخبر به في محكم التنزيل فقال عز من قائل: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} فجعلهم آية للعالمين وموعظة للمتقين ونكالا وسلفا لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين وجعل ديارهم بطريق السالكين {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أخذهم على غرة وهم نائمون وجاءهم بأسه وهم في سكرتهم يعمهون فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون تلك اللذات آلاما فأصبحوا بها يعذبون.

مآرب كانت في الحياة لأهلها عذبا فصارت في الممات عذابا

ذهبت اللذات وأعقبت الحسرات وانقضت الشهوات وأورثه الشقوات تمتعوا قليلا وعذبوا طويلا رتعوا مرتعا وخيما فأعقبهم عذابا



ص -206- أليما أسكرتهم خمرة تلك الشهوات فما استقاموا منها إلاّ في ديار المعذبين وأرقدتهم تلك الغفلة فما استيقظوا منها إلاّ وهم في منازل الهالكين فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم فلو رأيت الأعلى والأسفل من هذه الطائفة والنار تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم وهم بين أطباق الجحيم وهم يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون: ذوقوا ما كنتم تكسبون {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ولقد قرب الله سبحانه مسافة العذاب بين هذه الأمة وبين إخوانهم في العمل فقال مخوفا لهم بأعظم الوعيد {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.

فيا ناكح الذكران يهنيكم البشرى فيوم معاد الناس إن لكم أجرا

كلوا واشربوا وازنو ولوطوا وأبشروا فإن لكم زفا إلى الجنة الحمراء

فإخوانكم قد مهدوا الدار قبلكم وقالوا إلينا عجلوا لكم البشرى

وها نحن أسلاف لكم في انتظاركم سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى

ولا تحسبوا أن الذين نكحتموا يغيبون عنكم بل ترونهم جهرا

ويلعن كلا منهم لخليله ويشقى به المحزون في الكرةالأخرى

يعذب كل منهم بشريكه كما اشتركا في لذة توجب الوزر

فصل:
في الأجوبة عما احتج به من جعل عقوبة هذه الفاحشة دون عقوبة الزنى. أما قولهم إنها معصية لم يجعل الله فيه حدا معينا فجوابه من وجوه: أحدها: أن المبلغ عن الله جعل حد صاحبها القتل حتما وما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما شرعه عن الله فان أردتم أن حدها غير معلوم بالشرع



ص -207- فهو باطل وإن أردتم أنه غير ثابت بنص الكتاب لم يلزم من ذلك انتفاء حكمه لثبوته بالسنة.
والثاني: أن هذا ينتقض عليكم بالرجم فانه إنما ثبت بالسنة.
فان قلتم: بل ثبت بقرآن نسخ لفظه وبقى حكمه.
قلنا: فينقض عليكم بحد شارب الخمر.
والثالث: أن نفى دليل معين لا يستلزم نفى مطلق الدليل ولا نفي المدلول فكيف وقد قدمنا أن الدليل الذي نفيتموه غير منتف؟
وأما قولكم إنه وطء في محل لا تشتهيه الطباع بل ركب الله الطباع على النفرة منه فهو كوطء الميتة والبهيمة فجوابه من وجوه:
أحدها: أنه قياس فاسد الاعتبار مردود بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة. كما تقدم بيانه.
الثاني: أن قياس وطء الأمرد الجميل الذي تربي فتنته على كل فتنة على وطء أتان أو امرأة ميتة من أفسد القياس وهل تعدل ذلك أحد قط باتان أو بقرة أو ميتة أو سبي ذلك عقل عاشق قلبه أو استولى على فكره ونفسه فليس في القياس أفسد من هذا.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:08 AM   #32
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الثالث: أن هذا منتقض بوطء الأم والبنت والأخت فإن النفرة الطبيعية عنه حاصلة مع أن الحد فيه من أغلظ الحدود -في أحد القولين- وهو القتل بكل حال محصنا كان أو غير محصن وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وهو قول إسحاق بن رهويه وجماعة من أهل الحديث.
وقد روى أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال:"لقيت عمى ومعه الراية فقلت له إلى أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وأخذ ماله". قال الترمذي:



ص -208- هذا حديث حسن قال الجوزجاني: عم البراء اسمه: الحارث بن عمرو.
في سنن أبي داود وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من وقع على ذات محرم فاقتلوه".
ورفع إلى الحجاج رجلا اغتصب أخته على نفسها فقال: أحبسوه واسألوا من ها هنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا عبد الله بن مطرف فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من تخطى حرم المؤمنين فخطوا وسطه بالسيف"وفيه دليل على القتل بالتوسيط وهذا دليل مستقل في المسألة وهو أن من لا يباح وطؤه بحال فحد واطئه القتل دليله: من وقع على أمه وابنته وكذلك يقال في وطء ذوات المحارم من وطء من لا يباح وطؤه بحال فكان حده القتل كاللوطي.
والتحقيق: أن يستدل على المسألتين بالنص والقياس يشهد لصحة كل منهما وقد إتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني؟ على قولين:
فذهب الشافعي ومالك وأحمد -في إحدى روايتيه- أن حده حد الزاني. وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال وكذلك اتفقوا كلهم على أنه لو أصابها باسم النكاح عالما بالتحريم أنه يحد إلاّ أبا حنيفة وحده فانه رأي ذلك شبهة مسقطة للحد.
والمنازعون يقولون: إذا أصابها باسم النكاح فقد زاد الجريمة غلظا وشدة. فإنه ارتكب محذورين عظيمين: محذور العقد ومحذور الوطء فكيف تخفف عنه العقوبة بضم محذور العقد إلى محذور الزنى؟.
وأما وطء الميتة ففيه قولان للفقهاء وهما في مذهب أحمد وغيره:



ص -209- أحدهما: أنه يجب به الحد وهو قول الأوزاعي فان فعله أعظم جرما وأكثر ذنبا لأنه انضم إلى هتك فاحشة حرمة الميتة.
فصل:
وأما وطء البهيمة فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يؤدب ولا حد عليه وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه وهو قول إسحق.
والقول الثاني: أن حكمه حكم الزاني يجلد أن كان بكرا ويرجم أن كان محصنا وهذا قول الحسن.
والقول الثالث: أن حكمه حكم اللوطي نص عليه أحمد ويخرج على الروايتين في حده هل هو القتل حتما أو هو كالزاني؟
والذين قالوا"حده القتل"احتجوا بما رواه أبو داود من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم"من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه".
قالوا: ولأنه وطء لا يباح بحال فكان فيه القتل حدا للوطي. ومن لم يرد عليه الحد قالوا: لم يصح فيه الحديث ولو صح لقلنا به ولم يحل لنا مخالفته.
قال إسمعيل بن سعيد الشالنجي: سألت أحمد عن الذي يأتي البهيمة فوقف عندها ولم يثبت حديث عمرو بن أبي عمرو في ذلك.
وقال الطحاوي: الحديث ضعيف وأيضا فرواية ابن عباس وقد أفتى بأنه لا حد عليه قال أبو داود: وهذا يضعف الحديث.
ولا ريب أن الزاجر الطبعي عن إتيان البهيمة أقوى من الزاجر الطبعي عن التلوط وليس الأمران في طباع الناس سواء فإلحاق أحدهما بالآخر من أفسد القياس كما تقدم.





ص -210- فصل:
وأما قياسكم وطء الرجل لمثله على سحاق المرأتين فمن أفسد القياس إذ لا إيلاج هناك وإنما نظير مباشرة الرجل الرجل من غير إيلاج على أنه قد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة"إذا أتت المرأة المرأة فهم زانيتان"ولكن لا يجب الحد بذلك لعدم الإيلاج وإن أطلق عليهما اسم الزنى العام كزنى العين واليد والرجل والفم.
وإذا ثبت هذا: فاجمع المسلمون على أن حكم التلوط مع المملوك كحكمه مع غيره ومن ظن أن تلوط الإنسان مع مملوكه جائز واحتج على ذلك بقوله تعالى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وقاس ذلك على أمته المملوكة فهو كافر يستتاب كما يستتاب المرتد فان تاب و وإلاّ ضرب عنقه وتلوط الإنسان بمملوكه كتلوطه بمملوك غيره في الإثم والحكم
فصل:
فإن قيل: مع هذا كله فهل من دواء لهذا الداء العضال؟ ورقية لهذا السحر القتال؟ وما الاحتيال لدفع هذا الخيال؟ وهل من طريق قاصد إلى التوفيق؟ وهل يمكن السكران بخمرة الهوى أن يفيق؟ وهل يملك العاشق قلبه والعشق قد وصل إلى سويدائه؟ وهل للطبيب بعد ذلك حيلة في برئه من سويداه؟ إن لامه لائم التذ بملامه لذكره لمحبوبه وان عذله عذل أغراه عذله وسار به في طريق مطلوبه ينادي عليه شاهد حاله بلسان مقاله:

وقف الهوى بي فليس لي متأخر عنه ولا متقدم

وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ما من يهون عليك ممن يكرم



ص -211- أشهبت أعدائي فصرت أحبهم إذ كان حظي منك حظي منهم

أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم

ولعل هذا هو المقصود بالسؤال الأول الذي وقع عليه الاستفتاء عليه والداء الذي طلب له الدواء.
قيل: نعم الجواب من أصله و"ما أنزل الله سبحانه من داء إلاّ وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهلة". والكلام في دواء داء تعلق القلب بالمحبة الهوائية من طريقين:
أحدهما: جسم مادته قبل حصولها.
والثاني: قلعها بعد نزولها وكلاهما يسير على من يسره الله عليه ومتعذر على من لم يعنه الله فان أزمة الأمور بيديه.
وأما الطريق المانع من حصول هذا الداء فأمران:
أحدهما: غض البصر كما تقدم فان النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ومن أطلق لحظاته دامت حسراته وفي غض البصر عدة منافع:
أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلاّ بامتثال أوامره وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلاّ بتضييع أوامره.
الثاني: أنه يمنع من وصول أثر السم المسموم -الذي لعل فيه هلاكه- إلى قلبه.
الثالث: أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله فان إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.

ص -212- الرابع: أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامس: أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقب الأمر بغض البصر فقال {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ثم قال: إثر ذلك {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب فإذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
السادس: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والباطل والصادق والكاذب وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واعتاد أكل الحلال لم تخط له فراسة وكان شجاع هذا لا تخطي له فراسة.
والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ومن ترك شيئا عوضه عن حبسه بصره لله ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنال ببصيرة القلب وضد هذا ما وصف الله به اللوطيين من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد البصيرة فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمه البصيرة يسكر القلب كما قال القائل:



ص -213- سكران سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكران؟

وقال الآخر:

قالوا: جننت بمن تهوى؟ فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون في الحين

السابع: إنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ويجمع الله له بين سلطان النصرة البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة كما في الأثر"الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله"وضد هذا تجده في المتبع هواه -من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها- وما جعله الله سبحانه فيمن عصاه كما قال: الحسن"إنهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا تفارق رقابهم أبي الله إلاّ أن يذل من عصاه"وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} والإيمان قول وعمل ظاهر وباطن وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} أي من كان يريد العزة فيطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح وفي دعاء القنوت"إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت"ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه وله من العز بحسب طاعته ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته.

الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي فيمثل له صورة

ص -214- المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة فيصير القلب في اللهب فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار وتلك الزفرات والحرقات فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة: أن جعل لهم في البرزخ


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:12 AM   #33
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


تنور من نار وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم كما أراها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في المنام في الحديث المتفق على صحته.
التاسع: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه قال تعالى: {لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحبسه.
العاشر: أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر وإن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده فإذا فسد القلب فسد النظر وإذا فسد النظر فسد القلب وكذلك في جانب الصلاح فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ فلا يصلح لسكني معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به والسرور بقربه فيه وإنما يسكن فيه أضداد ذلك.
الطريق الثاني:المانع من حصول تعلق القلب: اشتغال القلب بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه وهو إما خوف مقلق أو حب مزعج



ص -215- فمتى خلا القلب من خوف ما فواته أضر عليه من حصول هذا المحبوب أو خوف ما حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب أو محبته ما هو أنفع له وخير له من هذا المحبوب لم يجد بدا وفواته أضر عليه من فوات هذا المحبوب لم يجد بدا من عشق الصور.
وشرح هذا: أن النفس لا تترك محبوبا إلاّ لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب وهذا يحتاج صاحبه إلى أمرين إن فقدهما أو حدهما لم ينتفع بنفسه.
أحدهما: بصيرة صحيحة يفرق بها بين درجات المحبوب والمكروه فيؤثرا على المحبوبين على أدناهما ويحتمل أدنى المكروهين لتخلص من أعلاهما وهذا خاصة العقل ولا يعد عاقلا من كان بضد ذلك بل قد تكون البهائم أحسن حالا منه.
الثاني: قوة عزم وصبر يتمكن بهما من هذا الفعل والترك فكثير ما يعرف الرجل قدر التفاوت ولكن يأبي له ضعف نفسه وهمته وعزيمته على أشياء الأنفع من خسته وحرصه ووضاعة نفسه وخسة همته ومثل هذا لا ينتفع بنفسه ولا ينتفع به غيره وقد منع الله سبحانه إمامة الدين إلاّ من أهل الصبر واليقين فقال تعالى: وبقوله يهتدي المهتدون منهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} وهذا هو الذي ينتفع بعلمه وينتفع به غيره من الناس وضد ذلك لا ينتفع بعلمه ولا ينتفع به غيره ومن الناس من ينتفع بعلمه في نفسه ولا ينتفع به غيره فالأول يمشي في نوره ويمشي الناس في نوره والثاني قد طفئ نوره فهو يمشي في الظلمات ومن تبعه والثالث يمشي في نوره وحده.





