مع العفاريت مرة أخرى

[COLOR="Yellow"]- اليمن الاسم
مع العفاريت مرة أخرى
إضطرابات نفسية الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أعرض عليكم مشكلتي عسى الله أن يكون الحل على أيديكم؛ فأنا أعاني من العصبية فلا أستطيع أن أتحمل أي نقد تجاهي من أي شخص، خاصة أمي، وكذلك لا أستطيع تحمل الأطفال الصغار، ومشاكلهم وصراخهم، وأحس أني أود أن أقتلهم، وبعد أن يذهبوا الأطفال أحس بتأنيب الضمير، وأتمنى لو أني لم أفعل…

المشكلة هي خوفي من الجن، واعتقادي بأن هناك كثيرا من الجن موجودين معي في الغرفة يحصون أنفاسي، ويصدرون أصواتًا، حتى إنني لو سمعت صوتًا أعتقد أنهم هم، ويذهب النوم من عيني بلا رجعة .

أرجو أن تجدوا حلاً لي ، وأنا في انتظار الرد ، شكراً لكم .
المشكلة
د.عمرو أبو خليل اسم الخبير

الحل

كانت لنا إجابة مطولة نُشرت قريبًا بعنوان :
زواج الجان مرض أم لبس

ولكن نظرًا لكثرة الأسئلة حول الموضوع نفسه فإننا نقدم إجابة أكثر استفاضة ...

الجن خلق من مخلوقات الله عز وجل، ذكر في القرآن أنه خلقهم من نار، ونحن مطالبون بالإيمان بوجودهم كجزء من الغيب الذي ذكره الله عز وجل لنا، ولكننا لم نره ولم ندركه بحواسنا.. هذا جزء مهم يجب أن ندركه ونحن نتحدث عن الجن. وحديثنا بعد ذلك عن دور الجن في حياة الإنسان، سواء بالخير أو الشر أمر لا علاقة له بإثبات وجودهم من عدمه، فهذا أمر قد حسمناه من البداية.

أما دور الجن في الأمراض النفسية أو حتى العضوية، فهو الأمر الذي لنا فيه وقفة وخبرة وعلم، فإن مجتمعاتنا قد دأبت -بدلا من التعامل مع الأمراض النفسية بطريقة علمية وعرضها على الطبيب النفسي المختص -على الهروب من ذلك؛ حيث لدى الناس اعتقاد بأن المرض النفسي وصمة يجب التنصل منها حتى ولو بالهروب إلى عالم الجن والعفاريت..

فالمريض النفسي في مجمل الأصول قد أصابه مس من الجن، ولا بد من عرضه على المشايخ والقراء حتى يخرجوا ما عليه من جن!! وامتد الأمر حتى إلى المشاكل الاجتماعية، مثل: الرسوب المتكرر، أو فسخ الخطوبة، أو عدم نجاح المشاريع، فبدلا من المواجهة الموضوعية لأسباب الفشل نذهب إلى عالم الجن نحمّله المسئولية، ونلقي عليه أحمالنا النفسية والاجتماعية، وهو بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

ويتقاطع مع هذا الأمر حتى تختلط الأمور ويصعب حلها أن علاج المس يكون بالقرآن، وطبعا هذا العلاج يقوم به أحد الوسطاء، وكأن القرآن في زماننا أصبح يحتاج إلى وسيط يقرأه علينا حتى نُشفى من أسقامنا وعللنا، ويا ليتنا وعينا القرآن وفهمناه كما ينبغي.. لو فعلنا لشُفيت مجتمعاتنا من الجهل والفقر والمرض.

هذا الثالوث الذي أدى إلى انتشار هذه الأفكار الهروبية في مجتمعاتنا، فبدلا من أن تواجه مشكلاتها بعلمية وواقعية وموضوعية تلقي التبعة على الجن وتخلط الأوراق ليدخل القرآن في المعارك ويصبح الجو مشوشا مغيما.