ص -216- فصل:
إذا عرفت هذه المقدمة فلا يمكن أن يجتمع في القلب حب المحبوب الأعلى وعشق الصور أبدا بل هما ضدان لا يجتمعان. بل لا بد أن يخرج أحدهما صاحبه فمن كانت قوة حبه كلها للمحبوب الأعلى الذي محبة ما سواه باطلة وعذاب على صاحبها صرفه ذلك عن محبة ما سواه وإن أحبه لن يحبه إلاّ لأجله أو لكونه وسيلة له إلى محبته أو قاطعا له عما يضاد محبته وينقصها والمحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب وأن لا يشرك بينه وبين غيره في محبته وإذا كان المحبوب من الخلق يأنف ويغار أن يشرك في محبته غيره ويمقته لذلك ويبعده ولا يحظيه بقربه ويعده كاذبا في دعوي محبته مع أنه ليس أهلا لصرف قوة المحبة إليه فكيف بالحبيب الأعلى الذي لا تنبغي المحبة إلاّ له وحده وكل محبة لغيره فهي عذاب على صاحبها ووبال؟ ولهذا لا يغفر سبحانه أن يشرك به في هذه المحبة ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
فمحبة الصور تفوت محبة ما هو أنفع للعبد منها بل يفوت محبة ما ليس له صلاح ولا نعيم ولا حياة نافعة إلاّ بمحبته وحده فليختر إحدى المحبتين فإنهما لا يجتمعان في القلب ولا يرتفعان منه بل من أعرض عن محبة الله وذكره والشوق إلى لقائه إبتلاه بمحبة غيره فيعذب به في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة إما بمحبة الأوثان أو محبته الصلبان أو بمحبة النيران أو بمحبة المردان أو بمحبة النسوان أو بمحبة الأثمان أو بمحبة العشراء والخلان أو بمحبة ما هو دون ذلك مما هو في غاية الحقارة والهوان فالإنسان عبد محبوبه كائنا ما كان كما قيل:

أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي

فمن لم يكن إلهه مالكه ومولاه كان إلهه هواه قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ



ص -217- اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلي عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلي سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلي بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}؟.
فصل:
وخاصية التعبد: الحب مع الخضوع والذل للمحبوب فمن أحب شيئا وخضع له فقد تعبد قلبه له بل التعبد آخر مراتب الحب ويقال له التتيم أيضا فإن أول مراتبه العلاقة وسميت علاقة لتعلق الحب بالمحبوب قال الشاعر:

وعلقت ليلي وهي ذات تمائم ولم يبد للأتراب من ثديها حجم

وقال الآخر:

أعلاقة أم الوليد بعد ما أفنان رأسك كالثغام المجلس

ثم بعدها الصبابة وسميت بذلك لانصباب القلب إلي المحبوب قال الشاعر:

يشكى المحبون الصبابة ليتني تحملت ما يلقون من بينهم وحدي

فكانت لقلبي لذة الحب كلها فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي

ثم الغرام وهو لزوم الحب للقلب لزوما لا ينفك عنه ومنه سمى الغريم غر يما لملازمته صاحبه ومنه قوله تعالي: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} وقد أولع المتأخرون باستعمال هذا اللفظ في الحب وقل أن تجده في أشعار العرب ثم العشق وهو سفر إفراط المحبة ولهذا لا يوصف به الرب تبارك وتعالي ولا يطلق في حقه ثم الشوق وهو سفر القلب إلي المحبوب أحث السفر وقد جاء إطلاقها في حق الرب تعالي كما في مسند الإمام أحمد من حديث عمار بن ياسر



ص -218- أنه صلا صلاة فأوجز فيه فقيل له في ذلك فقال: أما إني دعوت فيها بدعوات كان النبي صلي الله عليه وسلم يدعو بهن:"اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك علي الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرضاء والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضاء بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسأل لذة النظر إلى وجهك الكريم وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين"وفي أثر آخر"طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشد شوقا"وهذا هو المعنى الذي عبر عنه صلي الله عليه وسلم بقوله"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"وقال بعض أهل البصائر في قوله تعالي {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فإن أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} لما علم سبحانه شدة شوق أوليائه إلى لقائه وأن قلوبهم لا تهتدي دون لقائه ضرب لهم أجلا موعدا للقائه تسكن نفوسهم به وأطيب العيش واللذة علي الإطلاق عيش المحبين المشتاقين المستأنسين فحياتهم هي الحياة الطيبة في الحقيقة ولا حياة للعبد أطيب ولا أنعم ولا أهنأ منها فهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالي {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وليس المراد منها الحياة المشتركة بين المؤمنين والكفار والأبرار والفجار من طيب المأكل والمشرب والملبس والمنكح بل ربما زاد أعلمكم الله علي أوليائه في ذلك أضعافا مضاعفة وقد ضمن الله سبحانه لكل من عمل صالحا أن يحييه حياة طيبة فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده وأي حياة أطيب من حياة اجتمعت همومه كلها وصارت هما واحدة في مرضات الله؟ ولم يتشعب قلبه بل أقبل علي الله واجتمعت إرادته وأفكاره التي كانت متقسمة بكل واد منها شعبة علي الله فصار ذكره بمحبوبه الأعلى





ص -219- وحبه والشوق إلى لقائه والأنس بقربه وهو المستولي عليه وعليه. تدور همومه وإرادته وتصوره بل خطرات قلبه فإن سكت سكت بالله وإن نطق نطق بالله وإن سمع فبه يسمع وإن أبصر فيه يبصر وبه يبطش وبه يمشى وبه يتحرك وبه يسكن وبه يحيى وبه يموت وبه يبعث كما في صحيح البخاري عنه صلي الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالي أنه قال:"ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها بي يسمع بي يبصر بي يبطش وبي يمشى ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن من يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".
فتضمن هذا الحديث الشريف الإلهي- الذي حرام علي غليظ الطبع كثيف القلب فهم معناه والمراد به- حصر أسباب محبته في أمرين: أداء فرائضه والتقرب إليه بالنوافل.
وأخبر سبحانه إن أداء فرائضه أحب مما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل وأن المحب لا يزال يكثر من النوافل حتى يصير محبوبا لله فإذا صار محبوبا لله أوجبت محبة الله له محبة منه أخرى فوق المحبة الأولى فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه وملكت عليه روحه ولم يبق فيه سعة لغير محبوبه البتة فصار ذكر محبوبه وحبه مثله الأعلى مالكا لزمام قلبه مستوليا علي روحه استيلاء المحبوب علي محبه الصادق في محبته التي قد اجتمعت قوى حبه كلها له.
ولا ريب أن هذا المحب إن سمع سمع لمحبوبه وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشي مشي به فهو في قلبه ومعه ومؤنسه وصاحبه



ص -220- فالباء هاهنا باء المصاحبة وهي مصاحبة لا نظير لها ولا تدرك أنزل الأخبار عنها والعلم بها فالمسألة حالية لا علمية محضة.
وإذا كان المخلوق يجد هذا في محبة المخلوق التي لم يخلق لها ولم يفطر عليها كما قال بعض المحبين:

خيالك في عيني وذكرك في فمي ومثواك في قلبي فأين تغيب

وقال الآخر:

ومن عجب أني أحن إليهم فأسئل عنهم من لقيت وهم معي

وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعى

وهذا ألطف من قول الآخر:


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:21 AM   #34
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue



إن قلت: غبت فقلبي لا يصدقني إذ أنت فيه مكان السر لم تغب

أو قلت ما غبت قال: الطرف: ذا كذب فقد تحيرت بين الصدق والكذب

فليس شيء أدني من المحب لمحبوبه وربما تمكنت المحبة حتى يصير في المحبة أدنى إلىه من نفسه بحيث ينسي نفسه ولا ينساه كما قال:

أريد لأنسي ذكره فكأنما تمثل لي ليلي بكل سبيل

وقال الآخر:

يراد من القلب نسيانكم وتأبي الطباع علي الناقل

وخص في الحديث السمع والبصر واليد والرجل بالذكر فإن هذه الآلات آلات الإدراك وآلات الفعل والسمع والبصر يوردان علي القلب الإرادة والكراهة ويجلبان إليه الحب والبغض فتستعمل اليد والرجل فإذا كان سمع العبد بالله وبصره به كان محفوظا في آلات إدراكه فكان محفوظا في حبه وبغضه فحفظ في بطشه ومشيه.



ص -221- وتأمل كيف اكتفي بذكر السمع والبصر واليد والرجل عن اللسان فإنه إذا كان إدراك السمع الذي يحصل باختياره تارة وبغير اختياره تارة وكذلك البصر قد يقع بغير الاختيار فجأة وكذلك حركة اليد والرجل التي لا بد للعبد منها فكيف بحركة اللسان التي لا تقع إلاّ بقصد واختيار؟ وقد يستغنى العبد عنها إلاّ حيث أمر بها.
وأيضا فانفعال اللسان عن القلب أتم من انفعال سائر الجوارح فإنه ترجمانه ورسوله.
وتأمل كيف حقق تعالي كون العبد به عند سمعه وبصره الذي يبصر به وبطشه ومشيه بقوله"كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها. ورجله التي يمشي بها"تحقيقا لكونه مع عبده وكون عبده في إدراكاته بسمعه وبصره وحركته بيديه ورجله.
وتأمل كيف قال:"بي يسمع وبي يبصر وبي يبطش"ولم يقل: فلي يسمع ولي يبصر ولي يبطش وربما يظن الظان إن اللام أولي بهذا الموضع إذ هي أدل علي الغاية ووقوع هذه الأمور لله وذلك أخص من وقوعها به وهذا من الوهم والغلط إذ ليست الباء هاهنا أنزل الاستعانة فإن حركات الأبرار والفجار وإدراكاتهم إنما هي بمعونة الله لهم وان الباء هاهنا للمصاحبة إنما يسمع ويبصر ويبطش ويمشى وأنا صاحبه ومعه كقوله في الحديث الآخر"أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"وهذه المعية هي المعية الخاصة المذكورة في قوله تعالي{لا تَحْزَنْ إن اللَّهَ مَعَنَا} وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم"ما ظنك باثنين الله ثالثهما"وقوله تعالي {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وقوله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} وقوله {وَاصْبِرُوا إن اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقوله {قَالَ كَلا إن مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} وقوله تعالي لموسى وهارون {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}



ص -222- فهذه الباء مفيدة بمعني هذا المعية دون اللام ولا يتأتى للعبد الإخلاص والصبر والتوكل ونزوله في منازل العبودية إلاّ بهذه الباء وهذه المعية.
فمتى كان العبد بالله هانت عليه المشاق وانقلبت المخاوف في حقه أمانا فبالله يهون كل صعب ويسهل كل عسير ويقرب كل بعيد وبالله تزول الأحزان والهموم والغموم: فلا هم مع الله ولا غم مع الله ولا حزن مع الله وحيث يفوت العبد معني هذه الباء فيصير قلبه حينئذ كالحوت إذا فارق الماء يثب وينقلب حتى يعود إليه.
ولما حصلت هذه الموافقة من العبد لربه تعالي في محابه حصلت موافقة الرب لعبده في حوائجه ومطالبه فقال"ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه"أي كما وافقني في مرادي بامتثال أوامري والتقرب إلى بمحابي فإنا أوافقه في رغبته ورهبته فيما يسألني إن أفعل به ويستعيذني إن يناله مكروه وحقق هذه الموافقة من الجانبين حتى اقتضى ذلك تردد الرب سبحانه في إماتة عبده ولأنه يكره الموت والرب تعالي يكره ما يكره عبده ويكره مساءته فمن هذه الجهة تقتضى أنه لا يميته ولكن مصلحته في إماتته فإنه ما أماته إلاّ ليحييه وما أمرضه إلاّ ليصحه وما أفقره إلاّ ليغنيه وما منعه إلاّ ليعطيه ولم يخرج من الجنة في صلب أبيه إلاّ ليعيده إليها علي أحسن الأحوال ولم يقل لأبيه"أخرج منها"إلاّ ليعيده إليها فهذا هو الحبيب علي الحقيقة لا سواه بل لو كان في كل منبت شعرة لعبد محبة تامة لله لكان بعض ما يستحقه علي عبده.

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلاّ للحبيب الأول

كم منزل في الارض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل

فصل:
ثم التتيم وهو آخر مراتب الحب وهو تعبد المحب لمحبوبه يقال:



ص -223- تيمه الحب إذا عبده ومنه تيم الله أي عبد الله وحقيقة التعبد الذل والخضوع للمحبوب ومنه قولهم: طريق معبد أي مذلل قد ذللته الأقدام فالعبد هو الذي ذللته الحب والخضوع لمحبوبه ولهذا كانت أشرف أحوال العبد ومقاماته في العبودية فلا منزل له أشرف منها.
وقد ذكر الله سبحانه أكرم الخلق عليه وأحبهم إليه وهو رسوله محمد صلي الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف مقاماته وهي مقام الدعوة إليه ومقام التحدي بالنبوة ومقام الإسراء فقال سبحانه {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} وقال {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلي عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} وقال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} وفي حديث الشفاعة"اذهبوا إلى محمد صلي الله عليه وسلم عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"فنال مقام الشفاعة بكمال عبوديته وكمال مغفرة الله له والله سبحانه خلق الخلق لعباديته وحده لا شريك له التي هي أكمل أنواع المحبة مع أكمل أنواع الخضوع والذل وهذا هو حقيقة الإسلام وملة إبراهيم التي من رغب عنها فقد سفه نفسه قال تعالي: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إن اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} الآية ولهذا كان أعظم الذنوب عند الله و الشرك بالله لا يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء واصل الشرك بالله إلاّ شراك مع الله في المحبة كما قال تعالي: {وَمِنَ النَّاسِ





ص -224- مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} وأخبر سبحانه إن من الناس من يشرك به من دونه فيتخذ الأنداد من دونه يحبهم كحب الله وأخبر إن الذين آمنوا أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم وقيل: بل المعنى أنهم أشد حبا لله من أصحاب الأنداد فإنهم وان أحبوا الله لكن لما أشركوا بينه وبين أندادهم في المحبة ضعفت محبتهم لله والموحدون لله لما خلصت محبتهم له كانت أشد من محبة أولئك والعدل برب العالمين والتسوية بينه وبين الأنداد هو في هذه المحبة كما تقدم.
ولما كان مراد الله من خلقه هو خلوص هذه المحبة له أنكر علي من اتخذ من دونه وليا أو شفيعا غاية الإنكار وجمع ذلك تارة وأقر واحدهما عن الآخر تارة بالإنكار فقال تعالي: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالي: الله {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} وقال تعالي: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ إن يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وقال في الإفراد {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} وقال تعالي: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
فإذا والى العبد ربه وحده وأقام له الشفعاء وعقد الموالاة بينه وبين عباده المؤمنين فصاروا أولياءه في الله بخلاف من اتخذ مخلوقا ولياء من دون الله. فهذا لون وذاك لون والشفاعة الشركية الباطلة لون والشفاعة الحق





ص -225- الثابتة التي إنما تنال بالتوحيد لون وهذا موضع فرقان بين أهل التوحيد وأهل الشرك بالله والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
والمقصود: إن حقيقة العبودية وموجباته لا تخلص مع الإشراك بالله في المحبة بخلاف المحبة لله فإنها من لوازم العبودية وموجباتها فإن محبة -رسول الله صلي الله عليه وسلم بل تقديمه في الحب علي الأنفس وعلي الآباء والأبناء- لا يتم الإيمان إلاّ بها إذ محبته من محبة الله وكذلك كل حب في الله ولله كما في الصحيحين عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان". وفي لفظ في الصحيح"لا يجد عبد طعم الإيمان إلاّ من كان في قلبه ثلاث خصال-: إن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرأ لا يحبه إلاّ الله وأن يكره إن يرجع إلى الكفر بعد اذ أنقذه الله منه كما يكره إن يقذف في النار".
وفي الحديث الذي في السنن"من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان".
وفي حديث آخر"ما تحاب رجلان في الله إلاّ كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه". فإن هذه المحبة من لوازم محبة الله وموجباتها وكل ما كانت أقوى كان أصلها كذلك.
فصل:
وهاهنا أربعة أنواع من الحب يجب التفريق بينهما وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينهما.
أحدها: محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحب الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.



ص -226- الثالث: الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلاّ بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله وهي المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه ندا من دون الله وهذه محبة المشركين وبقى قسم خامس ليس مما نحن فيه وهي المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم إلاّ إذا ألهت عن ذكر الله وشغلته عن محبته كما قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وقال تعالي: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}
فصل:
ثم الخلة وهي تتضمن كمال المحبة ونهايتها بحيث لا يبقى في القلب لمحبه سعة لغير محبوبه وهي منصب المشاركة بوجه ما وهذا المنصب خاصة للخليلين صلوات الله وسلامه عليهما: إبراهيم ومحمد كما قال: صلي الله عليه وسلم"إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا".
وفي الصحيح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:"لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله".
وفي حديث آخر"أني أبرىء إلى كل خليل من خلته"
ولما سأل إبراهيم عليه السلام الولد فأعطيه فتعلق حبه بقلبه فاخذ منه شعبه غار الحبيب علي خليله إن يكون في قلبه موضع لغيره فأمره بذبحه



ص -227- وكان الأمر في المنام ليكون تنفيذ المأمور به أعظم ابتلاء وامتحانا ولم يكن المقصود ذبح الولد ولكن المقصود ذبحه من قلبه ليخلص القلب للرب فلما بادر الخليل عليه الصلات والسلام إلى الامتثال وقدم محبة الله علي محبة ولده حصل المقصود فرفع الذبح وفدى بذبح عظيم فإن الرب تعالي ما أمر بشيء ثم أبطله رأسا بل لا بد إن يبقى بعضه أو بدله كما أبقى شريعة الفداء وكما أبقى استحباب الصدقة بين يدي المناجاة وكما أبقى الخمس صلوات بعد رفع الخمسين وأبقى ثوابها وقال"لا يبدل القول لدي وهي خمس في الفعل وخمسون في الأجر".
وأما ما يظنه بعض الغالطين إن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل الله ومحمد صلي الله عليه وسلم حبيب الله فمن جهله فإن المحبة عامة والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة وقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم إن الله اتخذه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ونفى إن يكون له خليل غير ربه مع إخباره لحبه لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب وغيرهم.
وأيضا فإن الله سبحانه {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ويحب الصابرين ويحب المحسنين ويحب المتقين ويحب المقسطين وخلته خاصة بالخليلين عليهما الصلاة والسلام والشاب التائب حبيب الله وإنما هذا عن قلة العلم والفهم عن الله ورسوله صلي الله عليه وسلم.
فصل:
قد تقدم إن العبد لا يترك ما يحب ويهواه إلاّ لما يحبه ويهواه ولكن يترك أضعفهما محبة






 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:21 AM   #35
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ص -228- لأقواهما محبة كما أنه يفعل ما يكره لحصول ما محبته أقوي عنده من كراهة ما يفعله أو لخلاصه من مكروه
وتقدم إن خاصية العقل إيثار علي المحبوبين علي أدناهما وأيسر المكروهين علي أقواهما وتقدم إن هذا من الكمال قوة الحب والبغض.
ولا يتم له هذا إلاّ بأمرين قوة الإدراك وشجاعة القلب فإن التخلف عن ذلك والعمل بخلافه يكون إما بضعف الإدراك بحيث أنه لم يدرك مراتب المحبوب والمكروه علي ما كان عليه إما لضعف في النفس وعجز في القلب بحيث لا يطاوعه الإيثار الأصلح له مع علمه بأنه الأصلح فإذا علمني إدراكه وقويت نفسه وتشجع قلبه علي إيثار المحبوب الأعلى والمكروه الأدنى فقد وفق لأسباب السعادة.
فمن الناس من يكون سلطان شهوته أقوي من سلطان عقله وإيمانه فيقهر الغالب الضعيف ومنهم من يكون سلطان إيمانه وعقله أقوى من سلطان شهوته وإذا كان كثير من المرضى يحميه الطبيب عما يضره فتأبى عليه نفسه وشهوته إلاّ تناوله ويقدم شهوته علي عقله وتسميه الأطباء: عديم المروءة فهكذا أكثر مرضى القلب يؤثرون ما يزيد مرضهم لقوة شهوتهم له.
فأصل الشر من ضعف الإدراك وضعف النفس ودناءتها وأصل الخير من كمال الإدراك وقوة النفس وشرفها وشجاعتها.
فالحب والإرادة أصل كل فعل ومبدأه والبغض والكراهة أصل كل ترك ومبدأه وهاتان القوتان في القلب أصل سعادته وشقاوته.
ووجود الفعل الاختياري لا يكون إلاّ بوجود سببه من الحب والإرادة.
وأما عدم الفعل فتارة يكون لعدم مقتضاه وسببه وتارة يكون لوجود البغض والكراهة المانع منه وهذا متعلق الأمر والنهى وهو الذي يسمى الكف





ص -229- وهو متعلق الثواب والعقاب وبهذا يزول الاشتباه في مسألة الترك هل هو أمر وجودي أو عدمي؟ والتحقيق أنه قسمان فالترك المضاف إلى عدم السبب المقتضي عدمي والمضاف إلى السبب المانع من الفعل وجودي.
فصل:
وكل واحد من الفعل والترك الاختياريين فإنما يؤثر الحي لما فيه من الحصول والمنفعة التي يلتذ بحصولها أو زوال الألم الذي يحصل له الشفاء بزواله ولهذا يقال شفاء صدره وشفاء قلبه قال:

هي الشفاء لداء لوظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول

وهذا مطلوب يؤثره العاقل حتى الحيوان البهيم ولكن يغلط فيه أكثر الناس غلطا قبيحا فيقصد حصول اللذة بما يعقب عليه أعظم الألم فيؤلم نفسه من حيث يظن أنه يحصل لذتها ويشفى قلبه بما يعقب عليه غاية المرض وهذا شأن من قصر نظره علي العاجل ولم يلاحظ العواقب وخاصة العقل النظر في العواقب فأعقل الناس من أثر لذة نفسه وراحته في الآجلة الدائمة علي العاجلة المنقضية الزائلة وأسفه الخلق من باع نعيم الأبد وطيب الحياة الدائمة واللذة العظمى التي لا تنغيص فيها ولا نقص بوجه ما بلذة منقضية مشوبة بالآلام والمخاوف وهي سريعة الزوال وشيكة الانقضاء.
قال بعض العلماء: فكرت في سعي العقلاء فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد وإن اختلفت طرقهم في تحصيله رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم فهذا في الأكل والشرب وهذا في التجارة والكسب وهذا بالنكاح وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة وهذا باللهو واللعب فقلت: هذا المطلوب مطلوب العقلاء ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه بل



ص -230- لعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده ولم أر في جميع هذه الطرق طريقا موصلا إليه إلاّ الإقبال علي الله وحده ومعالمته وحده وإيثار مرضاته علي كل شيء فإن سالك هذا السلام فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ العالي الذي لا فوت معه وإن حصل للعبد حصل له كل شيء وإن فاته فاته كل شيء وإن ظفر بحظه من الدنيا ناله علي أهني الوجوه فليس للعبد أنفع من هذه الطريق ولا أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته وبالله التوفيق"
فصل:
والمحبوب قسمان: محبوب لنفسه ومحبوب لغيره ولا بد إن ينتهي إلى المحبوب لنفسه دفعا للتسلسل المحال وكل ما سوى المحبوب الحق فهو محبوب لغيره وليس شيء يحب لذاته لنفسه إلاّ الله وحده وكل ما سواه مما يحب فإنما محبته تبعا لمحبة الرب تبارك وتعالي كمحبة ملائكته وأنبيائه وأوليائه فإنها تبع لمحبته سبحانه وهي من لوازم محبته فإن محبة المحبوب توجب محبة ما يحبه وهذا موضع يجب الاعتناء به فإنه محل فرقان بين المحبة النافعة لغيره والتي لا تنفع بل قد تضر.
فاعلم أنه لا يحبه لذاته إلاّ من كماله من لوازم ذاته وإلهيته وربوبيته وغناه من لوازم ذاته وما سواه فإنما يبغض ويكره لمنافاته محابه ومضادته لها وبغضه وكراهته بحسب قوة هذه المنافاة وضعفها فما كان أشد منافاة لمحابه كان أشد كراهة من الأعيان والأوصاف والأفعال والإرادات وغيرها فهذا ميزان عادل يوزن به موافقة الرب ومخالفته وموالاته ومعاداته فإذا رأينا شخصا يحب ما يكرهه الرب تعالي ويكره ما يحبه علمنا إن فيه من معاداته بحسب ذلك وإذا رأينا الشخص يحب ما يحبه الرب ويكره ما يكرهه وكلما كان الشيء أحب إلى الرب كان أحب إليه وأثره عنده وكلما كان أبغض إليه كان