وفي هذا الصدد ولتأكيد الكلام عن مس الجن والعلاج القرآني يذهبون يحكون الحكايات عن الجن الذي نطق بصوت غير الصوت ولغة غير اللغة، وعن الحوار الذي دار بينه وبين المعالج، وكيف هدده، بل وكيف أوسع المريض ضربًا وطبعًا هو يضرب الجن في هذا الموقف حتى خاف الجني، وخرج وشُفي المريض وعوفي.

وتأتي التساؤلات: من أين جاء الصوت ؟ وما هي حقيقة الحوار الذي دار؟ ولماذا تحسن المريض ؟ والحقيقة أن التفسير العلمي لهذه الظاهرة موجود عندنا، وهو ما نسميه بالتفاعل التحولي، والذي كان يُسمى سابقا التفاعل الهستيري، وهو أمر معروف لدينا في الطب النفسي منذ زمن بعيد، وهو أن المريض عند تعرضه للضغوط النفسية بدرجة لا يتحملها يحولها إلى أعراض جسمية كالشلل أو انحباس الصوت أو العمى، ونقوم بعلاجه عن طريق التطمين والإيحاء القوي بحيث يعود لحالته الطبيعية، وهذا عين ما يحدث في جلسات العلاج من مس الجن؛ حيث إن ما يحدث يمكن أن نسميه هستيريا الجن الجمعية، إن صح التعبير..

حيث انتشرت بين الناس صورة تأثر الشخص المصاب بالمس عندما يقرأ عليه القرآن؛ حيث يذهب الشخص ولديه الاستعداد، ولا نريد أن نقول الرغبة في أن تظهر عليه هذه الأعراض؛ حيث إنه لا يريد مواجهة مشكلته أو الاعتراف بها ويريد أن يلقي بتبعتها على الجن، وبمجرد أن يقوم القارئ بقراءة القرآن وهو يقرأ الآيات بصوت قوي وينظر في عين من يعالجه بقوة بصورة موحية ومؤثرة، فما يكون من صاحبنا وفي تفاعل تحولي إلا أن يسقط على الأرض، ويبدأ في تغيير صوته، ويبدأ الحوار المعتمد على الإيحاء وعلى ما سمعه الشخص من حوارات سابقة.

المعالج يريد أن يثبت نظريته، والمريض يريد أن يتخلص من آلامه، فإذا كان هذا هو العلاج فليكن ويفيق المريض، ولديه الرغبة الشديدة في الشفاء، ويذهب أحيانًا يحاول أن يتماسك نفسيًا بحيث يبدو أفضل حالاً والجميع يهتفون: لقد ذهب المس، وبعد قليل تذهب السكرة وتبقى الفكرة، وهي أن المشاكل النفسية والاجتماعية لم تحل، وبدلاً من مواجهتها تعود الكرة مرة أخرى؛ فيقول المعالج ببساطة: لقد عاد الجن.. لقد وجدنا جنيًا آخر كان مختبئًا، وهكذا.

وتتفاقم حالة المريض النفسية بل ربما يكون هذا سببًا في زيادة ضلالاته وهلاوسه المرضية إذا كان مصابًا بأمراض عقلية، ورأينا مثل هذه الحالات كثيرًا؛ حيث ساهمت هذه الجلسات في مقاومة المريض للعلاج الصحيح الطبي، وكيف يقبله، والجميع كانوا يقولون له: أنت لست مريضًا أنت مصاب بمس من الجن؛ فكيف يأتي هذا الطبيب الوحيد المسكين ويقنعه أنه مريض نفسيًا وكيف يقتنع بعد هذا الطابور الطويل من المعالجين الذين أكدوا إصابته بالجن.

هذه هي قصة الجن والمشاكل النفسية ببساطة، وهذا تفسيرنا العلمي النفسي لما يحدث في هذه الجلسات، نحن لا ننكر الجن كخلق من خلق الله، ولكن ننكر أن يكون لهم سلطان على البشر، سواء بمسهم أو إمراضهم، أو التسبب في المشاكل لهم؛ لأن الله كرّم بني آدم ولم يجعل لأحد عليهم سلطانًا.

والمس المذكور في القرآن حمله كثير من المفسرين على المعنى المجازي الذي كان سائدًا في لغة العرب، ونحن لا ننكر التبرك بالقرآن وآياته والدعاء بالمأثور منه، ولكن ننكر أن تُترك الأسباب العلمية للعلاج والتطبيب، وصاحب القرآن وحامله هو القائل: "تداووا عباد الله فإن لكل داء دواء"، وكان هو القدوة في ذلك حيث احتجم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان أولى الناس أن يعالج نفسه بالقرآن ويرفض العلاجات البشرية، ولكنه كان يضرب المثل من نفسه للأخذ بأسباب العلاج العلمية المتاحة في عصره.

ويقول البعض: وماذا يستفيد المعالجون من ذلك، إن معظمهم لا يتقاضى أموالاً، ونقول: ولكنه يكتسب مكانة ووضعًا أكثر من الأموال، وهي أمر أشد وطأة على النفوس من حب المال؛ حيث إن حب الجاه والمكانة هو أضر ما يخرج من قلوب العارفين.. وإن نسبة غير ضئيلة منهم يتخذونه وسيلة للاطلاع على العورات والقيام بأعمال غير أخلاقية في مس النساء… وغير ذلك، أو قل أبعد من ذلك.

ورأينا ذلك في نماذج عديدة بالاسم؛ حيث إن الطبيب قد أقسم القسم وحصل على المؤهل العلمي الذي يعطيه هذا الحق في الاطلاع على العورات عند الضرورة، فمن أعطى هذا الشخص غير المؤهل هذا الحق وبأي صورة يتم؟.

إن الكثير ممن يخوضون هذا المجال من أصحاب النيات الحسنة، ولكنهم أعطوا الفرصة لأصحاب النيات السيئة والدجالين والمشعوذين لأن يجدوا مبررًا لما يفعلونه تحت مسمى علاج المس بالقرآن.

إن القرآن نزل ليحكم حياتنا ولنقرأه بدون واسطة من أحد حتى لو احتجنا أن نقرأه لتطمئن قلوبنا، فما الداعي لمن يقرأه علينا؟.

الخلاصة أن كل ما يعتبره الناس ويتناقلونه على أنه مس من الجن هو مشاكل وأمراض نفسية بدرجات مختلفة، بدءًا من القلق والاكتئاب والوسواس والخوف، وانتهاء بالأمراض العقلية التي يسمع منها المريض أصواتًا تحدثه أو يرى خيالات أمام عينيه، ويعتقد الناس أنها من فعل الجن، وهي جزء من هذا المرض العقلي.. وأن الهروب من وصمة المرض النفسي أو العقلي هو الذي يجعل الناس يسلمون عقولهم لهذه الفكرة.

والتفسير العلمي لما يحدث في الجلسات هو نوع من التأثير والإيحاء الذي يؤدي لما نسميه بالتفاعل التحولي في الطب النفسي. وإثبات خلق الجن كخلق لله عز وجل لا يعني إثبات قدرتهم على إيذاء البشر أو وجود سلطان لهم على هؤلاء البشر، وأن الأمر دخل فيه خليط من حسني النية وكثير من سيئي النية، وهو ما أدى إلى ممارسات خاطئة وخطيرة تؤدي إلى تفاقم الأمراض.

لقد انتهزنا فرصة سؤالك عن الجن الذين تشعرين بهم في غرفتك ويعدون عليك أنفاسك من أجل تخريج هذه المسألة وتوضيحها، ونظن أنك فهمت الآن أنه لا يوجد جن في غرفتك، ولكن يوجد تهيؤات وربما هلاوس سمعية تبدو فيما تسمعينه من أصوات، وهو ما يحتاج منك العرض على الطبيب النفسي لمراجعة حالتك وتقييمها، ونظن أن إحساسك بالعصبية الشديدة وعدم تحملك للأصوات ربما يكون جزءًا من حالتك النفسية المرضية، والتي ستزول بصلاح الحالة كلها بإذن الله . [/COLOR]