ص -231- أبغض إليه وأبعد منه علمنا إن فيه من موالاة الرب بحسب ذلك. فتمسك بهذا الأصل غاية التمسك في نفسك وفي غيرك فالولاية عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه ليست بكثرة صوم ولا صلاة ولا تمزق ولا رياضة.
والمحبوب لغيره قسمان أيضا: أحدهما ما يلتذ المحب بإدراكه وحصوله والثاني: ما يتألم به ولكن يحتمله لإفضائه إلى المحبوب كشرب الدواء الكريه قال تعالي: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى إن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى إن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
فأخبر سبحانه إن القتال مكروه لهم مع إنهم خير لهم لإفضائه إلى أعظم محبوب وأنفعه والنفوس تحب الراحة والدعة والرفاهية وذلك شر لها لإفضائه إلى فوات هذا المحبوب فالعاقل لا ينظر إلى لذة المحبوب العاجل فيؤثرها وألم المكروه العاجل فيرغب عنه فإن ذلك قد يكون شرا له بل قد يجلب عليه غاية الألم وتفوته أعظم اللذة بل عقلاء الدنيا يتحملون المشاق المكروهة لما يعقبهم من اللذة بعدها وإن كانت منقطعة.
فالأمور أربعة: مكروه يوصل إلى مكروه ومكروه يوصل إلى محبوب ومحبوب يوصل إلى محبوب ومحبوب يوصل إلى مكروه فالمحبوب الموصل إلى المحبوب قد اجتمع فيه داعي الفعل من وجهين والمكروه الموصل إلى مكروه قد اجتمع فيه داعي الترك من وجهين.
بقي القسمان الآخران يتجاوز بهما الداعيان- وهما معترك الابتلاء والامتحان- فالنفس توثر أقربهما جوارا منهما وهو العاجل والعقل والإيمان يؤثرا نفعهما وإبقائها والقلب بين الداعيين وهو إلى هذا مرة إلى هذا مرة وهاهنا





ص -232- محل الابتلاء شرعا وقدرا فداعي العقل والإيمان ينادي كل وقت: حي علي الفلاح عند الصباح يحمد القوم السري وفي الممات يحمد العبد التقى فإن اشتد ظلام ليل المحبة وتحكم سلطان الشهوة والإرادة يقول: يا نفس اصبري فما هي إلاّ ساعة ثم تنقضي ويذهب هذا كله ويزول.
فصل:
وإذا كان الحب أصل كل عمل من حق وباطل فأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله كما إن أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله وكل إرادة تمنع كمال حب الله ورسوله وتزاحم هذه المحبة وشبهه منع كمال التصديق في معارضة لأصل الإيمان أو مضعفة له فإن قويت حتى عارضت أصلي الحب والتصديق كانت كفرا وشركا أكبر وإن لم تعارضه قدحت في كماله وأثرت فيه ضعفا وفتورا في العزيمة والطلب وهي تحجب الواصل وتقطع الطالب وتنكي الراغب فلا تصلح الموالاة إلاّ بالمعاداة كما قال تعالي: عن إمام الحنفاء المحبين انه قال لقومه {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فإنهمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} فلم يصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلاّ بتحقيق هذه المعاداة فإنه لا ولائه إلاّ لله ولا ولائه إلاّ بالبراءة من كل معبود سواه قال تعالي: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وقال تعالي: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فإنه سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}



ص -233- أي جعل هذه الموالاة لله والبراءة من كل معبود سواه كلمته باقية في عقبه يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض وهي كلمة: لا إله إلاّ الله وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات وعليها أسست الملة ونصبت القبلة وجردت سيوف الجهاد وهي محض حق الله علي جميع العباد وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار وهي المنشور الذي لا تدخل الجنة إلاّ به والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه وهي كلمة الإسلام ومفتاح دار الطريق وبها تنقسم الناس إلى شقي وسعيد ومقبول وطريد وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان وهي العمود الحامل للفرض والسنة"ومن كان آخر كلامه لا إله إلاّ الله دخل الجنة".
وروح هذه الكلمة وسرها: إفراد الرب حبل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالي جده ولا إله غيره. بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك: من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة فلا يحب سواه بل كان ما كان يحب غيره فإنما هو تبعا لمحبته وكونه وسيلة إلى زيادة محبته ولا يخاف سواه ولا يرجي سواه ولا يتوكل إلاّ عليه ولا يرغب إلاّ إليه ولا يرهب إلاّ منه ولا يحلف إلاّ باسمه ولا ينذر إلاّ له ولا يتاب إلاّ إليه ولا يطاع إلاّ أمره ولا يحتسب إلاّ به ولا يستغاث في الشدائد إلاّ به ولا يلتجئ إلاّ إليه ولا يسجد إلاّ له ولا يذبح إلاّ له وباسمه يجتمع ذلك في حرف واحد وهو: إن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة هذا هو تحقيق شهادة إن لا إله إلاّ الله ولهذا حرم الله علي النار من شهد إن لا إله إلاّ الله حقيقة الشهادة ومحال أن يدخل النار من خطبته بحقيقة هذه الشهادة وقام



ص -234- بها كما قال تعالي: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} فيكون قائما بشهادته في باطنه وظاهره وفي قلبه وقالبه فإن من الناس من تكون شهادته ميتة ومنهم من تكون نائمة إذا نبهت انتبهت ومنهم من تكون مضطجعة ومنهم من تكون إلى القيام أقرب وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن فروح ميتة وروح مريضة إلى الموت أقرب وروح إلى الحياة أقرب وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن وفي الحديث الصحيح عنه صلي الله عليه وسلم"إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلاّ وجدت روحه لها روحا"فحياة هذه الروح بهذه الكلمة فيها فكما إن حياة البدن بوجود الروح فيه وكما إن من مات علي هذه الكلمة فهو في الجنة يتقلب فيها فمن عاش علي تحقيقها والقيام بها فروحه تتقلب في جنة المأوى وعيشها أطيب عيش قال تعالي: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} فالجنة مأواه يوم اللقاء؟ وجنة المعرفة والمحبة والأنس بالله والشوق إلى لقائه والفرح به والرضا عنه وبه مأوى روحه في هذه الدار فمن كانت هذه الجنة مأواه هاهنا كانت جنة الخلد مأواه يوم المعاد ومن حرم هذه الجنة فهو لتلك الجنة أشد حرمانا والأبرار في نعين وإن اشتد بهم العيش وضاقت بهم الدنيا والفجار في جحيم وإن اتسعت عليهم الدنيا قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} جنة الدنيا قال تعالي: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ إن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسلام وَمَنْ يُرِدْ إن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:26 AM   #36
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فأي نعيم أطيب من شرح الصدر؟ وأي عذاب أضيق من ضيق الصدر؟ وقال تعالي: {أَلا إن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ



ص -235- الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشا وأنعمهم بالا وأشرحهم صدرا وأسرهم قلبا وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة.
قال النبي صلي الله عليه وسلم:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا: وما رياض الجنة؟ وقال: حلق الذكر". ومن هذا قوله صلي الله عليه وسلم"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". ومن هذا قوله -وقد سألوه عن وصاله في الصوم- وقال: إني لست كهيئتكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني"فأخبر صلي الله عليه وسلم إن ما يحصل له من الغذاء عند ربه يقوم مقام الطعام والشراب الحسي وإن ما يحصل له من ذلك أمر مختصا به لا يشركه فيه غيره فإذا أمسك عن الطعام والشراب فله عوض عنه يقوم مقامه وينوب منابه ويغنى عنه كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور يستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي

إذا اشتكت من كلال السير أوعدها روح اللقاء فتحي عند ميعادى

وكل ما كان وجود الشيء أنفع للعبد وهو إليه أحوج كان تألمه بفقده أشد وكل ما كان عدمه أنفع كان تألمه بوجوده أشد ولا شيء علي الإطلاق أنفع للعبد من إقباله علي الله واشتغاله بذكره وتنعمه بحبه وإيثاره لمرضاته بل لا حياة له ولا نعيم ولا سرور ولا بهجة إلاّ بذلك فعدمه آلم شيء له وأشد عذابا عليه وإنما تغيب الروح عن شهود هذا الألم والعذاب لاشتغالها بغيره واستغراقها في ذلك الغير فتغيب به عن شهود ما هي فيه من ألم الفوات بفراق أحب شيء



ص -236- إليها وأنفعه لها وهذا بمنزلة السكران المستغرق في سكره الذي احترقت داره وأمواله وأهله وأولاده وهو لاستغراقه في السكر لا يشعر بألم ذلك الفوات وحسرته حتى إذا صح وكشف عنه غطاء السكر وانتبه من رقدة الخمر فهو أعلم بحاله حينئذ وهكذا الحال سواء عند كشف الغطاء ومعاينة طلائع الآخرة والإشراف علي مفارقة الدنيا والانتقال منها إلى الله بل الألم والحسرة والعذاب هناك أشد بأضعاف أضعاف ذلك فإن المصاب في الدنيا يرجو جبر مصيبته في الدنيا بالعوض ويعلم أنه قد أصيب بشيء زائل لا بقاء له فكيف بمن مصيبته بما لا عوض عنه ولا بدل منه ولا نسبة بينه وبين الدنيا جميعا؟ فلو قضي الله سبحانه"عليه"بالموت من هذه الحسرة والألم لكان العبد جديرا به وان الموت ليعود أكبر أمنيته وأكبر حسراته هذا لو كان الألم علي مجرد الفوات كيف وهناك عن العذاب علي الروح والبدن أمور أخرى وجودية مالا يقدره قدره؟ فتبارك من حمل هذا الخلق الضعيف هذين الألمين العظيمين اللذين لا تحملهما الجبال الرواسي.
فأعرض علي نفسك"الآن"أعظم محبوب لك في الدنيا بحيث لا تطيب لك الحياة إلاّ معه فأصبحت وقد أخذ منك وحيل بينك وبينه أحوج ما كنت إليه كيف يكون حالك؟ هذا ومنه كل عوض فكيف بمن لا عوض عنه كما قيل:

من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الله إن ضيعته عوض

وفي أثر إلهي"ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب ابن آدم أطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء".
فصل:
ولما كانت المحبة جنسا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالي ما يختص به ويليق به من أنواعها وما لا تصلح



ص -237- إلاّ له وحده مثل العبادة والإنابة ونحوهما فإن العبادة لا تصلح إلاّ له وحده وكذا الإنابة وقد ذكر المحبة باسمها المطلق كقوله تعالي {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقوله تعالي {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} وأعظم أنواع المحبة المذمومة: المحبة مع الله التي سوى فيها المحب بين محبة الله ومحبته للند الذي اتخذه من دون الله.
وأعظم أنواعها المحمودة محبة الله وحده وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها التي لا ينجو أحد من العذاب إلاّ بها والمحبة المذمومة الشركية هي أصل الشقاوة ورأسها التي لا يبقي في العذاب إلاّ أهلها فأهل المحبة الذين أحبوا الله وعبدوه وحده لا شريك له لا يدخلون النار من دخلها منهم بذنوبه فإنه لا يبقى فيها منهم أحد.
ومدار القرآن علي الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهى عن المحبة الأخرى ولوازمها وضرب الأمثال والمقاييس للنوعين وذكر قصص النوعين وتفصيل أعمال النوعين وأوليائهم ومعبود كل منهما واخباره عن فعله ولنوعين وعن حال النوعين في الدور الثلاثة: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار والقرآن باقي شأن النوعين.
وأصل دعوة جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم: إنما هو عبادة الله وحده لا شريك له المتضمنة لكمال حبه وكمال الخضوع والذل له والإجلال والتعظيم ولوازم ذلك من الطاعة والتقوى.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:"والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".



ص -238- وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"يا رسول الله والله لانت أحب إلى من كل شيء إلاّ من نفسي فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال: والذي بعثك بالحق لأنت أحب إلى من نفسي فقال: الآن يا عمر"فإذا كان هذا شأن محبة عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم ووجوب تقديمها علي محبة النفس ووالده وولده الكراهة أجمعين فما الظن بمحبة مرسله سبحانه وتعالي ووجوب تقديمها علي محبة ما سواه؟
ومحبة الرب تعالي تختص عن محبة غيره في قدرها وصفتها وإفراده سبحانه بها فإن الواجب له من ذلك كله إن يكون إلى العبد أحب إليه من ولده ووالده بل من سمعه وبصره ونفسه التي بين جنبيه فيكون إلهه الحق ومعبوده أحب إليه من ذلك كله والشيء قد يحب من وجه دون وجه وقد يحب بغيره وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلاّ الله وحده ولا تصلح الألوهية إلاّ له {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} والتأله: هو المحبة والطاعة والخضوع.
فصل:
وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فأصلها المحبة فهي علتها الفاعلية والغائبة وذلك لأن الحركات ثلاثة أنواع: حركة اختيارية إرادية وحركة طبيعية وحركة قسرية.
فالحركة الطبيعية أصلها السكون وإنما يتحرك الجسم إذا خرج عن مستقره ومركزه الطبيعي فهو يتحرك للعود إليه وخروجه عن مركزه ومستقرة وإنما يتحرك بتحرك القاسر المحرك له فله حركة قسرية تتحرك بتحريك محركه وقاسره وحركة طبيعية بذاتها تطلب بها العود إلى مركزه وكلا حركتيه تابعة



ص -239- للقاسر المحرك فهو أصل الحركتين.
والحركة الاختيارية الإرادية هي أصل الحركتين الأخريين وهي تابعة للإرادة والمحبة.
والدليل علي انحصار فصارت الحركات الثلاث: تابعة للمحبة والإرادة يشير علي انحصار الحركات في هذه الثلاث إن المتحرك إن كان له شعور الجزري فهي الإرادية وان لم يكن له شعور بها فإما أن يكون على وفق طبيعته الأولى فالأولى هي الطبيعية والثانية هي القسرية إذا فهمت هذا فما في السموات والأرض وما بينهما من حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والمطر والنبات وحركات الأجنة في بطون أمهاتها فإنما هي بواسطة الملائكة المدبرات أمرا والمقسمات أمرا كما دل علي نصوص القرآن والسنة في غير موضع والإيمان بذلك من تمام الإيمان بالملائكة: فإن الله وكل بالرحم ملائكة وبالقطر ملائكة وبالنبات ملائكة وبالرياح ملائكة وبالأفلاك والشمس والقمر والنجوم ووكل بكل عبد أربعة من الملائكة كاتبين علي يمينه وعلي شماله وحافظين من بين يديه ومن خلفه ووكل ملائكة بقبض روحه وتجهيزها إلى مستقرها من الجنة والنار وملائكة بمسألته وامتحانه في قبره وعذابه هناك أو نعيمه وملائكة تسوقه إلى المحشر إذا قام من قبره وملائكة بتعذيبه في النار أو نعيمه في الجنة ووكل بالجبال ملائكة وبالسحاب ملائكة تسوقه إلى حيث أمرت به وملائكة بالقطر تنزله بأمر الله بقدر معلوم كما شاء الله ووكل ملائكة بغرس الجنة وعمل آلاتها وفرشها وثيابها والقيام عليها وملائكة بالنار كذلك فأعظم جند الله الملائكة ولفظ"الملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر فليس لهم من الأمر شيء بل الأمر كله لله وهم يدبرون الأمر ويقسمونه بإذن الله وأمره قال تعالي: إخبارا عنهم {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} وقال



ص -240- تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلا مِنْ بَعْدِ إن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وأقسم سبحانه بطوائف من الملائكة المنفذين لأمره في الخليقة كما قال تعالي: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} وقال {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً} وقال تعالي: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} وقد ذكرنا معني ذلك وسر الأقسام في كتاب"التبيان في أقسام القرآن".
وإذا عرف ذلك فجميع تلك المحبات والحركات والإرادات والأفعال هي عباداتهم لرب الأرض والسموات وجميع الحركات الطبيعية والقسرية تابعة لها: فلولا الحب ما دارت الأفلاك ولا تحركت الكواكب النيرات ولا هبت الرياح المسخرات ولا مرت السحاب الحاملات ولا تحركت الأجنة في بطون الأمهات ولا انصدع عن الحب أنواع النبات ولا اضطربت أمواج البحار الزاجرات ولا تحركت المدبرات والمقسمات ولا سبحت بحمد فاطرها الأراضون والسموات وما فيها من أنواع المخلوقات فسبحان من {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}.
فصل:
فإذا عرف ذلك فكل حي له إرادة ومحبة وعمل بحسنه وكل متحرك فأصل حركته المحبة والإرادة ولا صلاح للموجودات إلاّ بان تكون حركاتها ومحبتها لفاطرها وباريها وحده كما لا وجود لها إلاّ بإبداعه وحده.



ص -241- ولهذا قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} ولم يقل سبحانه: لما وجدتا ولكانتا معدومتين ولا قال: لعدمتا إذ هو سبحانه قادر علي إن يبقيهما علي وجه الفساد لكن لا يمكن إن تكون علي وجه الصلاح والاستقامة إلاّ بان يكون الله وحده وهو معبود لهما ومعبود ما حوتاه وسكن فيهما فلو كان للعالم إلهان لفسد نظامه غاية الفساد فإن كل إله يطلب مغالبة الآخر والعلو عليه وتفرده دونه بالإلهية إذ الشرك نقص في كمال الإلهية والإله لا يرضى لنفسه إن يكون إلها ناقصا فإن قهر أحدهما الآخر كان هو الإله وحده والمقهور ليس بإله وان لم يقهر أحدهما الآخر لزم عجز كل منهما ونقصه ولم يكن تام الإلهية فيجب إن يكون فوقهما إله قاهر لهما حاكم عليهما وإلا ذهب كل منهما بما خلق وطلب كل منهما العلو علي الآخر وفي ذلك فساد أمر السموات والأرض ومن فيهما كما هو المعهود من فساد البلد إذا كان فيها ملكان متكافئان وفسد الزوجة إذا كان لها بعلان (والشول إذا كان فيه فحلان).
وأصل فساد العالم إنما هو من فساد اختلاف الملوك والخلفاء ولهذا لم يطمع أعداء الإسلام فيهم في زمن من الأزمنة إلاّ في زمن تعدد الملوك من المسلمين واختلافهم وانفراد كل واحد منهم ببلاد وطلب بعضهم العلو علي بعض فصلاح السموات والأرض واستقامتهما وانتظام أمر المخلوقات علي أتم نظام ومن أظهر الأدلة علي أنه لا إله إلاّ الله


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:27 AM   #37
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير وأن كل معبود من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل إلاّ وجهها الأعلى قال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلي بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالي عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ





ص -242- رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} قيل المعني لابتغوا السبيل إليه بالمغالبة والقهر كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض ويدل عليه قوله في الآية الأخرى {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلي بَعْضٍ}.
قال شيخنا: والصحيح إن المعنى لابتغوا إليه سبيلا بالتقرب إليه وطاعته فكيف تعبدونهم من دونه؟ وهم لو كانوا آلهة كما يقولون لكانوا عبيدا له قال: ويدل علي هذا وجوه:
منها: قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} أي هؤلاء الذين يعبدونهم من دوني هم عبادي كما أنتم عبادي ويرجون رحمتي ويخافون عذابي فلماذا تعبدونهم من دوني؟.
الثاني: أنه سبحانه لم يقل لابتغوا عليه سبيلا. بل قال: {لابْتَغَوْا إلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} وهذا اللفظ إنما يستعمل في القرب كقوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إليه الْوَسِيلَةَ} وأما في المغالبة فإنما يستعمل بعلي كقوله {فإن أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}.
الثالث: أنهم لم يقولوا إن آلهتهم تغالبه وتطلب العلو عليه وهو سبحانه قال: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} وهم إنما كانوا يقولون إن آلهتهم تبتغي التقرب إليه وتقربهم زلفى إليه قال تعالى: لو كان الأمر كما تقولون لكانت تلك الآلهة عبيدا له فلماذا تعبدون عبيده من دونه؟
فصل:
والمحبة لها آثار وتوابع ولوازم وأحكام سواء كانت محمودة أو مذمومة



ص -243- نافعة أو ضارة من الوجه والذوق والحلاوة والشوق والإنس والاتصال بالمحبوب والقرب منه والانفصال عنه والبعد منه والصد والهجران والفرح والسرور والبكاء والحزن وغير ذلك من أحكامها ولوازمها
والمحبة المحمودة هي المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه في دنياه وآخرته وهذه المحبة هي عنوان السعادة وضدها هي التي تجلب لصاحبها ما يضره في دنياه وآخرته وهي عنوان الشقاوة.
ومعلوم إن الحي العاقل لا يختار محبة ما يضره ويشقيه وإنما يصدر ذلك عن جهله وظلمه فإن النفس قد تهوي ما يضرها ولا ينفعها وذلك ظلم من الإنسان لنفسه إما إن تكون النفس جاهلة بحال محبوبها بأن تهوي الشيء وتحبه غير عالمة بما في محبته من المضرة وهذا حال من اتبع هواه بغير علم وأما عالمة بما في محبته من الضرر لكن يؤثر هواها علي علمها وقد تتركب محبتها من أمرين: من اعتقاد فاسد وهوي مذموم وهذا حال من اتبع الظن وما تهوي الأنفس فلا تقع المحبة الفاسدة إلاّ من جهل أو اعتقاد فاسد وهو غالب أو ما تركب من ذلك فأعان بعضه بعضا فتنفق شبهة يشتبه بها الحق بالباطل يزين له أمر المحبوب وشهوة تدعوه إلى وصوله فيتساعد جيش الشبهة والشهوة علي جيش العقل والإيمان والغلبة لأقواهما.
وإذا عرف هذا فتوابع كل نوع من أنواع المحبة له حكم متبوعه فالمحبة النافعة المحمودة التي هي عنوان سعادة العبد وتوابعها كله نافعة له حكمها حكم متبوعها. فإن بكي نفعه وإن حزن نفعه وإن فرح نفعه وإن انبسط نفعه وإن انقبض نفعه فهو يتقلب في منازل المحبة وأحكامها في مزيد وربح وقوة.



ص -244- والمحبة والمضرة المذمومة توابعها وآثارها كلها ضارة لصاحبها مبعدة له من ربه كيف ما تقلب في آثارها ونزل في منازلها فهو في خسارة وبعد.
وهذا شأن كل فعل تولد عن طاعة ومعصية فكل ما تولد من الطاعة فهو زيادة لصاحبه وقربة وكل ما تولد من المعصية فهو خسران لصاحبه وبعد قال تعالى: {ذَلِكَ بأنه لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إن اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
فأخبر الله سبحانه في الآية الأولي: إن المتولد عن طاعتهم وأفعالهم يكتب لهم به عمل صالح وأخبر في الثانية: إن أعمالهم الصالحة التي باشروها تكتب لهم أنفسها والفرق بينهما: إن الأول ليس من فعلهم وإنما تولد عنه فكتب لهم به عمل صالح والثاني: نفس أفعالهم فكتب لهم.

فليتأمل قتيل المحبة هذا الفصل حق التأمل ليعلم ما له وما عليه.

سيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع وعند الوزن ما كان حصلا

فصل:
وكما إن المحبة والإرادة أصل كل فعل كما تقدم فهي أصل كل دين سواء كان حقا أم باطلا فإن الدين من الأعمال الباطنة والظاهرة والمحبة والإرادة أصل ذلك كله والدين هو الطاعة والعبادة والخلق فهو الطاعة اللازمة الدائمة التي صارت خلقا وعادة ولهذا فسر الخلق بالدين في قوله تعالى



ص -245- {وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال الإمام أحمد عن ابن عيينة قال ابن عباس:"لعلي دين عظيم"وسئلت عائشة عن خلق النبي صلي الله عليه وسلم فقالت:"كان خلقه القرآن"والدين فيه معنى الإذلال والقهر فيه معنى الذل والخضوع والطاعة فلذلك يكون من الأعلى إلى الأسفل كما يقال: دنته فدان أي قهرته فذل قال الشاعر:

هو دان الرباب إذ كرهوا الد ين فأضحوا بعزة وصيال

ويكون من الأدنى إلى الأعلى كما يقال: دنت الله ودنت لله وفلان لا يدين الله دينا ولا يدين الله بدين فدان الله أي أطاع الله وأحبه وخافه ودان لله أي خشع له وخضع وذل وانقاد.
والدين الباطل لا بد فيه من الخضوع والحب كالعبادة سواء بخلاف الدين الظاهر فإنه لا يستلزم الحب وإن كان فيه انقياد وذل في الظاهر.
وسمى الله تعالى يوم القيامة"يوم الدين"لأنه اليوم الذي يدين فيه الناس فيه بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشر وذلك يتضمن جزاؤهم وحسابهم فلذلك فسروا بيوم الجزاء ويوم الحساب.
وقال تعالى: {فَلَوْلا إن كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي هلا تردون الروح إلى مكانها إن كنتم غير مربوبين ولا مقهورين ولا مجزيين وهذه الآية تحتاج إلى تفسير فإنها سيقت للاحتجاج عليهم في إنكارهم البعث والحساب ولا بد إن يكون الدليل مستلزم لمدلوله بحيث ينتقل الذهن منه إلى المدلول. لما بينهما من التلازم فيكون الملزوم دليل علي لازمه ولا يجب العكس.
ووجه الاستدلال: أنهم إذا أنكروا البعث والجزاء فقد كفروا بربهم



ص -246- وأنكروا قدرته وربوبيته وحكمته فإما إن يقروا بأن لهم ربا قاهرا متصرفا فيهم يميتهم إذا شاء ويحييهم إذا شاء ويأمرهم وينهاهم ويثيب محسنهم ويعاقب مسيئهم وأما إن لا يقروا برب هذا شأنه فإن أقروا آمنوا بالبعث والنشور والدين ألأمري والجزائي وإن أنكروه وكفروا به فقد زعموا أنهم غير مربوبين ولا محكوم عليهم ولا لهم رب يتصرف فيهم كما أراد فهلا يقدرون علي دفع الموت عنهم إذا جاءهم وعلي رد الروح إلى مستقرها إذا بلغت الحلقوم؟ وهذا خطاب للحاضرين وهم عند المحتضر وهم يعاينون موته: أي فهلا يردون الروح إلى مكانها إن كان لهم قدرة وتصرف ولستم بمربوبين ولا مقهورين لقاهر قادر يمضي عليكم أحكامه وينفذ فيكم أوامره وهذه غاية التعجيز لهم إذا تبين عجزهم عن رد نفس واحدة إلى مكانها, ولو اجتمع علي ذلك الثقلان فيا لها من آية دالة علي وحدانيته وربوبيته سبحانه وتصرفه في عباده ونفوذ أحكامه فيهم وجريانها عليهم.
والدين دينان. دين شرعي أمري ودين حسابي جزائي. وكلاهما لله وحده فالدين كله أمرا أو جزاء والمحبة أصل كل واحد من الدينين فإن ما شرعه وأمر به يحبه وبرضاه وما نهى عنه فإنه يكرهه ويبغضه لمنافاته لما يحبه ويرضاه فهو يحب ضده فعاد دينه الأمري كله إلى محبته ورضاه ودين العبد لله به إذا كان عن محبة ورضي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا"وهذا الدين قائم بالمحبة وبسببها شرع ولأجلها أسس وكذلك دينه الجزائي فإنه يتضمن مجازات المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وكل من الأمرين محبوب للرب فإنهما عدله وفضله وكلاهما من صفات كماله وهو سبحانه يحب صفاته



ص -247- وأسمائه ويحب من يحبها وكل واحد من الدينين فهو صراطه المستقيم الذي هو عليه فهو سبحانه علي صراط مستقيم في أمره ونهيه وثوابه وعقابه كما قال تعالى: إخبارا عن نبيه هود عليه السلام إنه قال لقومه: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلي اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إن رَبِّي عَلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
ولما علم نبي الله إن ربه علي صراط مستقيم في خلقه وأمره وثوابه وعقابه وقضائه وقدره ومنعه وعطائه وعافيته وبلائه وتوفيقه وخذلانه لا يخرج في ذلك عن موجب كماله المقدس الذي تقتضيه أسماؤه وصفاته من العدل والحكمة والرحمة والإحسان والفضل ووضع الثواب في مواضعه والعقوبة في موضعها اللائق بها ووضع التوفيق والخذلان والعطاء والمنع والهداية والإضلال كل ذلك في أماكنه ومحاله اللائقة به بحيث يستحق علي ذلك كمال الحمد والثناء أوجب له ذلك العلم والعرفان إذ نادي علي رؤوس الملإ من قومه بجنان ثابت وقلب غير خائف بل متجرد لله {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلي اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إن رَبِّي عَلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الآية
ثم أخبر عن عموم قدرته وقهره بكل ما سواه وذل كل شيء لعظمته فقال: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إن رَبِّي عَلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فكيف أخاف من ناحيته بيد غيره وهو في قبضته وتحت قهره وسلطانه دونه وهل هذا الأمر إلاّ من أجهل الجهل وأقبح الظلم؟
ثم أخبر أنه سبحانه علي صراط مستقيم فكل ما يقضيه ويقدره



ص -248- فلا يخاف العبد جوره ولا ظلمه فلا أخاف ما دونه فإن ناصيته بيده ولا أخاف جوره وظلمه فإنه علي صراط مستقيم وهو سبحانه ماض في عبده حكمه عدل فيه قضاؤه له الملك وله الحمد لا يخرج في تصرفه في عباده عن العدل والفضل إن أعطي وأكرم وهدي ووفق فبفضله ورحمته وإن منع وأهان وأضل وخذل وشقي فبعدله وحكمته وهو علي صراط مستقيم في هذا وهذا.
وفي الحديث الصحيح"ما أصاب عبد قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك إن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وحزني وذهاب همي وغمي إلاّ أذهب الله همه وغمه وأبدله فرجا مكانه قالوا: يا رسول الله ألا نتعلمهن؟ قال: بلي ينبغي لمن سمعهن إن يتعلمهن"وهذا يتناول حكم الرب الكوني والأمر والقضاء الذي يكون باختيار العبد وبغير اختياره وكلا الحكمين ماض في عبده وكلا القضائين عدل فيه فهذا الحديث مشتق من هذه الآية بينهما أقرب نسب وبالله التوفيق.
فصل:
ونختم الجواب بفصل متعلق بعشق الصور وما فيه من المفاسد العاجلة والآجلة وإن كانت أضعاف ما يذكره ذاكر فإنه يفسد القلب بالذات وإذا فسد فسدت الإرادات والأقوال والأعمال وفسد ثغر التوحيد كما تقدم وسنقرره أيضا إن شاء الله تعالى.
والله سبحانه وتعالى إنما حكى هذا المرض عن طائفتين من الناس وهم اللوطية



ص -249- والنساء فأخبر عن عشق امرأة العزيز ليوسف وما راودته وكادته به وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه مع إن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلاّ من صبره الله عليه فإن موافقة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع وكان الداعي ها هنا في غاية القوة وذلك من وجوه:
أحدها: ما ركب الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة كما يميل العطشان إلى الماء والجائع إلى الطعام حتى إن كثيرا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء وهذا لا يذم إذا صادف حلال بل يحمد كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصغار عن ثابت ألبناني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم"حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن"
الثاني: إن يوسف عليه الطريق كان شبا وشهوة الشباب وحدته أقوى.
الثالث: أنه كان عزبا لا زوجة له ولا سرية تكسر شدة الشهوة.
الرابع: أنه كان في بلاد غربة يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما لا يتأتى لغيره في وطنه وأهله ومعارفه.
الخامس: إن المرأة كانت ذات منصب وجمال بحيث إن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى موافقتها.
السادس: أنها غير آبية ولا ممتنعة فإن كثيرا من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها وكثير من الناس يزيده الآباء والامتناع زيادة حب كما قال الشاعر:

وزادني كلفا في الحب إن منعت أحب شيء إلى الإنسان ما منعا

فطباع الناس مختلفة في ذلك الآفات من يتضاعف حبه عند بذل المرأة ورغبتها وتضمحل عند إبائها وامتناعها وأخبرني بعض القضاة إن إرادته وشهوته


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:28 AM   #38
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue



ص -250- تضمحل عند امتناع زوجته أو سريته وإبائها بحيث لا يعاودها ومنهم من يتضاعف حبه وإرادته بالمنع ويشتد شوقه بكل ما منع وتحصل له من اللذة بالظفر نظير ما يحصل من لذة بالظفر بالضد بعد امتناعه ونفاره واللذة بإدراك المسألة بعد استصعابها وشدة الحرص علي إدراكها.
السابع: أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها بل كانت هي الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب إليه.
الثامن: إنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها بحيث يخشى إن لم يطاوعها من إذا هاله فاجتمع داعي الرغبة والرهبة.
التاسع: إنه لا يخشى إن تنم عليه هي ولا أحد من جهتها فإنها هي الطالبة والرغبة وقد غلقت الأبواب وغيبت الرقباء.
العاشر: أنه كان مملوكا لها في الدار بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا ينكر عليه وكان الأنس سابقا علي الطلب وهو من أقوى الدواعي كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب: ما حملك علي الزنا؟ قالت: قرب الوسادة وطول السرار تعني قرب وساد الرجل من وسادتي وطول السرار بيننا.
الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال فأرته إياهن وشكت حالها إليهن لتستعين بهن عليه فاستعان هو بالله عليهن فقال: {وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إليهنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
الثاني عشر: أنها تواعدته بالسجن والصغار وهذا أنواع إكراه إذ هو تهديد ممن يغلب علي الظن وقوع ما هدد به فيجتمع داعي الشهوة وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار.



ص -251- الثالث عشر: إن الزوج لم يظهر منه الغيرة والنخوة ما راحم به بينهما ويبعد كلا منهما عن صاحبه بل كان غاية ما قابلها به إن قال ليوسف: {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} وللمرأة {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع وهذا لم يظهر منه غيرة.
ومع هذه لدواعي كلها فآثر مرضات الله وخوفه وحمله حبه لله علي إن اختار السجن علي الزنا {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلى مِمَّا يَدْعُونَنِي إليه} وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه وأن ربه تعالى لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه وكان من الجاهلين وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه.
وفي هذه القصة من العبر والفوائد والحكم ما يزيد علي ألف فائدة لعلنا إن وفقنا الله إن نفردها في مصنف مستقل.
فصل:
والطائفة الثانية الذين حكى الله عنهم العشق: هم اللوطية كما قال تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إن هَؤُلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} فهذه الأمة عشقت حكاه سبحانه عن طائفتين عشق كل منهما ما حرم عليه من الصور ولم يبال بما في عشقه من الضرر.
وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه وعز عليهم شفاؤه وهو والله الداء العضال والسم القتال الذي ما علق بقلب إلاّ وعز علي الورى استنقاذه من إساره ولا اشتعلت نار في مهجة إلاّ وصعب علي الخلق تخليصها من ناره وهو أقسام:



ص -252- تارة يكون كفرا لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه فإنه من أعظم الشرك. والله لا يغفر إن يشرك به وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك وعلامة هذا العشق الشركي الكفرى: إن يقدم العاشق رضاء معشوقه علي رضاء ربه وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقه وحق ربه وطاعته قدم حق معشوقه علي حق ربه وآثر رضاه علي رضاه وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه وبذل لربه إن بذل أردى ما عنده وستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه وجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته.
فتأمل حال أكثر عشاق الصور هل تحدها مطابقة لذلك ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله ويطابق العدل وربم صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه كما قال العاشق الخبيث:

يترشفن من فمي رشفات هن أحلي فيه من التوحيد

وكما صرح الخبيث الآخر إن وصله أشهى إليه من رحمة ربه فعياذا بك اللهم من هذا الخذلان ومن هذا الحال قال الشاعر:

وصلك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل

ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه: فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبودية المخلوق مثله فإن العبودية أي كمال الحب والخضوع وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه فقد أعطاه حقيقة العبودية.



ص -253- ولا نسبة بين مفسدة هذا الأمر العظيم ومفسدة الفاحشة فإن تلك ذنب كبير لفاعله حكمه حكم أمثاله ومفسدة هذا العشق مفسدة الشرك وكان بعض الشيوخ من العارفين يقول: لئن أبتلي بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إلى من إن أبتلي فيها بعشق يتعبد لها قلبي ويشغله عن الله.
فصل:
ودواء هذا الداء القتال إن يعرف إنما ما بتلي به من الداء المضاد للتوحيد (إنما هو من جهله وغفلة قلبه عن الله فعليه إن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولا) ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بم يشغل قلبه عن دوام الفكر فيه ويكثر اللجاء والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
وأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور فإنه إنما يتمكن من قلب فارغ كما قال:

أتاني هواها قبل إن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا

وليعلم العاقل إن العقل والشرع قد يوجبان تحصيل المصالح وتكميلها وإعدام المفاسد وتقليلها فإذا عرض للعاقل أمر يرى فيه المصلحة والمفسدة وجب عليه أمران: أمر علمي وأمر عملي فالعلمي طلب معرفة الراجح من طرفي المصلحة والمفسدة فإذا تبين له الرجحان وجب عليه إيثار الأصلح له.



ص -254- ومن المعلوم أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينية ولا دنيوية بل مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف أضعاف ما يقدر فيه من المصلحة وذلك من وجوه:
أحدها: الاشتغال بذكر المخلوق وحبه عن حب الرب تعالى وذكره فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلاّ ويقهر أحدهما صاحبه ويكون السلطان والغلبة له.
لثاني: عذاب قلبه به فإن من أحب شيئا غير الله عذب به ولا بد كما قيل:

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ويبكي إن دنو خوف الفراق

فتسخن عينه عند الفراق وتسخن عينه عند التلاقي

والعشق وإن استلذ به صاحبه فهو من أعظم عذاب القلب.
الثالث: إن العاشق قلبه أسير في قبضة معشوقه يسومه الهوان ولكن لسكرة العشق لا يشعر بمصابه فقلبه كالعصفورة في كف الطفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب كما قال بعض هؤلاء:

ملكت فؤادي بالقطيعة والجفا وأنت خلي البال تلهو وتلعب

فيعيش العاشق عيش الأسير الموثق المطلقويعيش الخلي عيش المسيب

طليق برأي العين وهو أسير عليل علي قطب الهلاك يدور

وميت يرى في صورة الحي غاديا وليس له حتى النشور نشور

أخو غمرات ضاع فيهن قلبه فليس له حتى الممات حضور

الرابع: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه فليس شيء أضيع لمصالح



ص -255- الدين والدنيا من عشق الصور إما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله علي الله وعشق الصور أعظم شيئا تشعيثا وتشتيتا له وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع.
الخامس: إن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب وسبب ذلك إن القلب كلما قرب من العشق قوى اتصاله به بعد من الله فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات من كل ناحية فإن الشيطان يتولاه من تولاه عدوه واستولي عليه لم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلاّ أوصله فما الظن من قلب تمكن منه عدوه وأحرص الخلق علي عيبه وفساده وبعده من وليه ومن لا سعادة له ولا فلاح ولا سرور إلاّ بقربه وولايته.
السادس: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوى سلطانه أفسد الذهن وأحدث الوساوس وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون به وأخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها بل بعضها يشاهد بالعيان وأشرف ما في الإنسان عقله وبه يتميز عن سائر الحيوانات فإن عدم عقله التحق بالبهائم بل ربما كان حال الحيوان أصلح من حاله وهل أذهب عقل مجنون ليلي وأضرابه إلاّ العشق؟ وربما زاد جنونه علي جنون غيره كما قيل:

قالوا: جننت بمن تهوى فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون بالحين

السابع: أنه ربما أفسد الحواس أو نقصها إما فسادا معنويا أو صوريا إما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب فإن القلب إذا فسد فسدت العين



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:28 AM   #39
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ص -256- والأذن واللسان فيرى القبيح حسنا منه ومن معشوقه كما في المسند مرفوعا"حبك الشيء يعمي ويصم"فهو يعمي عين القلب عن رؤية مساوي المحبوب وعيوبه فلا ترى العين ذلك ويصم أذنه عن الإصغاء إلى العذل فيه فلا تسمع الأذن ذلك والرغبات تستر العيوب فإن الراغب في شيء لا يرى عيوبه حتى إذ زالت رغبته فيه أبصر عيوبه فشدت الرغبة غشاوة علي العين تمنع من رؤية الشيء علي ما هو عليه كما قيل:

هويتك إذ عينى عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها

والداخل في الشيء لا يرى عيوبه والخارج منه الذي لم يدخل فيه لا يرى عيوبه ولا يرى عيوبه إلاّ من دخل فيه ثم خرج منه ولهذا كان الصحابة الذين دخلوا في الإسلام بعد الكفر خير من الذين ولدوا في الإسلام.
قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه"إنما ينتقض عرى الإسلام عروة عروة إذا ولد في الإسلام من لا يعرف الجاهلية".
وأما فساده للحواس ظاهرا فإنه يمرض البدن وينهكه وربما أدى إلى تلفه كما هو المعروف في أخبار من قتله العشق.
وقد رفع إلى ابن عباس وهو بعرفة شاب قد انتحل حتى عاد جلدا علي عظم فقال: ما شأن هذا؟ قالوا: به العشق, فجعل ابن عباس يستعيذ بالله من العشق عامة يومه.
الثامن:أن العشق كما تقدم هو الإفراط في المحبة بحيث يستولي المعشوق علي القلب من العاشق حتى لا ولو من تخيله وذكره والفكر فيه بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه فعند ذلك تشتغل النفس عن استخدام القوة الحيوانية



ص -257- النفسانية فتتعطل تلك القوى فيحدث بتعطيلها من الآفات علي البدن والروح ما يضر دواؤه ويتعذر أفعاله وصفاته ومقاصده ويختل جميع ذلك فتعجز البشر عن صلاحه كما قيل:

الحب أول ما يكون لجاجة يأتي بها وتسوقه الأقدار

حتى إذا خاض الفتى لجج الهوى جاءت أمور لا تطاق كبار

والعشق مبادئه سهلة حلوة وأوسطه هم وشغل قلب وسقم وآخره عطب وقتل إن لم يتداركه عناية من الله كما قيل:

وعش خاليا فالحب أوله عنا وأوسطه سقم وآخره قتل

وقال آخر:

تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق

رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق

والذنب له فهو الجاني علي نفسه وقد قعد تحت المثل السائر"يداك أوكتا وفوك نفخ".
فصل:
والعاشق له ثلاث مقامات: مقام ابتداء ومقام توسط ومقام انتهاء.
فأما مقام ابتدائه قالوا: فالواجب عليه مدافعته بكل ما يقدر عليه إذا كان الوصول إلى معشوقه متعذرا قدرا وشرعا فإن عجز عن ذلك وأبى قلبه إلاّ السفر إلى محبوبه -وهذا مقام التوسط والانتهاء- فعليه كتمانه ذلك وأن لا يفشيه إلى الخلق ولا يشمت بمحبوبه ويهتكه بين الناس فيجمع بين الظلم والشرك



ص -258- فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم وربما كان أعظم ضررا علي المعشوق وأهله من ظلمه فإنه يعرض المعشوق بهتكه في عشقه إلى وقوع الناس فيه وانقسامهم إلى مصدق ومكذب وأكثر الناس يصدق في هذا الباب بأدنى شبهة وإذا قيل فلان فعل بفلان أو بفلانه كذبه واحد وصدقه تسعمائة وتسعة وتسعين وخبر العاشق للهتك عن المتهتك عند الناس في هذا الباب يفيد القطع اليقيني بل إذا أخبرهم المفعول به عن نفسه كذبا وافتراء علي غيره جزموا بصدقة جزما لا يحتمل النقيض بل لو جمعهما مكانا واحدا اتفاقا جزموا إن ذلك عن وعد واتفاق بينهما وجزمهم في هذا الباب علي الظنون والتخييل والشبهة والأوهام والأخبار الكاذبة كجزمهم بالحسيات المشاهدة وبذلك وقع أهل الإفك في الطيبة المطيبة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من فوق سبع سموات بشبهة مجيء صفوان بن المعطل بها وحده خلف العسكر حتى هلك من هلك ولولا إن تولي الله سبحانه براءتها والذب عنها وتكذيب قاذفها لكان أمرا آخر.
والمقصود: إن في إظهار المبتلي عشق من لا يحل له الاتصال به من ظلمه وأذاه ما هو عدوان عليه وعلي أهله وتعريض لتصديق كثير من الناس ظنونهم فيه فإن استعان عليه ممن يستميله إليه إما برغبة أو رهبة تعدى الظلم وانتشر وصار ذلك الواسطة بين الراشي والمرتشي وصار ذلك الواسطة ظالم وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن الرائش وهو الواسطة ديوثا ظالما بين الراشي أو المرتشي لإيصال الرشوة فما الظن بالديوث الواسطة بين العاشق والمعشوق في الوصلة المحرمة فيتساعد العاشق علي ظلم المعشوق وغيره ممن يتوقف حصول غرضهما علي ظلمه في نفس ومال أو عرض فإن كثيرا ما يتوقف حصول المطلوب غرضه نفس يكون حياتها مانعة من غرضه وكم قتيل طل دمه بهذا السبب من زوج وسيد قريب وكم



ص -259- خبثت امرأة على بعلها وجارية وعبد على سيدهما وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك وتبرأ منه وهو من أكبر الكبائر وإذا كان النبي صلى الله على ه وسلم قد نهى إن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما وعشاق الصور ومساعدوهم من الدياثة لا يرون ذلك ذنبا فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يرب على ها ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق له المطالبة به يوم القيامة فإن من ظلم الوالد بإفساد ولده وفلذة كبده ومن هو أعز عليه من نفسه وظلم الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظم من ظلمه كله ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه ولا يعدل ذلك عنده إلاّ سفك دمه فيا له من ظلم أعظم إثماً من فعل الفاحشة فإن كل ذلك حقا لغاز في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة وقيل له:"خذ من حسناته ما شئت"كما أخبر بذلك النبي صلى الله على ه وسلم ثم قال صلى الله على ه وسلم:"فما ظنكم؟"أي فما تظنون تبقى له من حسناته فإن انضاف إلى ذلك إن يكون المظلوم جارا أو ذا رحم محرم تعدد الظلم وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وإيذاء الجار ولا يدخل الجنة قاطع رحم ولا من لا يأمن جاره بوائقه.
فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر





ص -260- أو استخدام أو نحو ذلك ضم إلى الشرك والظلم كفر السحر فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا بالكفر غير كاره لحصول مقصوده وهذا ليس ببعيد من الكفر.
والمقصود: إن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان.
وأما ما يقترن بحصول غرض العاشق من الظلم المنتشر المتعدي لا يخفى فإنه إذا حصل له مقصوده من المعشوق فللمعشوق أمور أخر يريد من العاشق إعانته على ها فلا يجد من إعانته بدا فيبقى كل منهما يعين الأخ على الظلم والعدوان فالمعشوق يعين العاشق على ظلم من اتصل به من أهله وأقاربه وسيده وزوجه والعاشق يعين المعشوق على ظلم من يكون غرض المعشوق متوقفا على ظلمه فكل منهما يعين الآخر على أغراضه التي يكون فيها ظلم الناس فيحصل العدوان والظلم للناس بسبب اشتراكهما في القبح لتعاونهما بذلك على الظلم وكما جرت به العادة بين العشاق والمعشوقين من إعانة العاشق لمعشوقه على ما فيه ظلم وعدوان وبغي حتى ربما يسعى له في منصب لا يليق به ولا يصلح لمثله في تحصيل مال من غير حله وفي استطالته على غيره فإذا اختصم معشوقه وغيره أو تشاكيا لم يكن إلاّ في جانب المعشوق ظالما كان أو مظلوما هذا إلى ما ينضم إلى ذلك من ظلم العاشق للناس بالتحيل على أخذ أموالهم والتوصل بهما إلى معشوقه بسرقة أو غصب أو خيانة أو يمين كاذبة أو قطع طريق ونحو ذلك وربما أدى ذلك النفس التي حرم الله ليتوصل به إلى معشوقه.
فكل هذه الآفات وأضعافها وأضعاف أضعافها تنشأ من عشق الصور وربما حمله على الكفر الصريح وقد تنصر جماعة ممن نشأ في الإسلام بسبب العشق كما جرى لبعض المؤذنين حين أبصر وهو على سطح مسجد امرأة جميلة ففتن بها ونزل



ص -261- ودخل على ها وسألها نفسها فقالت: هي نصرانية فإن دخلت في ديني تزوجت بك ففعل فرقي في ذلك اليوم على درجة عندهم فسقط منها فمات ذكر هذا عبد الحق في كتاب العاقبة له.
وإذا أراد النصارى إن ينصروا الأسير أروه امرأة جميلة وأمروها إن تطمعه في نفسها حتى إذا تمكن حبها من قلبه بذلت له نفسها إن دخل في دينها فهنالك {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}.,في وفي العشق من ظلم كل واحد من العاشق والمعشوق لصاحبه لمعاونته له على الفاحشة وظلمه لنفسه فكل منهما ظالم لنفسه وصاحبه وظلمهما متعد إلى الغير كما تقدم وأعظم من ذلك ظلمهما بالشرك فقد تضمن العشق أنواع الظلم كلها والمعشوق إذا لم يتق الله فإنه يعرض العاشق للتلف وذلك ظلم منه بأن يطمعه في نفسه ويتزين له ويستميله بكل طريق حتى يستخرج ونفعه ولا يمكنه من نفسه لئلا يزول غرضه بقضاء وطره منه فهو يسومه سوء العذاب والعاشق معشوقه ليشفي نفسه منه ولا سيما إذا جاد بالوصال لغيره وكم للعشق من قتيل من الجانبين وكم قد أزال من نعمة وأفقر من غني وأسقط من مرتبة وشتت من شمل وكم أفسد من أهل للرجل وولد فإن المرأة إذا رأت بعلها عاشقا لغيرها اتخذت هي معشوقا لنفسها فيصير الرجل مترددا بين خراب بيته بالطلاق وبين القيادة فمن الناس من يؤثر هذا ومنهم من يؤثر هذا.
فعلى العاقل إن يحكم على نفسه سد عشق الصور لئلا يؤذيه ويؤديه ذلك إلى الهلاك يبك هذه المفاسد وأكثرها أو بعضها فمن فعل ذلك فهو المفرط بنفسه والمغرر بها فإذا هلكت فهو الذي أهلكها فلولا تكراره النظر إلى وجه معشوقه وطمعه في





ص -262- وصاله لم يتمكن عشقه من قلبه فإن أول أسباب العشق الاستحسان سواء تولد عن نظر أو سماع فإن لم يقارنه طمع في الوصال وقارنه الإياس من ذلك لم يحدث له العشق فإن اقترن به الطمع فصرفه عن فكره ولم يشغل قلبه به لم يحدث له ذلك فإن أطاع مع ذلك الفكر في محاسن المعشوق وقارنه خوف ما هو أكبر عنده من لذة وصاله إما خوف ديني كخوف النار وغضب الجبار واجتناب الأوزار وغلب هذا الخوف على ذلك الطمع والفكر لم يحدث له العشق فإن فاته هذا الخوف وقارنه خوف دنيوي كخوف إتلاف نفسه وماله وذهاب جاهه وسقوط مرتبته عند الناس وسقوطه من عين من يعز عليه وغلب هذا الخوف لداعي العشق دفعه وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له من ذلك المعشوق وقدم محبته على محبة المعشوق اندفع عنه العشق فإن انتفى ذلك كله أو غلبت محبة المعشوق لذلك انجذب إليه القلب بالكلية ومالت إليه النفس كل الميل فإن قيل: قد ذكرتم آفات العشق ومضاره ومفاسده فهلا ذكرتم منافعه وفوائده التي من جملتها: رقة الطبع وترويح النفس وخفتها وزوال تلفها ورياضتها وحملها على مكارم الأخلاق من الشجاعة والكرم والمروءة ورقة الحاشية ولطف الجانب؟
وقد قيل ليحيى بن معاذ الرازي: إن ابنك قد عشق فلانة فقال: الحمد لله الذي صيره إلى الطبع الآدمي.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 03:29 AM   #40
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وقال بعضهم: العشق داء أفئدة الكرام.
وقال غيره: العشق لا يصلح إلاّ لذي مروءة طاهرة وخليقة ظاهرة أو لذي لسان فاضل وإحسان كامل أو لذي أدب بارع وحسب ناصع.



ص -263- وقال آخر: العشق حنان الجبان ويصفي ذهن الغبي ويسخ كف البخيل ويذل عزة الملوك ويسكن نوافر الأخلاق وهو أنيس من لا أنيس له وجليس من لا جليس له.
وقال آخر: العشق يزيل الأثقال ويلطف الروح ويصفي كدر القلب ويوجب الارتياح لأفعال الكرام كما قال الشاعر:

سيهلك في الدنيا شفيق على كم إذا غاله من حادث الحب غائله

كريم يميت السر حتى كأنه إذا استفهموه عن حديثك جاهله

يود بأن يمسي سقيما لعلها إذا سمعت عنه بشكوى تراسله

ويهتز للمعروف في طلب العلا لتحمد يوما عند ليلي شمائله

فالعشق يحمل على مكارم الأخلاق.
وقال بعض الحكماء: العشق يروض النفس ويهذب الأخلاق إظهاره طبعي وإضماره تكلفي.
وقال آخر: من لم تبتهج نفسه بالصوت الشجي والوجه البهي فهو فاسد المزاج يحتاج إلى علاج وأنشد في ذلك:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فما لك في طيب الحياة نصيب

وقال آخر:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فأنت وعير في الفلاة سواء

وقال الآخر:

إذا أنت لم تعشق ولم تدرى ما الهوى فقم فاعتلف تبنا فأنت حمار

وقال بعض العشاق أولو العفة والصيانة: إذ عفوا تشرفوا وإذا عشقوا تظرفوا.
وقيل لبعض العشاق: ما كنت تصنع بمن تهوى به؟ فقال: كنت



ص -264- أمتع طرفي بوجهه وأروح قلبي بذكره وحديثه واستر منه مالا يحب كشفه ولا أصير بقبح الفعل إلى ما ينقض عهده ثم أنشد:

أخلو به فأعف عنه تكرما خوف الديانة لست من عشاقه

كالماء في يد صائم يلتذه ظمأ فيصبر عن لذيذ مذاقه

وقال أبو إسحق بن إبراهيم: أرواح العشاق عطرة لطيفة وأبدانهم رقيقة خفيفة نزهتهم الموانسة وكلامهم يحيي موات القلوب ويزيد في العقول ولولا العشق والهوى لبطل نعيم الدنيا.
وقال آخر: العشق للأرواح بمنزلة الغذاء للأبدان إن تركته ضرك وإن أكثرت منه قتلك وفي ذلك قيل:

خليلي إن الحب فيه لذاذة وفيه شقاء دائم وكروب

علي ذاك ما عيش يطيب بغيره ولا عيش إلاّ بالحبيب يطيب

ولا خير في الدنيا بغير صبابة ولا في نعيم ليس فيه حبيب

وذكر الخرائطي عن أبي غسان قال: مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجارية وهي تقول:

وهويته من قبل قطع تمائمي متمايلا مثل القضيب الناعم

فسألها: أحرة أنت أم مملوكة؟ قالت: بل مملوكة فقال:من تهوين؟ فتلكأت فأقسم على ها فقالت:

وأنا التي لعب الهوى بفؤادها قتلت بحب محمد بن القاسم

فاشتراها من مولاها وبعث بها إلى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب فقال: هؤلاء والله فتن الرجال. وكم والله قد مات بهن كريم وعطب بهن سليم.



ص -265- وجاءت جارية عثمان بن عفان رضي الله عنه تستدعي على رجل من الأنصار قال لها عثمان: ما قصتك؟ قالت: كلفت يا أمير المؤمنين بابن أخيه فما انفك أداعبه فقال له عثمان: إما إن تهبها إلى ابن أخيك أو أعطيك ثمنها من مالي فقال: أشهدك يا أمير المؤمنين إنها له.
ونحن لا ننكر فساد العشق الذي يتعلق به فعل الفاحشة بالمعشوق وإنما الكلام في العشق العفيف من الرجل الظريف الذي يأبى له إيمانه ودينه وعفته ومروءته إن يفسد ما بينه وبين الله وما بينه وبين معشوقة بالحرام وهذا عشق السلف الكرام والأئمة الأعلام فهذا عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة عشق حتى اشتهر أمره على ه وعد ظالما من لامه ومن شعره:

كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم ولامك أقوام ولومهم ظلم

فنم عليك الكاشحون وقبلهم عليك الهوى قد نم ما ينفع الكتم

فأصبحت كالهندي إذ مات حسرة علي أثر هند أو كمن شفه سقم

تجنبت إتيان الحبيب تأثما إلاّ إن هجران الحبيب هو الإثم

فذق هجرها قد كنت تزعم أنه رشاد ألا ياء ربما كذب الزعم

وهذا عمر بن عبد العزيز وعشقه لجارية فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وامرأته مشهورة وكانت جارية بارعة الجمال وكان معجبا بها وكان يطلبها من امرأته ويحرص على إن تهبها له فتأبى ولم تزل الجارية في نفس عمر فلما استخلف أمرت فاطمة بالجارية فأصلحت وكانت مثلا في حسنها وجمالها ثم دخلت على عمر وقالت: يا أمير المؤمنين إنك كنت معجبا بجاريتي فلانة وسألتها فأبيت



ص -266- عليك والآن فقد طابت نفسي لك بها فلما قالت له ذلك استبان الفرح في وجهه وقال: عجلي فلما دخلت بها عليه ازداد به عجبا وقال لها: ألقي ثيابك ففعلت ثم قال: لها على رسلك أخبريني لمن كنت؟ ومن أين صرت لفاطمة؟ فقالت: أغرم الحجاج عاملا له بالكوفة مالا وكنت في رفيقة ذلك قالت فأخذني وبعث بي إلى عبد الملك فوهبني لفاطمة قال: وما فعل ذلك العامل؟ قالت هلك قال: وهل ترك ولدا؟ قالت: نعم قال: فما حالهم؟ قالت: سيئة قال: شدي إليك ثيابك واذهبي إلى مكانك ثم كتب إلى عامله على العراق: إن يبعث إلى فلان بن فلان على البريد فلما قدم قال له: ارفع إلى جميع ما أغرمه الحجاج لأبيك فلم يرفع إليه شيئا إلاّ دفعه إليه ثم أمر بالجارية فدفعت إليه ثم قال له: إياك وإياها فلعل أباك قد وقع بها فقال الغلام: هي لك يا أمير المؤمنين قال: لا حاجة لي بها قال: فابتعها مني قال: لست إذا ممن نهى نفسه عن الهوى فلما عزم الفتى على الانصراف قالت: أين وجدك بي يا أمير المؤمنين؟ قال:على حاله ولقد زادني ولم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات رحمه الله.
وهذا أبو بكر بن محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والأدب وله قول في الفقه وهو من أكابر العلماء وعشقه مشهور.
قال نفطويه: دخلت على ه في مرضه الذي مات فيه فقلت كيف نجدك؟ قال: حب من تعلم أورثني ما ترى فقلت: وما يمنعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين: أحدهما النظر المباح والآخر: اللذة المحظورة فأما النظر المباح فهو الذي أورثني ما ترى وأما اللذة المحظورة يمنعني منها ما حدثني أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى



ص -267- القتات عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه"من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة".
ثم أنشد:

انظر إلى السحر يجري من لواحظه وانظر إلى دعج في طرفه الساجي

وانظر إلى شعرات فوق عارضه كأنهن نمال دب في عاج

ثم أنشد:

ما لهم أنكروا سوادا بحديه ولا ينكرون ورد الغصون

أن يكن عيب خده برد الشعر فعيب العيون شعر الجفون

فقلت له: نفيت القياس في الفقه وأثبته في الشعر؟ فقال غلبة الوجد وملكة الوجه النفس دعت إليه ثم مات من ليلته وبسبب معشوقه صنف كتاب الزهرة.
ومن كلامه فيه:"من ييأس بمن يهواه ولم يمت من وقته سلاه وذلك إن أول روعات الناس تأتي القلب وهو غير مستعد لها فأما الثانية تأتي القلب وقد وطأت لها الروعة الأولي".
والتقى هو وأبو العباس بن سريج في مجلس أبي بن عيسى الوزير فتناظرا في مسألة من الإيلاء قال: له ابن بأن تقول: من دامت لحظاته كثرت حسراته أحذق منك بالكلام على الفقه فقال: الآن كان ذلك فإني أقول:

أنزه في روض المحاسن مقلتي وأمنع نفسي إن تنال محرما

وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه يصب على الصخر الأصم تهدما


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ضعف مراقبة الله في الخلوات ( الداء والدواء ) فخوره بحجابى مواضيع لاتدعها تفوتك !! Threads do not let them miss 6 05 Oct 2012 08:36 PM
الطب النبوي ... لأبن القيم محمد الغماري طب الأعشاب . علمها وطبها وفوائدها Department of Herbal Medicine. Flag and Dobaa and benefits 44 04 Apr 2010 02:03 AM
اخي اراقي:اين الجواب الكافي. نضال الدين اليمني إدارة الطب الإلهي والنبوي ـ االإستشارات العلاجية والإستشفاء ـ Department of Medicine and the Prophet 2 07 Apr 2008 10:12 PM
الداء والدواء .. مسك 2007 منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum 8 08 Mar 2008 08:51 PM
//--// الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي //--// نورالهدى منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum 2 03 May 2007 12:46 PM

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 09:13 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي